حلف اليمين كنائب لرئيس الوزراء، الفريق أحمد شفيق، عصر الأربعاء ٢٣ فبراير الماضى، وهو يعلم حجم ما بات يحمله من مسؤولية فى هذه الفترة، ولم تكد تمضى ٨ أيام حتى حمل أوراقه وحقيبته وخرج من مكتبه فى مجلس الوزراء عائداً لبيته بعد استقالة الحكومة.يتحدث «الجمل» عن غياب الأمن ويلقى تبعاته على أياد ينسبها لـ«العادلى» ولا تزال تلعب فى وزارة الداخلية، بالإضافة إلى بلطجة غير مبررة يقول عنها: «لا يمكن أن يكون هؤلاء أبناء ثورة ٢٥ يناير». ويفسر فى حواره مع «المصرى اليوم» - سبب زيارته للكويت، ويحكى عن ملف المعتقلين الذى كان يفكر فى فتحه، ومطالبته النائب العام بمحاكمة أى مواطن يتهم أى شخص دون أدلة.. فإلى نص الحوار:■ ٨ أيام فى قلب الأحداث كنائب لرئيس الوزراء، كيف كانت؟
- فى غاية القلق والتعب. فى الماضى كنت أضع رأسى وأنام فوراً، ولكن منذ أن دخلت حكومة الفريق أحمد شفيق كنائب لرئيس الوزراء فارقنى النوم وصاحبنى الأرق من شدة قلقى على البلد وما يجرى فيه، هذا غير الإحساس بالمسؤولية مع سرعة وقوع الأحداث وعدم توقعها، إلى جانب غياب الأمن الذى بات هاجس الناس - شعباً ومسؤولين - فالمناخ العام غير مريح. قبل أسبوعين كتبت مقالاً نُشر فى «المصرى اليوم» بعنوان «من الغابة للواحة»، قلت فيه إننى أريد التقاعد من عالم السياسة والتفرغ لعالم الأدب والفن، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن.
■ لماذا تصف الوضع فى مصر بـ«المقلق»؟
- اكتشفت فى الأيام الثمانية التى قضيتها فى الحكومة أن الناس فى الشارع غير مقدرة حقيقة الوضع الذى تمر به مصر اليوم، ولا تعلم حجم القلق الذى يشعر به المُمسك بزمام الأمور، خاصة فيما يتعلق بملف أمن الشارع وملف إعادة تسيير عجلة الاقتصاد، فأنت لا تستطيعين طهو أى طعام لو لم يكن لديك الإمكانيات. كذلك من يطالبون بالمطالب الفئوية عليهم الإنتاج أولاًً ثم جنى ما يريدونه من ثمار هذا الإنتاج. أما منطق «ما لم تأخذه الآن فلن تأخذه فيما بعد» فغير منطقى، لأن البلد فى خطر. يا ناس أنتجوا وانتظروا وراقبوا وحاسبوا. وفى رأيى أن ثورة ٢٥ يناير غيرت وجه مصر، ولكن الآن أنا على يقين أننا فى حالة ثورة مضادة، يفعلها ويشعل نارها أياد من بقايا النظام السابق، ومن لهم مصلحة فى تدهور الحال، لاستمرار حالة الفوضى فى مصر، لأنه لا يمكن تصديق أن شباب ٢٥ يناير الذى غير وجه مصر هو نفسه من يقوم بمظاهرات فئوية تطالب بمصالح شخصية والبلد فى حاله هذا.. البلطجة وغياب الأمن فى الشارع ليسا من أفعال شباب الثورة.
■ هل تتفق مع من يتهمون وزارة الداخلية بأنها السبب فى الغياب الأمنى وانتشار البلطجة؟
- أنا الآخر أتساءل بدورى: هل هى وزارة الداخلية أم بقايا الوزير السابق حبيب العادلى؟ وأود هنا أن أشير إلى أن ما قاله وزير الداخلية محمود وجدى فى التليفزيون المصرى عن عدم مسؤولية الشرطة عن قتل المتظاهرين فى الثورة - لا يعبر عن تنصل من المسؤولية بقدر ما يعبر عن عدم خبرة سياسية فيما يقال وكيف يقال. فهو رجل مباحث عامة وحياته كلها قضاها فى الشارع، وأعتقد أن قيادة الداخلية السابقة ممثلة فى حبيب العادلى لا يزال لها «أذناب» فى قلب الوزارة تصر على التخريب والتعامل مع المواقف بنفس الأساليب القديمة التى كان يتبعها العادلى، وجهاز أمن الدولة يجب أن يعمل على أمن الوطن والمواطن وليس تتبع المواطنين.
■ ألم تحاول القيام خلال الأسبوع الماضى بحملة تطهير أو تطلب من وزير الداخلية إقالة تلك القيادات؟
- هل من الممكن أن يتم ذلك فى ٨ أيام، خاصة أننى كُلفت بالسفر ممثلاً عن رئيس المجلس العسكرى الأعلى للكويت للقاء الأمير وطمأنتهم فيما يتعلق بالاستثمار فى مصر وتهنئته بمناسبة العيد القومى للبلاد.
■ قيل إنك سافرت للكويت للاقتراض منها لسد عجز تعانيه الحكومة المصرية الحالية فى مواجهة المتطلبات الحالية؟
- لا، لم أطلب أى قروض، ولكن قلت للأمير إن مصر تريد استثمارات كويتية على أرضها لخلق فرص عمل للشباب العاطل، وأخبرته أن هذا فى مصلحتنا ومصلحتهم، وقد كنت مسؤولا عن ملف الاستثمار فى حكومة الفريق شفيق وأخبرت أمير الكويت بأن أى صعوبة سيواجهها المستثمرون سأكون مسؤولا عن حلها، سواء فى تذليل الإجراءات أو فى نتائجها، فقال لى إنه يقدر مصر لأنها أم العالم العربى، وطلب منى إبلاغ تحيات الشعب الكويتى للمجلس العسكرى ولكل الشعب المصرى، وأضاف: «خلوا بالكم من أُمنا»، ثم أخبرنى أنه مستعد لفعل أى شىء يُطلب منه لمساعدة مصر فى الفترة المقبلة، وبالمناسبة هذا ليس موقف الكويت وحدها، ولكن هناك دولاً عربية وأجنبية أبدت استعدادها لفعل ذلك، ومنها ألمانيا والإمارات، لأن مصر دولة محورية.
■ ما أهم الملفات التى كنت مسؤولا عنها إلى جانب ملف الاستثمار؟
- ملفا الصحفيين والإعلام، والتنظيم الداخلى، وكنت قد انتهيت من وضع الأسماء التى ستتولى قيادة المرحلة المقبلة فى المؤسسات الصحفية القومية، واتفقت مع الأستاذ جلال دويدار، أمين المجلس الأعلى للصحافة، على اللقاء للتناقش فيما توصلت له لإعلان الأسماء بشكل نهائى من قبل المجلس الأعلى للصحافة، ولكن سمعت باستقالة الحكومة فى الواحدة ظهراً فلملمت أوراقى وعدت للبيت، ولأول مرة أنام فى الظهيرة كما كنت أفعل فى الماضى.
■ هل تتابع تحقيقات الفساد التى تجرى الآن مع عدد من المسؤولين ورجال الأعمال السابقين؟
- أتابعها كمسؤول وكمواطن، ورغم توقعى حجم الفساد، الذى وصفته منذ أكثر من ٣ سنوات فى المجلس القومى للتخطيط وبحضور عدد من الوزراء بأنه بات أقوى مؤسسة فى مصر وبخاصة بعد وصوله لأبواب القضاء والجامعة - إلا أننى لم أكن أتوقع كل تلك القضايا والتحقيقات، وبت أشفق على النائب العام ومعاونيه من عددها وما بها من تفاصيل، وبحكم علاقتى الطيبة بالنائب العام الذى أشرف أن يكون أحد تلامذتى المتفوقين الذين أثق فى نزاهتهم، أطلب منه أنه كما يحقق فى بلاغات الفساد والمفسدين فعليه إن جاءه بلاغ كاذب دون أدلة أو معلومات مزورة كيدية، أن يصدر قراره الفورى بمعاقبة الكاذبين كما يعاقب الفاسدين، لأن سمعة الناس ليست بالشىء الهين. وإن كنا نريد بدء عهد جديد فعلينا أن نتعلم فكر الحرية لأن الديمقراطية تتطلب منى أدلة ومستندات عند توجيه الاتهام لأى شخص وإلا فلأصمت. وإن كان البلاغ صحيحاً وموثقاً بالأدلة والمستندات فعليه أن يسرع فى إنهاء التحقيقات حتى يكون الفاسد عبرة لغيره.
■ يرى البعض أن هناك حالة من التحفز صارت تتهم كل من كان له علاقة بالعهد السابق بالفساد.. ما رأيك فى هذا؟
- أعلم حالة الغضب فى الشارع من حجم الفساد وغياب العدالة والشفافية على مدى حكم مبارك وبخاصة فى السنوات الأخيرة التى اختلت فيها كل الموازين بشكل لا يصدقه عقل، ولكن هذا لا يعنى اتهام الناس بدعوى أنهم ينتمون للنظام، كلنا كمصريين كنا جزءاً من هذا النظام ولا معنى لتوجيه التهم جزافاً، ولذا وضعت مشروع قانون أحلته للمستشارين القانونيين فى مجلس الوزراء لدراسته واستوحيته من جنوب أفريقيا بعد الاستقلال ومجىء نيلسون مانديلا عام ١٩٩١، حين أنشأت لجنة للمصالحة الوطنية، تقوم فكرتها على الاستماع فى سرية إلى كل من أخطأ أو استولى على ثروات ليست من حقه فى نظام الحكم العنصرى أو مارس تعنتا ضد مواطنين أبرياء، فتتم تسوية المظالم ورد كل الأموال التى تمت سرقتها فى هدوء، لأننا لا نستطيع إقصاء كل من أخطأ، ولا نستطيع الإبقاء على حالة التخاصم بين المصريين.
■ هل تعتقد أن حالة الاحتقان الموجودة حاليا لدى الشارع المصرى تسمح بقبول تلك الفكرة؟
- حاليا لا أعتقد أن الشارع يقبل تلك الفكرة، وتلك طبيعة الشعوب بعد الثورات على أنظمة الحكم الفاسدة والديكتاتورية، ولكن هذا لا يعنى أننا لن نكون بحاجة لهذا القانون فى الفترة المقبلة، لأسباب عديدة أولها أن هناك من أفسد أو أخطأ ولا توجد ضده وثائق إدانة ولكن الشعب على يقين من فساده، فماذا نفعل مع هؤلاء، هل نطردهم جميعاً؟ لا، الأفضل فى اعتقادى أن يعترفوا بما فعلوا ويعوضوا الناس بما أخذوه، بالإضافة إلى أن الاحتقان لن يؤدى إلا لمزيد من العنف، والشعب المصرى معروف طيلة عهده بالتسامح. ولذا ففكرة التصالح مناسبة للفترة المقبلة لإعادة بناء العلاقات السوية داخل المجتمع.
■ ماذا عن حالة انعدام الثقة بين المصريين من جانب وبين القائمين على الحكومة من جانب آخر؟
- سببها فى اعتقادى بقاء الوجوه الكريهة التى لا يثق فيها الشارع أو التى كانت جزءا من فساد النظام السابق، ودعينى أحكِ موقفاً حدث يوم الخميس ٣ فبراير التالى لموقعة الجمال. كنا على موعد أنا والدكتور أحمد كمال أبوالمجد والسفير نبيل العربى للقاء اللواء عمر سليمان فأخبرتهما أننى لن أذهب للقاء اعتراضا على ما حدث للمتظاهرين فى الميدان وهذا أبسط رد فعل ممكن أن أقوم به، وهو ما حدث وفوجئت بالفريق أحمد شفيق يخرج على الناس ويعتذر فى التليفزيون عما حدث، مؤكداً أنه أمر بالتحقيق لمعرفة المتسبب فيه. فأحسست أننا على أعتاب مرحلة جديدة لأنها المرة الأولى التى أرى فيها مسؤولاً يعتذر، وزادت ثقتى فى شفيق كرجل قيادى وإدارى يعرف ما يفعل. وكلمنى عمر سليمان يوم السبت وطلب لقائى فذهبت وقلت له إن أهم مشكلة تواجه مصر حاليا هى انعدام الثقة ووجود وجوه كريهة فى الصورة، وعددت له هؤلاء الناس وكان من بينهم أنس الفقى وزير الإعلام السابق وانصرفت، وفوجئت فى اليوم التالى باختفاء عدد كبير من تلك الوجوه، ما عدا أنس الفقى الذى ظل فترة بعدها حتى جرى ما جرى، فسألته لماذا يبقى أنس ولماذا تتأخر الاستجابة لمطالب الناس، فلم أتلق رداً، وانعدام الثقة بين المواطن والمسؤولين فى مصر ليس وليد العهد الحالى ولكنه نتيجة تراكمات طويلة على مدى جميع العصور، لأنه لم يكن له رأى فيما يحدث فى عصور طويلة، ولن نستطيع حل تلك المعضلة بين يوم وليلة، ولكن حلها يأتى بديمقراطية تُعلى من شأن سيادة القانون وإرادة الشعب.
■ ما رأيك فى إقالة حكومة شفيق واختيار دكتور عصام شرف لتولى المهمة؟
- الفريق شفيق تقدم باستقالته ولم يُقل، وتلك هى الاستقالة الثانية، وما زلت عند قولى أننا خسرنا بعدم منح هذا الرجل الفرصة لتسيير حكومة الأعمال فى الفترة المقبلة، ولكن قدّر الله وما شاء فعل. وهناك نوعان من الناس: جماهير الشارع كانت تريد رحيله، ولكن غالبية النخب كانت تريد بقاءه، لأنهم يعلمون قدرته الإدارية. وقد شاهدت حلقة تليفزيونية على قناة ON. TV ليلة استقالة الوزارة، ظهر بها الفريق شفيق مع عدد من المثقفين الأصدقاء، وللأسف تجاوز أحدهم فى طريقة التعبير وخسر الكثير من مؤيديه وخسر شعبيته بتجاوزه، ولكن فى الوقت ذاته أنا أعتقد أن دكتور عصام شرف رجل لديه الخبرة والعلم والكفاءة وقبوله النزول للشارع فى ميدان التحرير والتعهد أمامهم بالعمل بأمانة شىء جميل.
■ هل تعتقد أن الشارع ستكون له مطالب أخرى فى الفترة المقبلة؟
- لابد من الحسم لأنه لا يمكن الاستجابة لكل المطالب، وعدم الحسم سيؤدى للكثير من المزايدات، فى الوقت ذاته لابد من الاستجابة السريعة لمطالب الشارع المعقولة. والأمن هو أساس المرحلة المقبلة والهدف الأساسى الذى يجب علينا جميعاً تفعيله.. جميعنا شعرنا بالراحة لصدور الأحكام العسكرية على البلطجية والخارجين على القانون.
■ هل تتفق مع الرأى المطالب بأن يكون وزير الداخلية فى المرحلة المقبلة مدنياً لتغيير ثقافة الوزارة؟
- ولم لا، من أفضل وزراء الداخلية فى التاريخ المصرى فؤاد باشا سراج الدين، وكان مدنيا وتولى الوزارة أكثر من مرة ويشهد له بالكفاءة، وكذلك شعراوى جمعة كان من الجيش وتولى وزارة الداخلية وكان كفئاً، وأحمد رشدى كان ضابط شرطة ومن أفضل وزراء الداخلية..ليس المهم من أين يأتى، الأهم هو حسن الاختيار.
■ لماذا لم يتم الإفراج عن المعتقلين حتى الآن؟
- كان من المفترض أن نناقش تلك المسألة يوم استقالة الحكومة، ولكن حدث ما حدث وانصرفنا. ولا أعلم سبب التأخير حتى الآن: هل هو بطء إجراءات، أم بقايا نظام العادلى التى لا تزال تحكم الوزارة؟!
■ كيف ترى التعديلات الدستورية التى تقرر إجراء الاستفتاء عليها يوم ١٩ مارس الجارى؟
- أوافق عليها مع بعض التحفظات، من بينها أن يكون نائب الرئيس بالانتخاب فى نفس ورقة ترشح الرئيس، وأن تكون فترة الرئاسة ٥ سنوات بدلاً من ٤، وألا يزيد عمره على ٧٠ عاماً، وكل لجنة إدارية حتى لو مشكّلة من القضاء لابد أن تكون هناك جهة للتعقيب على أحكامها