عرفت مصر كثيراً هذه الظاهرة في الانحطاط السياسي، لا هي جديدة علي
المصريين ولا هي غريبة عليهم، فمصر طول عمرها تشهد خدامين للحكم لا يتورعون
عن بيع مبادئهم ومواطنيهم مقابل كرسي أو مقعد تحت قدمي الحاكم أو نومة تحت
نعليه!
قبل الثورة تجسدت هذه الظاهرة في أحزاب القصر أو أحزاب
السراي، هذا اللقب الذي حملته مجموعة أحزاب صغيرة تافهة كانت تتشكل بين يوم
وليلة وتضم عدداً من رجال السياسة الموبوئين والمتصاغرين وباعة الضمائر
والحقدة علي نجوم السياسة الوطنية ورموزها، وبمجرد إعلان الحزب الجديد الذي
خرج بأوامر الملك وبتعليمات وتوجيهات البوليس السياسي فإن هذه الأحزاب
الورقية الهشة العميلة للقصر تدخل الانتخابات، وتقوم وزارة الداخلية بتزوير
الانتخابات لصالحها فتفوز علي الوفد حزب الأغلبية وقتها (حين كان حزباً
وحين كان وفداً)، ويتم تشكيل الحكومة من أحزاب القصر والملك لتنفذ أوامره
وتعليماته وسط حملات شعواء وسفيهة من هذه الأحزاب الصنيعة والعميلة ضد
الوطنيين الأحرار وضد كل من يتجرأ علي القصر ومليكه المفدي!
الأمر
نفسه يتكرر بمنتهي الصفاقة هذه الأيام.. صحيح أن أحزاب أمن الدولة- صنيعة
وزارة الداخلية- ليست جديدة ومنذ نشأة الأحزاب والحكومة تربي أحزاباً أليفة
في حديقتها تعوزهم وقت الحاجة للنباح السياسي أو النواح الوطني أو في
تشريفات الديكور الديمقراطي أمام الأجانب، إلا أن ظاهرة أحزاب القصر الملكي
حين تعاود ظهورها اللامع مع أحزاب القصر الرئاسي إنما تنحط بمستقبل مصر
أكثر وأعمق! حيث كان هناك قبل الثورة حزب أغلبية وطني حقيقي موجود فعلاً،
ولهذا كانت أحزاب القصر مهما خربت ودمرت في البلد فإن هناك مرصاداً لها
ومتربصاً بها وقادماً إليها ليؤدبها ويربيها حين لحظات الانفراج الديمقراطي
أو الضغط الغربي علي الملك الذي يدفعه لإجراء انتخابات نزيهة، إذن كان سم
أحزاب القصر يجد ترياقاً سواء من خلال الجماهيرية المذهلة للوفد أو من خلال
مجيء الوفد نفسه للحكم، وهذا لا يتوفر الآن في مصر فالحزب الحاكم شريك
ضليع في التزوير ولا يتمتع بأي شعبية أو شرعية وهو ساقط المصداقية السياسية
أمام الرأي العام ومن ثم فهو يحمي ويغطي ويقوي ويدعم أحزاب القصر الرئاسي
ومعظمها أحزاب تنتظر الإشارة واللفتة من الرئيس ومن الحكم و من أي ضابط في
مباحث أمن الدولة!
الحزب الوطني سعيد جداًبالسقوط الأخلاقي للأحزاب
التي تسمي نفسها معارضة، فكيف بالله عليك سوف يفتح رئيس حزب التجمع فمه
حين يدين تزوير الانتخابات بينما هو رضي ووافق وتوافق (لا أقول اتفق !) علي
تزوير الحكومة لمرشحه (لا أريد أن أخربش الصورة التذكارية لخالد محيي
الدين لكن لعلكم تتذكرون معي نفس المشهد مع الرجل في انتخابات شعب سابقة
كان قد أوشك فيها علي السقوط لكنه أُنجح!).
ثم إن الحزب الناصري
يضحكنا جداً عندما يتخيل أن الرأي العام عيل يرتدي بامبرز سيصدق أن الناصري
فصل مرشحه الناجح بالتزوير في انتخابات الشوري !
والغريب العجيب أن
الحكومة التي لم تزور لمرشحي الوفد عادت واتصلت:
- فيه مرشح مستقل
منشق عن الوطني في الصعيد بيعيد الانتخابات هل عندك مانع إنه ينضم للوفد
الليلة ويخوض المعركة ضد مرشح الوطني؟ وبإذن الله سينجح!
الدكتور
السيد البدوي شحاتة الذي كنا نسمعه يرفض تماماً أي صفقة مع الوطني ليلة
انتخابه لرئاسة الوفد ذهب للدعاية لمرشح حزبه الطازة فعلا !