تفسير حديث يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن خليفة
السؤال: ما هو فهمكم وتفسيركم للحديث التالي حول المهدي ، والوارد في موقع الدرر السنية -
الموسوعة الحديثية : ( يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة ، كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصل إلى واحد منهم ، ثم
تقبل الرايات السود من قبل المشرق ، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم - ثم ذكر شيئا - فإذا رأيتموه فبايعوه
ولو حبوا على الثلج ، فإنه خليفة الله المهدي ) الراوي: ثوبان مولى رسول الله المحدث: البزار - المصدر:
البحر الزخار - الصفحة أو الرقم: 100 / 10 . خلاصة الدرجة: إسناده صحيح . أرجو توضيح : ما هو الكنز ؟ من
هم الثلاثة ؟ من هو الخليفة ؟ هل زمن حدوث ذلك قريب أم بعيد ؟ من هم أصحاب الرايات السود ؟ هل هم
مجوس الفرس في إيران ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا
:
الإيمان بخروج المهدي من عقيدة أهل السنةّ والجماعة ، وقد تواترت الأحاديث تواترا
معنوياّ بذلك ؛ ولذلك أورد العلامة الكتاني رحمه في ضمن ما جمعه من الأحاديث
المتواترة ، ونقل الحكم بتواتره عن غير واحد من أهل العلم ، كأبي الحسين الآبري ،
صاحب كتاب مناقب الشافعي ، والحافظ السخاوي ، وغيرهما . ينظر: "نظم المتناثر من
الحديث المتواتر" ( 240 - 236 ).
وفي
فتاوى اللجنة الدائمة ( 3 / 141 ) : ( الأحاديث التي دلتّ على خروج المهدي كثيرة ،
وردت من طرق متعددّة ، ورواها عدد من أئمةّ الحديث ، وذكر جماعة من أهل العلم أنهّا
متواترة معنوياًّ منهم : أبو الحسين الآبري من علماء المائة الراّبعة ، والعلامة
السفّاريني في كتابه [ لوامع الأنوار البهية ] ، والعلامة الشوّكاني في رسالة
سماّها [ التوضيح في تواتر أحاديث المهدي والدجّاّل والمسيح ]).
وليس المقصود من هذا المهدي ما يزعمه الرافضة : أنهّ موجود الآن ، وينتظرون خروجه
من سرداب سامراء ؛ إذ ذاك نوع من الهذيان ، وهوس شديد من الشيّطان ؛ حيث لا دليل
عليه من كتاب ولا سنةّ ولا معقول صحيح
.
ثانيا
:
جاء
هذا الحديث من رواية الصحابي الجليل ثوبان رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال :
يقَتْتَلِ عنِدْ كنَزْكِمُ ثلََاثةَ ، كلُُّهمُ ابنْ خلَيِفةَ ، ثمَُّ لَا
يصَيِر إلِىَ واَحدِ منِهْمُ ، ثمَُّ تطَلْعُ الرَّاياَت السُّود منِ قبِلَِ
المْشَرْقِ فيَقَتْلُوُنكَمُ قتَلًْا لمَ يقُتْلَهْ قوَمْ - ثمَُّ ذكَرََ
شيَئْاً لَا أحَفْظَهُ - فقَاَل : فإَذِاَ رأَيَتْمُوُه فبَاَيعِوُه ولَوَْ
حبَوْاً علَىَ الثَّلجْ ، فإَنَِّه خلَيِفةَ اللَّه المْهَدْيُِّ)
رواه ابن ماجه في " السنن " (رقم/ 4084 )، والبزار في " المسند " ( 120 / 2)، والروياني
(رقم/ 619 )، والحاكم في " المستدرك " ( 510 / 4)، ومن طريقه البيهقي في " دلائل النبوة
" (6/515)
رووه من طريق سفيان الثوري ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن
ثوبان به مرفوعا .
ورواه الحاكم والبيهقي أيضا – بعد الرواية السابقة - من طريق عبد الوهاب بن عطاء ،
عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان ، به موقوفا من كلام
ثوبان .
وقد اختلف أهل العلم في الحكم على هذا الحديث ، على قولين
:
القول الأول : تصحيح الحديث .
قال
البزار رحمه الله :
"
وهذا الحديث قد روى نحو كلامه من غير هذا الوجه بهذا اللفظ ، وهذا اللفظ لا نعلمه
إلا في هذا الحديث ، وإن كان قد روي أكثر معنى هذا الحديث ، فإنا اخترنا هذا الحديث
لصحته ، وجلالة ثوبان ، وإسناده إسناد صحيح " انتهى.
وقال الحاكم رحمه الله :
"
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين " انتهى . ولم يتعقبه الذهبي في تلخيصه .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
"
وهذا إسناد قوي صحيح " انتهى.
"
النهاية في الفتن والملاحم " (ص/ 17 )، وقد اختلف حكم ابن كثير على الحديث ، فرجح في
" البداية والنهاية " وقفه كما سيأتي .
وصححه القرطبي في " التذكرة " (ص/ 1201 )، والبوصيري في " مصباح الزجاجة " ( 263 / 3)،
وصححه الشيخ حمود التويجري رحمه الله في كتابه " إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن
والملاحم وأشراط الساعة " ( 187 / 2)
القول الثاني : تضعيف الحديث
.
قال
عبد الله بن أحمد بن حنبل :
"
حدثني أبي قال : قيل لابن علية في هذا الحديث ؟ فقال : كان خالد يرويه فلم يلُتفَتَ
إليه ، ضعَّف ابن علية أمره ، يعني : حديث خالد ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ،
عن ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرايات " انتهى.
"
العلل " ( 325 / 2)
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
"
رواه بعضهم عن ثوبان فوقفه ، وهو أشبه ، والله أعلم.
" انتهى.
"
البداية والنهاية " ( 55 / 10 )
وقال الذهبي رحمه الله :
"
أحمد في مسنده ، حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن علي بن زيد ، عن أبي قلابة ، عن ثوبان ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيتم السود قد أقبلت من خراسان فأتوها
ولو حبوا على الثلج ، فإن فيها خليفة المهدي )
قلت
– أي : الذهبي - : أراه منكرا ، وقد رواه الثوري ، وعبد العزيز بن المختار ، عن
خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، فقال : عن أسماء ، عن ثوبان " انتهى.
"
ميزان الاعتدال " ( 128 / 3) .
كما
أعله الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في " تفسير المنار " ( 421 - 419 / 9) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
"
منكر ...وقد ذهل من صححه عن علته ، وهي عنعنة أبي قلابة ، فإنه من المدلسين كما
تقدم نقلْهُ عن الذهبي وغيره ، ولعله لذلك ضعف الحديث ابن علية من طريق خالد ، كما
حكاه عنه أحمد في " العلل " ( 1 / 356 ) وأقره ، لكن الحديث صحيح المعنى ، دون قوله
: فإن فيها خليفة الله المهدي " انتهى باختصار.
"
السلسلة الضعيفة " (رقم/ 85 )
ثالثا
:
وقع
الخلاف أيضا في تفسير المراد بالكنز في هذا الحديث ، فمنِ قائل إنه كنز الكعبة ،
ومنِ قائل إنه الكنز الذي يحسر نهر الفرات عنه كما أخبرت عنه الأحاديث الصحيحة .
قال
الشيخ حمود التويجري رحمه الله :
"
قال ابن كثير في " النهاية " : " والظاهر أن المراد بالكنز المذكور في هذا السياق
كنز الكعبة "
قلت
–
أي الشيخ التويجري -
: وفي هذا نظر ؛ لما تقدم في باب النهي عن تهييج الترك والحبشة عن عبد الله بن عمرو
رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اتركوا الحبشة ما تركوكم
؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة ) رواه أبو داود ، والحاكم
، وقال : " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي في " تلخيصه . وقد رواه الإمام أحمد من
حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف. وإسناده جيد.
والأقرب في الكنز المذكور في حديث ثوبان رضي الله عنه: أنه الكنز الذي يحسر عنه
الفرات ، وقد يكون غيره
. والله أعلم " انتهى.
"
إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " ( 187 / 2) .
وهذا القول الثاني في تفسير الكنز ، قد ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله احتمالا ،
فقال :
"
فهذا إن كان المراد بالكنز فيه الكنز الذي في حديث الباب
يعني الحديث الذي ذكر انحسار الفرات عن جبل من ذهب
، دل على أنه إنما يقع عند ظهور المهدي ، وذلك قبل نزول عيسى وقبل خروج النار جزما
" . فتح الباري ( 81 / 13 ) .
رابعا
:
لم
نقف على من نص على المقصود من الثلاثة والخليفة في الحديث ، كما أنه لم يرد في شيء
من الأحاديث الصحيحة النص على زمان خروج المهدي . لكن النصّوص تدل على عودة
الخلافة الإسلاميةّ قبل قيام الساعة ، كقوله – صلىّ الله عليه وسلمّ - : " ياَ
ابنْ حوَاَلةَ إذِاَ رأَيَتْ الخْلَِافةَ قدَ نزَلَتَ الْأرَضَْ
المْقُدََّسةَ ، فقَدَ دنَتَ الزَّلَازلِ واَلبْلََاياَ واَلْأمُوُرُ
العْظِاَم ، واَلسَّاعةَ يوَمْئَذِ أقَرْبَ إلِىَ النَّاس منِ يدَيََّ هذَهِِ
منِ رأَسْكَِ
" .
أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن حوالة الأزدي - رضي الله عنه - برقم ( 2535 ) ،
وأحمد في المسند ( 288 / 5) ، والحاكم في المستدرك ( 471 / 4) ، وصححّه ، ووافقه الذهّبيّ
، وصححّه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم ( 2535 (
ولعلهّ أن يكون أحد هؤلاء الخلفاء الذين يظهرون في وقتهم المهديّ
.
ينظر : المهدي وفقه أشراط الساّعة للدكتور محمدّ إسماعيل المقدمّ (ص 728 ) وما
بعدها.
وينظر أيضا : فتاوى اللجنة الدائمة ( 140 / 3) في الفتوى رقم ( 1615 ) . وجواب السؤال
رقم ( 3259 )
.
خامسا
:
أصحاب الرايات السود ليسوا هم مجوس الفرس في إيران ، بل الذي يدل عليه ظاهر الحديث
أنهم أناس من أهل المشرق ينصرون المهدي ، ويقيمون سلطانه ، ويشدوّن أركانه ، وتكون
راياتهم سوداء
وهذا كله إذا قدر أن الحديث في ذكرهم ثابت محفوظ .
قال
الحافظ ابن كثير رحمه الله
:
"
وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني
أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي ، وهو محمد
بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه ، يصلحه الله في ليلة ؛ أي : يتوب
عليه ويوفقه ويفهمه ويرشده ، بعد أن لم يكن كذلك ، ويؤيده بناس من أهل المشرق
ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه ، وتكون راياتهم سوداء أيضا " . انتهى
.
النهّاية في الفتن والملاحم ( 49 / 1) ، وكتاب الفتن للمروزي ( 310 / 1) ، إتحاف الجماعة
، للشيخ حمود التويجري ( 286 / 1) وما بعدها
.
والله أعلم
.