- سبيل التوبة كتب:
- اهلا وسهلا بيك
يا استاذنا منور المايك وكل ميك انت تمسكه ان شاء الله
شيخنا بعد اذنك انا هسيب الاعضاء الكرام يسألوا
انما انا شخصيا طمعانة فى نصيحة
معروف ان الصبر على الطاعة والعبادة اصعب من الصبر على البلاء
ممكن اطلب وصفة للتصبر على الطاعات وجعلها ليست فرائض وانما هى من المتع الدنيوية
مثل ان الانسان بدل ميصلى علشان دا فرض ازاى اصلى حبا فى الصلاة
وكيف اصبر على الصدمات اللى بتلقاها من ناس كتير عامله معاهم خير وبعاملهم بنية طيبة وبيردوها على دماغى بحقد وكراهية
ومنور مرة تانية
جزاك الله خيراً أختى الغالية / سبيل التوبة
وشكراً على هذا السؤال الأكثر من رائع
والصبر أختى الغالية قد مدح الله أصحابه وبشرهم بوفاء أجرهم بغير حساب فقال "
إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب "
وهم فى معية الله تعالى حيث قال "
واصبروا إن الله مع الصابرين "
والصبر أختى الغالية معناه المنع والحبس فيحبس الإنسان نفسه عن الجزع ويحبس لسانه عن التشكى ويحبس كل جوارحه عن المعاصى فقد قيل فى الصبر : هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب
والصبر على الطاعة أختى الفاضلة من أهم سبل الهداية التى يعطيها الله لعبده المجتهد فى تحصيل الهداية
لذلك كان قول رب العزة "
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين "
والطاعات ليست كما تظنين أختى الفاضلة متع دنيوية فقط بل لابد على العبد أن يؤمن أن ما يقوم به من طاعات هى حق من حقوق الله تعالى ولكن حتى يعطى الله حقه ينبغى عليه أن يصبر على تحقيق الغاية من هذه الطاعة وذلك يكون بالصبر عليها فإن تحققت الطاعة كونها من الواجبات أنزل الله فى قلب المطيع الصابر على طاعته شعوراً بلذة الطاعات لذلك أختى الغالية لما ندخل لذكر الله تعالى مثلاً ونتحدث عنها كطاعة فسنجد هناك فارقاً بين من إعتاد لسانه على الذكر فنجده ينطق بالذكر لسانه فقط لتعوده على ذلك ثم ما يلبث أن يخرج بلسانه من ذكر الله إلى سوء الكلام وفحشه ، وبين من إعتاد لسانه وقلبه على ذكر الله فيكون الذكر بعد كونه من الأمور التى أمرنا الله بها فهو متعة للعبد يتلذذ بها لذلك يقول رب العزة سبحانه وتعالى "
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم أياته زادتهم إيماناً " هؤلاء الذين يذكرون أو يطيعون الله سبحانه وتعالى وتكون العبادة والطاعات متعتهم وغايتهم
وحتى نصبر على الطاعات فلابد من إيثار الطاعة على شهوات النفس وإبعاد الطاعة عن الرياء
وهناك قصة لرجل من الصحابة ظل 40 سنة يصلى الجمعة فى الصف الأول وذات يوم تأخر فى جنازة وجاء فجلس فى منتصف المسجد فحدثته نفسه : ماذا يقول عنك الناس الأن ، بعد 40 سنة إلتزام بمكانك تخلفت لمنتصف المسجد ؟ ولكن الرجل لحق نفسه وقال لها مأنباً : وهل كانت طاعتى 40 سنة فى المحافظة على الصف الأول حتى أراعى ما سيقوله علىَّ الناس . فتاب إلى الله تعالى من هذا الوسواس
فيجب أن نحب الطاعات لوجه الله تعالى ونحبها لكونها السبيل إلى الله تعالى والتقرب منه وإليه
أما بخصوص الصبر على إيذاء من تحسنين إليهم فإليك ما قاله ابن القيم فى كتاب مدارج السالكين بخصوص هذه المسالة
"وههنا للعبد أحد عشر مشهدا فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه
أحدها : المشهد الذي ذكره الشيخ رحمه الله وهو مشهد القدر وأن ما جرى عليه : بمشيئة الله وقضائه وقدره فيراه كالتأذي بالحر والبرد والمرض والألم وهبوب الرياح وانقطاع الأمطار فإن الكل أوجبته مشيئة الله فما شاء الله كان ووجب وجوده وما لم يشأ لم يكن وامتنع وجوده وإذا شهد هذا : استراح وعلم أنه كائن لا محالة فما للجزع منه وجه وهو كالجزع من الحر والبرد والمرض والموت .
الثاني : مشهد الصبر فيشهده ويشهد وجوبه وحسن عاقبته وجزاء أهله وما يترتب عليه من الغبطة والسرور ويخلصه من ندامة المقابلة والانتقام فما انتقم أحد لنفسه قط إلا أعقبه ذلك ندامة وعلم أنه إن لم يصبر اختيارا على هذا وهو محمود صبر اضطرارا على أكبر منه وهو مذموم
الثالث : مشهد العفو والصفح والحلم فإنه متى شهد ذلك وفضله وحلاوته وعزته : لم يعدل عنه إلا لعشي في بصيرته فإنه ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا كما صح عن النبي وعلم بالتجربة والوجود وما انتقم أحد لنفسه إلا ذل
هذا وفي الصفح والعفو والحلم : من الحلاوة والطمأنينة والسكينة وشرف النفس وعزها ورفعتها عن تشفيها بالانتقام : ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام
الرابع : مشهد الرضى وهو فوق مشهد العفو والصفح وهذا لا يكون إلا للنفوس المطمئنة سيما إن كان ما أصيبت به سببه القيام لله فإذا كان ما أصيب به في الله وفي مرضاته ومحبته : رضيت بما نالها في الله وهذا شأن كل محب صادق يرضى بما يناله في رضى محبوبه من المكاره ومتى تسخط به وتشكى منه كان ذلك دليلا على كذبه في محبته والواقع شاهد بذلك والمحب الصادق كما قيل :
من أجلك جعلت خدي أرضا للشامت والحسود حتى ترضى
ومن لم يرض بما يصيبه في سبيل محبوبه فلينزل عن درجة المحبة وليتأخر فليس من ذا الشأن
الخامس : مشهد الإحسان وهو أرفع مما قبله وهو أن يقابل إساءة المسيء إليه بالإحسان فيحسن إليه كلما أساء هو إليه ويهون هذا عليه علمه بأنه قد ربح عليه وأنه قد أهدى إليه حسناته ومحاها من صحيفته وأثبتها في صحيفة من أساء إليه فينبغي لك أن تشكره وتحسن إليه بما لا نسبة له إلى ما أحسن به إليك
وههنا ينفع استحضار مسألة اقتضاء الهبة الثواب وهذا المسكين قد وهبك حسناته فإن كنت من أهل الكرم فأثبه عليها لتثبت الهبة وتأمن رجوع الواهب فيها وفي هذا حكايات معروفة عن أرباب المكارم وأهل العزائم
ويهونه عليك أيضا : علمك بأن الجزاء من جنس العمل فإن كان هذا عملك في إساءة المخلوق إليك عفوت عنه وأحسنت إليه مع حاجتك وضعفك وفقرك وذلك فهكذا يفعل المحسن القادر العزيز الغني بك في إساءتك يقابلها بما قابلت به إساءة عبده إليك فهذا لابد منه وشاهده في السنة من وجوه كثيرة لمن تأملها
السادس : مشهد السلامة وبرد القلب وهذا مشهد شريف جدا لمن عرفه وذاق حلاوته وهو أن لا يشتغل قلبه وسره بما ناله من الأذى وطلب الوصول إلى درك ثأره وشفاء نفسه بل يفرغ قلبه من ذلك ويرى أن سلامته وبرده وخلوه منه أنفع له وألذ وأطيب وأعون على مصالحه فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ما هو أهم عنده وخير له منه فيكون بذلك مغبونا والرشيد لا يرضى بذلك ويرى أنه من تصرفات السفيه فأين سلامة القلب من امتلائه بالغل والوساوس وإعمال الفكر في إدراك الانتقام
السابع : مشهد الأمن فإنه إذا ترك المقابلة والانتقام :
أمن ما هو شر من ذلك وإذا انتقم : واقعه الخوف ولا بد فإن ذلك يزرع العداوة والعاقل لا يأمن عدوه ولو كان حقيرا فكم من حقير أردى عدوه الكبير فإذا غفر ولم ينتقم ولم يقابل : أمن من تولد العداوة أو زيادتها ولابد أن عفوه وحلمه وصفحه يكسر عنه شوكة عدوه ويكف من جزعه بعكس الانتقام والواقع شاهد بذلك أيضا
الثامن : مشهد الجهاد وهو أن يشهد تولد أذى الناس له من جهاده في سبيل الله وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وإقامة دين الله وإعلاء كلماته وصاحب هذا المقام : قد اشترى الله منه نفسه وماله وعرضه بأعظم الثمن فإن أراد أن يسلم إليه الثمن فليسلم هو السلعة ليستحق ثمنها فلا حق له على من آذاه ولا شيء له قبله إن كان قد رضي بعقد هذا التبايع فإنه قد وجب أجره على الله وهذا ثابت بالنص وإجماع الصحابة رضي الله عنهم ولهذا منع النبي من سكنى مكة أعزها الله ولم يرد على أحد منهم داره ولا ماله الذي أخذه الكفار ولم يضمنهم دية من قتلوه في سبيل الله
ولما عزم الصديق رضي الله عنه على تضمين أهل الردة ما أتلفوه من نفوس المسلمين وأموالهم قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمشهد من الصحابة رضي الله عنهم : تلك دماء وأموال ذهبت في الله وأجورها على الله ولا دية لشهيد فأصفق الصحابة على قول عمر ووافقه عليه الصديق
فمن قام لله حتى أوذي في الله : حرم الله عليه الانتقام كما قال لقمان لابنه : وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور
التاسع : مشهد النعمة وذلك من وجوه أحدها : أن يشهد نعمة
الله عليه في أن جعله مظلوما يترقب النصر ولم يجعله ظالما يترقب المقت والأخذ فلو خير العاقل بين الحالتين ولابد من إحداهما لاختار أن يكون مظلوما
ومنها : أن يشهد نعمة الله في التكفير بذلك من خطاياه فإنه ما أصاب المؤمن هم ولا غم ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه فذلك في الحقيقة دواء يستخرج به منه داء الخطايا والذنوب ومن رضي أن يلقى الله بأدوائه كلها وأسقامه ولم يداوه في الدنيا بدواء يوجب له الشفاء : فهو مغبون سفيه فأذى الخلق لك كالدواء الكريه من الطبيب المشفق عليك فلا تنظر إلى مرارة الدواء وكراهته ومن كان على يديه وانظر إلى شفقة الطبيب الذي ركبه لك وبعثه إليك على يدي من نفعك بمضرته
ومنها : أن يشهد كون تلك البلية أهون وأسهل من غيرها فإنه ما من محنة إلا وفوقها ما هو أقوى منها وأمر فإن لم يكن فوقها محنة في البدن والمال فلينظر إلى سلامة دينه وإسلامه وتوحيده وأن كل مصيبة دون مصيبة الدين فهينة وأنها في الحقيقة نعمة والمصيبة الحقيقية مصيبة الدين ومنها : توفية أجرها وثوابها يوم الفقر والفاقة وفي بعض الآثار : أنه يتمنى أناس يوم القيامة لو أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلاء
هذا وإن العبد ليشتد فرحه يوم القيامة بما له قبل الناس من الحقوق في المال والنفس والعرض فالعاقل يعد هذا ذخرا ليوم الفقر والفاقة ولا يبطله بالانتقام الذي لا يجدي عليه شيئا
العاشر : مشهد الأسوة وهو مشهد شريف لطيف جدا فإن العاقل اللبيب يرضى أن يكون له أسوة برسل الله وأنبيائه وأوليائه وخاصته من خلقه فإنهم أشد الخلق امتحانا بالناس وأذى الناس إليهم أسرع من السيل في الحدور ويكفي تدبر قصص الأنبياء عليهم السلام مع أممهم وشأن نبينا وأذى أعدائه له بما لم يؤذه من قبله وقد قال له ورقة بن نوفل : لتكذبن ولتخرجن ولتؤذين وقال له : ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي وهذا مستمر في ورثته كما كان في مورثهم
أفلا يرضى العبد أن يكون له أسوة بخيار خلق الله وخواص عباده : الأمثل فالأمثل ومن أحب معرفة ذلك فليقف على محن العلماء وأذى الجهال لهم وقد صنف في ذلك ابن عبدالبر كتابا سماه محن العلم
الحادي عشر : مشهد التوحيد وهو أجل المشاهد وأرفعها فإذا امتلأ قلبه بمحبة الله والإخلاص له ومعاملته وإيثار مرضاته والتقرب إليه وقرة العين به والإنس به واطمأن إليه وسكن إليه واشتاق إلى لقائه واتخذه وليا دون من سواه بحيث فوض إليه أموره كلها ورضي به وبأقضيته وفنى بحبه وخوفه ورجائه وذكره والتوكل عليه عن كل ما سواه : فإنه لا يبقى في قلبه متسع لشهود أذى الناس له ألبتة فضلا عن أن يشتغل قلبه وفكره وسره بتطلب الانتقام والمقابلة فهذا لا يكون إلا من قلب ليس فيه ما يغنيه عن ذلك ويعوضه منه فهو قلب جائع غير شبعان فإذا رأى أي طعام رآه هفت إليه نوازعه وانبعثت إليه دواعيه وأما من امتلأ قلبه بأعلى الأغذية وأشرفها : فإنه لا يلتفت إلى ما دونها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم"
أسأل الله لكى أن يجعلك من الصابرين