عندما أجريت معه حواراً عام ٢٠٠٨ على هامش جائزة الشيخ زايد للكتاب، كان حزيناً على أحوال مصر والمصريين، ومتشائماً تجاه منظومة التعليم وقال لى إنه إذا تم إصلاح التعليم بشكل منهجى وسريع فإنه يمكن أن ينقذ مصر، وسخر الدكتور فضل وقتها من نسبة العمال والفلاحين. فى هذا الحوار وبعد ثلاث سنوات تقريباً ومع زوال عهد مضى وبداية عهد جديد بدأ مع ثورة ٢٥ يناير، يؤكد الدكتور صلاح فضل أن تحولاً جذرياً فى التاريخ المصرى نشهده حالياً نحو التحول الديمقراطى السلمى، مشيراً إلى أن مظاهر الفوضى الحالية هى عبارة عن فوران القدر، وهو أمر طبيعى، ولكن فى الوقت نفسه يحذر من أن الاستمرار فى الاستجابة للضغط الشعبى لا يمكن أن يستمر هكذا، وأنها يجب أن يكون من خلال قنوات شرعية.الدكتور فضل أكد أن التعديلات الدستورية تنقصها أشياء كثيرة، مطالباً بإسقاط نسبة العمال والفلاحين مرة أخرى، وإلى الحوار:■ ما تقييمك للوضع الحالى؟
- نحن نشهد تحولاً جذرياً فى التاريخ المصرى، لم يسبق لنا أن عايناه من قبل، ولأول مرة يتولى الشعب- لطبيعة الشباب الجرىء- تغيير مقاليد الأمور فى ظاهرة لفتت العالم وردت كرامة المصريين وأعادت لهم اعتبارهم.
قالت بعض الهيئات إن مشكلة البطالة هى السبب لكنى لا أعتقد ذلك، فالمشكلة الجوهرية هى الدولة البوليسية التى أهانت المصريين وأذلتهم وحرمتهم من نعمة الانتماء لوطنهم، وأصبح حلم كل واحد منهم أن يهاجر حتى لو فقد حياته، لم تعد لمصر مكانة عربية أو دولية وفقدت مقومات الدولة الحقيقية، جاء الشباب ليعيد إليها انتماءها ومصيرها وأملها فى المستقبل.
تقديرى أن الهدف الأساسى لكل ذلك هو التحول الديمقراطى السلمى، ولا نستطيع أن نقيس إنجازات هذه الثورة إلا إذا تمكنت من أمرين، الأول هو نقل السلطة من المؤسسة العسكرية إلى الجانب المدنى المقترن بصندوق الاقتراع، ولكى يتم ذلك لابد من أن تتاح الفرصة لتشكيل الأحزاب كى تكون معبرة عن الواقع السياسى المصرى، وتضع برامجها ولكن هذا الأمر يحتاج إلى وقت، ولذلك الفترة الانتقالية المحددة بـ٦ أشهر نقبلها لأنها تسارع بانتقال السلطة إلى المدنيين.
■ هل توافقنى الرأى فى أن مصر ستدخل مرحلة فوضى قد تطول إلى عام مقبل؟
- أظن أن مظاهر الفوضى التى نشهدها هى عبارة عن فوران «القدر»، وهى أمر طبيعى، لكنها لابد أن تتوقف لتحقيق أمرين، الأول: تحقيق قدر من الأمان للمواطن العادى والاستقرار وهذا مقترن بنزول الشرطة مرة أخرى بعهد جديد تتوعد فيه بأنها حقاً فى خدمة الشعب وليست العصا الغليظة التى ترفعها السلطة على رأس هذا الشعب.
الأمر الثانى: أن يكتفى المطالبون بتحسين أوضاعهم بأن تفتح لهم آمال التغيير فى المستقبل القريب، بمعنى أن أى حكومة مؤقتة ستكون علاجاتها علاجات سريعة ووقتية للغاية لكى تستطيع أن تضع أقدامها على بداية الطريق.
إضافة إلى إنه ليس من حق الفئات أن تطمح فى الحصول على كل آمالها فى الفترة الآنية ويكفى أن تعبر فقط عما تطمح إليه، ويكفى أن تشرع الحكومة بتشكيل جهاز لتلقى شكوى المواطنين وتكوين هيئة شبه قضائية يكون من دورها النظر فى مظالم المواطنين والعمل على حلها، وتحقيق ما يمكن تحقيقه إلى أن توضع خطة طويلة المدى مرتبطة ببرامج الأحزاب التى ستدخل المجتمع السياسى بقوة بعد الثورة.
أظن أن سيناريو الفوضى المطلقة لابد أن ينتهى، والقضاء على القوى ذات المصلحة فى أحداث هذه الفوضى وفى مقدمتها قوتان لا يمكن أن يستهان بهما، فلول الحزب الوطنى وأصحاب المصالح، والنظام القديم، ومن تعودوا على ممارسة القمع وإذلال البشر وإخضاعهم بالقوة، وسلوكيات بعض الأجهزة الأمنية التى اتضح مدى بشاعة ما كانت تدبره وما تخفيه فى ملفاتها.
أظن أن المهمة القادمة والبالغة الأهمية والضرورة هى الانتقال السلمى للسلطة فى مرحلة التحول الديمقراطى.
■ هل تعتقد أن الاستجابة للضغط الشعبى أمر مقبول؟
- لا يمكن أن يستمر الأمر هكذا، وإلا سيفضى إلى تصاعد هذا الضغط بما لا يفضى إلى ما يمكن تحقيقه من مطالب، الاستجابة حتى اليوم كانت بالفعل فى نطاق الضرورى بداية من التغيير وتنحى الرئيس إلى تغيير الحكومة إلى تفكيك أجهزة القمع، كل هذا أمور طيبة.
الضغط أكثر من ذلك لابد أن يخضع لدراسات ويمر بقنوات شرعية، وإمكانات حقيقية فى أرض الواقع بعد أن تستقر عجلة الإنتاج وتبدأ البلد فى استقبال السائحين، وتوفير ما يغطى الحد الأدنى من المطالب الشرعية.
■ كيف يتم التعامل مع الضغط الشعبى؟
- بتفهم المطالب وعدم القمع والجدولة.
■ ما هى القنوات الشرعية التى يجب أن يسلكها هؤلاء؟
- عن طريق المؤسسات التى لابد أن تتبنى هذه المطالب، بمعنى أنه بعد تعديل الدستور والاقتراع عليه، سوف يبدأ العمل من أجل الانتخابات الرئاسية، والتى يتم فيها اختيار رئيس مدنى وعليه أن يضع القنوات الشرعية المطلوبة، من تصحيح قواعد انتخابات مجلسى الشعب والشورى، لكى تصبح هذه هى المجالس التى تقوم بدور حقيقى وفعال بدلا من دورها الذى تقوم فيه بتقنين الفساد، والتواطؤ مع السلطة فى السرقات، وكان نتيجة تلك التصرفات أن تشوهت صورة الانتخابات فى مصر.
وعلى هذه المجالس أن تصبح وسيلة لتمرير أحلام الشعب وتحويلها إلى خطط وبرامج عمل تنفيذية بالتعاون مع خبراء مختصين فى الوزارات المختلفة.
بمعنى أن سن القوانين التى كانت تسن قديماً من أجل تقنين الفساد، حيث إننا لابد أن نذكر أن كثيراً من التصرفات التى شرعت سبل الفساد كانت فسادا بالقانون وهذه هى المأساة التى عاشتها مصر فى العقد الأخير، من تقنين الفساد.
إن سن القوانين التى تحد من الفساد وتحقق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية فيما يتصل بتوزيع الدخل القومى بطريقة متكافئة ودفع عجلة الإنتاج، وتحقيق المشروعات المستقبلية هى رسالة المجلس البرلمانى الجديد الذى يجب أن ينتخب على نظام تكافلى وليس حزبى لأن الأحزاب لن تأخذ حقها فى الإعلان عن برامجها والوقت أضيق من أن تستعد لبلورة خططها فى المستقبل وعليها أن تكون ائتلافا بالقائمة ليتم الانتخاب على أساسها.
الانتخابات الفردية فى الفترات الماضية كانت تعتمد على آلية فاسدة مدمرة حيث كان يقوم عضو الحزب الوطنى بالتبرع بعدة ملايين للحزب، ويرشو ببعضها الآخر الأصوات التى ينتخبها ثم يكون قصارى جهده الحصول على مليارات الجنيهات بدلا من المليونات التى دفعها قبل ذلك، ولا يعلى من مصلحة الشعب، لهذا فإن أعضاء مجلس الشعب لم يكن يعنيهم أى شىء غير أن يستردوا مالهم والعملية الديمقراطية كانت عملية مشوهة وتحولت إلى استثمارات رأسمالية، وفقدت دلالتها الحقيقية.
تغيير هذا المفهوم جذرياً يأتى بأن تكون الانتخاب بالقائمة وليس بالأفراد، ثم إن الإشراف القضائى الكامل والرقابة الداخلية والخارجية تكفل ألا يكون العضو المنتخب مستثمراً يبغى استرداد الملايين التى أنفقها وألا تكون مهمته هى عرض المطالب الفردية لأبناء دائرته وتحقيق مطالبهم فى التوظيف أو فى العلاج أو فى غير ذلك وإنما يعبر حقيقة كما هو حال البرلمانات فى الدول المتقدمة عن طموحات الشعب بأكمله وعن استراتيجية الأمة فى تحقيق تقدمها ومستقبل أولادها.
لكى يتم ذلك لابد من تعميق سياسة الديمقراطية فى كل المؤسسات المصرية وهذه خطوة فى غاية الأهمية وفى كثير من المؤسسات الإدارة كانت تعتمد على الاختيار السلطوى العشوائى والتقارير الأمنية.
لابد أن نتجاوز هذا الاختيار العشوائى والخضوع إلى التقارير الأمنية لكى تصبح الكفاءة من ناحية، والانتخاب من ناحية ثانية هى أساس بروز القيادات التى يجب أن تتميز بالجدارة الحقيقية.
تلك القيادات التى كانت تهرب ضمن نزيف العقول، والتى كانت تهرب إلى الخارج، لابد أن تجد تلك القيادات لها مكانا، بآليات منظمة ديمقراطية.
وأجمل ما فى الديمقراطية أنها لا تنكر أن أى نظام فى السلطة يؤدى إلى نشوء قدر من الفساد، لكن الميزة الأساسية للديمقراطية أنها تتضمن نظاما لتصحيح أخطائها ريثما تخطئ، فور أن يقع الخطأ نتيجة لشفافية الديمقراطية وآلية وصولها إلى السلطة وهو ما يجعل إمكانية علاج أى خطأ أمراً سهلاً خاصة أن أى سلطة معرضة لأن تتجاوز وأن تطغى، وأن تستغل سلطاتها لكن السلطة المطلقة والقديمة كانت تغطى على الفساد حتى يتحول إلى خلايا سرطانية وغرغرينا فى جسم الشعب، الديمقراطية كفيلة بتضميد غيارات الجرح، فالسلطة مثل الجرح إذا غيرته بتغير السلطة ضمنت شفاءه، لكن إذا تركته دون التغيير سيؤدى إلى غرغرينا ويصبح البتر هو الحل.
■ هل أنت مع التعديلات الدستورية التى تمت وما رأيك فى الطريقة التى أديرت بها؟
- أنا أظن أنها تنقصها أشياء كثيرة، فبعض المؤتمرات والندوات الدستورية التى أقيمت، أشارت إلى بعض هذه المعايب لكن التعديلات مؤقتة وتنص فى صلبها على تكوين جمعية تأسيسة لوضع دستور جديد فى مدى لا يتجاوز عاما من الآن.
فهى تضمن نتيجة لذلك وسيلة لتصحيح أخطائها الذاتية ولذلك يمكن قبول وجوه القصور والنقص فى التعديلات الحالية باعتبارها تعديلات مؤقتة الهدف منها فقط هو نقل السلطة من المؤسسة العسكرية إلى الجهات المدنية التى تمتلك شرعية حقيقية وبداية دوران عجلة التحول الديمقراطى، يمكن تحمل وجوه القصور المؤقتة هذه مادمنا على يقين أنه على مدار عام على الأقل سيتم وضع دستور جديد يتفادى كل وجوه القصور والنقص والتشويه.
ولا يوجد شىء غير قابل للنقاش والحل حتى الأشياء ذات الطبيعة الحساسة الدقيقة التى يمكن أن يتواطؤ العلماء والمثقفين على تأجيل النظر فيها.
■ المادة الثانية من الدستور حدث تجاهها شحن إعلامى رغم أنها لم تكن من المواد المطروحة للتعديلات ما رأيك؟
- أنا شخصياً أعتقد أن المادة الثانية لو درسنا تاريخها سنعرف أنها خدعة كبرى قدمها الرئيس السادات لكى يبرر بها تعديل المادة الخاصة بمدد الرئاسة فأعلن أنه سيعدل الدستور من أجل إدخال مادة ليست جديدة على الإطلاق باعتبار أن الشريعة الإسلامية هى مصدر رئيسى للدستور لأن هذا منذ بداية الدستور المصرى وهذا المبدأ معمول به وهذا المبدأ لا يحتاج أن يكون له مادة ثانية لكنه قدمه لأن يكون خدعة للرأى العام كى يمرر الهدف الأساسى من التعديل وهو إطلاق سنوات المدد الرئاسية بإضافة مدتين فى دستور ٧١.
وأنا أرى أن هذه المادة يمكن صياغتها بطريقة ملائمة ومطابقة للواقع لكن فى الدستور الدائم وليس الآن، على أن تكون مصر دولة مدنية وأن دين الأغلبية فيها هو الإسلام وأنها تعترف بالتعددية والتسامح والمواطنة والمساواة وأن الشريعة الإسلامية مصدر أساسى للتشريع بها. بهذه الفقرات التى تصف الواقع المصرى فى تعدده وغالبيته والقوانين المصرية لا يمكن لأحد أن يعترض على ذلك لأن ذلك يدعم المواطنة ويدعم فكرة المشاركة والتعدد ويقرر الحقيقة التى نعترف بها، وهى أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع، ولابد أن نعترف أن دين الأغلبية هو الإسلام لكن علينا ألا نغفل وجود مسيحيين لهذا فإن التعددية مطلوبة مادامت تقوم على المساواة.
وبهذا لا نعطى مجالا لتأويلات دينية أو أى احتمالات للتحول إلى دولة دينية.
■ الدستور الجديد الذى ستشكل له لجنة تأسيسة يجب أن يقوم على أن مصر دولة مدنية فقط ويتم تنحية الدين جانبا هل توافقنى الرأى؟
- هذا ميراث العهود السابقة، وورطتنا فيه العقليات التى ابتغت الوصول إلى السلطة ودعمت شرعيتها عن طريق الضرب على الوتر الحساس عن طريق فكرة الدين.
ولكى نخفف من تأثير ذلك يجب أن نترك هذه المادة، وعمليا لا تؤثر على بقية المواد ولا تغير من الواقع شيئاً وإنما تسد الطريق على من يريد أن يؤسس حزبا يعتمد فيه على مرجعية دينية، ولا مانع من ذلك لأن هذا هو التفكير الليبرالى الصحيح ولا ينبغى أن نُحرّم على أى قوى سياسية أن تفعل ذلك حتى نقضى على العمل السرى، وبذلك تتحقق النقلة التى نريدها.
ومادمنا نعترف بأى شرعية لمجموعة من المواطنين ويصبح الجدل الحر معها والحوار الثقافى والاحتكام إلى صندوق الاقتراع ما بين القوى- سنجد حينئذ أن القوى التى تنجح لا فى وضع أيديولوجيات ولا فى رفع شعارات والاعتماد على نظريات وإنما فى وضع حلول للمشكلات التى تواجه المجتمع المصرى والتى تتصل فى داخلها بالتخلف العلمى والقصور التعليمى والضعف الإنتاجى والهبوط فى مجال التنمية وعدم الاعتماد على مبادرات خلاقة فى صناعة المستقبل، بمعنى أنه فى أوروبا الفيصل فى إبقاء حكومة هو مدى التزامها بوعودها للشعب.
■ إذن ما هو المطلوب من الحكومة المقبلة؟
- لابد على الحكومة القادمة من توفير فرص عمل حقيقية وليست فرصا شكلية تتصف بالشكل المضحك أو إشباع طموحات الشعب بعد الثورة التى ظهرت من خلال إعلان بعض الوزارات عن وظائف عمل صورية لا توجد هيكلة إنتاجية لها ولا اعتمادات مالية لها ولا وعى حقيقى بضرورتها، وإنما هى نوع من النفاق الجماهيرى. الفيصل الحاسم فى اختيار الحكومة فى أوروبا الغربية حتى الآن هو خلق مواقع عمل إنتاجية وإحداث تطور فى التنمية العلمية والعملية.
■ لماذا لا نستدعى دستور ٢٣ لحل المشكلة التى نمر بها فى مصر الآن ونبدل ونعدل فى دستور مهترئ؟
- أنا ممن يؤمن بأن لكل مرحلة تاريخية متغيراتها ومزاجها ومياهها التى تدفقت. دستور ٢٣ كان يخص مجموعة من المصريين ذات نسيج اجتماعى مختلف، والنظر إلى الماضى وإعادة تطبيق تجاربه أيا كان تاريخها، والالتفات والاقتباس منه خطوة فاشلة، لأن لكل مرحلة مميزات، وإذا أدركنا أن فى مصر ما لا يزيد على عدة أسابيع قد غيرت أفق الحلم فى رؤوس أبنائها فإن العودة لدستور ٢٣ هى انتكاسة وليست تقدما إلى الأمام.
ودستور ٢٣ لم تكن مصر قد جربت محاولات الجهاد وجماعة الإخوان المسلمين والقاعدة والاتجاهات السلفية، كل هذا لا يمكن تجاهله وإنما لابد من استيعابه فى التجربة وإنضاج المزاج الذى حدث، ثم اختراق طريق المستقبل مستفيدين من كل ذلك.
■ أيهما أفضل أن تجرى انتخابات رئاسية أولاً أم برلمانية؟
- أعتقد بأن الانتخابات البرلمانية تتضمن الاعتراف بالقوى الحزبية وبلورة كرامتها ومشروعاتها، وأنا أرى أن ذلك يتطلب وقتا أقل مما تتطلبه الانتخابات الرئاسية، ولذلك إذا بدأنا بالانتخابات الرئاسية واخترنا رئيساً يتبنى طموحه فى رعاية التحول الديمقراطى.
يجب ألا نرهق المؤسسة العسكرية طويلاً فى رعاية التحول الديمقراطى، لأنها ليست من أدوارها أن تدخل فى تفاصيل رعاية التحول الديمقراطى. لابد أن من يرعى ذلك يكون مدنياً اختاره الشعب.
ويهندس للمرحلة المقبلة التى تتضمن إباحة تشكيل الأحزاب من كل الألوان ووضع برامجها والدعوة إلى تنفيذها على أساس مختلف جذرياً عن الطريقة التى كانت تدار بها الانتخابات السابقة.
■ هل توافق أن يكون رئيس مصر مدنياً بخلفية عسكرية؟
- لا أظن أن هذا حل موفق، لأن طبيعة التربية العسكرية غير مسيسة، والشخص الذى يستقيل بنية تركيب عقله باعتبارها مخروطة بالماكينة العسكرية، لا أعتقد أنه سيكون أنسب الأشخاص لتولى السلطة والتحول الديمقراطى.
وقد يخدع فيه الناس ونجد أننا امام ديكتاتور جديد يعود إلى قواعد العسكرية فى احتكار الوطنية، واعتبار غيره خائنا ويعود إلى قواعد العسكرية فى أنه هو الذى يخبرنا بالطريق الصحيح.
بنية التفكير العسكرى هى التى منعت جمال عبدالناصر، على حسن نواياه وإنجازاته، من أن يحقق الديمقراطية، ومنعت أنور السادات، على رغبته فى أن يفعل شيئا، من أن يحقق ديمقراطية حقيقية، وهى التى أغرت مبارك فى أن يبقى الوضع كما هو عليه، وأن تصل مصر إلى أدنى نقطة فى تدهورها على جميع المستويات.
لابد أن ننتقل إلى نوع آخر من الفكر الذى يقبل التعدد ويستوعب الخلاف ويعترف بأنه ليس معصوما وأن الحق متعدد ويتنازل عن السلطة بأريحية، باعتبارها حقوقاً مشروعة دون أن يتوهم أنه وصى على هذا الشعب.
أنا ضد أى زعامة كاريزمية ذات صبغة عسكرية وضد المبدأ الذى رددناه فى أننا نحتاج إلى مستبد عادل، لأن طبيعة الاستبداد تنقض فكرة العدل، وخير لنا أن يتولى مواطن طبيعى، عادى ويوكل إلى المؤسسات الحقيقية إدارة أمور الشعب، ويعمل على تنسيقها ويخضع لإرادتها، على أن نعود مرة أخرى إلى خوض تجارب أخرى، ويكفينا عذابا طيلة ٦٠ عاما لنعود إليها.
عندما مرت دولة المكسيك بتجربة الديكتاتورية التى مرت بها أكثر من ٣٦ عاما جعلت شعارها الأساسى «إعادة انتخاب الرئيس خيانة».
ومن ذلك الوقت لا يعاد انتخاب الرئيس مرة ثانية ويكفيه أن يحكم مرة واحدة لمدة ٦ سنوات.
لكى نستفيد من التجارب الديكتاتورية السابقة على اختلافها لابد أن نصرّ على أن الحكم لابد أن يتحول إلى المدنيين.
■ هناك أصوات تطالب بإلغاء نسبة العمال والفلاحين؟
- هى نسبة ملغاة بالفعل، وما ترتب من تحايل عليها سنجد أن كل المهنيين والحاصلين على شهاددات عليا والضباط والانتهازيين دخلوا من خلال مقاعد العمال، من الوجهة العملية هذه المادة ملغى العمل بها، الفترة الماضية كان تزييفاً حقيقياً للوضع ورفع شعارات وخرقها.
نسبة العمال والفلاحين لم يتم الأخذ بها فى أى من البرلمانات المشكلة خلال الـ٣٠ عاماً الماضية على الأقل، لأن كل من تم اختيارهم لم يكونوا عمالاً، هى مادة صورية ويجب أن تسقط.
■ ماذا عن البعد الثقافى الحالى؟
- هناك مجموعة من الأمور الجوهرية التى لابد أن نركز عليها فى المرحلة المقبلة.
الأمر الأول أن نعمق الديمقراطية على كل المستويات وأن يكون الانتخاب هو الفيصل الحقيقى وتحويل تفكير المجتمع لأن يكون ديمقراطيا.
الأمر الثانى أنه فى ترتيب أولويات المجتمع المصرى عانى التعليم من ضربه فى مقتل خلال السنوات الماضية، لم يعد لدينا تعليم سواء فى المرحلة الابتدائية أو الثانوية أو الجامعية وكل الصور التى نشهدها مزيفة، فالصور كاذبة والطلاب فى بيوتهم ويتلقون كل ما يجهزهم للامتحان من خلال الدروس الخصوصية والسؤال هو:
كيف يمكن أن يكون التعليم هو أساس الاهتمام المصرى فى العقد القادم؟! لقد أصبح شعاراً أجوف يخيف الناس.
الأمر الثالث: عقلية إدارة مؤسسات الدولة باعتبارها مؤسسات ربحية مثل المستشفيات، فأساس كل مستشفى أنه يعالج بالأجر، وإذا كان هناك فقير فيحصل على قرار علاج على نفقة الدولة وهذه القرارات يتاجر بها الفاسدون ويربحون من ورائها الملايين. هذا خطأ من حيث المبدأ.
المستشفى مؤسسة علاج للمرضى دون تقديم الخدمة الصحية لهم دون تفنيد ذلك بأسعار والمحاسبة عليها ثم توكيل الدولة فى الدفع عن الفقراء.
لكن الأغنياء التى تقدم لهم هذه الخدمات تأخذ من منبع ثرواتهم حقوق الدولة وبمنع الاحتكار وبغير ذلك من القوانين التى تعمل بها الدول الرأسمالية وليست الدول الاشتراكية السابقة بمعنى أننا لا يمكن أن نكون أكثر رأسمالية من النظم الرأسمالية فى أمريكا والدول الأوروبية، وهذه الثقافة الاقتصادية ضرورية.
لابد من إعادة النظر جذرياً فى مؤسسات الإعلام يجب ألا أن تمتلك الدولة صحفا، حتى لا تتحول إلى أبواق للنظام كما شهدناه خلال العقود الماضية.
المؤسسات الإعلامية لابد أن تدار بمنطق عصرى لا علاقة له بالدولة ولا توجيهات السلطة ولا تزييف وعى الشعب بها، وما ينطبق على الصحف يمكن أن ينطبق على محطات الفضائيات، ويمكن أن تترك محطة واحدة أو اثنتان، ونحن لا نخترع فى ذلك الذرة، لأن هناك دولا كثيرة تطبق ما ننادى به.