أول انتخابات بعد الثورة.. مرشح لها نائب المخلوع ورئيس وزرائه ووزير خارجيته وابن عمه!
سليمان وشفيق وموسى
الانتخابات يحميها وزير دفاع المخلوع ويشرف عليها قاضيه الخصوصي!
وكم ذا بمصر من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكا.. هكذا رأى المتنبي مصر وشعبها بعدما قضى فيها فترة ليست بالطويلة، ولو أنه عاش إلى الآن، لوجد أن ما بمصر لازال مضحكا، إلا أن البكا زاد حتى احترفه المصريون جميعا!
في 25 يناير 2011، قامت الثورة ضد نظام مبارك القمعي وأركانه، مطالبة بالحرية والديمقراطية والإصلاح في كافة المجالات، وإجراء انتخابات نزيهة وحرة، يأتي من خلالها رئيس جمهورية غير مؤله، يقضي فترته ويغادر في سلام، ويعود لاستخدام المواصلات العامة وسط المصريين العاديين، والمضحك في هذا الأمر، أن المصريين ينتظرون بالفعل أول انتخابات رئاسية بعد الثورة خلال أيام، إلا أن المبكي والمحزن والمخزي، هو أن نظام مبارك الذي قامت الثورة لإسقاطه، سيترشح من رجاله عدد ليس بالقليل، بكل جرأة، وتجاهل للدماء التي سالت أثناء تواجدهم في السلطة، ليثبتوا بما لا يدع مجالا للشك إن النظام "لسه ما سقطش"!!
ففي الانتخابات الرئاسية المرتقبة، سيتوجه المصريون إلى صناديق الاقتراع ليختاروا من بين مجموعة من المرشحين، على رأسهم نائب الرئيس السابق (عمر سليمان)، ورئيس وزراء الرئيس السابق (أحمد شفيق)، ووزير خارجية الرئيس السابق (عمرو موسى)، وابن عم الرئيس السابق (لواء شرطة محمد حسني مبارك)، في الوقت الذي من المفترض أن يحمي هذه الانتخابات وزير دفاع الرئيس السابق (المشير حسين طنطاوي) ويشرف عليها قاضي مبارك (المستشار فاروق سلطان)!
هذه الكتيبة المعينة برمتها من قبل الرئيس السابق في مناصبها، تفسر بشكل واضح لا يحمل أي لبس، لماذا لم يفعل قانون الغدر حتى الآن، «الدستور الأصلي» من جانبه، يستعرض كيف وصل كل من هؤلاء الرجال إلى منصبه، وعلاقته بالرئيس السابق، ليعلم المصريون أي منقلب ينقلبون.
عمر سليمان - نائب مبارك
هو نائب المخلوع الذي عين بعد قرابة 30 عاما خلى فيها منصب نائب رئيس الجمهورية، ورغم ذلك لم يبق في منصبه سوى 14 يوما قبل أن تطيح الثورة به وبرئيسه.
الحديث عن ترشح سليمان للرئاسة، انطلق منذ وقت مبكر، قبل سقوط مبارك، وتزامن كحل ربما يلجأ له النظام في حال تعطل مشروع التوريث، ليكون «قنطرة» بين مبارك الأب والابن، خاصة في ظل رضى إسرائيل عنه، واعتبارها له بأنه البديل المناسب لشخص مبارك القادر على التمسك باتفاقية السلام، وتكريث الوضع العسكري في المنطقة.
كان سليمان أول رئيس لجهاز المخابرات يظهر للإعلام، ويكون له دور دبلوماسي - دولي وإقليمي - خاصة في أكبر وأقدم مشكلة دولية - القضية الفلسطينية - ساعده على ذلك ما يتمتع به من كاريمزا خاصة وغموض، ولم يسلم من اتهامات له بالضلوع في عمليات تعذيب مثل اتهامه بتعذيب ضد متعقلين يشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة أرسلتهم أمريكا من أفغانستان إلى مصر.
أقدم مبارك على تعيينه نائبا لرئيس الجمهورية، في خامس أيام ثورة يناير، كمحاولة من ضمن عدة محاولات فاشلة لامتصاص غضب الجماهير، وسارع بعدها سليمان لإجراء حوار مع القوى السياسية المطالبة بالإصلاح، أطلق خلالها عدة وعود لم ينفذ منها شيئا، قبل أن يعلن مبارك تفويضه بصلاحيات رئيس الجمهورية وفق الدستور، إلا أن سليمان لم يتمتع بهذه الصلاحيات سوى 24 ساعة فقط، حيث ظهر في اليوم التالي مباشرة على شاشة التلفزيون المصري ليعلن بوجه ممتعض وبائس تخلي مبارك عن السلطة وتكليف المجلس العسكري بإدارة شئون البلاد.
أحمد شفيق - رئيس وزراء مبارك
هو أول رئيس وزراء في تاريخ مصر.. يطيح به برنامج تلفزيوني!
عندما اندلعت ثورة يناير في 2011، كان قد قضى شفيق قرابة 9 سنوات في منصب وزير الطيران المدني، برز خلالها اسمه أكثر من مرة كرئيس للوزراء قد يخلف أحمد نظيف، وخلال هذه الفترة طالته اتهامات بالفساد داخل الطيران المدني، وإهدار للمال العام، ويعد من رجال النظام القلائل الذين لم يقدموا للمحاكمة بعد الثورة رغم تقديم أكثر من 40 بلاغا للنائب العام ضده في عدة قضايا مختلفة.
عقب جمعة الغضب، عينه مبارك رئيسا للوزراء بعد استقالة حكومة نظيف، وخلال الأيام القليلة التي قضاها رئيسا للوزراء في عهد مبارك، شهدت مصر موقعة الجمل الشهيرة، التي سقط خلالها عشرات الشهداء والمصابين - ورغم ذلك لم يقدم للمحاكمة في القضية التي ابتعلت أغلب أركان النظام السابق - وعقب سقوط مبارك، أصر المجلس العسكري على بقاء شفيق باعتباره رئيسا لحكومة تسيير الأعمال، وخلال هذه الفترة اشتهر بـ«البروفل» الذي اعتاد ارتداءه كعلامة على تغير ساسات النظام، إلا أن الواقع أثبت أنه احترف إطلاق الوعود دون أي تغيير.
في مساء يوم 2 مارس، ظهر شفيق بصحبة الكاتب علاء الأسواني والإعلامي حمدي قنديل في برنامج آخر كلام بحضور الإعلامي يسري فودة، وخلاله بدا شفيق ضعيفا تائها بعدما فشل في الإجابة على أسئلة الأسواني وقنديل، الذين هاجما سياساته وفشله في منصبه، قبل أن يقرر المجلس العسكري في صباح اليوم التالي إقالة شفيق قبل يوم واحد من مظاهرات مليونية دعت لها الحركات الشبابية من أجل الإطاحة به.
عمرو موسى - وزير خارجية مبارك
اشتهر بأنه رجل «اللا موقف».. لا يقول رأيا قاطعا.. ولا يحسم أي أمر يعرض عليه.. وهو ما تجلى واضحا بشأن ترشحه للرئاسة، حيث رفض نفي أو إقرار ترشحه للرئاسة قبل سقوط مبارك تاركا المجال مفتوحا لكافة التأويلات.
عندما أطلق المطرب الشعبي «شعبان عبد الرحيم» أغنيته الشهيرة «أنا باكره إسرائيل وأحب عمرو موسى»، قرر الرئيس المخلوع الإطاحة به من منصب وزير الخارجية الذي بقي فيه قرابة الـ10 سنواته، وإبعاده عن الشأن الداخلي المصري، ودعمه كمرشحا على منصب أمين عام جامعة الدول العربية، ما يكشف تمتع الرجل بشعبية لا بأس بها في الشارع المصري دفعت النظام للتخوف منه على خطة توريث السلطة في المستقبل.
في الفترة من 2001 إلى 2011 التي قضاها موسى بالجامعة العربية، تعرض القدس لعمليات تهويد موسعة واقتحم أكثر من مرة، وضربت أمريكا العراق وأعدم الرئيس صدام حسين، ومر الوطن العربي بأحد أسوأ فتراته، حتى دعى البعض إلى التخلص من الجامعة العربية وإعلان وفاتها وفشلها في التصدي لما يواجه الأمة العربية من تحديات.
قبل سقوط مبارك، غامر موسى بزيارة ميدان التحرير في سيارته الخاصة، وقوبل حينها باستجهان كثير من الثوار بسبب تأخره في إعلان موقفه من الثورة، قبل أن يضطر إلى الإسراع بمغادرة الميدان هربا من الثوار الغاضبين، لتتناقض الأخبار حينها بين قائل بأنه زار الميدان عن عمد، وبين قائل أنه كان في طريقه إلى جامعة الدول العربية المتاخمة للتحرير ومر بالميدان عرضا.
محمد حسني مبارك - ابن عم مبارك
حرص الرئيس المخلوع طوال فترة حكمه، على إبعاد أغلب أقاربه من الدرجة الثانية فأكثر عن الحياة السياسية والمشهد العام، واكتفى بأقاربه من الدرجة الأولى - زوجته ونجليه - لذلك كان مثيرا للدهشة أن يفاجأ المصريين بظهور ابن عم للرئيس المخلوع وتتردد أنباء قوية عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية بمفارقة غاية في الغرابة، وهي أنه يحمل نفس اسم الرئيس المخلوع «محمد حسني مبارك»!
«انخرطت وسط الثوار بميدان التحرير لأشد من أزرهم.. متجاهلا صلتي وعلاقة الأرحام التي جمعتني بالرئيس المخلوع».. هكذا أكد في تصريحات سابقة عقب بدء ظهوره الإعلامي، مضيفا أنه سيسير في الاتجاه المعاكس لسياسات ابن عمه الرئيس السابق، التي دفعت البلاد - حسب قوله - إلى منعطفات خطيرة.
ورغم أن لواء الشرطة محمد حسني مبارك، نفى في وقت سابق نيته الترشح بدعوى أنه لا يمتلك الأموال اللازمة للحملة الدعائية، إلا أنه عاد وأكد أنه من كثر من عانوا من النظام السابق وظلم كثيرا بسبب اسمه، معبرا عن خوفه من التأثيرات النفسية التي قد يتعرض لها الشعب المصري عندما يأتي رئيس يحمل نفس اسم الرئيس السابق!
محمد حسني مبارك، كان قد تحدث في وقت لاحق للثورة في مارس الماضي، عما تعرض له من رجال النظام السابق من اضطهاد، دفعه للجوء للرئيس المخلوع الذي رفع له مذكرة، بسبب منعهم له من الترشح للانتخابات البرلمانية بسبب تشابه اسمه مع اسم الرئيس، كاشفا إلى أنه سمي بهذا الاسم تيمنا بالرئيس السابق لأنه ولد في نفس العام الذي تخرج فيه مبارك من الكلية الجوية!
محمد حسين طنطاوي - وزير دفاع مبارك
يتشكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة - السلطة الحاكمة في البلاد عقب الثورة - من 21 عضوا - تقريبا - معينين جميعهم من قبل الرئيس المخلوع حسني مبارك وباختياره، وعلى رأسهم المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس ووزير الدفاع.
قبل الثورة، لم يكن مسموحا لأعضاء المجلس بالظهور الإعلامي، ولم يبدأ الشارع المصري في التعرف عليهم، إلا بعد «البيان رقم واحد»، الذي أصدره المجلس ليعلن عن انعقاده بشكل دائم لبحث ما يمكن اتخاذه من تدابير وإجراءات لحماية البلاد، خلال اجتماع غاب عنه الرئيس المخلوع، وكان قبلها بأيام - مساء جمعة الغضب - قد شوهدت الدبابات العسكرية وهي تتحرك داخل القاهرة وبعض المحافظات لوقف أعمال العنف والسيطرة على الوضع الأمني عقب سقوط الداخلية.
في 11 فبراير، أعلن اللواء عمر سليمان عن تكليف المجلس العسكري بإدارة شئون البلاد، ليقوم بعدها المجلس بمهام رئيس الجمهورية منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، وخلال هذه الفترة، تدرجت مشاعر المصريين تجاه أعضاءه، فبعدما كان ينام المصريون أسفل الدبابات أثناء الثورة تعبيرا عن ثقتهم في الجيش وقادته وسط هتاف: الجيش والشعب أيد واحدة، تغير الهتاف إلى: الشعب يريد إسقاط المشير.. ويسقط حكم العسكر، بعدما تورط أعضاء المجلس العسكري في عدة جرائم ضد الثوار منها قضية كشف العذرية والاعتداء على المتظاهرين وصعقهم بالكهرباء قبل أن يتطور الأمر ليصل إلى عمليات قتل عمد من قبل الجنود الذين استخدموا الرصاص الحي أمام الكاميرات ودهس للمتظاهرين بالدبابات وإحلال المحاكمات العسكرية بدلا من الاعتقال كعقاب للنشطاء والثوار على مواقفهم المناهضة للمجلس.
ويرأس المجلس، المشير حسين طنطاوي، الذي عمل تحت قيادة الرئيس المخلوع قرابة الـ20 عاما، منها بعض السنوات التي ترأس فيها الحرس الجمهوري، ليتهكم البعض معتبرا أن من يحكمنا الآن هو «بودي جارد» الرئيس المخلوع، خاصة بعدما عمل المجلس برئاسة طنطاوي على تكريس نفس الأوضاع السياسية التي سادت أيام المخلوع والتي بسببها قامت الثورة، حتى أن نفس المطالب التي رفعت أيام المخلوع، لازال الثوار يرفعونها إلى الآن رغم مرور عام على الثورة!
فاروق سلطان - قاضي مبارك
وسط الجدل الحادث الآن، حول جواز الطعن على قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من عدمه، ومدى دستورية ومشروعية ذلك، تناقلت بعض الصحف والمواقع، أخبارا تفيد، أن رئيس اللجنة، المستشار فاروق سلطان، كان في الأصل قاضيا بالقضاء العسكري، وخرج من القوات المسلحة برتبة «مقدم»، ليتنقل بعدها إلى القضاء المدني!
في 2009، قرر الرئيس المخلوع حسني مبارك تعيين المستشار فاروق سلطان - الذي كان حينها مستشار بالمحكمة - رئيسا للمحكمة الدستورية العليا، وهو القرار الذي أثار غضب قضاة المحكمة، لأنه خالف الأعراف المعمول بها منذ تأسيسها، حيث درج العرف على تاعيين أقدم قضاة المحكمة الدستورية العليا رئيسا لها متى خلى المنصب، وخرجت حينها أصوات تعتبر أن الاختيار جاء ضمن خطة النظام لعملية التوريث والاستعداد لها بكافة الأشكال.
الشكوك حول سلطان، زادتها عملية التصعيد السريعة والغير مبررة للرجل من قبل وزير العدل الأسبق المستشار ممدوح مرعي، ففي أقل من شهرين، عين سلطان في منصب استحدثه له مرعي وهو مساعد أول لوزير العدل للمحاكم المتخصصة، قبل أن يسارع بتصعيده مستشارا بالمحكمة الدستورية العليا، ليفاجئ مبارك الجميع ويختاره رئيسا للمحكمة، وهو المنصب الذي سييولى تلقائيا من خلاله رئاسة اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.
في المؤتمر الذي أعلن عنه مسبقا ووصف بالمؤتمر الصحفي العالمي، فاجأ سلطان الجميع، ورفض الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، واكتفى بالإعلان عن موعد فتح باب الترشح، وبرر سلطان ذلك بأنه يخشى من تغيير المواعيد في المستقبل! وهو الأمر الذي أثار شكوك العديد من المراقبين والمحللين حول عمل اللجنة في الفترة المقبلة، والمعايير التي ستعتمد عليها أثناء إدارتها للعملية الانتخابية الأخطر في تاريخ مصر!