اجتاحت شوارع طهران أمس الأول مظاهرات ضخمة للمعارضة الإيرانية أدت إلي
صدام مع قوات الأمن الحكومية وسقوط قتلي من أفراد المعارضة شهداء للحرية
وللحق في الاختلاف من بينهم ابن شقيق الزعيم الإيراني الإصلاحي مير حسين
موسوي الذي نافس أحمدي نجاد علي مقعد الرئاسة في الانتخابات الرئاسية
الأخيرة.
من البائس والمخجل أن تزعم حكومة طهران - كما ستحاول أن
تشوش وتشوه - وتقول إن هؤلاء القتلي قتلوا أنفسهم مثلا أو أن جهات أجنبية
هي التي قتلتهم كي تسيء لسمعة إيران!! ومثل هذه الدعاوي السافلة نسمعها من
كل حكومة تقمع مظاهرة لمعارضيها، فهؤلاء الشهداء في شوارع طهران ماتوا
برصاص الحكم الإيراني، ليس في ذلك ذرة تشكيك، وهو ما يشير إلي سقوط (أو
تساقط منتظم) للشرعية الأخلاقية قبل السياسية عن أحمدي نجاد الذي فاز في
انتخابات رئاسية، تعددية صحيح، لكن مطعون في نتيجتها، وهو ما يؤكد لنا أن
اعتراف المهزوم بفوز الفائز في أي انتخابات هو جزء أصيل وأساسي في منح
الشرعية لنتيجة هذه الانتخابات، وهو ما يبصم لدينا بالعشرة وبالختمة
الشريفة وبمنتهي ارتياح الضمير أن النظام الحاكم في مصر ليس شرعيا منذ
بدأ، فقد حكم وتحكم واستمر واستمرأ عبر استفتاءات مزيفة وانتخابات مزورة،
حيث لم تشهد مصر في أي لحظة أو في أي يوم من تاريخها بعد يوليو 1952
استفتاء أو انتخابا غير مزور، ومع ذلك فإن رؤساءنا امتلكوا ويمتلكون جرأة
أن يزعموا الشرعية! إن رؤساء مصر صعدوا وجلسوا علي مقاعدهم بشرعية الأمر
الواقع أو بمنهج أعلي ما في خيلكم اركبوه، لكن ليس عبر انتخابات شرعية حرة
وحقيقية، إطلاقا البتة مع احترامي لكل النعيق المهلل والمطبل عن حكامنا
أحياء وأمواتا، فقد يكونون أحسن الناس في الدنيا لكن هذا لا يمنع أنهم
كانوا ولايزالون رؤساء غير شرعيين!
لذلك فإن المشهد الإيراني رغم
عنفه وقسوته مشرق فعلا، هناك علي الأرض وبين الناس معارضة إيرانية شعبية
وحقيقية تبحث عن حقها وتطالب به وتدافع عن أمتها ووطنها وشرفها، لا تهمد
ولا تهدأ ولا تنخ ولا تخضع ولا تعترف بشرعية انتخابات مزورة، وفي نفس يوم
عاشوراء، حيث خرج التقي ابن التقي الحسين بن علي سيد الشهداء في وجه الجور
والظلم وخطف الحكم وتزوير إرادة المواطنين واغتصاب العرش، خرج آلاف
المعارضين في إيران ضد تزوير الانتخابات وأريقت دماؤهم الحرة في مواجهة
طغيان بوليسي وتشدد ديني يريد العصف بإرادة الناس وإجبارهم علي قبول ما لا
يقبلون به!
المشهد عفوي وحيوي ودليل علي أمة حية ليس فيها عبيد
يركنون للرئيس الذي جاء بالتزوير، وليس فيها معارضة مستأنسة ومروضة تبيع
بلدها بالبيزنس، وليس فيها معارضون مدلسون انحازوا للنظام المستبد لمجرد
أن الإدارة الأمريكية ضده أو أن الغرب يضغط عليه، لم تظهر أعراض الوطنية
الكذوبة المزيفة التي تظهر في مصر عند أفاقين كثيرين يعتبرون توجيه الغرب
لوما أو عتابا أو تلميحا أو تصريحا للنظام الحاكم في مصر يدعوه للالتزام
بالإصلاح السياسي، أو ينشر تقريرا عن معارض مصري، أو يتضامن مع جهة معارضة
تتعرض للقمع والسجن.. يعتبرون ذلك فورا تدخلا يوفر لهم غطاء للانتهازية
والتدليس والادعاء الفج السقيم بأن المعارضة تخدم أهدافا خارجية!
هذه
الحماقة لا تراها في معارضة إيران، بل هم شخصيات مناضلة حقا، مؤمنة فعلا
بما تفعله، لا هي فاقدة للثقة بنفسها حتي تهزها اتهامات أو محاكمات خيانة
مزعومة، ولا هي موهومة بأن الغرب يدعمها فعلا، بل هو يبتز حكومة طهران
للتنازل والتراجع أمام إسرائيل، ولا هي معارضة تسكت وتتضامن مع الحكم حين
يدعي أنه يواجه ضغطا دوليا!!
الدرس الإيراني شديد الأهمية شديد
الروعة يصفع المعارضة المصرية علي ظهرها (لا أقول أكثر من ذلك) ويظهرها
بغثائها وتهافتها. فها هي معارضة إيران صلبة ومتماسكة ومستمرة بدون أنفاس
قصيرة ولا استجداءات وتوسلات ومطالبات ومناشدات للنظام أن يتنازل ويعدل
الدستور أو يتواضع ويقبل بمرشحين ضده، رغم أن إيران تعددية وتشهد انتخابات
رئاسية تتداول فيها السلطة ولا يبقي رئيس في الحكم رئيسا أبديا، ورغم ما
شاب الانتخابات الأخيرة، فإن نجاد يحكم في ثاني وآخر دورة له لا هو عدل
الدستور ولا عايز يجيب ابنه، بينما مصر التي تمثل انتخاباتها نموذجا في
التزوير والتزييف، ليس فيها معارضة قوية ولا مصرة ولا مصممة، وليس القمع
هو السبب الوحيد بدليل أن هناك قمعا في إيران من مصادرة صحف وحتي منع
مظاهرات وقبض ومحاكمات لمعارضين وقتل لمتظاهرين، ومع ذلك لم يقف كل ذلك
حائلا دون النضال الديمقراطي والشهادة في سبيل الحرية. المعارضة في طهران
شهداء الحرية والمعارضة في مصر شهود الزور!
فما المختلف في مصر؟
لا
أريد أن أقول إن السبب روح كربلاء في طهران وروح يزيد بن معاوية في
القاهرة، فكل أنحاء الدنيا فيها معارضة قوية وشعبية ومحترمة ومضحية
ومستشهدة في سبيل الحرية، فالأمر لا علاقة له بكربلاء أو يزيد بن معاوية..
أو بالتاريخ أو الجغرافيا..ربما له علاقة بحساب المثلثات!