حادثة المروحة
تولى الباشا حسين حكم الجزائر سنة (1234 هـ = 1818م) وكان رجلاً مشهورًا بالغيرة على الدين، واليقظة الدائمة، والميل إلى الأهالي، فطلب من "دوقال" قنصل فرنسا أن يبلغ حكومته بضرورة الإسراع في تسديد الديون التي عليها للجزائر.
وجرت العادة أن يقوم قناصل الدولة الأجنبية بزيارة (الباشا) لتهنئته بعيد الفطر (2 شوال 1243 هـ = 29 من إبريل 1827م) وكان القنصل الفرنسي حاضرًا، ودار حديث بينه وبين الباشا حول الديون، فأساء القنصل الفرنسي الرد، فأمره الباشا بالخروج من حضرته، لكنه لم يتحرك فقام الباشا بضربه بالمروحة التي كانت في يده، فكتب القنصل إلى بلاده بما حدث، وادعى أنه ضُرب ثلاث مرات.
اتخذت فرنسا من هذه الحادثة ذريعة لاستغلالها لمصلحتها، وبخاصة بعد أن كتب القنصل تقريره إلى حكومته في الليلة نفسها، وطلب منها اتخاذ الوسائل اللازمة للمحافظة على كرامتها في شمال أفريقيا، وقرأ وزير الخارجية الفرنسية ذلك التقرير في مجلس الوزراء، وطلب إجبار الجزائر على الاعتذار عن الإهانة التي لحقت بالملك في شخص ممثله، ولو أدى ذلك إلى استخدام القوة.
أرسلت فرنسا قطعة من أسطولها إلى الجزائر في (18 ذي القعدة 1243 هـ = 12 من يونيو 1827)، وجاء قبطانها إلى الباشا وطلب منه أن يأتي معه إلى السفينة ويقدم اعتذارا شخصيًا للقنصل الفرنسي، ولما كان هذا الطلب متعذرًا، وأن الباشا لن يوافق عليه، فإن القبطان تقدم إلى الباشا باقتراحين آخرين: إما أن يعتذر للقنصل بمحضر الديوان وفي وجود القناصل الأجانب جميعًا، وإما أن يرسل الباشا بعثة برئاسة وزير بحريته إلى قطعة الأسطول الفرنسي، ليعتذر باسم الباشا إلى القنصل، وفي حالة عدم استجابة الباشا لأحد الاقتراحات الثلاثة يُعلن الحصار رسميًا على الجزائر.
لم يقبل الباشا أيًا من الاقتراحات الثلاثة؛ فضرب الفرنسيون الحصار على الجزائر وظل مضروبًا ثلاث سنوات، ولم يكن حصارًا هينًا لفرنسا، وإنما كان متعبًا ومملوءا بالمخاطر، وبخاصة في الفترة الأخيرة، حيث نجح الجزائريون في أسر بعض رجال القطع البحرية الفرنسية وقتلهم، وكلف هذا الحصار الخزينة الفرنسية سبعة ملايين فرنك سنويًا، وأصاب التجارة الفرنسية في البحر المتوسط بخسائر كبيرة، ومن ثم لم يعط الحصار نتائج إيجابية، ولم يجبر الباشا على تقديم اعتذار لفرنسا دون أي شروط.