مشهدان فى حياة الدكتور عصام شرف لا يمكن نسيانهما رغم الاختلاف الهائل بينهما، الأول تكليفه بتشكيل أول وزارة بعد الثورة بقرار من المجلس العسكرى فى 3 مارس 2011، والثانى اضطراره لتقديم استقالته فى 22 نوفمبر 2011 بعد تعالى الأصوات الداعية لإقالته.
شرف تولى رئاسة الحكومة بعد ارتفاع أسهمه إثر خروجه على رأس المسيرة الشهيرة لأساتذة الجامعات من جامعة القاهرة إلى ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير، للمطالبة بتنحى مبارك، ولذلك كان أول قرار له فور تكليفه النزول لميدان التحرير، وهناك حمله الثوار على الأعناق، وهتفوا باسمه واعتبروا تكليفه أول استجابة لمطالبهم، لكن حماسة الثوار الأولى لتكليف «شرف» لم تدم طويلا، وسرعان ما انفجرت فى وجهه عشرات الاعتصامات والمطالب الفئوية، وتصاعدت حدة الانفلات الأمنى، ولم يجد المتحمسون من الثوار والمواطنين ما كانوا ينتظرونه من تغييرات بعد الثورة، رغم محاولة الحكومة الإبحار بسفينة الوطن وسط الأمواج المضطربة للمرحلة الانتقالية واتخاذ قرارات لها طابع الثورية مثل إنشاء مكتب للثوار فى رئاسة الوزراء لاستطلاع آرائهم فى مختلف القضايا وضمان حق المصريين بالخارج فى التصويت فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وإنقاذ العلاقات المصرية الأفريقية من التدهور، وإلغاء تعيين عاطف عبيد ممثلا لمصر فى إدارة المصرف العربى، وقبل ذلك مراجعة كل عقود تصدير البترول والغاز إلى جميع الدول وخصوصا إسرائيل.
هذه الخطوات الإصلاحية لم تكن على قدر تطلعات الشعب الثائر الذى انتظر رئيس حكومة يمتلك الكاريزما يستطيع مخاطبتهم ودغدغة وجدانهم وتطلعاتهم، وليس رجلا طيبا ورقيقا مثل شرف، ولذلك انطلقت دعوات إقالته من ميدان التحرير المكان الذى شهد رفعه على الأعناق، وكانت قائمة المطالب لمليونية 9 سبتمبر تبدأ بإقالة الحكومة ومحاكمة مبارك بتهمة الخيانة العظمى ووقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وتطهير وزارة الداخلية.. وسبحان مغير الأحوال.
الآن وبعد 4 شهور من استقالة شرف وعلى هامش تكريمه من الاتحاد الدولى للطرق بهولندا بمناسبة فوزة بجائزة «رجل العام» تقديرا لدوره وأعماله فى مجالات الصناعة والتنمية وهندسة الطرق تحدث رئيس الوزراء السابق فى حواره مع «اليوم السابع» عن ملفات كثيرة، مثل خلافه مع المشير طنطاوى رئيس المجلس العسكرى الحاكم واستقالاته المتكررة وتعليقه على أداء جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة ومواصفات الرئيس القادم وخطايا شباب الثورة وأخطائه هو شخصيا وسبب رفضه الترشح للرئاسة ليكشف عن الكثير من الأحداث التى مرت بمصر خلال 8 شهور و20 يوما قضاها رئيسا لمجلس الوزراء، والكثير من الأمور التى رفض الإفصاح عنها خلال توليه المسؤولية، وإلى نص الحوار..
توليت الحكومة 9 شهور تقريبا بعدما جئت على يد الثوار.. لماذا انقلب عليك الثوار ونظموا مليونيات لإقالتك؟
القلق هو أكبر أخطائى أثناء تولى هذه الفترة الصعبة، ولكن هذه هى طبيعة الثورات فى كل دول العالم، مضيفا: «مفيش حد يدعى أنه بلا أخطاء»، لكن هذه الفترة مهما وصفت كانت صعبة، فمصر كانت كل ساعة بها مظاهرات بشكل مستمر، كان جزء منها على حق والجزء الآخر مدفوعا، وأرفض الإفصاح عن ممولى هذه المظاهرات، وسأعلن عن تقييمى لهذه المرحلة خلال الفترة المقبلة.
لماذا انتظرت حتى نظم الثوار مليونيات لإقالتك ولم تبادر بتقديم استقالتك للمجلس العسكرى؟
تقدمت باستقالتى عشر مرات للمشير طنطاوى رئيس «المجلس العسكرى» ورفضها.
إصرار المشير على التمسك بك يعنى عدم وجود أى خلافات بين الحكومة والمجلس العسكرى وأنكم كنتم تنفذون كل ما يطلب منكم؟
بالعكس.. وقع خلاف بينى وبين المجلس العسكرى والمشير بالتحديد حينما قلت إن اتفاقية تصدير الغاز قابلة للمراجعة، رغم أن المشير كان معارضا لتصدير الغاز حينما كنت وزيرا للنقل، كما غضبوا منى فى إسرائيل لنفس السبب، وبحثنا الأمر، فوجدنا أنه مثل أى مشروع بين شركتين أو دولتين أو حتى شخصين، قابل للنقاش، وألف باء اقتصاد أنك لا تصدر المادة الخام، هذه الحفنة من الغاز التى تصدرها إذا أعطيتها لعدد من المصانع تنتج أى شىء ستكون القيمة المضافة أكثر، وإذا فقدت أى قيمة مضافة ممكنة فالإجراء الذى اتخذته خاطئ، والرخام الموجود فى سيناء يصدر بلا مقابل لأى دولة أجنبية، يغسلونه ويقطعونه ويرجعونه مرة أخرى إلينا كمنتج بعشرات ومئات الأضعاف، وأنت إذا غسلته فقط فقيمته تزيد ولو قطعته فقط فقيمته تزيد.
تعرضت لشائعات كثيرة بعد استقالتك.. ما أسباب تلك الشائعات فى رأيك؟
كنت أعانى أثناء وبعد استقالتى كرئيس وزراء من عشرات الشائعات المغرضة، مثل أن مرتبى 4 ملايين جنيه، وأننى قمت بتعيين ابنى ببنك بمرتب 40 ألف جنيه، فى حين أن ابنى يعمل موظفا فى السعودية وليس فى مصر، وآخر شائعة أن شقيقى «إبراهيم شرف» ترك الخدمة العسكرية أثناء أدائه لها بوساطة منى، وأنا أؤكد أن لدى ثلاثة أشقاء، الجميع يبدأ بحرف العين.
البعض يرى أن حكومة «عصام شرف» بلا إنجازات.. ما رأيك؟
أجرينا حراكا سياسيا، وجدت مخالفات فى الانتخابات لكن لم يوجد تزوير، لا عودة عن تصويت المصريين بالخارج، كل هذا لم يكن موجودا.
الحراك السياسى.. ستجد العاملين فى البيوت يتكلمون فى السياسة، والسائق يتكلم فى السياسة، كل هذا على قدر جودته على قدر ما يوجد تباينا بين الآراء، فالرجل المثقف غير رجل الشارع، إلى أن يحدث نوع من الهدوء.
كم كان مرتبك كرئيس للوزراء
كان مرتبى مثل أى وزير، وقمت أثناء عملى كرئيس وزراء ببيع ممتلكات لى من أجل ظروف الحياة الصعبة فى مصر.
ماذا تعمل الآن بعد أربعة شهور من استقالتك؟
أنا ومعى مجموعة من الشباب المتحمس نعمل تحت عنوان واحد «مصر دولة عظمى»، بدأنا بفكرة التعدين، ثم نتحاور الآن فى فكرة تطوير محور قناة السويس.. وهكذا، مصر لا يصح إلا أن تكون دولة عظمى، أنا أتفهم الاستعجال، لكن التاريخ يقول إن الدول تأخذ وقتا، وإن شاء الله يكون الوقت أقل بكثير بالنسبة لمصر، لكن من اللازم أن نأخذ وقتنا لكى لا نفعل شيئا خاطئا.
هل تتوقع أن تشهد مصر هدوءا كاملا بعد انتخابات الرئاسة؟
أتضايق حينما أسمع من يقول: انظر إلى ماليزيا وتركيا، هذه الدول على الأقل مر على ثوراتها من 15 إلى 20 سنة، فقد مرت بالخطوات الطبيعية فى الثورات، أنا واحد من الناس أتعجل، لأننى أعلم أن مصر ليست مثل كل هذه الدول، الله حباها بمقومات أن تكون دولة عظمى.
ما مواصفات الرئيس القادم فى رأيك؟
أن يؤمن الرئيس القادم أن مصر دولة عظمى، وليس بمجموعة معينة أو توجه معين، أن يكون شعبها على أعلى مستوى اجتماعى، وأن يكون اقتصادها كما يجب أن يكون، وسياسيا تكون مركزا للمنطقة كلها، مركزا للتعامل مع العالم بمختلف توجهاته، الرئيس لابد أن يؤمن بأن مهمته الأولى استعادة مكانة مصر، يجب عدم استعجال الأمور وإلا فسوف نعود إلى قص الشرائط.
لماذا؟
أعتقد أن الشعب المصرى الآن يريد رئيسا له درجة عالية من المصداقية، يستمع للشعب ويستوعبه، يعرف أن هذا الشعب تعب كثيرا، ويؤمن بـ«الاحتواء» وليس«المواجهة»، وجمال الشعب المصرى أنه حينما يثق فى قدوة معينة يستطيع أن يضحى، بالرغم من اتفاقنا أو اختلافنا مع «عبدالناصر» إلا أنه أثبت فكرة الزعيم، الذى يلتف حوله الناس وتلتف حوله دول أخرى.
هل الشعب المصرى يحتاج لرئيس يملك كاريزما أم يحتاج إلى رئيس له رؤية واضحة؟
نحن فى مرحلة نحتاج فيها أن تكون نظرة الشعب للرئيس إذا لم تكن ممتازة فتكون جيدة جدا على الأقل، لأن الناس فى درجة عالية من عدم الثقة، وبالتالى لا يقبلون أن تقول لهم: إننى وضعت خطة للتنفيذ فى أربع أو خمس سنين، لذلك لابد أن يملك الرئيس الكاريزما التى بها يلتف حوله الناس، ويتحملون بعض التعب لكى يستطيعوا أن يروا النتائج.
> هل يوجد فى المرشحين الحاليين من يصلح لمنصب رئيس الجمهورية فى رأيك؟
نعم يوجد واحد أو أكثر، لكن أنا فى ذهنى واحد أتمنى أن يفوز، كثير من الشباب يتصلون بى ليعرفوا، لكن ننتظر إلى أن يضع الكل أوراقهم، وسيحدث التفاف حول أحدهم بالتأكيد، الذى يستطيع فى السنين القليلة القادمة أن يثبت مصر، وبعد ذلك يتركها لتنطلق وحدها.
هل الخبرة مطلوبة فيمن يعتلى هذا المنصب الخطير؟
ماذا كانت خبرة عبدالناصر حينما كان عمره 34 سنة، لكن له كاريزما، والناس وثقت به، واستطاع أن يستوعب الشعب، رغم اختلافنا أو اتفاقنا معه، فنحن فى المرحلة الحالية وبعد ما كان حادثا من فجوة بين الحاكم والمحكوم، نحتاج واحدا يلتف حوله الناس.
هل تتوقع أن يجتمع المصريون على مرشح واحد من مرشحى الرئاسة أم أن هناك صعوبة فى ذلك؟
إذا كانت الأمور سهلة، فلن يكون هناك سبب للثورة، الثورة حدثت لوجود خلل كبير استلزم ثورة كبيرة، فمن الطبيعى أن يحدث الشد والجذب الكبيران، لذلك فالرئيس القادم عليه أن يكون له كاريزما تجعل الناس على الأقل يصبرون عليه.
هل يمكن أن تتدخل أمريكا وإسرائيل فى اختيار الرئيس القادم؟
أى جهة تظن أنها يمكن أن تخدع الشعب المصرى مرة ثانية واهمة.
لماذا رفضت الترشح للرئاسة؟
لأن هناك مرشحين على مستوى عال جدا، وقد يكونون أفضل منى، وأنا أشعر أننى أخدم البلد بصورة أخرى، وأشكر كل من طلب منى هذا الأمر بثقة، لكننى أعتقد أن هناك من هو أفضل منى فى أداء هذه الخدمة، إلى جانب أننى مثل من أكل طعاما كثيرا جدا فى الغداء، ويأتى آخر ويسأله ماذا تتعشى؟! فأنا خارج من تجربة، الحمد لله رب العالمين أنه وفقنا، ووفق من معى، على أن نعمل بإخلاص شديد لهذا البلد، سواء أجدنا أم لا، على الأقل ساهمنا ولو بقليل فى أن ندفع البلد فى الطريق الديمقراطى.
هل يمكن أن يضع الرئيس القادم حدا لسلب كرامة المصريين بالخارج خاصة فى دول الخليج العربى؟
بعض المتاعب التى يلاقيها المصريون بالخارج نتيجة غياب العمل المؤسسى، لابد أن توجد مؤسسة وراء المواطن المغترب تنظم خروجه من مصر ووجوده فى دولة أخرى مع مؤسسة نظيرة لها فى هذه الدولة الأجنبية، هذا لا يحدث فى حالات كثيرة، وإذا استردت مصر مكانتها فسينعكس ذلك على حالات كثيرة، وإذا استطاعت مصر أن تستغل عشر إمكانياتها، فهذا سيقلل الهجرة بشكل كبير جدا، ولابد أن نعطى لأنفسنا فترة سنة أو سنتين إلى أن تستقر الأمور لكى نستطيع أن نحكم عليها.
ما أخطاء شباب الثورة؟
لا شك أنهم شخصيات جيدة جدا، لكنهم غضبوا منى عندما قلت إنه من الخطأ وجود مائتى ائتلاف، وسط ويسار الوسط ويمين الوسط، أنا أعتقد أن الخطأ الكبير أنهم لم يتوحدوا تحت قيادة فى أول الأمر، الآن بدأوا، أنا أعلم أن بعضهم غاضب منى، أنا كنت أحضر معهم فى الأسبوع ثلاثة اجتماعات شبابية أو أربعة، وكنا لا نعرفهم، وكانوا يقولون لماذا هؤلاء؟ هذا ليس ذما فيهم، إنما لأنهم كانوا مؤمنين بقدراتهم وبالثورة.
تشكيل مجلس قيادة للثورة مهم جدا جدا جدا، لأن هؤلاء أصحاب حق أصيل فى الثورة، فلابد أن نساعدهم، لكن لا نستطيع أن نساعدهم وهم متفرقون.
هل هم مستمرون فى الأخطاء؟
لا.. بدأوا يتجمعون، وعلى المستوى الاجتماعى والمستوى الاقتصادى أفكارهم هائلة، وسعيد بأننى رئيس مجلس إدارة جمعية جديدة مهتمة بالتعليم تكونت من الشباب، واكتشفنا تلاميذ مستواهم الاقتصادى والاجتماعى سيئ بعض الشىء، فى السنة الرابعة أو الخامسة ولا يعرفون كيف يكتبون أسماءهم، وأنا أعتقد أنه مع قليل من الصبر، الشباب سيشعر بقيمة التضحيات التى قام بها، بعد أن تستقر الأمور، وتظهر أفكارهم فى الواقع.
هل تعتقد أن فوز التيارات الإسلامية، خاصة الإخوان، فى الانتخابات أحبط شباب الثورة؟
السياسة عامة ينبغى أن تجد فصيلا معيناً يصير الأغلبية، وربما فى بعض الأوقات يؤدى ذلك إلى حالة من الإحباط، ولكن على الجانب الآخر وفى إيمانك بوطنك، تقول إذا وقعت مرة فسأقف مرة أخرى، والمؤمن بفكرة يقع ويقوم، وغير ذلك لا يكون مؤمنا بهذه الفكرة، كلهم يؤمنون بأفكارهم جيدا لكنها مشتتة، وأنا قلت لهم من قبل أنتم متفرقون، وهناك آخرون ينزلون إلى الشارع، وهؤلاء هم الذين سيربحون، لأن رجل الشارع البسيط يريد أن يرى شخصا أمامه يخدمه ويمس شيئا داخله، والذى بداخل المصريين كلهم الدين والقيم العليا، لذلك فأنا أعتقد أن ما يحدث فى هذه الأيام، من الخطأ أن نبنى عليه باعتباره الحالة الدائمة، أنا دائما أقول إن هذه الثورة ثورة شعب لكن رأس الحربة هم الشباب، فالشباب صاحب حق أصيل فى القرارات وفى مسار الثورة وما يريدونه لابد أن يتحقق ذات يوم.
هل توجد توجيهات للإخوان بأن يتم تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر على مراحل؟
أعتقد أن التيارات الإسلامية مؤمنة بذلك، بدليل أن المواقف المتشددة قلت، وفيما يخص السياحة سمعت أن حزب النهضة فى تونس دخلوا إلى مسرح وهدموه، فوجدنا ردودا من التيارات الإسلامية قالت نحن لا يوجد عندنا مثل هذا التقليد.
عندما تدخل فى السياسة لا يمكن أن تكون جالسا وتتكلم وراء أبواب مغلقة، السياسة معناها «الآخر»، أطياف أخرى، آراء مختلفة، فأنا أعتقد أنهم مقتنعون بذلك تماما، ومصر لم تنجح أبدا حينما وجد فيها تيار يقصى الآخر.
ما رأيك فى تصريح راشد الغنوشى رئيس حزب النهضة التونسى «بأن تطبيق الشريعة الإسلامية ليس عليه إجماع، لذلك فلن نضعه فى الدستور»؟
لابد أن تثبت نجاحك سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لكى تستطيع أن تطالب بتطبيق الشريعة، أعتقد أن هناك وعيا كاملا لدى المصريين فى هذا الخصوص.
ما رأيك فى المجموعة التى تم اختيارها لتأسيسية الدستور؟
إذا كان رئيس الجمهورية يمكن أن يأتى بالتوافق، فإن الدستور لابد أن يأتى بالتوافق، الدستور حقك وحقى وحق أى أحد آخر أن يشارك فيه، والتيار الإسلامى حينما أخذ الأغلبية، لم يقل: سأصنع دستورا حسب ما أشاء، ولا يستطيع أن يقولها، لكن كان المطلوب أن يكون أكثر وضوحا بأن يعطى للآخر تمثيلا أكثر، أعتقد أنه يوجد توجه الآن أن يخرج بعض أعضاء اللجنة ويدخل بدلا منهم آخرون، لكن الفكرة أن الدستور لا نستطيع أن نقبل فيه أنصاف حلول، حتى رئيس الجمهورية يمكن أن تأتى بأحد له كاريزما من دون سياسة، لكن الدستور حق أولادى وأحفادى، لا يكون التعامل فيه بهذه الصورة، وأعتقد أن الكل مدرك لذلك، إنما أريد أن أرجع وأقول إن الملعب تُرك فارغا، فجاء أناس فيه ليعتبروا أنفسهم الأغلبية، لكن فيما يخص الدستور وقدسيته، لابد أن يستجيب التيار الإسلامى لتمثيل الآخرين، يخرج بعضهم ويدخل الآخرون، وأى شىء من شأنه أن يقلل الفجوة وعدم الثقة أو يزيد الثقة بين الأطراف، فهو شىء واجب، ويكاد يكون المسار الوحيد.
هل تتوقع أن تخرج علينا الجمعية التأسيسية بدستور دينى؟
لا يوجد معنى لكلمة «دستور دينى»، فهل معناه أن أفرض على المسيحى أن يصلى، أو حتى على المسلم، لا توجد فكرة «الدستور الدينى» من الأساس، وفى الحقيقة أنك حينما تسأل الكثير من الإخوان يقولون لك: ما معنى «الدولة الدينية؟»، لا توجد دولة دينية، يوجد أشخاص فهمت خطأ، ويوجد ناس تنفخ فى هذا الموضوع، قائلين: سيصنعون لكم مشانق ويذبحونكم ويقطعون أيديكم ومثل هذا الكلام، وخاصة فى مصر التى فيها كثير من الأطياف والأفكار، هذا الشىء يذكى من الطرف الثالث الموجود داخلنا، ليس من الخارج، والذى يريد أن يكون الوضع مستمرا على ما هو عليه، لكى يستغله ويحقق ما يريد، وهذه قمة السياسة، ما يحدث الآن فى السياسة أن أجعلكم أنتم الاثنين تتشاجران لكى أفوز أنا فى النهاية، مثل القول: «أنا أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»، هذا ما يحدث.
هل تتوقع الصدام بين «الإخوان» و«العسكرى» فى المستقبل؟
الفترة الآتية فيها كل شىء وارد، أترك هذا السؤال لأنه سيثير مشاكل.
كيف تفسر ما قلته عن الطرف الثالث، وهل هو بالفعل موجود داخل مصر؟
نعم.. الطرف الثالث موجود داخل مصر، فمثلا حينما يأتى المحقق فى قضية ما، أول سؤال يسأله للناس: من صاحب المصلحة فى السرقة؟ أو صاحب المصلحة فى القتل؟ أو صاحب المصلحة فى التزوير؟ انظر إلى المشهد الحالى.. من هو صاحب المصلحة فى أن الأمور تظل رمادية اللون؟!
ما رؤيتك لمستقبل مصر خاصة أننا على أعتاب انتخابات أول رئيس لمصر بعد الثورة؟
لست متشائما فالدول واقفة على خط السباق تنتظر الاستقرار داخل مصر، فعندما تنظر فى كل المنطقة تجد مصر هى الدولة الوحيدة التى ينتظر الكل استقرارها، الله خلق مصر قائدة ورائدة وعندما يختفى دورها هذا كل الدنيا تتخبط، لذلك ينبغى أن نعمل على هذه الخاصية، حتى فى ظل أحلك الظروف عندما كنا نسافر إلى دول أوروبية أو عربية أو أفريقية كنا نجدهم يقولون: نحن ننتظر أن ترجع مصر لدورها الطبيعى، حتى من كان لديهم بعض الاختلافات معنا، هؤلاء لا يريدون أن يتحكم آخرون فى مصر ويأخذوا قرارات غير مصرية ففى إثيوبيا كنت أقول: أنت من حقك التنمية وأنا من حقى المياه، واتفقنا على ذلك، فمن غير الحق أننا نقول لهم لأننا نريد المياه لا تنموا ولا تنشئوا الكهرباء، ينبغى أن تكون الحلول تكاملية لنا ولهم، وهذا هو ما يريدون أن يسمعوه من مصر، إنما لا يصح أن أهينهم، فأحد القيادات العالية فى الدول الأفريقية قال لى: أنتم أهنتمونا وكنتم تعاملوننا على أننا درجة ثانية، لابد أن ترجع مصر الأخت الكبيرة على المستوى العربى والأفريقى ومركز الثقل بالنسبة للشرق والغرب والشمال والجنوب.
ما روشتة الإصلاح الاقتصادى من وجهة نظرك؟
دائما أقول «المصالحة والمصارحة، فالإصلاح ليأتى الصلاح»، كلنا نريد لمصر الأفضل، وهذا لا يأتى إلا بالإصلاح السياسى والاجتماعى والاقتصادى، وقبل ذلك يجب أن يصطلح الناس مع بعضهم البعض، فدرجة اللا ثقة عالية جدا، الوطن أصبح أوطانا، وكل وطن يريد الانقضاض على الآخر، وهذا ما نجح فيه النظام السابق، الخطوة الأولى ثقافية، أن يجتمع الناس حول هدف عن طريق الديمقراطية، بعد ذلك الإصلاح الاجتماعى ثم الاقتصادى، فإن أصلحت اقتصاديا والمجتمع فيه الصحة سيئة والنقل سيئ والخدمات سيئة فأين الاقتصاد؟ فإن قمت بتنمية خدمات الإنسان القيمة الاقتصادية ستكون سهلة.
ما المشاكل التى تهدد مصير مصر الآن؟
كل ما يقلقنى الآن هو الفرقة، حالة التفتت والتشتت بين جماعات الوطن المختلفة، الذى سيجمعها هو اطمئنان الناس أن هناك ديمقراطية حقيقية، فكرة المحاسبة وفكرة تداول السلطة.
إلى متى سيظل هذا الانقسام بين الفئات والأطياف السياسية؟
إلى أن تكتمل مؤسسات الدولة، وإلى أن نطمئن أن هناك ديمقراطية حقيقية مطبقة.
البعض يرى أن عددا من رجال الأعمال ساهموا فى الدفع بمصر إلى حالة الإفقار الحالية.. كيف ترى ذلك؟
رجل الأعمال عامة لا يكون قطاعاً خاصاً إلا إذا كان هادفا للربح، ونحن نتكلم عن رموز اختلط الأمر عليهم بين القطاع الخاص والسياسة والسلطة، هل يمكن أن هذا الشعب المصرى يعيش وراتبه الشهرى أقل من مائة جنيه أو مائتين أو ثلاثمائة أو ألف؟! مع العلم بأن مصر أكثر دولة يطبق فيها التكافل الاجتماعى، فيوجد أيضا رجال أعمال بنوا مدارس ومصانع كثيرة، فلا نستطيع أن نظلم رجل الأعمال، هم قلة صوتها مسموع لأنهم اقتربوا من السياسة أو صناع القرار، لذلك كان دورهم كبيرا.
كيف يمكن تطوير خط قطار الصعيد بحيث يكون له أكثر من اتجاه؟
مادام هناك قرار سياسى وتمويل، فالهندسة تفعل أى شىء، فلو أردت أن أبنى «عمارة» على الماء فسأبنيها، الهندسة عرض وطلب، لا يوجد شك فى أنه تم إهمال الصعيد بصورة تكاد تكون مشبوهة، كنت حزينا حينما عرفت موضوع منجم السكرى، وعندنا 113 منجما «مغلقا» مثله، وأى جزء فى الوطن لا يصل له النقل والمواصلات سوف يصبح جزءا مشلولا كأنه لم يكن، تخيل أنه فى مكان ما جبل من الذهب، ولا توجد مواصلات، الاقتصاد مبنى على نقل المواد، تنقل المادة إلى مصنع ليصنعه، يخرج منتج فينقل للمستهلك، وهكذا.. إذن النقل هو الوجه الثانى للتنمية، لا توجد تنمية بدون نقل، الصعيد، وسيناء، والصحراء الغربية، كل هذه الأماكن تحتاج أن تصل لها، وفر لها البنية الأساسية، وبعد ذلك اترك الأمور للناس، الناس تستطيع أن تستغل الموارد الموجودة.
ارجع لتاريخ أمريكا فى ثلاثينيات القرن الماضى حينما رجعوا من الحرب وكان يوجد لديهم كساد، فجاءت لـ«روزفلت» فكرة أن يعمل مشروعا قوميا للطرق الحرة، هذه هى التى صنعت اقتصاد أمريكا، أولا استوعبت عمالة، ثانيا حركت الأموال، إذن فكرة التواصل مهمة جدا، فالجسم إذا لم يصل الدم إلى يده تكون مشلولة، أى جزء فى الوطن لا يصل له النقل والمواصلات سوف يصبح جزءا مشلولا كأنه لم يكن.
بالنسبة للكثافة الرهيبة للسيارات فى مصر.. لماذا لا نتعلم من الدول الأوروبية تطبيق مشاريع خاصة تفيد أرض الوطن؟
العملية باختصار شديد عرض وطلب، فمثلا محافظة القاهرة، حينما يكون فيها الناس يريدون أن يقوموا برحلات فيأتى أحد يدخل محلّا ببطاقته الشخصية ويخرج بسيارة، هذه سياسة خاطئة، أى مدينة كبيرة أكثر من أربعة ملايين، تعتمد على النقل الجماعى، فمثلا خط المترو يحمل داخله من 60 إلى 90 ألف راكب فى الساعة، هذه حمولة 30 ألف سيارة، إذن كلما زاد الطلب على السيارة الملاكى قمت ببناء كبارى وأنفاق، فمستحيل أن يحدث اتزان، فبدلا من أن يكون الثقل على العرض نجعل الثقل فى الطلب، بأن توجه الناس إلى وسائل أخرى، لا تحرم أحدا من الامتلاك، ولكن قدم له البديل، فلا يستخدم هذه السيارة كثيرا، بدلا من أن يستخدم السيارة 40 مرة فى الأسبوع يستخدمها 10 مرات، لأنك حققت له البديل الذى يحقق له الخصوصية والأمان والانتظام.
وحينما كنت فى ألمانيا كان هناك طالب، فقال لى إن ميعاد الأتوبيس 7 و13 دقيقة، نزلنا فوجدناه بعد ثلاث دقائق، أنت لا تصنع قنبلة ذرية، أنت تعرف طول وسرعة الطريق إذن تعرف كيف يمر، فتعطينى الثقة أن أترك سيارتى، لأننى أعرف أن هذا ميعاد الأتوبيس وأنه نظيف وآمن ويوصلنى للمكان الذى أريد، فلماذا أستخدم سيارتى.
هل تتوقع إلغاء الدعم؟
أيهما أولا البيضة أم الدجاجة؟ رفع السعر أولا أم تحسين الخدمة؟ حسّن الخدمة لكى تُزيد السعر، إذا قيل لا أستطيع أن أحسن الخدمة لأننى لا أملك المال، هنا تظهر ميزة التمويل الخارجى، يحقق لك هذا، يضعك فى مستوى خدمة مرتفع، على أساسه يكون ضميرك فى ارتياح حينما ترفع السعر، وكل هذه أشياء ممكنة، حينما يوجد الإيمان بالبلد وثقة الناس، أنا لست من أنصار أن السعر هو الذى يحسن الخدمة، فالخدمة الجيدة هى التى ترفع السعر.
هل توافق على وضع اليد على القصور لصالح الرئاسة أو إغلاق الشوارع والمصالح بدعوى حماية الرئيس أو رئيس الوزراء أو غيره من المسؤولين؟
طبيعتى تختلف عما تقوله نهائيا، وأقول إن نهايتنا متر فى مترين، وأنت حينما تعلو فى المنصب تقترب من الله أكثر، تقترب من محاسبة الله أكثر، لذا يجب أن نراعى هذا الأمر، أقول لك شيئا من قلبى حقيقة، حينما كنت فى هذا المنصب، أو حتى حينما كنت وزيرا، أقسم لك بالله، إننى وأنا راكب سيارة، أى شخص يمشى فى الشارع مهما كان مستواه كنت أقول إنه أسعد منى، إذ لا يسعدنى أبدا أن أكون فى قصر، أما حينما كان يأتى لى أحد تحت منزلى، وأستطيع أن أخدمه، وأشعر أنه يدعو لى من قلبه، هذه الدعوة بالدنيا كلها.
فكرة أن رئيس الدولة يكون محاطا بكل هذه الأبهة التى لا تساوى شيئا، ظلم بين، بالتأكيد مائة فى المائة سيحاسبه الله على ذلك، وفوق ذلك داخليا لا يستطيع أن ينام فى وجود إنسان يدعو عليه.
الحملة ضد الجنزورى.. ما رأيك فيها؟
هذا خلاف دائم وطبيعى، وفى ظل الثورات لا يوجد أحد إلا سيكون عليه هجوم، ليس لسوء الناس، لكن آمالهم أسرع بكثير من قدرات الحكومة وأى حكومة حينما تشغّل برنامجا حسابيا على جهاز الكمبيوتر، يحسب مليون عملية حسابية فى الثانية، إنما حينما تأتى لطباعة هذه العمليات، ستمر دقائق على طباعتها، لأنه يدخل فى تروس مختلفة، كذلك المفكرون أو الكتاب أو الشعراء، حينما يقول أحدهم: أريد أن أعيش مثل البلد (الفلانى)، قد أتت الفكرة، إنما لكى تطبقها لابد أن تدخل فى تروس مختلفة، أو حينما تكون فى امتحان، فكرة الإجابة تأتى لك فى ثانية، إنما لكى تضع كل الإجابة فى ورقة الإجابة، سيأخذ منك هذا وقتا طويلا، أى أنها دخلت فى تروس مختلفة، يد، وقلم، وقدرات