السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله جلا في علاه وصلاة والسلام على نور الهدى الذي الله أصطفاه
هذه سيرة الصحابي الجليل جندب بن جنادة الغفاري أبو ذر أقبل على مكة نشوان
مغتبطا صحيح أن وعثاء السفر وفيح الصحراء الاهب قد وقذاه بالضنى والألم
بيد أن الغاية التي يسعى اليها أنسته جرحه وأفاضت على روحه الحبور والبشور
فدخلها متنكرا كأنه واحد من أولئك الذين يقصدونها ليطوفوا بآلهة الكعبة
الجثام أو كأنه عابر سبيل ضل طريقه أو طال به السفر والارتحال فأوى اليها
يستريح ويتزود فلو علم أهل مكة أنه جاء يبحث عن محمد صلى الله عليه وسلم
لكي يستمع اليه لفتكوا به وهو لا يرى بأسا في أن يفتكوا به ولكن بعد أن
يقابل الرجل الي قطع الفيافي ليراه وبعد أن يؤمن به ان اقتنع بصدقه واطمأن
لدعوته.ولقد مضى يتسمع الأنباء من بعيد فكلما سمع قوما يتحدثون عن محمد
اقترب منهم في حذر حتى جمع من نثارات الحديث هنا وهناك ما دله على محمد
وعلى المكان الذي يستطيع أن يراه فيه.ففي صبيحة يوم ذهب الى هناك فوجد
الرسول صلى الله عليه وسلم جالسا وحده فاقترب منه .وقال .نعمت صباحا يا أخا
العرب .فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام وعليك السلام يا أخاه .قال أبو
ذر أنشدني مما تقول .فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام ما هو بشعر فأنشدك
ولكنه قرآن كريم.قال أبو ذر اقرأ على .فقرأعليه الرسول عليه الصلاة والسلام
وأبو ذر يصغي ولم يمضي من الوقت غير قليل حتى هتف أبو ذر .أشهد أن لا اله
الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .وسأله النبي .ممن أنت با أخا العرب
.فأجابه أبو ذر من غفار.فتألقت ابتسامة على فم الرسول صلى الله علية وسلم
واكتسى وجهه الدهشه والعجب .وضحك أبو ذر كذلك فهو يعرف سر العجب الذي كسا
وجه الرسول عليه الصلاة والسلام حين علم أن هذا الذي يجهر بالاسلام أمامه
انما هو رجل من غفار.فغفار هذه قبيله لا يدرك لها شأن في قطع الطريق في ذاك
الوقت وأهلها مضرب الأمثال في السطوا غير المشروع..أفيجيء منهم اليوم
والاسلام لا يزال دينا غضا مستخفيا واحد ليسلم.يقول أبو ذر وهو يروي القصة
بنفسه.فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرفع بصره ويصوبه تعجبا لما كان من
غفار ثم قال .ان الله يهدي من يشاء.ولقد كان أبو ذر رضي الله عنه أحد الذين
شاء الله لهم الهدى وأراد بهم الخير.وأنه لذو بصر بالحق. فقد روي عنه أنه
أحد الذين كانوا يتألهون في الجاهلية أي يتمردون على عبادة الأصنام ويذهبون
الى الايمان بأله خالق عظيم.وهكذا ما كاد يسمع بظهور نبي يسفه عبادة
الأصنام وعبادها.ويدعو الى عبادة الله الواحد القهار حتى حث اليه الخطى وشد
الرحال.أسلم أبو ذر من فوره وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس.اذن
هو قد أسلم في الأيام الأولى بل الساعات الأولى للاسلام.. فحين أسلم كان
الرسول يهمس بالدعوه همسا.. يهمس بها الى نفسه والى الخمسة الذين آمنوا معه
ولم يكن أمام أبي ذر الا أن يحمل ايمانه بين جنبيه ويتسلل به مغادرا مكة
عائدا الى قومه.ولكن أبا ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه يحمل طبيعة فوارة
جياشة.لقد خلق ليتمرد على الباطل أنى يكون.وها هو يرى الباطل بعينيه حجارة
مرصوصة ميلاد عابديها أقدم من ميلادها تنحني أمامها الجباه والعقول
ويناديها الناس لبيك لبيك..وهي صماء بكماء لا تسمع ولا ترى ولا تضر ولا
تنفع عابديها بشيء .وصحيح أنه رأى الرسول يؤثر الهمس في أبامه تلك ولكن لا
بد من صيحة يصيحها هذا الصحابي الجليل قبل أن يرحل .لقد توجه الى الرسول
عليه الصلاة والسلام فور اسلامه بهذا السؤال.يارسول الله بم تأمرني.فأجابه
الرسول .ترجع الى قومك حتى يبلغك أمري.فقال أبو ذر رضي الله عنه .والذي
نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد..تلك طبيعة جياشه أفي
اللحظة التي يكشف فيها أبو ذر عالما جديدا بأسره يتمثل في الرسول الذي آمن
به وفي الدعوه التي سمع بتباشيرها على لسانه أفي هذه اللحظة التي يراد له
أن يرجع صامتا هذا أمر فوق طاقته .هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى
صوته.أشهد أن لااله الا الله وأشهد أن محمد رسول الله.كانت هذه الصيحه أول
صيحة بالاسلام تحدت كبرياء قريش وقرعت أسماعها.صاحها رجل غريب ليس له في
مكة حسب ولا نسب ولا حمى.ولقد لقي ما لم يكن يغيب عن فطنته أنه ملاقيه.فقد
أحاط به المشركون وضربوه حتى صرعوه.وترامى النبأ الى العباس عم النبي فجاء
يسعى وما استطاع أن ينقذه من بين أنيابهم الا بالحيله الذكيه.قال لهم.يا
معشر قريش أنتم تجار وطريقكم على غفار وهذا رجل من رجالها ان يحرض قومه
عليكم يقطعوا على قوافلكم الطريق فثيبوا الى رشدكم وتركوه..وفي اليوم
الثاني وربما في نفس اليوم .يلقى امرأتين تطوفان بالصنمين .اساف واثله
.وقيل نائله.وتدعوانهما .فيقف عليهما ويسفه الصنمين تسفيها مهينا.فتصرخ
المرأتان .فيهرولون اليه ثم لا يفتون يضربونه حتى فقد وعيه.وحين يفيق يصرخ
مرة أخرى بأنه .يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله .ويدرك الرسول
عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد.وقدرته الباهره على
مواجهة الباطل .بيد أن وقته لم يأت بعد.فيعيد عليه أمره بالعودة الى قومه
حتى اذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث.ويعود أبو ذر الى
عشيرته وقومه .فيحدثهم عن النبي الذي ظهر يدعو الى عبادة الله وحده ويهدي
لمكارم الأخلاق .ويدخل قومه في الاسلام واحدا اثر واحد ولا يبقى في قبيلته
غفار بل أنتقل الى قبيلة أسلم ليوقد فيها مصابيحه .وتتابع الأيام رحلتها في
موكب الزمن .ويهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينه.ويستقر بها
والمسلمون معه .وذات يوم تستقبل مشارفها صفوفا طويلة من المشاة والركبان
.أثارة أقدامهم النقع.ولولا تكبيراتهم الصادعه لحسبهم الرائي جيشا مغيرا من
جيوش الشرك.اقترب الموكب اللجب ودخل المدينه ويمم وجهه شطر مسجد الرسول
صلى الله عليه وسلم ومقامه.لقد كان الموكب قبيلتي غفار وأسلم جاء بهما أبو
ذر رضي الله عنه مسلمين جمعيا رجالا ونساءا شيوخا وشبابا وأطفالا.وكان من
حق الرسول صلى الله عيله وسلم أن يزداد عجبا ودهشه.فبالأمس البعيد عجب
كثيرا حين رأى أمامه رجلا واحدا من غفار يعلن اسلامه وايمانه.وقال معبرا عن
دهشته .ان الله يهدي من يشاء.أما اليوم فان قبيلة غفار بأجمعها تجيئه
مسلمه.وقد قطعت في الاسلام يضع سنين منذ هداها الله على يد أبي ذر رضي الله
عنه وتجيء معها قبيلة أسلم.ان عمالقة السطوا قد أصبحوا عمالقة في الخير
وحلفاء للحق.أليس الله يهدي من يشاء حقا.لقد ألقى الرسول عليه الصلاة
والسلام على وجوههم الطيبة تفيض غبطة وحنانا وودا.ونظر الى قبيلة غفار وقال
.غفار غفر الله لها .ثم نظر الى قبيلة أسلم وقال .وأسلم سالمها الله .وأبو
ذر هذا الداعية الرائع القوي العزيز االمنال .ألا يختصه الرسول عليه
الصلاة والسلام بتحيه .أجل ولسوف يكون جزاؤه موفورا وتحيته مباركه ولسوف
يحمل صدره ويحمل تاريخه أرفع الأوسمه وأكثرها جلالا وعزه ولسوف تفنى القرون
والأجيال والناس يرددون قول الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي ذر رضي الله
عنه .ما أقلت الغبراء ولا أظلت السماء أصدق لهجة من أبي ذر .لقد قرأ
الرسول عليه الصلاة والسلام مستقبل صاحبه ولخص حياته كلها في هذه الكلمات
فالصدق الجسور هو جوهر حياة أبي ذر كلها صدق باطنه وصدق ظاهره صدق عقيدته
وصدق لهجته ولسوف يحيا صادقا لا يغالط نفسه ولا يغالط غيره ولا يسمح لأحد
يغالطه..لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ببصيرته الثاقبه عبر الغيب
القصي والمجهول البعيد كل المتاعب التي سيفيئها على أبي ذر صدقه وصلابته
.فكان يأمره دائما أن يجعل الأناه والصبر نهجه وسبيله.وألقى الرسول يوما
هذا السؤال .يا أبا ذر كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء .فأجاب
قائلا.اذن والذي بعثك بالحق لأضربن بسيفي.فقال له الرسول عليه الصلاة
والسلام.أفلا أدلك على خير من ذلك.اصبر حتى تلقاني.ترى لماذا سأله الرسول
هذا السؤال بالذات الأمراء والمال.تلك قضية أبي ذر التي سيهبها حياته وتلك
مشكلته مع المجتمع ومع المستقبل ولقد عرفها رسول الله فألقى عليه
السؤال.ليزوده هذه النصيحة الثمينه .اصبر حتى تلقاني.ولسوف يحفظ أبو ذر رضي
الله عنه وصية معلمه فلن يحمل السيف في وجه الأمراء بل يصبر حتى يلاقي
خليله ولكنه أيضا لن يسكت عنهم لحظه من نهار .أجل في قول الحق اذا كان
الرسول قد نهاه عن حمل السيف في وجوههم .فأنه لا ينهاه عن يحمل في الحق
لسانه البتار ولسوف يفعل.ومضى عهد الرسول ومن بعده خلافة أبي بكر وخلافة
عمر ..ثم خلافة عثمان رضي الله عنهم أجمعين.ففيها أعتزل أبو ذر رضي الله
عنه المدينه وسكن في الربذة ..لقد عاش أبو ذر ما استطاع حاملا لواء القدوة
العظمى للرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبيه أمينا عليها حارسا لها .عرضت
عليه الاماره بالعراق فقال.لاوالله لن تميلوا علي بدنياكم أبدا.ورآه صاحبه
يوما يلبس جلبابا قديما فسأله .أليس لك ثوب غير هذا لقد رأيت معك منذ أيام
ثوبين جديدين.فأجابه أبو ذر رضي الله عنه لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما
مني .قال له والله انك لمحتاج اليهما .فأجاب أبو ذر ..ألست ترى علي هذه
البرده ولي أخرى لصلاة الجمعه ولي عنزة أحلبها وأتان أركبها فأي نعمه أفضل
ما نحن فيه.وجلس يوما يحدث ويقول.أوصاني خليلي بسبع أمرني بحب المساكين
والدنوا منهم.وأمرني أن أنظر الى من هو دوني ولا أنظر الى من هو فوقي
.وأمرني ألا أسأل أحد شيئا.وأمرني أن أصل الرحم.وأمرني أن أقول الحق وان
كان مرا.وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم..وأمرني أن أكثر من لا حول
ولا قوة الا بالله. ولقد عاش هذه الوصية وصاغ حياته وفقها حتى صار ضميرا
بين قومه وأمته .ويقول الامام علي رضي الله عنه.لم يبق اليوم أحد لا يبالي
في لومة لائم غير أبي ذر..وعندما حضرة أبو ذر سكرات الموت في الربذة المكان
الذي اختار الاقامة فيه اثر خلافه مع عثمان رضي الله عنهما أخذت زوجته
تبكي. فسألها .فيم البكاء والموت حق.فتجيبه بأنها تبكي لأنك تموت وليس عندي
ثوب يسعك كفنا.فيقول.لا تبكي فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات
يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول .ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض
تشهده عصابة من المؤمنين. وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية
ولم يبق منهم غيري وها أنذا بالفلاة أموت فراقبي الطريق فستطلع علينا
عصابه من المؤمنين .فاني والله ما كذبت ولا كذبت .وفاضت روحه الى الله
.ولقد صدق رضي الله عنه.فهذه القافلة التي تغذ السير في الصحراء تؤلف جماعة
من المؤمنين وعلى رأسهم عبدالله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله
عليه الصلاة والسلام وان ابن مسعود ليبصر المشهد قبل أن يبلغه مشهد جسد
ممتد يبدو كأنه جثمان ميت والى جواره سيدة وغلام يبكيان فيلوي زمام دابته
والركب معه صوب المشهد .ولا يكاد يلقي نظرة على الجثمان حتى تقع عيناه على
وجه صاحبه وأخيه في الله ولاسلام أبي ذر رضي الله عنه .وتفيض عيناه بالدمع
ويقف على جثمانه الطاهر يقول. صدق رسول الله تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث
وحدك .ويجلس عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لصحبه يفسر تلك العبارة التي
نعاه بها .تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك.فيقول كان ذلك في غزوة تبوك سنة
تسع من الهجرة وقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالتهيؤ لملاقاة الروم
الذين شرعوا يكيدون للاسلام ويأتمرون به.وكانت الأيام التي دعى فيها الناس
للجهاد أيام عسر وقيظ وكانت الشقة بعيدة والعدو مخيفا.ولقد تقاعس عن الخروج
نفر من المسلمين..فخرج الرسول وصحبه وكلما أمعنوا في السير ازدادوا جهدا
ومشقه فجعل الرجل يتخلف ويقولون يا رسول الله تخلف فلان.فيقول .دعوه فان يك
فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه. وتلفت
القوم ذات مرة فلم يجدوا أبا ذر وقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام .لقد
تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره .فأعاد الرسول مقالته الأولى .كان بعير أبي ذر
قد ضعف تحت وطأة الجوع والظمأ والحر وتعثرت من الاعياء خطاه.وحاول أبوذر أن
يدفعه للسير الحثيث بكل حيله وجهد ولكن الاعياء كان يلقي ثقله على البعير
ورأى أبو ذر أنه بهذا سيتخلف عن المسلمين وينقطع دونهم الأثر فنزل من فوق
ظهر البعير وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه مهرولا وسط
صحراء ملتهبه لكي يدرك رسوله عليه السلام وصحبه .وفي الغداة وقد وضع
المسلمون رحالهم ليستريحوا بصر أحدهم فرأى سحابة من النقع والغبار تخفي
وراءها شبح رجل يغذ السير وقال الذي رأى .يا رسول الله هذا رجل يمشي على
الطريق وحده .وقال الرسول عليه الصلاة والسلام .كن أبا ذر .وعادوا لما
كانوا فيه من الحديث ريثما يقطع القادم المسافه التي تفصله عنهم وعندها
يعرفون من هو.. وأخذ المسافر الجليل يقترب منهم رويدا يقتلع خطاه من الرمل
المتلظي اقتلاعا وحمله فوق ظهره بتؤده ولكنه مغتبط فرحان لأنه أدرك القافلة
المباركة ولم يتخلف عن رسول الله واخوانه الصحابه .وحين بلغ القافلة صاح
صائحم يا رسول الله انه والله أبا ذر .وسار أبو ذر صوب الرسول .ولم يكد صلى
الله عليه وسلم يراه حتى تألقت على وجهه ابتسامه حانيه واسيه .وقال.يرحم
الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده .وبعد مضي عشرين عاما على هذا
اليوم أو تزيد مات أبو ذر رضي الله عنه وحبدا في فلاة الربذة بعد أن سار
حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه رضي الله عنه وأرضاه
.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات