هاجم المؤرخ خالد فهمي مشروع قانون "الحرابة" الذي قدمه
النائب السلفي عضو حزب "النور" عادل العزازي إلى البرلمان لمناقشته، منذ
أكثر من شهر، واعتبره المؤرخ نموذجاً لمحاولة تطبيق الشريعة في مجال
القانون والتشريع، رغم ان تفسير أمهات كتب الفقه للحرابة وتعريفها يحتمل
أوجه كثيرة، وأن القانون المقدم من النائب هو محاولة لاعتماد تفسير واحد
فقط للحرابة رغم تعدد تفاسيرها.
جاء ذلك خلال الندوة التي استضافها أمس حزب "التحالف الشعبي
الاشتراكي"، وتحدث فيها د.خالد فهمي رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية
بالقاهرة، عن "خطر الإسلاميين علي الشريعة"، لافتاً إلى أن الحرابة تتعدد
تعاريفها بتعدد المذاهب، ففي حين يعتبرها مذهب أنها سرقة المال بالإجبار،
والإجهار بها، يعتبرها مذهب أبو حنيفة أنها ليست السرقة بالإجبار فقط، بل
كذلك بالمخادعة، وتشترط بعض المذاهب الأخرى وجود سلاح، ويخلص فهمي إلى أن
تاريخ الشريعة غير مدروس بدقة من قبل الإسلاميين، ومن غيرهم كذلك.
وأكد فهمي أن بعض نواب البرلمان اعترضوا على مشروع قانون
تطبيق حد "الحرابة"، وهو كما جاء بالآية "33" من سورة المائدة، الصلب وقطع
الأيدي والأرجل من خلاف، نظراً لأن هذه العقوبات غير مألوفة للمجتمع
المصري، واعتبروا أن هذه العقوبات تحمل جزءاً كبيراً من الإهانة الأدبية
للجاني الذي إذا ثبت براءته لا يمكن الرجوع في هذه العقوبات حال تنفيذها.
ويخلص المؤرخ إلى أن الخروج بقانون، يختزل مئات الكتب حول
"الحرابة" يعتبر خطراً كبيراً من قبل الإسلاميين على الشريعة، بل وسيتسبب
ذلك في هدمها، الخطورة كذلك تكمن برأي فهمي في أن نص قانون الحرابة به
إهدار لاختلافات خلاقة موجودة في الشريعة، وهو ما يحاول حزب "النور"
إسقاطها وإغفال الفروق الفقهية بين المذاهب.
ورغم اتفاق المؤرخ مع التيارات الإسلامية على أن الشريعة هي
النظام الحاكم، وهي المرجعية العليا للنظام السياسي للدولة، إلا أنه أعاب
على السلفيين احتكامهم إلى شريعة السلف الصالح فقط، مما يعد إغفالاً لـ13
قرن من الاجتهادات المختلفة، لافتاً إلى أن تقليص تطبيق الشريعة لعهد واحد
فقط، وهي فترة الرسول والخلفاء الراشدين، هو إجحاف للمجتمع الإسلامي.
أشار المؤرخ إلى أنه منذ أربعين عاماً، اكتشف المؤرخون سجلات
المحاكم الشرعية، وهي سجلات القضاة أنفسهم، كيف كانوا يحكمون في فترة الحكم
العثماني.
ومن واقع تلك السجلات حكى فهمي كيف لجأ القضاة إلى أمر آخر
غير النظام القضائي الشرعي، للوصول إلى الحقيقة، فقد حدثت قضية قتل في بني
سويف، حيث طُلب أحد الاشخاص للعمل بالسخرة في قناة السويس عام 1858، فهرب،
وذهب أحد الأشخاص ويدعى محمد شعراوي للقبض على الهارب، وحين لم يجده، قبض
على زوجته وتدعى "محبوبة"، وضربها حتى ماتت، ثم سلمها لأمها.
وأراد أهلها إقامة دعوى قضائية لدى القاضي الشرعي، متهمين
شعراوي بقتلها عمداً، لكنه أنكر، وكانت والدتها عمياء لم تر ابنتها بعد
وفاتها، ومن ثم سقطت القضية، لكن أهلها لجأوا لنظام قضائي موازي للشرعي
يسمى النظام السياسي، يحكم بناء على قانون وضعي وليس شرعي، وهي قوانين سنت
في مصر قبل المحاكم المختلطة، والقوانين الفرنسية، قوانين مصرية مستقاة من
الشريعة أيضاً، لكن تختلف أساليب الاثبات فيها عن القضاء الشرعي، حيث تعتمد
على الطب السياسي – يقصد به الطب الشرعي حاليا- حيث كان لكل قسم بوليس
طبيب سياسي، وظيفته كتابة تقرير تشريح.
يواصل: كتب الطبيب تقريره، وهو وجود نزيف داخلي نتيجة ضرب أدى
إلى الموت، وبهذا التقرير حصل شعراوي على حكم بالسجن 7 سنوات، ويدلل فهمي
على أن العمل بالقوانين الوضعية لم يكن بدعة في القرن 19، وهكذا فعلت
الدولة العثمانية، عبر "ديوان المظالم"، الذي يطبق الشريعة عبر محاكم
شرعية، في القضايا الواضحة، أما القضايا الأخرى التي إثباتها صعب، كالقتل
والزنا، تطبق القوانين الوضعية، لذا لم ينفذ حد السرقة في مصر وهو قطع
اليد إلا ثلاثة مرات فقط؛ نظراً لصعوبة إثبات تهمة السرقة.
يضرب المؤرخ نماذج لبعض القضايا التي كانت تعتبرها المحاكم
الشرعية لا تستوجب عقوبة، في حين تعتبرها المجالس السياسية قضايا تستوجب
عقوبة كبيرة ورادعة، ففي القرن 19 كان هناك قضايا قتل بالنبوت، الذي لم
يعتبره القاضي الشرعي أداة للقتل؛ ومن ثم تكون عقوبة القاتل بالنبوت عقوبة
قتل خطا، لكن المجلس السياسي يعتبرها قتل عمد، ويحصل المتهم فيها على أقصى
عقوبة؛ والمجالس السياسية هو تراث إسلامي قديم منذ عصر الدولة الأموية.