تنازلات أهالي الأطفال جرت المصادقة عليها من إحدى المحاكم المصرية
تجري السلطات المصرية حالياً تحقيقات موسّعة فيما يصفها مراقبون بـ"أكبر" قضية للاتّجار بالبشر تشهدها مصر، بعد قيام المئات من أهالي إحدى القرى ببيع أطفالهم إلى عدد من الأوروبيين، بهدف الخروج من دائرة الفقر التي تعصف بهم، ومنح أبنائهم الفرصة للسفر والعيش في أوروبا.
ورغم ما تتضمنه عملية تنازل أهالي هؤلاء الأطفال عنهم إلى آخرين من "انتهاكات" يجرّمها القانون، فإن تلك التنازلات جرت المصادقة عليها من إحدى المحاكم المصرية، مما يزيد الجدل بين القانونيين؛ ليس فقط حول مدى شرعية تلك الإجراءات، وإنما أيضاً حول مدى إمكانية تقديم أي من مرتكبيها للمحاكمة.
وفي خطوة نادرة تقدّمت الدكتورة مشيرة خطاب -وزيرة الأسرة والسكان- ببلاغ إلى المستشار عبد المجيد محمود -النائب العام- في واقعة تنازل عدد من أهالي قرية "أجهور الصغرى" التابعة لمركز "القناطر الخيرية" بمحافظة القليوبية، شمالي القاهرة، عن أبنائهم، وبيعهم لمهاجرين في أوروبا، غالبيتهم من أصول مصرية.
وعلى الفور قرّر النائب العام بدء التحقيق في البلاغ، وأحال ملف القضية إلى نيابة جنوب القليوبية، التي أمرت باستدعاء أمين عام محكمة القناطر، وكاتب المحكمة؛ لسؤالهما في الواقعة، وتحديد مسئوليتهما في إثبات "صحة التوقيع" على تلك التنازلات، والتي تشمل نحو 345 طفلاً من أبناء القرية.
من جانبه وصف الكاتب الصحفي والناشط الحقوقي أسامة هيكل قيام عدد من أهالي قرية "أجهور الصغرى" بالتنازل عن أطفالهم لآخرين، بأنه "مصيبة سوداء"، وحذر من أن مثل هذه الممارسات قد تكون موجودة في قرى أخرى؛ بسبب تفاقم "لعنة الفقر" في كثير من القرى المصرية.
من جانب آخر وصفت "المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة"، الوضع في قرية "أجهور" بـ"الكارثي"، بعد ما حدث بها من بيع الأطفال هناك وبمعرفة المحاكم، واعتبرت أن هذه الوقائع "تمثّل اتجاراً بالبشر"، يجرّمها قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008.
وأعربت المؤسسة في بيان -نقلته صحيفة "اليوم السابع"- عن أسفها مما يحدث؛ باعتباره "أقصى درجات الانتهاكات التي تتعرض لها البشرية، بأن يتحول الأفراد إلى سلعة يمكن المتاجرة بها أو بيعها وشراؤها، مخالفة لكل الشرائع السماوية، والأعراف والدساتير والقوانين الوطنية في العالم أجمع".
وأرجع البيان السبب فيما يحدث إلى أن "تلك الجرائم تعبّر عن السياسات الاقتصادية الخطأ، التي تنتهجها الحكومة المصرية، والتي أدت إلى معاناة قطاع كبير من المجتمع الواقع تحت خط الفقر"، وأشار البيان إلى أن المؤسسة تقدّمت ببلاغ للنائب العام لفتح التحقيق في هذا الملف، والذي يمثّل "وصمة عار" على المجتمع.
كما طالبت المؤسسة القوى الاجتماعية كافةً بمؤسساتها الحكومية وغيرها، بـ"التكاتف والعمل الجماعي لوقف هذه الظاهرة الكارثية، ورفع وعي المجتمع بها وبمخاطرها، وتقديم كافة الأشخاص المشتركين في هذه الجرائم إلى المحاكمة الجنائية" على وجه السرعة.