ثالثا السلفيين والاحزاب السياسيه
--------------
فى بحث مستفيض للكاتب السلفى احمد السكندرى يقول
ولما كانت الأحزاب السياسية من المستجدات العصرية, ولم
يعرفها السلف –رحمهم الله-, كان لابد من النظر فى مدى مشروعيتها؟ وهل هى موافقة للدين الإسلامى الحنيف أم لا؟!
وهل ورد فى بيان حكمها (أو فى ما يشبهها)!! نصوص قرآنية, أو أحاديث نبوية, أم لا؟
وهل غفل(!) علماء الإسلام عنها ولم يتكلموا فيها أم لا؟
فإذا نظرنا –أيها الموفق- فى القرآن الكريم, نجد أن الله –جل وعلا- ما ذكر الأحزاب –قط!- إلا ذمها(!)
قال تعالى:{والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه...}[الرعد:36]
وقال
–أيضاً-:{ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده...}[هود:17], وقال –جل
وعلا-:{جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب}[ص:11], وللأحزاب مفاسد كثيرة, لكن
أبرزها: دعوتها إلى التفرق والتكتل والتشرذم –ولو لم يكن فيها سوى هذا لكفى
بها إثما!-؛ ولذلك كان من عجائب الآيات التى نددت بالحزبية أنها لا تكاد
تذكرها إلا مقرونة بالفرقة, قال تعالى:{ ولا تكونوا من المشركين(31) من
الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون}[الروم:31,32],
وقوله –تعالى-:{فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم
فرحون}[المؤمنون:53], وقوله:{فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من
مشهد يوم عظيم}[مريم:37], ويا ليت شعرى! كيف لا تذم الحزبية والأحزاب وهى
أحزاب متعددة, وهذه الأمة أمة واحدة, ولذلك نجد أن الرب –جل وعلا- لم يمدح
فى كتابه إلا حزبا واحداً, فقال تعالى:{ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا
فإن حزب الله هم الغالبون}[المائدة:56] وقال:{ألا إن حزب الله هم
المفلحون}[المُجَادِلة:22], وهذا الحزب هو الجماعة, قال تعالى:{واعتصموا
بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}[أل عمران:103] قال ابن مسعود –رضي الله عنه-:
حبل الله: هو الجماعة.
وإذا نظرنا –أيها المسترشد-وفقني الله
وإياك- فى سيرة النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- نجد أنه –عليه وعلى آله
الصلاة والسلام- لم يعبأ بالوحدة السياسية بادئ ذى بدء, ولم يهتم بإصلاحها
قبل إصلاح الدين, فبدأ بتعليم الناس العقيدة فى الرب –جل فى علاه- أسماءه
وصفاته وأفعاله, ورسخ فى نفوسهم معانى التوحيد الخالص المجرد من شوائب
الشرك والوثنية, فإنه يعلم يقيناً –عليه وعلى آله الصلاة والسلام- أن
الوحدة الجسدية (المتكتلة)! قد تكون خداعة(!), وأما الوحدة العقدية
فجمَّاعةٌ مناعة(!!)..
ومما ورد فى ذم التفرق والتحزب نجد عند
الإمام أحمد –رضي الله عنه- كما فى (العلل ومعرفة الرجال)[3597]<كما
نقله صاحب التمييز –حفظه الله- ص:170>: عن الحسن قال:"شهدتم يوم تراموا
بالحصى فى أمر عثمان, حتى جعلت أنظر فيما أرى أديم السماء من الرهج, فسمعت
كلام امرأة من بعض الحجر, فقيل لى: هذه أم المؤمنين, فسمعتها تقول: إن
نبيكم –صلى الله عليه وآله وسلم- برئ ممن فرَّق دينه واحتزب؛ قال عبد الله
بن الإمام أحمد: قال مؤمل: عائشة, والصواب: أم سلمة"
يقول صاحب التمييز
–معلقاً-: " وهذا الأثر العجيب يعد غنيمة ثمينة فى بابنا, لأن أم المؤمنين
–عليها السلام- علمت ما بين التحزب والتفرق من صلة فقرنت بينهما فـ(تأمل!),
فعامة كلام السلف يخرج على هذا النمط: لفظه قليل, ومعناه ثقيل جليل.
ونجد
أيضاً عند الترمذى (1585) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله
–صلى الله عليه وآله وسلم- قال:" لا تحدثوا حلفاً فى الإسلام", وعند غيره
–بل فى عامة كتب الصحاح والمسانيد- ورد بلفظ:"لا حلف فى الإسلام"..
قال
العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد –رحمه الله-:" هذا من مشاهير السنن فى
الصحيحين وغيرهما, التى قطع الإسلام بها جميع المواد التى كانت أساساً
للولاء والبراء فى الجاهلية, وجعل الإسلام –وحده- مادة الولاء والبراء" ثم
نقل –رحمه الله- كلاماً نفيساً –جداً- للشيخ مصطفى وصفى –رحمه الله- كما فى
(مصنفة النظم الإسلامية)[ص:331] قال:" لا حلف فى الإسلام, ومن أجل هذا
العقد العام –أى: عقد الإسلام والالتزام به أوامره ونواهيه-, قرر الفقهاء
أنه لا حلف فى الإسلام, وكفى بعقد الإسلام حلفاً, فلضرورة المساواة بين
المسلمين فى هذا العقد العام لا يجوز(!) أن يتحالف بعض المسلمين من دون
بعضهم الآخر, إذ إن ذلك (يميز الحلفاء على سائر المسلمين)!, ويجعل لهم
حقوقاً ليست كسائرهم!, -هذا ولو لم يكن تحالف تحالف البعض نكاية فى البعض
الآخر- [قلت: فكيف لو كان نكاية؟ وهل الأحزاب تقوم إلا على هذا؟!], لأن
(مجرد التمييز)! بمحالفة خاصة, يضع غير الحليف فى مكان أدنى من الحليف,
[قلت: -وأيم الله- هذا عين ما يحدث].
ثم يقول –رحمه الله-: [هذا] وقد
بين النبي –عليه وعلى آله الصلاة والسلام- ذلك, فأقر ما تم من أحلاف
الجاهلية, كحلف المطلبيين, وقال:"لاتحدثوا حلفاً فى الإسلام" أو "لا حلف فى
الإسلام", وهو متفقٌ عليه, وفى أكثر من مناسبة"أهـ
تأمل –أُخَىَّ- قوله –رحمه الله- "لأن مجرد التمييز بمحالفة خاصة يجعل غير الحليف فى مكان أدنى من الحليف"...
هذا؛
وعندما بحثت فى شروح العلماء –رحمهم الله- على هذا الحديث العظيم وجدت أن
الشروح كلها قد تتابعت فى تفسير ذلك الحلف الذى كان يعقده النبى –صلى الله
عليه وآله وسلم- بين المهاجرين والأنصار من التآخى وغير ذلك, وفى
الحديث:"أنه حالف بين قريش والأنصار" أى: آخى بينهم, وكان يترتب على ذلك
الحلف أموراً كالتوارث وغير ذلك, وكان ذلك قبل فتح مكة, فلما منَّ الله –عز
وجل- على نبيه بالفتح قال النبي: "لا حلف فى الإسلام" فكان ناسخاً(!) ,
وعند أحمد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: السهيلى: آخى –أى:
النبي- بين أصحابه ليذهب عنهم وحشة الغربة, ويتأنسوا بمفارقة الأهل
والعشيرة, ويشد بعضهم أزر بعض, فلما عز الإسلام واجتمع الشمل, وذهبت
الوحشة, أبطل المواريث, وجعل المؤمنين كلهم إخوة, وأنزل:{إنما المؤمنون
إخوة}[الحجرات] يعنى: فى التوادد وشمول الدعوة.أهـ
ومن البديهى –جداً-
أن هذا الحلف الذى نهى عنه النبى –عليه وعلى آله الصلاة والسلام- كان أمراً
محموداً طيباً ممدوحاً, ومع ذلك نهى عنه النبى لما قد(!) يترتب بعد ذلك من
عصبيات وقوميات يرفضها الشرع, وعليه –ومن باب أولى!- ينهى عن
(تحالفات=أحزاب) لم تُبْنَ فى الأساس إلا على التفرق والتشرذم والقوميات
والعصبيات الجاهلية, فنحن لا زلنا نرى –إلى يوم الناس هذا- أن كل حزب يسعى
جهده ليحشد الجماهيير لتأييده ونصرته والدفاع عنه وعقد الولاء والبراء (له
وعليه)! –فمن كان معهم قدموه وإن كان من أراذل الناس!-,-ومن كان عليهم
أخروه وإن كان من أعلم الناس!!- [كما يقول شيخنا هشام البيلى –حفظه الله
ونفع به-], ونحن نعلم يقيناً, ونعتقد اعتقاداً جازماً, بأن الإسلام مبنى
على الوحدانية, فالرب الخالق المعبود واحدٌ, والرسول –صلى الله عليه وآله
وسلم- واحدٌ, وعليه؛ فالدعوة إلى ذلك تكون واحدة, بسبيل واحدة, والمسلمون
–كافة- حزب واحد –كما مر- {ألا إن حزب الله هم المفلحون}[المُجَادِلة:22],
والوشيجة بينهم هى الإسلام, والطريق الجامعة إلى ذلك والموصلة إلى الله
والدار الآخرة هى هو (أى: الإسلام) ,{وأن هذا صرطى مستقيماً فاتبعوه ولا
تتبعوا السبل}[الأنعام:153]
يقول العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد –رحمه
الله-: إن تعدد الأحزاب حل لعرى الجماعة, وتبديد السبيل إلى سبل, بينهما
من الاضطراب ما هو معلوم!
ثم يطرح –رحمه الله- سؤالاً مهماً جداً؛ فيقول:
هل يسمح الحزب بتعدد الأحزاب فى البلدة الواحدة, وتوزع انتماءات أهلها؟
وماذا يصير إليه مصيرها من التمزق, والانشقاق والمشاقة؟
فمن قال: نعم(!)؛ فهو جواب من لا يعقل(!!), ولا يريد بالأمة خيرا(!!!)...
ومن قال: لا(!)؛ فكيف يسمح لنفسه بزبه دون بقية الأحزاب؟! –وكل يدعى لنفسه إنه يمثل الإسلام(!)
...فليس
أمامنا إلا لزوم جماعة المسلمين السائرين على مدارج النبوة: من كان على
مثل ما كان عليه النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه –رضى الله عنهم-؛
وفى
بيان حكم الانضمام إلى الأحزاب, بوب الشيخ سعيد عبد العظيم! –سدده الله-
فى كتابه (الديمقراطية ونظريات الإصلاح فى الميزان)!! باباً من صـ(114:117)
جاء فيه:
" وهذه الأحزاب بدعة منكرة(!), وهى أثر من أثار الاستعمار,
أحدثها المستعمرون ليفرقوا أبناء الأمة الواحدة وليجعلوا أبناء الوطن
الواحد شيعاً وأحزاباً بعد ذلك..
ثم يقول: وقد رأينا الثمار المرة لهذه
الأحزاب من تفريق للناس, وتنابذ وتراشق بالتهم فى الجرائد والمجلات, كما هو
حاصل ومشاهد؛ فالانضمام إلى حزب من هذه الأحزاب هو فى نفسه (بدعة لا يقرها
الشرع)!!, فكيف إذا انضم إلى ذلك تمسك رؤساء الحزب بـ(الدين)!, (واتخاذهم
الدين طريقاً لنيل أغراضهم ومطالبهم)!!, ولا شك أن من يمشى فى ركاب هؤلاء,
ويهتف بحياتهم, ويضحى بنفسه وماله فى سبيل حزبهم؛ يصدق عليه أنه: باع آخرته
بدنيا غيره!, يقول النبى –صلى الله عليه وآله وسلم-:" من قاتل تحت راية
عمية, يغضب لعصبته, ويدعو إلى عصبته, وينصر عصبته؛ فقتل! فقتلة جاهلية"
رواه مسلم[1848]
قلت: وفى كلام الشيخ سعيد –هذا- برهان ساطع ليعرف الجميع من الذى غير وتغير, وبدل وتبدل؟!
فمن كان يقول بالأمس عن الأحزاب إنها بدعة منكرة, صار يقول اليوم إنها وسيلة دعوية تندرج تحت إطار المصالح المرسلة –وإنا لله-
ومن
كان يقول بالأمس –والأمس فقط!- إن من ينضم إلى مثل هذه الأحزاب فكأنه –بل
إنه!- باع دينه بدنيا غيره, صار يقول إن من لا ينضم إلى حزبهم –اليوم-
(سلبى)! (لا يفقه الواقع)!! (يعيش فى القواقع)!!! –ونعوذ بالله من الحور
بعد الكور-!
يقول الشيخ الفاضل عبد المالك رمضانى –نفع الله به-:
"وفى
كل بلد يُدعى فيه إلى تفريق أهله المسلمين إلى أحزاب سياسية باسم العدالة
والديمقراطية, نجد فيه المستجيبين لهذه الدعوة من الطامعين(!) فى السلطة,
الذين يزعمون أنهم لا يريدون بذلك إلا الدار الآخرة, وهم ينحر بعضهم بعضاً
لورقة فى صندوق الانتخابات, ومن يعتزل! يُرمى بالغائب عن الواقع المرير,
(السلبى)! فى التأثير, ومن يتنحى يقال له: فار من الزحف, وطاعنٌ من
الخلف...
ثم يقول: وأما واقع التحزب؛ فقد رأى الناس أن الأمة لم تجن منه
سوى الفتن: بدايته التفرق, ونهايته الاقتتال بعد التمزق, وكل هذا وغيره من
فعل الأحزاب فى الأمة الإسلامية"
وفى كتاب (دعوة الرسل إلى الله تعالى) للشيخ محمد أحمد العدوى –رحمه الله- يقول:
"لو
عرف المصلح السياسى أن تخريب الأمة, وجعلها شيعاً تتقاتل فى سبيل حزبيتها,
وتنسى بذلك التحزب مصالحها ومرافقها, هو سنة عدو الله فرعون, القدوة
السيئة فى الاستبداد, والمثل الواضح فى الطغيان والظلم؛ لو عرف الناس ذلك
لعلموا أن هذه الوسيلة هى التى يلجأ إليها الغاصب فى تثبيت قدمه, وتمكين
سياسته, يخلق فى الأمة الأحزاب, ويغذى فيها معنى الحزبية بأساليبه
الشيطلنية, ثم يطلب منها بعد ذلك أن تتحد –إذا هى طلبت إليه مصلحة من
مصالحها- فيعلقها على محال, إذ الحزبية لا يمكن أن تزول ما دامت الأمة
الغاصبة باسطة سلطانها, فإنها على حساب الحزبية تعيش, وبواسطتها تصل إلى ما
تريد" [بواسطة: حكم الانتماء]
ويقول العلامة محمد البشير الإبراهيمى –رحمه الله-:
"أوصيكم
بالابتعاد عن هذه الحزبيات! التى نجم بالشر ناجمها, وهجم –ليفتك بالخير
والعلم- هاجمها, وسجم على الوطن بالملح الأجاج ساجمها؛ إن هذه الأحزاب
كالميزاب!, جمع الماء كدرا, وفرقه هدرا, فلا الزلال جمع, ولا الأرض نفع"
وقد
جمع العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد –قدس الله روحه, ونور ضريحه-, فى
كتابه الفذ الفريد (حكم الانتماء) من أضرار الحزبية ما يجعل المرء الكيس
الفطن الحريص على دينه وآخرته ينأى بنفسه عنها ومنها ولو علق بجذع نخلة حتى
يلقى الله عزَّ وجل...
يقول –رحمه الله- عن أضرار الحزبية:
-وهى آفة
الآفات: عقد الولاء والبراء عليها, وهذا المحور الحزبى للولاء والبراء هو
عين المشاقة لله ولرسوله –عليه وعلى آله الصلاة والسلام-, وهو نظير التحزب
الذى محاه الإسلام
-أن الحزبية ضربت بقيود التحكم على سبيل الدعوة إلى
الله تعالى, فجعلت العنوان لمزاولة (العمل الإسلامى) و(التحرك), داخل حزام
الخط الإسلامى: هو حمل بطاقة الحزب –إن كان له بطاقة!-, أو الانتماء إليه
فحسب!, بينما افسلام على منهج النبوة يعد المنتمى إلى (الحركة الإسلامية:
الدعوة إلى الله –تعالى-) كل من جاء بالشهادتين بحقهما, جاعلاً الإسلام
محور حياته, ونقطة انطلاقه, ولا يشترط أن يكون داخل جدر الأحزاب(!)
فانظر كيف حجبت الحزبية سعة الانتماء, كما حجبت وحدته من قبل؟!
قلت:ونحن
لا زلنا نرى –إلى يوم الناس هذا- أثار هذه الحزبية عند (بعض الناس)! –فى
الإسكندرية وغيرها- فمن كان معهم قدموه ولو كان من أجهل الناس وأرذلهم, ومن
لم يكن معهم –ويخالفهم!- أخروه –وحذروا منه- ولو كان من أعلم الناس
وأشرفهم –وإنا لله-!
-الحزبية ترصد فى أفئدة شباب الأمة الربد الشديد
بين (الفكر الحزبى)! و(العمل الإسلامى: الدعوة إلى الله –جل وعلا-), أى: لا
عمل إلا بحزب(!)
فيبقى السؤال الذى لا جواب له عند الحزبين: إلى أى حزب ينتمى المسلم؟(!)
قلت: {فسألوهم إن كانوا ينطقون}؟!!!!
-الأحزاب تفتح فى الإسلام باب لا يرد؛ وذلك بدخول أحزاب تحمل شعار الإسلام –وهى حرب عليه!-, وكم رأينا ذلك فى دعوات ضالة!..
قلت:وما زلنا نرى –والله المستعان-
-فى
الحزبية تحجيم للإسلام, فلا ينظر إليه إلا من خلالها, فهى تجمع حول شخص
(قلت: أو أشخاص!, أو جماعة!!, أو مدرسة!!!), وقيادات معينة! (قلت: كالقيم!,
أو المسئول!!), فى أطر مخصوصة, وربما كان الحزب لا يحمل من أنوار النبوة
إلا بصيصاً(!)..
-هذه الأحزاب متعددة, بل الحزب فى نفسه متعدد إلى كتل
غالباً, والتعدد دليل على الاختلاف, وتعدد التعدد دليل على ضراوة الخلاف,
والاختلاف نتيجة حتمية لاضطراب الأصول التى نفرد بها كل جماعة أو حزب!
(قلت: هذا؛ لو كان لهم أصول! فهم لا ينطلقون فيما ينطلقون إليه إلا من
منظار المصالح والمفاسد), وتدعو إليها, وتقيم جماعات عليها, وهذا يتناقض مع
قاعدة الشرع المطردة من: أن (الحق واحد لا يتعدد)!, وكل واحدة من هذه
الأحزاب أو الجماعات تقيم حرب التشكيك بما لدى الأخرى, مدعية أن ما لديها
هو الحق!, وما لدى الأخرى هو الباطل كلاً أو جزءاً.
قلت: وفى هذا بيان
على أن الخلاف الواقع اليوم فى الساحة الدعوية بين الجماعات والأحزاب من
جهة وبين أهل السنة السلفيين من جهة أخرى إنما هو خلاف واختلاف فى أصول
العقيدة والمنهج, وليس اختلاف تنوع! كما يقول (بعض الناس)!
يقول الشيخ أحمد بن صالح الشريف –حفظه الله-:
"الرب
واحد, والنبى واحد, والدين واحد, والطريق واحد..{وأن هذا صراطى مستقيماً
فاتبعوه ولا تتبعوا السبل..}, ولا يوجد دليل قرآنى واحد يدل على جواز تكوين
الأحزاب, ونحن نرى الآن تنازلات فى أصول العقيدة والمنهج ممن يتكلمون
بالمنهج! ومن يظهر حق الله" –والله وحده المستعان-
-الحزبية حجاباً عن معرفة الحق (إى والله), لداء التعصب لها, ودافع الكفاح عنها, وكم كانت سبباً لإضعاف الغيرة على التوحيد الخالص
قلت:
وهذا بيِّنٌ واضحٌ جداً لكل ذى بصيرة, فنحن نرى تمييع الخلاف مع المبتدعة
وأصحاب المناهج المنحرفة, إذ عقد الولاء والبراء قد انحرف عن مساره الطبيعى
إلى ولاء وبراء على الأشخاص –وإنا لله راجعون-
-الاعتقال الفكرى(!),
بالحجر على العقلية الإسلامية والتفكير الإسلامى, إذ العيش فى قالب الأحزاب
همة الدفاع عنها, وتعميقها فى النفوس, فاعتقلت بهذا الإنتاج الفكرى (إلا
فى حدود الحزب)!...
فيا لله كم فى هذا من صد –بل صدود- من العيش فى رحاب الإسلام الواسع وشموليته اللامتناهية؟!
-فى
الحزبية بعث حرب الكلمة (كالتلاسن الإعلامى فى الصحف والمجلات
والفاضحيات), بنصب عوامل الانتصار والترجيح لأصول كل حزب, ورد ما يخالفه...
قلت:
وفى هذا ضياع لمعانى العقيدة وإهدار لأصول المنهج وإضعاف عقيدة الولاء
والبراء إلا على شخص الحزب والجماعة –ولا حول ولا قوة إلا بالله-
يقول الشيخ الفاضل عبد المالك رمضانى –نفع الله به-:
"وفى هذا [أى: الحروب الإعلامية] صرف الدعاة عن الدعوة الولود بإشغالهم بالمهاترات البرلمانية (الإعلامية) العقيمة"
-الحزبية تقوم على التسليم بآراء الجماعة, وتوزيعها, ونشرها, وسد منافذ النظر والنقد لها...
قلت:وهذا
ما نعانى منه, فالمرء لا يستطيع أن يجهر بالحق –فقط!- لأن الشيخ الفلانى
يقول بخلاف ذلك, وهو من أعلم أهل الأرض فى كذا –نعم؛ هكذا يقولون ويدندنون,
لا يكلون ولا يملون!-؛ وإن أبى صاحب الحق إلا الجهر به هُجِرَ وحذِّر منه
ورمى بصنوف شتى من الناقائص: يطعن فى العلماء(!), ويثير الفتن, ويهدم
الدعوة إلخ!...
-الحزبيات تنتج شركة مبيدة للإخاء الإسلامى بمنظوره
العام, إذ تبنى حجابا كثيفاً دون ذلك, فلقاء مسلمَيْنِ من حزبين, قلب كل
منهما معمق وفق تخطيط ومنهج (قلت: بل تنظيم!) لا يلتقى مع الآخر فى الشعار,
أو فى كل أو بعض ما وراء الرمز والشعار, ومن الضرورة بمكان أن يكون شيء من
التناكر فى القلوب, وتبادل الطرف الحسير, فيكون لقاء مجاملة(!)...
هذا؛
وبعد ما تقدم من البيان فى حكم تكوين الأحزاب وأضرار الحزبية على الدعوة
الإسلامية, كان –لزاماً- علىَّ أن أنقل لك –أيها الموفق- كلام أئمة العصر
والزمان فى هذا الشأن.
فتوى مجدد العصر, ومحدث الزمان, وبركة الأيام,
العلامة الإمام, المحدث الهمام أبى عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألبانى
–رضى الله عنه-
س: ما الحكم الشرعى فى الانتخابات التشريعية (البرلمان) التى نسعى من خلالها إلى إقامة الدولة الإسلامية, وإقامة الخلافة الراشدة؟
تعليق:
يقول الشيخ أحمد صالح الإسكندرانى –حفظه الله-:
"نحن لم نخلق لإقامة دولة, أو خلافة, أو حزب!؛ بل خلقنا لنعبد الله وحده"
إجابة الإمام الألبانى –رحمه الله-
"إن
أسعد ما يكون المسلمون فى بلادهم يوم ترفع راية (لا إله إلا الله) وأن
يكون الحكم فيها بما أنزل الله, وإن مما لا شك فيه أن على المسلمين جميعاً
–كل حسب استطاعته- أن يسعوا إلى إقامة الدولة المسلمة التى تُحكم بكتاب
الله وسنة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-وعلى منهج السلف الصالح, ومن
المقطوع به عند كلباحث مسلم أن ذلك لا يمكن(!) أن يتحقق إلا بـ(العلم
النافع والعمل الصالح), وأول ذلك أن يقوم جماعة من العلماء بأمرين هامين
جداً:
-الأول: تقديم العلم النافع إلى من حولهم من المسلمين, ولا سبيل
إلى ذلك إلا أن يقوموا بتصفية العلم الذى توارثوه مما دخل فيه من الشركيات
والوثنيات, حتى صار أكثرهم لا يعرفون معنى قولهم:"لا إله إلا الله", وأن
هذه الكلمة الطيبة تستلزم توحيد الله فى عبادته تعالى وحده لا شريك له, فلا
يستغاث إلا به, ولا يذبح ولا ينذر إلا له, وأن لا يعبدوه –تعالى- إلا بما
شرع الله على لسان رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-, وأن هذا من
مستلزمات قولهم:"محمد رسول الله" وهذا يقتضيهم أن يُصَّفوا كتب الفقه مما
فيها من الآراء والاجتهادات المخالفة للسنة الصحيحة, حتى تكون عبادتهم
مقبولة, وذلك يستلزم تصفية السنة مما دخل فيها على مر الأيام من الأحاديث
الضعيفة والموضوعة, كما يستلزم ذلك تصفية السلوك من الانحرافات الموجودة فى
الطرق الصوفية, والغلو فى العبادة والزهد, إلى غير ذلك من الأمور الى
تنافى العلم النافع.
-الأخر: أن يربوا أنفسهم وذويهم ومن حولهم من
المسلمين على هذا العلم النافع, ويومئذ يكون علمهم نافعاً, وعملهم صالحاً,
كما قال تعالى:{فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة
ربه أحداً}[الكهف:111], وحينئذ إذا قامت جماعة من المسلمين على هذه
التصفية والتربية الشرعية, فسوف لا تجد فيهم من يختلط عليه (الوسيلة
الشرعية)! بالـ(الوسيلة الشركية), لأنهم يعلمون أن النبي –صلى الله عليه
وآله وسلم- قد جاء بشريعة كاملة بـ(مقاصدها)!, و(وسائلها)!!, ومن مقاصدها
مثلاً: النهى عن التشبه بالكفار وتبنى وسائلهم, ونظمهم التى تتناسب مع
تقاليدهم وعاداتهم, ومنها اختيار الحكام والنواب بطريقة الانتخاب, فإن هذه
الوسيلة تتناسب مع كفرهم وجهلهم الذى لا يفرق بين الإيمان والكفر, ولا بين
الصالح والطالح, ولا بين الذكر والأنثى, وربنا يقول:{أفنجعل المسلمين
كالمجرمين(35) ما لكم كيف تحكمون} [القلم:35,36], ويقول:{وليس الذكر
كالأنثى}[آل عمران:36].
وكذلك يعلمون أن النبى –صلى الله عليه وآله
وسلم- إنما بدأ بإقامة الدولة المسلمة بالدعوة إلى التوحيد, والتحذير من
عبادة الطواغيت, وتربية من يستجيب لدعوته على الأحكام الشرعية, حتى صاروا
كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى, كما
جاء فى الحديث الصحيح, ولم يكن فيهم من يصر على ارتكاب الموبقات والربا
والزنا والسرقات إلا ما ندر.
فمن كان يريد أن يقيم الدولة المسلمة
–حقاً- عليه! (أن لا يكتل الناس)! ولا يجمعهم على ما بينهم من خلاف فكرى
وتربوى, (كما هو شأن الأحزاب الإسلامية)!! المعروفة اليوم, بل لابد من
توحيد أفكارهم ومفاهيمهم على الأصول الإسلامية الصحيحة: الكتاب والسنة,
وعلى منهج السلف الصالح كما تقدم {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر
الله}[الروم:4]
فمن أعرض عن هذا المنهج فى إقامة الدولة المسلمة وسلك
سبيل الكفار فى إقامة دولتهم!, فإنما هو"كالمستجير بالرمضاء من النار",
وحسبه خطأ –إن لم أقل (إثماً)!- أنه (خالف)!! هديه –صلى الله عليه وآله
وسلم- ولم يتخذه أسوة, والله عزَّ وجل يقول:{لقد كان لكم فى رسول الله أسوة
حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}[الأحزاب:21]" أهـ
من (مدارك النظر) للشيخ الرمضانى –حفظه الله-
فتوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء في حكم تعدد الجماعات
س: هل هناك نصوصٌ في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيهما إباحة تعدد الجماعات أو (الأحزاب) ؟
ج:
أقول ليس في الكتاب ولا في السنة ما يبيح تعدد الأحزاب والجماعات، بل إن
في الكتاب والسنة ما يذم ذلك، قال الله تعالى {إنَّ الذينَ فَرَّقُوا دينهم
وَكانُوا شِيَعَاً لستَ مِنْهُم في شَيء إنَما أمْرُهُم إلى الله ثُمَّ
ينبئهم بِمَا كانوا يَفعَلُون} وقال تعالى: {كلُ حِزبٍ بمَا لَدَيْهم
فَرِحُون } ولا شك أن هذه الأحزاب تتنافى ما أمر الله به -بل ما حث الله
عليه- في وقوله {وأنَّ هَذه أمَّتُكم أمَّةً وَاحدَة وَأنا رَبُكم
فَاتَّقون}.
وقول بعضهم: إنه لا يمكن للدعوة أن تقوى إلا إذا كانت تحت حزب؟
نقول:
هذا ليس بصحيح، بل إن الدعوة تقوى كل ما كان الإنسان منطوياً تحت كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم متبعاً لآثار النبي صلى الله عليه وسلم
وخلفائه الراشدين. أهـ من (شبكة الإمام الآجرى)..
فتوى فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء في حكم تعدد الجماعات والفرق
س:
فضيلة الشيخ؛ إضافة لحالة التردي، تعيش الأمة الإسلامية حالة اضطراب فكري
خصوصاً في ما يتعلق بالدين، فقد كثرت الجماعات والفرق الإسلامية التي تدعي
أن نهجها هو النهج الإسلامي الصحيح الواجب الاتباع حتى أصبح المسلم في حيرة
من أمره أيها يتبع وأيها على الحق؟
ج: التفرق ليس من الدين، لأن الدين
أمرنا بالاجتماع وأن نكون جماعة واحدة وأمة واحدة على عقيدة التوحيد وعلى
متابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، يقول تعالى {إنَّ هَذه أمَّتُكم
أمَّةً وَاحدَة وَأنا رَبُكم فَاعبُدُون} [الأنبياء :92] . يقول تعالى
:{وَاعتَصِمُوا بحبل اللَّه جَميعاً وَلا تَّفرَّقُوا} [آل عمران : 103]
وقال سبحانه وتعالى {إنَّ الذينَ فَرَّقُوا دينهم وَكانُوا شِيَعَاً لستَ
مِنْهُم في شَئ إنَما أمْرُهُم إلى الله ثُمَّ ينبئهم بِمَا كانوا
يَفعَلُون} [الأنعام : 159] فديننا دين الجماعة ودين الألفة والاجتماع،
والتفرق ليس من الدين، فتعدد الجماعات هذه ليس من الدين، لأن الدين يأمرنا
أن نكون جماعة واحدة والنبي –صلى الله عليه وآله وسلم- يقول : (المسلم
للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً) ويقول : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم
وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد) فمعلوم أن البنيان وأن الجسد شئ واحد متماسك
ليس فيه تفرق، لأن البنيان إذا تفرق سقط، كذلك الجسم إذا تفرق فقد الحياة،
فلا بد من الاجتماع وأن نكون جماعة واحدة أساسها التوحيد ومنهجها دعوة
الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- ومسارها على دين الإسلام، قال تعالى:
{وأنَّ هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيمَاً فاتَّبعوهُ وَلا تتبعُوا السُبُلَ
فَتَفَرَّق بكم عَن سَبيْلِه ذَلِكم وَصَّاكم به لعَلكم تَتَّقون}
[الأنعام:153] فهذه الجماعات وهذا التفرق الحاصل على الساحة اليوم لا يقره
دين الإسلام بل ينهى عنه أشد النهي ويأمر بالاجتماع على عقيدة التوحيد وعلى
منهج الإسلام جماعة واحدة وأمة واحدة كما أمرنا الله سبحانه وتعالى بذلك .
والتفرق وتعدد الجماعات إنما هو من كيد شياطين الجن والإنس لهذه الأمة،
فما زال الكفار والمنافقون من قديم الزمان يدسون الدسائس لتفريق الأمة، قال
اليهود من قبل : {آمِنوا بالذي أنزلَ عَلى الذِيْنَ آمَنُوا وَجْهَ
النَّهَارِ واكفرُوا آخِرَهُ لَعَلهُمْ يَرْجعُون} أي يرجع المسلمون عن
دينهم إذا رأوكم رجعتم عنه، وقال المنافقون : {لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ
عِنْدَ رَسُول الله حَتى يَنْفضُوا} {والذينَ اتخَذوا مَسْجدَاً ضِرَارَاً
وَكفْرَاً وَتَفْريقاً بينَ المؤمنين}
أقول: وفي الجملة فعلماء
الإسلام وعلماء السنة في السابق واللاحق (لا يجيزون)! هذا التفرق ولا هذا
(التحزب)!! ولا هذه الجماعات المختلفة في مناهجها وعقائدها؛ لأن الله قد
حرم ذلك وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم، والأدلة كثيرة وقد سبق سردها في
مواطنها. من (المصدر السابق –نفسه-) أهـ.
وبعد هذا الذى تقدم -أيها
الموفق-وفقنى الله وإلياك- من الآيات القرآنية التى تذم التحزب والتفرق,
والنصوص النبوية التى أكدت ذلك وحذرت منه, بالإضافة إلى كلام أهل العلم فى
الحزبية والتحزب, مع فتاوى الأئمة الأثبات الثقات فى حرمتها وأنها لم تجن
على الأمة إلا المزيد من الذل والصغار والتأخر والتفرق, أجد نفسى –مضطراً-
أن أجيب على سؤالٍ يطرحه الكثير, ألا وهو:
إلى من تتركون البرلمان؟
وكيف تصلون إلى تحكيم الشريعة إذا تركتم البرلمان إلى العلمانيين والليبرالين والملاحدة إلخ..؟
والجواب؛ -وبالله التوفيق-, ومنه العون والتحقيق- كالآتى:
-
إن إخلاص المرء فى نبل هدفه –الذى هو إقامة الدولة الإسلامية- لا يعفيه من
النظر فى الطرق النبوية (والوسائل الشرعية) للوصول إلى تحقيق ذلك الحلم,
ذلك بأن الإخلاص لله وحده غير كاف لنيل القبول عند الله –جل وعلا-, بل لابد
من متابعة النبي –عليه وعلى آله الصلاة والسلام- والاقتداء بهديه, فـ(خير
الهدى هدى محمد), ونحن نسأل؟!
- هل قام النبي –صلى الله عليه وآله وسلم-
بالإصلاح الذى قام به وأقام به الدولة الإسلامية فى المدينة عن طريق
الإصلاح السياى, وتكوين الأحزاب؟ أم عن طريق الإصلاح التربوى العقدى؟
وبطريقة أخرى –نسأل-(بطريقة عصرية)!: هل بدأ الرسول –عليه وعلى آله الصلاة والسلام- بإصلاح دولته, أم بدأ بإصلاح شعبه؟!
وهل شارك –بأبى هو وأمى- رؤساء قريش فى الحكم حتى وصل إلى تحكيم الشريعة؟
إن
الناظر فى جواب الإمام الألبانى المتقدم –بتأمل- يجد أنه لابد من إصلاح
(القاعدة=الشعب) أولاً قبل أى شئ, لإن النظر إلى (القمة=سدة الحكم)
والتعويل عليها والبناء عليها –مع هشاشة القاعدة!- يترتب عليه سرعة تهاوى
هذا البناء فى أداراج الرياح...
إن اللسان الصادق لأهل الاتباع الصادق,
ينادى بوجوب الدعوة إلى الله على بصيرة وبالحكمة على مثل ما كان عليه النبى
وآله وصحابته, وذلك بتجريد التوحيد, وتوحيد المتابعة, وتنقية السنة من
الشوائب التى شوت صورتها, وأيضاً جمع الناس حول العلماء الربانيين
والالتزام بحياض الجماعة وإمام المسلمين فى كل قطر إسلامى.
يقول الشيخ الفاضل أحمد صالح الشريف –حفظه الله-:
"من أصول أهل السنة:
1-تجريد التوحيد
2- الحرص على جماعة المسلمين, ولا جماعة إلا بإمام ولا إمام إلا بسمع وطاعة
3- التحذير من أهل البدع".
يقول
عبد الله بن عباس –عليه السلام-:"من فارق الجماعة قيد شبر, فقد خلع ربقة
الإسلام من عنقه" [الإبانة الصغرى لابن بطه] وقد ورد مرفوعاً بألفاظ
متقاربة
يقول العلامة عبد العزيز الراجحى فى شرحه على الإبانة (1/269):"
وهذا القول من ابن عباس فيه من الوعيد على أهل البدع..., ثم يقول: وأهل
البدع قد فارقوا الجماعة)
ومن هنا نعلم: أن الطريق واحد وهو الذى يضمن
لك –أخى- النجاةهو التمسك بالسنة وأهلها ولزوم الجماعة, فإن من شذ فقد شذ
فى النار, فإن السنة والجماعة هى حزب الله الفالح المفلح, دون غيره من
التكتلات والتحزبات, يقول تعالى:{أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم
المفلحون}[المُجَادِلة:22], وقد كتب –سبحانه- الغلبة لهذا الحزب على سائر
الأحزاب والفرق والجماعات المبتدعة فقال:{ومن يتول الله ورسوله والذين
آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}[المائدة:56]
ومهما بحثت أخى –وفقك
الله- فى كتاب الله أو سنة رسوله فلن تجد –كما مر- ذكر الأحزاب والتفرق إلا
منبوذاً مذموماً, وكيف يقر ربنا –جل فى علاه, وعظم فى عالى سماه- أمة على
التشتت بعدما عصمها بحبله وهو الجماعة, وهو يبرئ نبيه منها [أى: هذه الأمة
المشتتة] حين تكون كذلك فقال –جل وعلا-:{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً
لست منهم فى شىء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا
بفعلون}[الأنعام:159]
عن أمير المؤمنين معاوية بن ابى سفيان –رضى الله
عنه- قال: ألا إن رسول الله –صلى الله عليه آله وسلم- قام فينا فقال:" ألا
إن من قبلكم من أهل الكتاب, افترقوا على ثنتين وسبعين ملة, وإن هذه الملة
ستفترق على ثلاث وسبعين, ثنتان وسبعون فى النار, وواحدة فى الجنة: وهى
الجماعة" [السلسلة الصحيحة:203]
قال الأمير الصنعانى فى (حديث افتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة) [من مدارك النظر صـ:36]:
"ليس
ذكر العدد فى الحديث لبيان كثرة الهالكين, وإنما هو لبيان اتساع طرق
الضلال وشعبها, ووحدة طريق الحق, نظير ذلك ما ذكره أئمة التفسير فى
قوله:{ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}, أنه جمع السبل المنهى عن
اتباعها لبيان تشعب طرق الضلال وكثرتها, وأفرد سبيل الهدى والحق لوحدته
وعدم تعدده".
وعن ابن مسعود –رضى الله عنه- قال:" خط لنا رسول الله –صلى
الله عليه وآله وسلم- خطاً, ثم قال: هذا سبيل الله, ثم خط خطوطاً عن
يمينه, وعن شماله, ثم قال: هذه سبل, وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه, ثم
قرأ{وأن هذا صراطى مستقيماً...}" [رواه أحمد]
يقول بن القيم –رحمه
الله-:" وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد, وهو ما بعث به رسله, وأنزل
به كتبه, ولا يصل إليه أحد إلا من هذا الطريق, ولو أتى الناس كل طريق
واستفتحوا من كل باب, فالطرق عليهم مسدودة, والأبواب عليهم مغلقة, إلا من
هذا الطريق الواحد, فإنه متصل بالله موصل إليه" [التفسير القيم نقلاً من
المدارك صـ37]
وأخيراً –أخى الكريم-:
وبعد هذه الإيضاحات الكثيرة السابقة, وحجج الحق التى هى للحزبيات ماحقة...
أقول:
إت هذه الحجج هى النور من الوحيين الشريفين, وأئمة العلم والدين, الذين هم
منارات الهدى, وبهم يقتدى, فاستضىء بنورها, واهتدى بهديها, فهم القوم لا
يشقى المتأسى بهم, أو المتبع سبيلهم؛ واترك من خالفهم –ولو كان من كان!-
حتى ولو زخرف لك القول, فإن الحق الصراح: إنه لم يحدث أن اجتمعت كلمة
المسلمين فى مختلف بقاع الأرض على مذهب معين, أو جماعة من الجماعات, أو حزب
من الأحزاب, أو على كتب ومؤلفات عالم من العلماء. –فضلاً عن داعية من
الدعاة-؛ ولكنهم اجتمعوا زاتحدوا على كتاب الله وسمة رسوله –عليه وعلى آله
الصلاة والسلام-, وما كان عليه الآل والأصحاب والتابعون لهم بإحسان –رضى
الله عنهم جميعاً