جهد ثقافي عملاق:
** أثرى الدكتور "مصطفى محمود" المكتبة العربية بأكثر من ثمانين كتابًا تتنوع ما بين: الكتب العلمية، والدراسات الفلسفية، والإبداعات الأدبية، والمقالات السياسية والاجتماعية، والنظرات الدينية والفكرية، والرحلات، والتصوف.
** فهو من القلائل الذين حاولوا في كتاباتهم العلمية أن ينحوا نحو التبسيط في عرض أعقد النظريات والمسائل العلمية عن طريق الشرح المبسط، وضرب الأمثلة الشارحة الموضحة، يتضح هذا في كتبه العلمية العديدة، مثل) : أينشتين والنسبية)** وتمثَّلَ إسهامُه الأدبي في إبداعاته العديدة ما بين الرواية، والقصة القصيرة، وأدب الرحلات، ويعدُّ الدكتور" مصطفى محمود" من الكُتّاب البارزين للقصة القصيرة من جيل الوسط، وقد كتب العديد من المجموعات القصصية المتميزة مثل: (عنبر 7)، و(شلة الأنس)و(رائحة الدم)، و(أكل عيش)، وغيرها .
** كذلك يعدُّ "مصطفى محمود" من أهم كُتاب الرواية، وبالأخص رواية (الخيال العلمي) التي ساهم بالكتابة فيها بأعمال مميزة، نذكر منها رواياته الشهيرة: (رجل تحت الصفر)، (المستحيل)، (الأفيون)، وتعد علامات في رواية الخيال العلمي المكتوبة باللغة العربية، شأنه في ذلك شأن أعظم كتاب رواية الخيال العلمي في مصر، مثل "نهاد شريف"، و"صبري موسى"، و"رءوف وصفي".
** ومن الجوانب المهمة التي يجدر التنويه بها أن الدكتور" مصطفى محمود" كان من أوائل من اتخذوا في كتابتهم للرواية منحًى تجريبيًّا بارتياده طريق تيار الوعي؛ وهو الذي لا يتخذ في كتابة الرواية الشكل التقليدي الكلاسيكي، وإنما يعتمد على التداعي الحر، والمناجاة الذاتية، والحلم فيما يُعرف اصطلاحًا برواية (تيار الوعي). وانتظم في ذلك مع "محمد عوض عبد العال"، و"عبد الفتاح رزق"، و"مجيد طوبيا" وغيرهم ممن سلكوا هذا الطريق من جيل الستينيات ومن تلاهم.
** أما عن أدب الرحلات فيكفي أن نشير إلى أنه من المعدودين من كُتَّاب أدب الرحلات في مصر والعالم العربي، ووضع اسمه ضمن البارزين في هذا الفن، مع "محمود تيمور"، و"حسين فوزي" و"أنيس منصور"، و"عبد الله الطوخي"، و"عبد الفتاح رزق"، و"خيري شلبي"، وغيرهم... وقد نال جائزة الدولة التشجيعية في أدب الرحلات عام 1975، عن كتابه )مغامرة في الصحراء) .
** وعن كتاباته في الفكر الإسلامي وآرائه الجريئة في بعض القضايا الشائكة والحساسة فحدِّث ولا حرج! فهو صاحب الكتب والبحوث التي أثارت من المعارك وردود الأفعال ما ظل يشغل الساحة الفكرية والدينية لفترات طويلة، فقد اشتبك –فكريًا- مع العديد من أعلام الفكر والدين في موضوعات ما زالت إلى الآن محل خلاف.
** لعل من أشهر هذه المعارك معركته مع الدكتورة "عائشة عبد الرحمن" (بنت الشاطئ) حول كتاب (القرآن محاولة لفهم عصري)، فقد كانت من أعنف المعارك الفكرية حول الإعجاز العلمي للقرآن، ودارت هذه المعركة الفكرية في أوائل السبعينيات على صفحات جريدة الأهرام، وتحديدًا أهرام الجمعة، وعلى مدار شهرين كاملين (مارس، وأبريل)، وكانت الدكتورة "عائشة عبد الرحمن" تردّ على مقالات "مصطفى محمود" التي كان ينشرها آنذاك على صفحات مجلة (صباح الخير) .
** ومعركة أخرى دارت أحداثها منذ عدة سنوات عندما أصدر كتابه (الشفاعة( وثارت حينها زوابع وعواصف من قِبَل رجال الدين والفقهاء الذين أنكروا عليه ما ذهب إليه من آراء وأفكار، وكُتِبَ في الرد عليه العديدُ من الكتب والمقالات في الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية.
** وكان لـ"مصطفى محمود" دور بارز في الكشف عن حقيقة الأفكار والمعتقدات البهائية في كتابه -الذي يعد من أوائل الكتب التي تناولت هذا الموضوع- (حقيقة البهائية ) .
** وتميز أسلوب "مصطفى محمود" بالبساطة والسلاسة المتناهية، التي تشد القارئ، وتجعله منجذبًا لموضوعه الذي يقرؤه، هذا بالإضافة إلى قدرته الخارقة على تطويع اللغة تطويعًا عجيبًا بحيث تكون في النهاية سلسة لينة يشكلها، ويعبر بها عما أراد وما يريد.
** ويطول بنا الكلام ويتشعب لو حاولنا أن نستقصي ونتتبع مظاهر إنتاج الرجل، وتعدد مشاربه وإسهاماته، مما يخرج بنا عن الغاية التعريفية التي نبتغيها من هذا المقال.
** وهذه قائمة شبه تفصيلية لكتبه ومؤلفاته
والتي تم تصينِّفها إلى مجموعات متمايزة
ويندرج تحت كل مجموعة منها ما يتصل برابط أو مشترك بينها
أولاً: من الأعمال القصصية :
• أكل العيش (دار المعارف) قصص.
• عنبر 7 (دار المعارف) قصص.
• شلة الأنس (دار المعارف) قصص.
• يوميات نص الليل (دار المعارف).
• المستحيل (دار المعارف) قصة.
• الأفيون..(سيناريو) (دار المعارف).
• العنكبوت (دار المعارف) .
• الخروج من التابوت (دار المعارف).
• رجل تحت الصفر (دار المعارف) قصة.
• الإسكندر الأكبر (دار المعارف).
• الزلزال (دار المعارف).
• الإنسان والظل (دار المعارف) .
• غوما (دار المعارف) .
• الشيطان يسكن في بيتنا (دار المعارف) .
• الغابة (دار المعارف) .
• مغامرة في الصحراء (دار المعارف) .
• المدينة (أو حكاية مسافر) (دار المعارف) .
• الذين ضحكوا حتى البكاء (دار المعارف) .
ثانيًا: من الأعمال الفكرية الدينية والتأملات الفلسفية :
• الله والإنسان (دار المعارف) .
• إبليس (دار المعارف) .
• لغز الموت (دار المعارف) .
• لغز الحياة (دار المعارف) .
• الأحلام (دار المعارف) .
• القرآن محاولة لفهم عصري (دار المعارف) .
• رحلتي من الشك إلى الإيمان (دار المعارف) .
• الطريق إلى الكعبة (دار المعارف) .
• الله (دار المعارف) .
• التوراة (دار المعارف) .
• الشيطان يحكم (دار المعارف) .
• رأيت الله (دار المعارف) .
• الروح والجسد (دار المعارف) .
• حوار مع صديقي الملحد (دار المعارف) .
• محمد (دار المعارف) .
• السر الأعظم (دار المعارف) .
• الطوفان (دار المعارف) .
• الوجود والعدم (دار المعارف) .
• من أسرار القرآن (دار المعارف) ..
• لماذا رفضت الماركسية (دار المعارف) .
• نقطة الغليان (دار المعارف) .
• عصر القرود (دار المعارف) .
• القرآن كائن حي (دار المعارف) .
• أكذوبة اليسار الإسلامي (دار المعارف) .
• الماركسية والإسلام (دار المعارف) .
• الإسلام.. ما هو؟ (دار المعارف) .
• الشفاعة (أخبار اليوم) .
• حقيقة البهائية (دار المعارف) .
• المسيخ الدجال (دار المعارف) .
ثالثا: من مقالاته السياسية والفكرية :
• الإسلام في خندق (أخبار اليوم) .
• زيارة للجنة والنار (أخبار اليوم) .
• عظماء الدنيا وعظماء الآخرة (أخبار اليوم) .
• علم نفس قرآني جديد (أخبار اليوم) .
• الإسلام السياسي والمعركة القادمة (أخبار اليوم) .
• المؤامرة الكبرى (أخبار اليوم) .
• عالم الأسرار (أخبار اليوم) .
• على حافة الانتحار (أخبار اليوم) .
• سواح في دنيا الله (أخبار اليوم) .
• إسرائيل البداية والنهاية (أخبار اليوم) .
• ماذا وراء بوابة الموت (أخبار اليوم) .
• الغد المشتعل (أخبار اليوم) .
• قراءة للمستقبل (أخبار اليوم) .
• ألعاب السيرك السياسي (أخبار اليوم) .
• كلمة السر (أخبار اليوم) .
• الطريق إلى جهنم (أخبار اليوم) .
رابعا: متفرقات وعن الحياة والحب والعشق :
• في الحب والحياة (دار المعارف) .
• اعترفوا لي (دار المعارف) .
• 55 مشكلة حب (دار المعارف) .
• اعترافات عشاق (دار المعارف) .
• أينشتين والنسبية (دار المعارف) .
• نار تحت الرماد (دار المعارف) .
• أناشيد الإثم والبراءة (دار المعارف) .
• جهنم الصغرى (دار المعارف) .
• من أمريكا إلى الشاطئ الآخر (دار المعارف) .
• أيها السادة: اخلعوا الأقنعة (دار المعارف) .
• هل هو عصر الجنون؟ (دار المعارف) .
• وبدأ العد التنازلي (دار المعارف) .
• السؤال الحائر (دار المعارف) .
• سقوط اليسار (دار المعارف) .
• على خط النار (دار المعارف) .
• حياتي وفكري.. آرائي ومواقفي (دار المعارف) .
من تأملاته: إسرائيل عاصمة الكراهية.. والأصولية بدعة بتمويل أجنبي
لم يكن شغفه بالخيال لمجرد الخيال، ولكنه خيال قائم علي واقع ومعرفة، قاعدة ثابتة يستند إليها في استشراف المستقبل، وبعين ورؤية الفلاسفة، كتب الدكتور مصطفي محمود عشرات المقالات، بدأها عام ١٩٤٧ في مجلة «الرسالة»، مرورًا بمجلات «روز اليوسف، صباح الخير، أكتوبر، الشباب»، وصحف «النداء، الزمان، الأهرام».
تناول في كتاباته شتي أمور الحياة، السياسة والدين، الشؤون الداخلية والخارجية، الصراع العربي- الإسرائيلي و الأصولية، العدوان الأمريكي- البريطاني علي العراق و حب الله.
تحت عنوان «تأملات» اعتاد الدكتور مصطفي محمود أن يكتب سلسلة مقالات في مجلة أكتوبر، كان من بينها مقال عن العنف الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين، وأثره علي مستقبل إسرائيل والمنطقة، وتحت عنوان «عاصمة الكراهية في العالم ... حكاية ذكري» كتب محمود محذرا: «أقول لزعماء إسرائيل إن العنف لن يجدي، والعدوان لن يجر إلا العدوان، والقتل لن يجر إلا القتل، ولن ينقذكم من أنفسكم إلا صحوة إنسانية، وبادرة رحمانية، تغسل عن نفوسكم السوداء أحقادها، وتفتح عيونكم العمياء علي الدمار الذي تسارعون فيه، فالحصاد مُر، والثمار علقم، والنتيجة لن تكون إسرائيل الكبري، وإنما ستكون بانفجار الموقف كله، وتحوله إلي هباء ونار مشتعلة».
أما الأصولية فهي - حسب رأيه - «بدعة سياسية ابتدعها أقوام أرادوا أن يتميزوا علي الآخرين، وأن يستبيحوا دماء الخصوم، وأن يتسلطوا بشريعة إلهية مزعومة علي ضفاف العقول، وأنفقت علي تلك البدعة ومولتها أيد أجنبية عميلة».
واعتبر أن ما يهم العلمانيين هو «التصدي للدين والطعن علي الإسلاميين، والإسلاميون علي اختلاف فرقهم، هم والإرهابيون شيئ واحد في نظرهم»، وبرؤيته لوضع العلمانيين مستقبلا بشرهم قائلاً «عمرهم سيطول، وسوف يشهدون غرق المركب الصهيوني أيضا، ولن يبقي لهم سوي بر المشايخ والطرق الصوفية، يقفزون إليه هربا بجلدهم من المصير المحتوم، وأراهن ساعتها أنهم سوف يربون لحاهم، ويلتحقون بالطائفة الشاذلية، وسوف نراهم علي مائدة الفتة يبحثون عن نصيب من الكوارع، فالعهد بهم أنهم بلا مبدأ، همهم في كل عصر أن يسودوا وأن تكون لهم الكلمة والغلبة».
تعددت معاركه.. والتهمة واحدة «الإلحاد»
ربما لا تعرف الأجيال الجديدة في مصر عن الدكتور مصطفي محمود أكثر من أنه صاحب المسجد الشهير والمركز الطبي المجاني اللذين يحملان اسمه، واللذين يتصدران موقعاً حيوياً للغاية في الميدان الذي يحمل اسمه أيضاً بحي المهندسين، أما الأجيال الأقدم قليلاً فربما تتذكره مقدماً لبرنامجه الأسبوعي «العلم والإيمان» والذي امتد لأكثر من ثلاثين عام متواصلة راح يصول ويجول خلالها في ميدان العلم محاولاً أن يجد له مدخلاً إيمانياً كأول إشارة إلي موضوع «الإعجاز العلمي في القرآن»، أما الأجيال الأسبق علي الجيلين الماضيين فربما عرفوا الدكتور أديباً وقاصاً وصاحب آراء جرت عليه من المتاعب أضعاف ما جرت عليه من الشهرة، فمن هو من هؤلاء الثلاثة؟
مصطفي محمود نفسه أجاب عن السؤال حينما قال في أحد الأحاديث الصحفية التي أجريت معه منذ أعوام قليلة: «لو سئلت بعد هذا المشوار الطويل من أكون: هل أنا الأديب القاص، أو المسرحي الفنان، أو الطبيب، لقلت كل ما أريد أن أكون خادم لكلمة لا إله إلا الله، وأن أكون بحياتي وعلمي لا أعمل إلا الخير» بهذه الكلمات لخص محمود دوره في الحياة كما يحب أن يكون، وهو الدور الذي حرص علي التأكيد عليه سواء في مقالاته أو برنامجه التليفزيوني أو معاركه الفكرية أو حتي لقاءاته الإعلامية.
علي أن البعد الديني في حياة مصطفي محمود كان مثار جدل كبير منذ بدأ مشروعه الفكري بإصدار كتابه الأول «الله والإنسان» في مارس ١٩٥٧ ضمن سلسلة كتب للجميع، وهو الكتاب الذي تسبب في اتهامه بالإلحاد، الأمر الذي نفاه فيما بعد عندما قدم كتابه الشهير «رحلتي من الشك إلي الإيمان» وقال فيه إنه قدم كتابه الأول منطلقاً من شيء أساسي وجوهري وهو أن الله واحد، وأضاف: «لقد ناقشت في كتابي كل الظواهر الموجودة في الكون بمنطق فكري علمي والقليلون فهموا موقفي علي وجهه الصحيح» ويتابع: أتذكر يومها أنني التقيت بالشاعر كامل الشناوي عندما شاعت عني تهمة الإلحاد يومها قال لي: «يا درش بيقولوا عليك ملحد ده أنا لقيتك بتلحد علي سجادة صلاة»، ويضيف: «كانت لي شكوك إنسانية لكن كنت مع الله وأنا في حالة شكي هذه».
لم يفلح كتاب «رحلتي من الشك إلي الإيمان» في القضاء علي شائعة الإلحاد عند مصطفي محمود التي طاردته فيما تلا ذلك من أعوام حتي بعد أن بدأ تقديم برنامج العلم والإيمان في بداية السبعينيات محاولاً فيه إيجاد رابط بين الطرفين، وإصداره كتباً مثل «الله» و«رأيت الله» و«القرآن كائن حي» و«الماركسية والإسلام» و«الصوفية السر الأعظم» و«أسرار القرآن» و«القرآن محاولة لفهم عصري» و«الله، محمد، الكعبة».
ولم يمض وقت طويل حتي ثارت أزمة جديدة بسبب كتابته سلسلة مقالات في جريدة الأهرام أواخر التسعينيات عارض فيها القائلين بوجوب شفاعة الرسول عليه السلام يوم القيامة كما دعا إلي تنقية الأحاديث النبوية التي قال إنها «تعرضت للعبث من بعض «الوضّاعين» خصوصاً أنها كتبت بعد وفاة الرسول عليه السلام بمائتي عام» وضرب مثلاً علي ذلك بحديث «فقء نبي الله موسي لعين ملك الموت عندما جاءه ليقبض روحه» مما وضعه في مرمي نيران الأزهر ورجاله الذين اتهموه بـ«إنكار الشفاعة» و«التشكيك في الأحاديث النبوية»
واعتبروه «منكراً لآيات القرآن الخاصة بالشفاعة والأحاديث النبوية» إلي حد قيام الدكتور عبد المنعم نجم رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر باتهامه بالإلحاد والكفر لينهي الدكتور مصطفي محمود معاركه الفكرية بنفس الاتهام القديم الذي واجهه منذ ما يقرب من أربعين عام كاملة.
وفاته
****
توفى الدكتور مصطفى محمود قي الساعة السابعة والنصف من صباح السبت 31 أكتوبر (2009) الموافق 12 ذو القعدة 1430 هـ، بعد رحلة علاج استمرت عدة شهور عن عمر ناهز 88 عاما، وقد تم تشييع الجنازة من مسجده بالمهندسين