كيف تَتَلَقَّى رِسَــالاتِ القرآن ؟
وتَكُونُ مِنْ أهــلِ اللهِ وخَاصَّتِهِ.. !
أنت! أيها الفتى الذي تشق الحياة في هذا الزمن العصيب! أنت! يا من تقبض على دينِكَ جمراً لاَهِباً في زمن الفتن والمحن! أنت! يا من تسأل عن مسلك الوصول إلى الله في حيرة النماذج والأشكال!
كيف تُحْيِي قلبَك؟ وتجـدد دينَك؟ ثم تنصر أُمَّتَكَ؟
وتحقق عَبْدِيَّتَكَ لله كامــلة!
هل سألت نفسك يوما: ماذا يريـد الله منك؟
هل سألت نفسك يوما: هل تَلَقَّيْتَ عن الله رسالته إليك؟
ألاَ وإنَّ القرآن هو رسالة الله إلى العالمين، وإلى كل نفس في نفسها!
فهل فعلا تم لك التَّلَقِّي لرسالاتِــه؟ أم أنك قرأت القرآن كما يقرأ الناس وكفى؟
وهل كل من قرأ القرآن أو تَلاَهُ قد تَلَقَّاهُ؟
قال جَلَّ جلالُه: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيم ٍ!) (النمل:6)
تلك هي القضـــية!
إن النور نوران: نور مستعارليس لك، تأخذه بفمك، فترسله إلى غيرك، لا يؤثر ولا ينفع؛ لأنه لم ينطلق من ذاتك! بل يخبو قبل الوصول إلى غيرك! وفاقد الشيء لا يعطيه!
ونور توقده بقلبك! وبِحَرِّ إيمانك، وبنار مكابدتك للقرآن! فهو كالسراج المشتعل بوجدانك! أنت أول من يحترق به! وأنت أول من يكابده ويعانيه! حتى إذا اشتعل حَقّاً أنار كل روحك وملأ كل كيانك! فإذا بك ترسل منه الشعاعات إلى الناس بلسانك، وبنظراتك، وبيدك، وبرجلك، وبكل جوارحك! نورا لا تطفئه الأضواء المخادعة أبداً!
هكذا أنت بصورة تلقائية حيثما حللت وارتحلت! لا تملك إلا أن تفيض بالنور؛ لأن السراج المشتعل بأعماقك لا طاقة له على حجب أنواره الوهاجــة! فهذا نور لا ينطفئ أبدا، ولا يخبو سرمــدا!
فكيف تتلقى هـذا النـــــــــور؟
إنه لا نور لمن لمن يكابد جمر القرآن!
إن الداعية الحق هو أول من يخضع للعمليات الجراحية التي يجريها القرآن على القلوب؛ لأن وهج الوحي لا يصل إلى الناس إلا بعد أن تشتعل قلوبُ الدعاة بحرارته، وتلتهب هي ذاتها بحقائقه، وتتوهج بخطابــه!
فلا نور ولا اشتعال إلا باحتراق! ولك أن تتدبر معاناة محمد بن عبد الله،عليه الصلاة والسلام، ومكابدته للقرآن العظيم كيف كانت! وليس عَبَثاً أن يُرْسِلَ – صلى الله عليه وسلم - هذا الشعورَ العميقَ نفَساً لاهباً بين يدي أصحابه الكرام،قائلا لهم: (شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا!)
فأنْ تَتَلَقَّى حقائقَ القرآن يعني أن جِذْوَتَهُ المشتعلة، تتنـزل عليكَ بكلماتِ الله فَتَسْكُنُ قَلْبَكَ! ثم تحرق منك أدْرَانَ الأهواءِ والخطايا والآثام! ودون ذلك ما دونه من الْمُجَاهَدَاتِ والآلام! حتى إذا صَفَتْ مرآتُك على شعاع الإخلاص، أرسلت النورَ على أصْفَى وأصْدَقِ ما يكون الإرسال! كَوْكَباً دُرِّياًّ يجري بِفَلَكِ التأسي خَلْفَ سِرَاجِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً! وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً! وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ! وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً!)(الأحزاب: 45-48).
إن تَلَقِّي رسالاتِ القرآن هو المنهاج الأساس لتلقي نور الله - جلَّ جلالُه - معاناةً حقيقيةً، لا استعارةً ولا تمثيلاً!
بل هي مدرسة قرآنيــة حية!
برنامجها الدراسي كتابُ الله! وشيخها المعلم سيدنا رسول الله! ومَعَاهِـدُهَا بيوتُ الله!
ولها خطوات عملية، نجملها في الكلمات التالية، ولنافيها تفصيل نحيلك عليه بعدُ إن شاء الله:
- أولا: لابد من استجابة الروح لإحياء القلب! فالقلب الميت أو المريض لا يمكن أن يتلقى شيئا!
قال جَلَّ جلالُه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَادَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ! وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ! وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ!) (الأنفال: 24-26).
- ثانيا: القرآن الكريم هو المادة الوحيدة لإحياء الروح؛ لأنه هو روح الروح! ولا حياةَ للقلوب – أفرادا وجماعات – إلا به! وقد سمى الله القرآن بنص كتابه: "روحـــــاً"!
فالروح اسم من أسماء القرآن الكريم.
فاقرأ الآيـــةَ التاليــة وتَدَبَّرْ!
قال جَلَّ جلالُه: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاًمِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ!) (الشورى: 52-53).
- ثالثا: أن التلقي لرسالات القرآن لا يكون إلا بالمنهاج التربوي الذي رسمه القرآنُ نفسُه! حيث يتم التعامل معه بالصورة التي تَنَـزَّلَ بها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – تلاوةً وتزكيةً وتعلماً وتعليماً، والتي عليها تربى أصحابه بين يديه زمنَ الرسالة؛ فكانوا بذلك جيلَ القرآن الأول، مقاماًوزمـاناً! وبذلك حَوَّلُوا مجرى التاريخ؛ فصنع الله بهم أمة الإسلام العظمى!
ذلك مشروع دعوي شامل، نتعامل فيه مع كتاب الله، رسالةً رسالةً، وكلمةً كلمةً ! وإنه بمجرد التلقي للكلمات الأولى من رسالات الله، ينبعث الروح في الوجــدان!
وتتجدد في القلب الحياة!
فتَدَبَّرْ ما يلـي! وانظر إلى نفسك من خلاله؛ واسـألها: هل تجـد مثلَه؟
قال جَلَّ جلالُه: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَقُرْآناًفَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنـزِيلاً. قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً! وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً! وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعـاً!) (الإسراء: 105-109)
تلك صورةٌ من صورِ أهلِ التَّلَقِّي لكلمـات الله!
وأولئك هم أهل القرآن، الذين هم أَهْلُ اللهِ وخَاصَّتُهُ حَقّاً! كما في الحديث الصحيح. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ للهِ تَعَالَى أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ: أَهْلَ القُرْآنِ، هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُـــهُ!)
هنا بمدرسة التَّلَقِّي لِكَلِمَاتِ الله،نتعلم - أنا وأنت - مراتبَ الإخلاص! ونَصْحَبُ التَّوَّابِينَ والمتطهرين،ونَسْلُكُ بمدارِجِ الصِّدِّيقِينَ! سيراً إلى الله رب العالمين!
بقي الآن بيان المنهاج العملي التفصيلي للدخول في مدرسة التَّلَقِّي لرسالاتِ القــرآن!
ذلك هو ما تجيب عنه - بحول الله وقوتــه - وَرَقَاتُ الفِطْرِيَّـةِ، التي تشرح منهاج التلقي لرسالات الله خطوةً خطـوةً!
قال جلَّ جلالُه: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ
وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ! وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً!) (الأحزاب: 39).
فَتَجَرَّدْ لله يا صاح، وادْخُلْ مدرســةَ القرآن!
ذلك، وإنما الموفَّق من وفقــه الله!
رواه الترمذي والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع