أمام الرئيس أكثر من سيناريو
تدفعها الظروف السياسية والصحية
تنسَّم مبارك أمس الأول هواء شرم الشيخ الذي يحمل له ذكريات المجد
والبطولة علي أرض سيناء التي قاتل عليها مع قادة وجنود مصر العظام
استردادًا للسيادة والكرامة المصرية ضد عدو إسرائيلي غاشم ومحتل، من المؤكد
أن صورًا من أيام بعيدة جاءته وهو فوق سماء سيناء فعاد بذاكرته إلي
الساعات التي كان يقود فيها طائرة حربية تحمل الذخيرة أو تستطلع الأرض
المحتلة، أو يركب فيها معه جنود مقاتلون مستعدون للتضحية والشهادة من أجل
وطنهم الغالي، أكيد وهو يهبط إلي شرم الشيخ بالطائرة مرت في وجدانه مشاهد
من هذه المدينة التي بدأت برعايته وآثرها علي غيرها من المدن في مصر، فكان
صعودها في عالم السياحة والسياسة والمنتجعات علامة علي ثبات حكمه وتمكن
رئاسته، الساعات التي أمضاها الرئيس بعيدًا في مستشفي غريب في بلد غريب
أخذه لأسابيع لا يشم فيها عطر بلده ولا رائحة وطنه ويقسو عليه المرض بغربة
المكان ووحشة المستشفيات، فرغم صحبة العائلة ورعاية الأطباء فإنه لا شيء
يساوي بيت الرجل وبلده، من المؤكد أن هذه الساعات قد تركت فيه شجنًا
وحنينًا وشوقًا وتأملا.. وقرارات!
الآن مع إحساس الرئيس بشفاء روحه
حين عاد لوطنه وبعافيته وصحة بدنه لما رأي رجاله ورفاقه واطمئنانه علي
وجوده فوق أرض أحبها ومنحته مجدًا وعزًا وعزوة ونفوذًا، لعله يسأل نفسه
السؤال الكبير: ما المهمة الأصعب الآن بعد غيابٍ هو الأطول في حياته
الرئاسية عن أرض الوطن؟
الرئيس مبارك مهما عارضنا سياسته بكل قوة
واختلفنا معه كثيرًا - ولعله دائمًا - فهو رجل وطني ورجل دولة مسئول وضميره
كجندي مشغول بالواجب والرسالة، ومن هنا تبدو خطوات الرئيس القادمة خلال
فترة النقاهة وما بعدها مهمة وخطيرة، وفي القلب منها ملف مستقبل الحكم،
وأمام الرئيس أكثر من سيناريو تدفعها الظروف السياسية والصحية أو المحيطون
به والمتحلقون حوله أو مهام الدولة وتحديات المشهد الدولي.
الأول:
عدم الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة في 2011، ومن ثم الاستغراق في الفترة
القادمة لإعداد المسرح لـ :
أ- تعيين نائب للرئيس يكون في هذه
الحالة المرشح الرئاسي للانتخابات القادمة عن الحزب الوطني (وهو أمر سيقود
لاستقرار يحبه الرئيس ولعله لم يحب شيئًا مثله علي مدي رئاسته).
ب-
تمهيد الساحة لتوريث الرئاسة لابنه جمال عبر الحصول علي توافقات من رجال
الحكم والمؤسسات الحيوية (وهو ما سيرفع درجة الغليان في دوائر السلطة وتلك
المؤسسات كما داخل الشارع، ويرفع درجة القلق الدولي علي الاستقرار في مصر
خصوصا أن كل التقارير في الإعلام الدولي أثناء فترة علاج الرئيس كانت تدور
حول مصير الرئاسة في المرحلة القادمة).
الثاني: الاستجابة لتعديل
محدود في الدستور يخفف من قيود الترشح للرئاسة ولا يلغيها ولا يفتحها كل
الفتح فيسمح بظهور منافسين من خارج حلبة الأحزاب في الانتخابات القادمة،
ويترك البلد لاختياره وإرادته لأول مرة منذ يوليو 1952(وهذا إجراء لا نتصور
أن الرئيس كان من معجبيه ومؤيديه، فهو يهز في يقينه - حتي سفره لألمانيا -
الاستقرار، ولكنه يوفر للرئيس فرصة تمرير ترشيح نجله أو دخول أحد غير نجله
كمرشح للرئاسة عن الحزب الوطني ضمن تجميل الصورة الفرعونية التي يحفظها
الجميع عن حكم مصر).
الثالث: إبقاء الوضع علي ما هو عليه حتي يأتي
موعد الانتخابات القادمة ويبقي ساعتها يحلها الحلال سواء بأن يرشح الرئيس
نفسه للفترة السادسة - وهي مسألة لم تعد مرجحة كالسابق - أو يستقر يومها
علي مرشح حسب الظرف الداخلي والخارجي.
أي سيناريو سيختار الرئيس؟
من
وجهة نظري هناك سيناريو أكثر احتمالاً من غيره، لكن الأهم - في الحقيقة -
أن يقول الشعب لرئيسه بوضوح: ما السيناريو الذي يفضله المواطن للوطن بدلاً
من انتظار ما سيختاره الرئيس للمواطن والوطن؟!