فى كتابه «علاج مصر الاقتصادى» الصادر فى ١٩١١ قال أبوالاقتصاد المصرى طلعت حرب: «مازالت الحاجة ملحة إلى إنشاء مصرف مصرى حقيقى يعمل بجانب المصارف الموجودة الآن فى مصر ويمد يد المساعدة للمصريين، يحثهم على الدخول فى أبواب الصناعة والتجارة ....».
تعد هذه الكلمات إرهاصة أولى باتجاه تأسيس بنك للمصريين، كركيزة أساسية باتجاه تحقيق الاستقلال الوطنى، غير أن «حرب» لم يكتف بطرح الفكرة بل جهد فى تحقيقها، غير أن اندلاع الحرب العالمية الأولى فى ١٩١٤ عطل المشروع، فلما انتهت الحرب واندلعت ثورة ١٩١٩، كان انطلاقها بمثابة إحياء وتحريك للفكرة، وعاود «حرب» دعوته، وحاولت سلطات الاحتلال التشكيك فى قيمة المشروع وجدواه، زاعمة عدم أهلية المصريين له، غير أن «حرب» مضى قدما وأمكنه إقناع ١٢٦ مصريا بالاكتتاب لإنشاء البنك،
وفى مثل هذا اليوم ٨/ ٣/ ١٩٢٠ تم تحريرعقد تأسيس الشركة بين ثمانية من ١٢٦ مساهماً، وتم تحرير العقد بصفة عرفية وتم تسجيله فى ٣ أبريل من نفس العام، وفى ١٣ أبريل ١٩٢٠ نشرت «الوقائع المصرية» المرسوم الخاص بتأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى بنك مصر، وكان هؤلاء الثمانية هم أحمد مدحت يكن باشا ويوسف أصلان قطاوى باشا ومحمد طلعت حرب بك وعبدالعظيم المصرى بك والدكتور فؤاد سلطان وعبدالحميد السيوفى أفندى، وإسكندر مسيحة أفندى، وعباس بسيونى الخطيب أفندى، وهم يمثلون الأديان الثلاثة، وفى هذا برهان على أصالة الوحدة الوطنية التى شملت جميع أبناء الأمة إبان الثورة المجيدة، وفى مساء يوم الجمعة ٧ مايو سنة ١٩٢٠، احتفل بتأسيس البنك وفى مدة قصيرة أسس محمد طلعت حرب باشا شركات عديدة، وانتشرت فروعه فى كل مكان،
وعندما تعرض البنك للأزمة التى افتعلها الاحتلال ورفض البنك الأهلى أن يقرض البنك بضمان محفظة الأوراق المالية، كما لم تحل الحكومة دون قيام صندوق توفير البريد بسحب كل ودائعه من البنك- ذهب حرب إلى وزير المالية حسين سرى باشا يطلب منه أن تصدر الحكومة بيانا بضمان ودائع الناس لدى البنك، أو أن يقنع البنك الأهلى بإقراض بنك مصر مقابل المحفظة، أو يحول دون سحب ودائع صندوق توفير البريد، فوافق سرى باشا بشرط أن يستقيل طلعت حرب، فوافق حرب قائلا: مادام فى تركى حياة للبنك فلأذهب أنا وليعش البنك.