منتديات مترو
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» حفلات الشيخ ياسين التهامى mp3 للتحميل , تحميل حفلات ياسين التهامى
موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Emptyالسبت مارس 30, 2024 2:48 pm من طرف الزقم

»  تحميل كتاب شمس المعارف , كتاب السحر الأسود , بحجم 32 ميجا تحميل
موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Emptyالسبت مارس 30, 2024 2:26 pm من طرف الزقم

» كتاب ( نهايـــــــة العالــــــم ) للدكتور ‘‘ محمد العريفي ‘‘ من أغرب الكتب وأكثرها مبيعا للتحميل المباشر وعلى اكثر من سيرفر علامات الساعة بالصور والخرائط
موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Emptyالإثنين أبريل 10, 2023 5:37 pm من طرف الزقم

» كلما ابتعدنا
موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Emptyالخميس نوفمبر 19, 2020 12:46 pm من طرف ربيع محمد

» تحميل جميع البومات ام كلثوم
موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Emptyالإثنين ديسمبر 16, 2019 10:36 pm من طرف نبيل سويلم

» فيلم القشاش بصيغة 3gp للهواتف المحموله برابط مباشر
موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Emptyالخميس نوفمبر 28, 2019 4:40 pm من طرف sjody

» المقادير لابن الباديه
موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Emptyالخميس أكتوبر 24, 2019 7:53 am من طرف ربيع محمد

» تحميل نغمة سلام قول من رب رحيم , نغمة لطفى لبيب سلام قول من رب رحيم للتحميل
موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Emptyالخميس أكتوبر 17, 2019 9:41 pm من طرف الزقم

» 1000 لعبة من العاب الاتارى بتاعة زمان تعمل على اى جهاز للتحميل على سيرفرات متعدده
موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Emptyالخميس أكتوبر 17, 2019 8:59 pm من طرف الزقم

» سفينتى*سفينة الحب*السلطان العاشق
موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Emptyالخميس أكتوبر 03, 2019 6:27 pm من طرف عماد الصغير

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
body onbeforeprint="onbeforeprint()" onafterprint="onafterprint()"onselectstart="return false" oncontextmenu="return false">

 

 موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الامورة
راكب درجه ثالثه
راكب درجه ثالثه
الامورة


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 446
نقاط : 651
تاريخ التسجيل : 07/10/2009

موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام   موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Emptyالجمعة أغسطس 06, 2010 3:21 pm

ذكر اخبار العرب


قيل‏:‏ إن جميع العرب ينتسبون إلى
إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام والتحية والإكرام، والصحيح المشهور أن
العرب العاربة قبل إسماعيل، وقد قدمنا أن العرب العاربة منهم‏:‏ عاد،
وثمود، وطسم، وجديس، وأميم، وجرهم، والعماليق، وأمم آخرون لا يعلمهم إلا
الله كانوا قبل الخليل عليه الصلاة والسلام وفي زمانه أيضاً‏.‏

فأما العرب المستعربة‏:‏ وهم عرب الحجاز فمن ذرية إسماعيل بن إبراهيم
عليهما السلام، وأما عرب اليمن‏:‏ وهم حمير، فالمشهور أنهم من قحطان،
واسمه‏:‏ مهزم، قاله ابن ماكولا‏.‏

وذكروا أنهم كانوا أربعة إخوة‏:‏ قحطان، وقاحط، ومقحط، وفالغ، وقحطان بن
هود، وقيل‏:‏ هو هود، وقيل‏:‏ هود أخوه، وقيل‏:‏ من ذريته، وقيل‏:‏ إن
قحطان من سلالة إسماعيل، حكاه ابن إسحاق، وغيره‏.‏ فقال بعضهم‏:‏ هو قحطان
بن الهميسع بن تيمن بن قيذر بنت ابن إسماعيل، وقيل‏:‏ غير ذلك في نسبه إلى
إسماعيل، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 188‏)‏

وقد ترجم البخاري في صحيحه على ذلك، فقال‏:‏ باب نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه السلام‏:‏

حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن يزيد بن أبي عبيد، حدثنا سلمة رضي الله عنه
قال‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون
بالسيوف، فقال‏:‏

‏(‏‏(‏ارموا بني إسماعيل، وأنا مع بني فلان‏)‏‏)‏ لأحد الفريقين‏.‏ فأمسكوا بأيدهم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما لكم‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ وكيف نرمي وأنت مع بني فلان‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ارموا وأنا معكم كلكم‏)‏‏)‏‏.‏

انفرد به البخاري، وفي بعض ألفاظه‏:‏ ‏(‏‏(‏ارموا بني إسماعيل فإن أباكم
كان رامياً، ارموا وأنا مع ابن الأدرع‏)‏‏)‏‏.‏ فأمسك القوم فقال‏:‏
‏(‏‏(‏ارموا وأنا معكم كلكم‏)‏‏)‏‏.‏

قال البخاري وأسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة، يعني وخزاعة
فرقة ممن كان تمزق من قبائل سبأ حين أرسل الله عليهم سيل العرم، كما سيأتي
بيانه، وكانت الأوس والخزرج منهم، وقد قال لهم عليه الصلاة والسلام‏:‏

‏(‏‏(‏ارموا بني إسماعيل‏)‏‏)‏ فدل على أنهم من سلالته، وتأوله آخرون على
أن المراد بذلك جنس العرب، لكنه تأويل بعيد إذ هو خلاف الظاهر بلا دليل‏.‏

لكن الجمهور على أن العرب القحطانية من عرب اليمن وغيرهم، ليسوا من سلالة
إسماعيل، وعندهم أن جميع العرب ينقسمون إلى قسمين‏:‏ قحطانية، وعدنانية؛
فالقحطانية‏:‏ شعبان سبأ وحضرموت، والعدنانية‏:‏ شعبان أيضاً ربيعة ومضر،
ابنا نزار بن معد بن عدنان، والشعب الخامس وهم‏:‏ قضاعة مختلف فيهم‏.‏
فقيل‏:‏ إنهم عدنانيون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 189‏)‏

قال ابن عبد البر وعليه الأكثرون، ويروى هذا عن ابن عباس، وابن عمر، وجبير
بن مطعم، وهو اختيار الزبير بن بكار، وعمه مصعب الزبيري، وابن هشام، وقد
ورد في حديث قضاعة بن معد، ولكنه لا يصح، قاله ابن عبد البر وغيره،
ويقال‏:‏ إنهم لن يزالوا في جاهليتهم، وصدر من الإسلام، ينتسبون إلى عدنان،
فلما كان في زمن خالد بن يزيد بن معاوية، وكانوا أخواله انتسبوا إلى
قحطان، فقال في ذلك أعشى بن ثعلبة في قصيدة له‏:‏

أبلغ قضاعة في القرطاس إنهم * لولا خلائف آل الله ما عتقوا

قالت قضاعة إنا من ذوي يمن * والله يعلم ما بروا وما صدقوا

قد ادعوا والداً ما نال أمهم * قد يعلمون ولكن ذلك الفرق

وقد ذكر أبو عمرو السهيلي أيضاً من شعر العرب ما فيه إبداع في تفسير قضاعة في انتسابهم إلى اليمن، والله أعلم‏.‏

والقول الثاني أنهم من قحطان، وهو قول ابن إسحاق، والكلبي، وطائفة من أهل
النسب، قال ابن إسحاق وهو قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن
قحطان‏.‏ وقد قال بعض شعرائهم وهو عمرو بن مرة صحابي له حديثان‏:‏

يا أيها الداعي ادعنا وأبشر * وكن قضاعياً ولا تنزر

نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر * قضاعة بن مالك بن حمير

النسب المعروف غير المنكر * في الحجر المنقوش تحت المنبر

قال بعض أهل النسب‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 190‏)‏

هو قضاعة بن مالك بن عمر بن مرة بن زيد بن حمير، وقال ابن لهيعة عن معروف
بن سويد، عن أبي عشابة محمد بن موسى عن عقبة بن عامر قال‏:‏ قلت يا رسول
الله أما نحن من معد‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ فمن نحن‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنتم قضاعة بن مالك بن حمير‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر بن عبد البر، ولا يختلفون أن جهينة بن زيد بن أسود بن أسلم بن
عمران بن إلحاف بن قضاعة قبيلة عقبة بن عامر الجهني، فعلى هذا قضاعة في
اليمن في حمير بن سبأ‏.‏

وقد جمع بعضهم بين هذين القولين بما ذكره الزبير بن بكار وغيره، من أن
قضاعة امرأة من جرهم، تزوجها مالك بن حمير، فولدت له قضاعة، ثم خلف عليها
معد بن عدنان وابنها صغير، وزعم بعضهم أنه كان حملاً فنسب إلى زوج أمه، كما
كانت عادة كثير منهم ينسبون الرجل إلى زوج أمه، والله أعلم‏.‏

وقال محمد بن سلام البصري النسابة‏:‏ العرب ثلاثة جراثيم‏:‏ العدنانية، والقحطانية، وقضاعة‏.‏

قيل له‏:‏ فأيهما أكثر العدنانية أو القحطانية‏؟‏

فقال‏:‏ ما شاءت قضاعة أن تيامنت؛ فالقحطانية أكثر، وإن تعددت، فالعدنانية
أكثر‏.‏ وهذا يدل على أنهم يتلومون في نسبهم، فإن صح حديث ابن لهيعة
المقدم، فهو دليل على أنهم من القحطانية، والله أعلم‏.‏

وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 13‏]‏‏.‏

قال علماء النسب‏:‏ يقال شعوب، ثم قبائل، ثم عمائر، ثم بطون، ثم أفخاذ، ثم
فصائل، ثم عشائر‏.‏ والعشيرة أقرب الناس إلى الرجل، وليس بعدها شيء‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 191‏)‏

ولنبدأ أولاً بذكر القحطانية، ثم نذكر بعدهم عرب الحجاز، وهم العدنانية،
وما كان من أمر الجاهلية ليكون ذلك متصلاً بسيرة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، إن شاء الله تعالى وبه الثقة‏.‏

وقال البخاري باب ذكر قحطان‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، قال‏:‏ حدثنا
سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد، عن أبي المغيث، عن أبي هريرة رضي الله
عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه مسلم عن قتيبة، عن الدراوردي، عن ثور بن زيد به‏.‏

قال السهيلي‏:‏ وقحطان أول من قيل له أبيت اللعن، وأول من قيل له أنعم صباحاً‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو المغيرة، عن جرير، حدثني راشد بن سعد
المقراي، عن أبي حي، عن ذي فجر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏كان هذا الأمر في حمير، فنزعه الله منهم، فجعله في قريش‏)‏‏)‏ ‏(‏وس ى
ع و د ا ل ى هـ م‏)‏ قال عبد الله‏:‏ كان هذا في كتاب أبي، وحيث حدثنا به
تكلم به على الاستواء، يعني‏:‏ وسيعود إليهم‏.‏




قصة سبأ

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ
لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا
مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ
غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ
وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ
وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا
كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا
فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ *
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ‏}‏ ‏[‏سبأ‏:‏ 15-19‏]‏‏.‏

قال علماء النسب منهم محمد بن إسحاق‏:‏ اسم سبأ عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن
قحطان، قالوا‏:‏ وكان أول من سبى من العرب فسمى سبأ لذلك‏.‏ وكان يقال
له‏:‏ الرائش، لأنه كان يعطي الناس الأموال من متاعه‏.‏

قال السهيلي‏:‏ ويقال إنه أول من تتوج‏.‏

وذكر بعضهم أنه كان مسلماً، وكان له شعر بشر فيه بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك قوله‏:‏

سيملك بعدنا ملكاً عظيماً * نبي لا يرخص في الحرام

ويملك بعده منهم ملوك * يدينون العباد بغير ذام

‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 192‏)‏

ويملك بعدهم منا ما ملوك * يصير الملك فينا باقتسام

ويملك بعد قحطان نبي * تقي جبينه خير الأنام

يسمى أحمداً يا ليت أني * أعمر بعد مبعثه بعام

فأعضده وأحبوه بنصري * بكل مدجج وبكل رام

متى يظهر فكونوا ناصريه* ومن يلقاه يبلغه سلامي

حكاه ابن دحية في كتابه ‏(‏التنوير‏)‏ في مولد البشير النذير‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن دعلة، سمعت عبد الله بن العباس يقول‏:‏

إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو‏:‏ أرجل أم امرأة أم أرض‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل هو رجل، ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة، وبالشام منهم
أربعة، فأما اليمانيون‏:‏ فمذحج، وكندة، والأزد، والأشعريون، وأنمار،
وحمير، وأما الشامية‏:‏ فلخم، وجذام وعاملة، وغسان‏)‏‏)‏‏.‏

وقد ذكرنا في التفسير أن فروة بن مسيك الغطيفي، هو السائل عن ذلك، كما استقصينا طرق هذا الحديث وألفاظه هناك، ولله الحمد

والمقصود أن سبأ يجمع هذه القبائل كلها، وقد كان فيهم التبابعة بأرض اليمن،
وأحدهم تُبَّع، وكان لملوكهم تيجان يلبسونها وقت الحكم، كما كانت الأكاسرة
ملوك الفرس يفعلون ذلك‏.‏

وكانت العرب تسمي كل من ملك اليمن مع الشحر وحضرموت تُبَّعاً، كما يسمون من
ملك الشام مع الجزيرة قيصر، ومن ملك الفرس كسرى، ومن ملك مصر فرعون، ومن
ملك الحبشة النجاشي، ومن ملك الهند بطليموس‏.‏

وقد كان من جملة ملوك حمير بأرض اليمن بلقيس، وقد قدمنا قصتها مع سليمان
عليه السلام، وقد كانوا في غبطة عظيمة، وأرزاق دارة، وثمار وزروع كثيرة،
وكانوا مع ذلك على الاستقامة والسداد وطريق الرشاد، فلما بدلوا نعمة الله
كفراً أحلوا قومهم دار البوار‏.‏

قال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه‏:‏ أرسل الله إليهم ثلاثة عشر نبياً‏.‏
وزعم السدي أنه أرسل إليهم اثني عشر ألف نبي، فالله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/
193‏)‏

والمقصود أنهم لما عدلوا عن الهدى إلى الضلال، وسجدوا للشمس من دون الله،
وكان ذلك في زمان بلقيس وقبلها أيضاً، واستمر ذلك فيهم حتى أرسل الله عليهم
سيل العرم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ
سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ
أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ
جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ‏}‏
‏[‏سبأ‏:‏ 16-17‏]‏‏.‏

ذكر غير واحد من علماء السلف والخلف من المفسرين وغيرهم، أن سد مأرب كان
صنعته أن المياه تجري من بين جبلين، فعمدوا في قديم الزمان فسدوا ما بينهما
ببناء محكم جداً، حتى ارتفع الماء فحكم على أعالي الجبلين، وغرسوا فيهما
البساتين والأشجار المثمرة الأنيقة، وزرعوا الزروع الكثيرة‏.‏

ويقال‏:‏ كان أول من بناه سبأ بن يعرب، وسلط إليه سبعين وادياً يفد إليه،
وجعل له ثلاثين فرضة يخرج منها الماء، ومات ولم يكمل بناؤه، فكملته حمير
بعده، وكان اتساعه فرسخاً في فرسخ‏.‏

وكانوا في غبطة عظيمة، وعيش رغيد، وأيام طيبة، حتى ذكر قتادة وغيره أن
المرأة كانت تمر بالمكتل على رأسها؛ فتمتلئ من الثمار ما يتساقط فيه من
نضجه وكثرته‏.‏

وذكروا أنه لم يكن في بلادهم شيء من البراغيث، ولا الدواب المؤذية، لصحة
هوائهم، وطيب فنائهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي
مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ
رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ‏}‏
‏[‏سبأ‏:‏ 15‏]‏‏.‏

وكما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ‏}‏
‏[‏إبراهيم‏:‏ 3‏]‏‏.‏

فلما عبدوا غير الله، وبطروا نعمته، وسألوا بعد تقارب ما بين قراهم، وطيب
ما بينها من البساتين، وأمن الطرقات، سألوا أن يباعد بين أسفارهم، وأن يكون
سفرهم في مشاق وتعب، وطلبوا أن يبدلوا بالخير شراً، كما سأل بنو إسرائيل
بدل المن والسلوى‏:‏ البقول، والقثاء، والفوم، والعدس، والبصل، فسلبوا تلك
النعمة العظيمة، والحسنة العميمة، بتخريب البلاد، والشتات على وجوه العباد،
كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ
الْعَرِمِ‏}‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 194‏)‏

قال غير واحد‏:‏ أرسل الله على أصل السد الفار، وهو الجرذ، ويقال‏:‏ الخلد،
فلما فطنوا لذلك أرصدوا عندها السنانير، فلم تغن شيئاً، إذ قد حم القدر،
ولم ينفع الحذر، كلا لا وزر، فلما تحكم في أصله الفساد، سقط وانهار، فسلك
الماء القرار، فقطعت تلك الجداول والأنهار، وانقطعت تلك الثمار، ومادت تلك
الزروع والأشجار، وتبدلوا بعدها برديء الأشجار والأثمار، كما قال العزيز
الجبار‏:‏ ‏{‏وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ
أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ‏}‏‏.‏

قال ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد‏:‏ هو الأراك، وثمره البرير، وأثل وهو‏:‏
الطرفاء، وقيل‏:‏ يشبهه، وهو حطب لا ثمر له ‏{‏وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ
قَلِيلٍ‏}‏ وذلك لأنه لما كان يثمر النبق، كان قليلاً مع أنه ذو شوك كثير،
وثمره بالنسبة إليه كما يقال في المثل‏:‏ لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، لا
سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقى‏.‏

ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ
نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ‏}‏ أي‏:‏ إنما نعاقب هذه العقوبة الشديدة من
كفر بنا، وكذب رسلنا، وخالف أمرنا، وانتهك محارمنا‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ
مُمَزَّقٍ‏}‏ وذلك أنهم لما هلكت أموالهم، وخربت بلادهم، احتاجوا أن
يرتجلوا منها، وينتقلوا عنها، فتفرقوا في غور البلاد ونجدها، أيدي سبأ
شَذَرَ مَذَرَ‏.‏

فنزلت طوائف منهم الحجاز، ومنهم خزاعة نزلوا ظاهر مكة، وكان من أمرهم ما
سنذكره، ومنهم المدينة المنورة اليوم، فكانوا أول من سكنها‏.‏ ثم نزلت
عندهم ثلاث قبائل من اليهود‏:‏ بنو قينقاع، وبنو قريظة، وبنو النضير،
فخالفوا الأوس والخزرج، وأقاموا عندهم، وكان من أمرهم ما سنذكره‏.‏

ونزلت طائفة أخرى منهم الشام، وهم الذين تنصروا فيما بعد، وهم‏:‏ غسان،
وعاملة، وبهراء، ولخم، وجذام، وتنوخ، وتغلب، وغيرهم، وسنذكرهم عند ذكر فتوح
الشام في زمن الشيخين رضي الله عنهما‏.‏

قال محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني أبو عبيدة قال‏:‏ قال الأعشى بن قيس بن ثعلبة، وهو ميمون بن قيس‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 195‏)‏

وفي ذاك للمؤتسي أسوة * ومأرم عفي عليها العرم

رخام بنته لهم حمير * إذا جاء مواره لم يرم

فأروى الزرع وأعنانها * على سعة ماءهم إذ قسم

فصاروا أيادي لا يقدرو * ن على شرب طفل إذا ما فطم

وقد ذكر محمد بن إسحاق في كتاب السيرة، أن أول من خرج من اليمن قبل سيل
العرم عمرو بن عامر اللخمي، ولخم هو ابن عدي بن الحارث بن مرة بن ازد بن
زيد بن مهع بن عمرو بن عريب بن يشجب ابن زيد بن كهلان بن سبأ‏.‏ ويقال‏:‏
لخم بن عدي بن عمرو بن سبأ، قاله ابن هشام‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان سبب خروجه من اليمن فيما حدثني أبو زيد الأنصاري أنه
رأى جرذاً يحفر في سد مأرب الذي كان يحبس عليهم الماء، فيصرفونه حيث شاؤوا
من أرضهم، فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك، فاعتزم على النقلة عن اليمن،
فكاد قومه، فأمر اصغر ولده إذا أغلظ عليه ولطمه، أن يقوم إليه فيلطمه، ففعل
ابنه ما أمره به‏.‏

فقال عمرو‏:‏ لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي، وعرض أمواله، فقال
أشراف من أشراف اليمن‏:‏ اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا منه أمواله، وانتقل في
ولده وولد ولده‏.‏

وقالت الأزد‏:‏ لا نتخلف عن عمرو بن عامر، فباعوا أموالهم وخرجوا معه،
فساروا حتى نزلوا بلاد عك، مجتازين يرتادون البلدان، فحاربتهم عك، فكانت
حربهم سجالاً، ففي ذلك قال عباس بن مرداس‏:‏

وعك بن عدنان الذين تلعبوا * بغسان حتى طردوا كل مطرد

قال‏:‏ فارتحلوا عنهم، فتفرقوا في البلاد، فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر
الشام، ونزل الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة مراً، ونزلت أزد السراة
السراة، ونزلت أزد عمان عمان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 196‏)‏

ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه، وفي ذلك أنزل الله هذه الآيات‏.‏ وقد روي عن السدي قريب من هذا‏.‏

وعن محمد بن إسحاق في روايته أن عمرو بن عامر كان كاهناً‏.‏ وقال غيره‏:‏
كانت امرأته طريفة بنت الخير الحميرية كاهنة، فأخبرت بقرب هلاك بلادهم،
وكأنهم رأوا شاهد ذلك في الفأر الذي سلط على سدهم، ففعلوا ما فعلوا، والله
أعلم‏.‏ وقد ذكرت قصته مطولة عن عكرمة، فيما رواه ابن أبي حاتم في
التفسير‏.‏



إقامة ست قبائل من سبأ في اليمن‏.‏

وليس جميع سبأ خرجوا من اليمن لما
أصيبوا بسيل العرم، بل أقام أكثرهم بها، وذهب أهل مأرب الذين كان لهم السد
فتفرقوا في البلاد، وهو مقتضى الحديث المتقدم عن ابن عباس‏:‏ أن جميع قبائل
سبأ لم يخرجوا من اليمن، بل إنما تشاءم منهم أربعة، وبقي باليمن ستة‏:‏
وهم مذحج، وكندة، وأنمار، والأشعريون، وأنمار هو‏:‏ أبو خثعم، وبجيلة،
وحمير‏.‏

فهؤلاء ست قبائل من سبأ أقاموا باليمن، واستمر فيهم الملك والتبايعة حتى،
سلبهم ذلك ملك الحبشة بالجيش الذي بعثه صحبة أميريه‏:‏ أبرهة، وأرياط نحواً
من سبعين سنة‏.‏

ثم استرجعه سيف ابن ذي يزن الحميري، وكان ذلك قبل مولد رسول الله صلى الله
عليه وسلم بقليل، كما سنذكره مفصلاً قريباً إن شاء الله تعالى، وبه الثقة
وعليه التكلان‏.‏

ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن علياً وخالد بن
الوليد، ثم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل، وكانوا يدعون إلى الله تعالى،
ويبينون لهم الحجج، ثم تغلب على اليمن الأسود العنسي، وأخرج نواب رسول الله
صلى الله عليه وسلم منها، فلما قُتل الأسود، استقرت اليد الإسلامية عليها
في أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كما سنبين ذلك بعد البعثة إن شاء
الله تعالى‏.‏




قصة ربيعة بن نصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر

المتقدم ذكره اللخمي، كذا
ذكره ابن إسحاق، وقال السهيلي‏:‏ ونساب اليمن تقول نصر بن ربيعة ابن نصر بن
الحارث بن نمارة بن لخم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 197‏)‏

وقال الزبير بن بكار‏:‏ ربيعة بن نصر بن مالك بن شعوذ بن مالك بن عجم بن
عمرو بن نمارة بن لخم، ولخم‏:‏ أخو جذام، وسمي لخماً لأنه لخم أخاه، أي‏:‏
لطمه، فعضه الآخر في يده فجذمها، فسمي جذاماً‏.‏

وكان ربيعة أحد ملوك حمير التبابعة، وخبره مع شق وسطيح الكاهنين، وإنذارهما بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

أما سطيح‏:‏ فاسمه ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن غسان‏.‏

وأما شق‏:‏ فهو ابن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن قيس بن عبقر بن أنمار بن
نزار، ومنهم من يقول‏:‏ أنمار بن أراش بن لحيان بن عمرو بن الغوث بن نابت
بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ‏.‏

ويقال‏:‏ إن سطيحاً كان لا أعضاء له، وإنما كان مثل السطيحة، ووجهه في
صدره، وكان إذا غضب انتفخ وجلس‏.‏ وكان شق نصف إنسان‏.‏ ويقال‏:‏ إن خالد
بن عبد الله بن القسري كان سلالته‏.‏

وذكر السهيلي أنهما وُلدا في يوم واحد، وكان ذلك يوم ماتت طريفة بنت الخير
الحميرية‏.‏ ويقال‏:‏ إنها تفلت في فم كل منهما، فورث الكهانة عنها، وهي
امرأة عمرو بن عامر المتقدم ذكره، والله أعلم‏.‏

قال محمد بن إسحاق‏:‏ وكان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك
التبابعة، فرأى رؤيا هائلة هالته، وفظع بها، فلم يدع كاهناً ولا ساحراً ولا
عائفاً ولا منجماً من أهل مملكته، إلا جمعه إليه، فقال لهم‏:‏ إني قد رأيت
رؤيا هالتني، وفظعت بها، فأخبروني بها وبتأويلها، فقالوا‏:‏ اقصصها علينا
نخبرك بتأويلها‏.‏

فقال‏:‏ إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم بتأويلها، لأنه لا يعرف
تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها‏.‏ فقال له رجل منهم‏:‏ فإن كان
الملك يريد هذا، فليبعث إلى شق وسطيح، فإنه ليس أحد أعلم منهما، فهما
يخبرانه بما سأل عنه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 198‏)‏

فبعث إليهما فقدم إليه سطيح قبل شق، فقال له‏:‏ إني قد رأيت رؤيا هالتني، وفظعت بها، فأخبرني بها، فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها‏.‏

فقال‏:‏ أفعل‏.‏

رأيت حُمَمَة خرجت من ظلمة، فوقعت بأرض تهمة، فأكلت منها كل ذات جمجمة‏.‏

فقال له الملك‏:‏ ما أخطأت منها شيئاً يا سطيح، فما عندك في تأويلها‏؟‏

قال‏:‏ أحلف بما بين الحرتين من حنش، لتهبطن أرضكم الحبش، فليملكن ما بين أبين إلى جرش‏.‏

فقال له الملك‏:‏ يا سطيح إن هذا لنا لغائط موجع، فمتى هو كائن‏:‏ أفي زماني أم بعده‏؟‏

فقال‏:‏ لا وأبيك، بل بعده بحين، أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين‏.‏

قال‏:‏ أفيدوم ذلك من سلطانهم أم ينقطع‏؟‏

قال‏:‏ بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين، ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين‏.‏

قال‏:‏ ومن بلى ذلك من قتلهم وإخراجهم‏؟‏

قال‏:‏ يليهم أرم بن ذي يزن يخرج عليهم من عدن، فلا يترك منهم أحداً باليمن‏.‏

قال‏:‏ أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع‏؟‏

قال‏:‏ بل ينقطع‏.‏

قال‏:‏ ومن يقطعه‏؟‏

قال‏:‏ نبي زكي، يأتيه الوحي من قِبَلِ العلي‏.‏

قال‏:‏ وممن هذا النبي‏؟‏

قال‏:‏ رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر‏.‏

قال‏:‏ وهل للدهر من آخر‏؟‏

قال‏:‏ نعم، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، يسعد فيه المحسنون، ويشقى فيه المسيئون‏.‏

قال‏:‏ أحق ما تخبرني‏.‏

قال‏:‏ نعم، والشفق والغسق والفلق إذا اتسق، إن ما أنبأتك به لحق‏.‏

قال‏:‏ ثم قدم عليه شق، فقال له كقوله لسطيح، وكتمه ما قال سطيح، لينظر
أيتفقان أم يختلفان‏.‏ قال‏:‏ نعم رأيت حممة، خرجت من ظلمة، فوقعت بين روضة
وأكمة، فأكلت منها كل ذات نسمة‏.‏

فلما قال له ذلك عرف أنهما قد اتفقا، وأن قولهما واحد، إلا أن سطيحاً
قال‏:‏ وقعت بأرض تهمة فأكلت منها كل ذات جمجمة‏.‏ وقال شق‏:‏ وقعت بين
روضة وأكمة، فأكلت منها كل ذات نسمة‏.‏ فقال له الملك‏:‏ ما أخطأت يا شق
منها شيئاً، فما عندك في تأويلها‏؟‏

فقال‏:‏ أحلف بما بين الحرتين من إنسان لينزلن أرضكم السودان، فليغلبن على كل طفلة البنان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران‏.‏

فقال له الملك‏:‏ وأبيك يا شق إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن أفي زماني أم بعده‏؟‏

قال‏:‏ لا بل بعده بزمان‏.‏ ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شان، ويذيقهم أشد الهوان‏.‏

قال‏:‏ ومن هذا العظيم الشأن‏؟‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 199‏)‏

قال‏:‏ غلام ليس بدني ولا مدن، يخرج عليهم من بيت ذي يزن فلا يترك منهم أحداً باليمن‏.‏

قال‏:‏ أفيدوم سلطانه أم ينقطع‏؟‏

قال‏:‏ بل ينقطع برسول مرسل، يأتي بالحق والعدل من أهل الدين والفضل، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل‏.‏

قال‏:‏ وما يوم الفصل‏؟‏

قال‏:‏ يوم يجزى فيه الولات، يدعى فيه من السماء بدعوات تسمع منها الأحياء
والأموات، ويجمع الناس فيه للميقات، يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات‏.‏

قال‏:‏ أحق ما تقول‏؟‏

قال‏:‏ أي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع وخفض، إن ما أنبأتك به لحق ما فيه أمض‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا، فجهز بنيه وأهل بيته
إلى العراق، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له‏:‏ سابور بن خرزاذ،
فأسكنهم الحيرة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فمن بقية ولد ربيعة بن نصر النعمان بن المنذر بن النعمان
بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر، يعني‏:‏ الذي كان نائباً على
الحيرة لملوك الأكاسرة، وكانت العرب تفد إليه وتمتدحه، وهذا الذي قاله محمد
بن إسحاق من أن النعمان بن المنذر من سلالة ربيعة بن نصر قاله أكثر
الناس‏.‏

وقد روى ابن إسحاق أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما جيء بسيف النعمان بن
المنذر سأل جبير بن مطعم عنه ممن كان‏؟‏ فقال‏:‏ من أشلاء قنص بن معد بن
عدنان‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ فالله أعلم أي ذلك كان‏.‏





قصة تبع أبي كرب مع أهل المدينة ‏(‏وكيف أراد غزو البيت الحرام ثم شرفه وعظمه وكساه الحلل فكان أول من كساه‏)‏‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما هلك ربيعة بن
نصر، رجع ملك اليمن كله إلى حسان بن تبان أسعد أبي كرب، وتبان أسعد تبع
الآخر ابن كلكيركب بن زيد، وزيد بن تبع الأول بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة
ذي المنار بن الرائش بن عدي بن صيفي بن سبأ الأصغر بن كعب كهف الظلم بن زيد
بن سهل بن عمرو بن قس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن
قطن بن عريب بن زهير ابن أنس بن الهميسع بن العربحج والعربحج، هو حميبر بن
سبأ الأكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 200‏)‏

قال عبد الملك بن هشام‏:‏ سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وتبان أسعد أبو كرب، هو الذي قدم المدينة، وساق الحبرين
من اليهود إلى اليمن، وعمَّر البيت الحرام وكساه، وكان ملكه قبل ملك ربيعة
بن نصر‏.‏

وكان قد جعل طريقه حين رجع من غزوة بلاد المشرق على المدينة، وكان قد مر
بها في بدأته فلم يهج أهلها، وخلَّف بين أظهرهم ابناً له، فقتل غيلة فقدمها
وهو مجمع لإخرابها واستئصال أهلها وقطع نخلها‏.‏

فجمع له هذا الحي من الأنصار ورئيسهم عمرو بن طلحة أخو بني النجار، ثم أحد
بني عمرو بن مبذول، واسم مبذول‏:‏ عامر بن مالك بن النجار، واسم النجار‏:‏
تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر‏.‏

وقال ابن هشام‏:‏ عمرو بن طلحة هو عمرو بن معاوية بن عمرو بن عامر بن مالك بن النجار، وطلة أمه، وهي بنت عامر بن زريق الخزرجية‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقد كان رجل من بني عدي بن النجار يقال له‏:‏ أحمر، عدا
على رجل من أصحاب تبع وجده يجد عذقاً له فضربه بمنجلة فقتله‏.‏ وقال إنما
التمر لمن أبره فزاد ذلك تبعاً حنقاً عليهم‏.‏ فاقتتلوا‏:‏ فتزعم الأنصار
أنهم كانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فيعجبه ذلك منهم، ويقول‏:‏
والله إن قومنا لكهام‏.‏

وحكى ابن إسحاق عن الأنصار‏:‏ أن تبعاً إنما كان حنقه على اليهود، أنهم منعوهم منه‏.‏

قال السهيلي‏:‏ ويقال إنه إنما جاء لنصرة الأنصار أبناء عمه، على اليهود
الذين نزلوا عندهم في المدينة على شروط فلم يفوا بها، واستطالوا عليهم،
والله أعلم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فبينا تبع على ذلك من قتالهم، إذ جاءه حبران من أحبار
اليهود من بني قريظة‏:‏ عالمان راسخان، حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة
وأهلها، فقالوا له‏:‏ أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل
بينك وبينها، ولم نأمن عليك جل العقوبة‏.‏

فقال لهما‏:‏ ولم ذلك‏؟‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 201‏)‏

قالا‏:‏ هي مهاجر نبي، يخرج من هذا الحرم من قريش في آخر الزمان، تكون داره
وقراره، فتناهى عن ذلك، ورأى أن لهما علماً، وأعجبه ما سمع منهما، فانصرف
عن المدينة، وأتبعهما على دينهما‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها، فتوجه إلى مكة، وهي
طريقه إلى اليمن، حتى إذا كان بين عسفان وامج، أتاه نفر من هذيل بن مدركة
بن إلياس بن مضر بن بزار بن معد بن عدنان‏.‏ فقالوا له‏:‏ أيها الملك ألا
ندلك على بيت مال داثراً غفلته الملوك قبلك، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت
والذهب والفضة، قال‏:‏ بلى‏.‏ قالوا‏:‏ بيت بمكة يعبده أهله، ويصلون
عنده‏.‏

وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك،
وبغى عنده‏.‏ فلما أجمع لما قالوا، أرسل إلى الحبرين فسألهما عن ذلك‏.‏
فقالا له‏:‏ ما أراد القوم إلا هلاكك، وهلاك جندك، ما نعلم بيتاً لله عز
وجل، اتخذه في الأرض لنفسه غيره، ولئن فعلت ما دعوك إليه، لتهلكن وليهلكن
من معك جميعاً‏.‏

قال‏:‏ فماذا تأمرانني أن أصنع إذا أنا قدمت عليه‏؟‏ قالا‏:‏ تصنع عنده ما
يصنع أهله، تطوف به، وتعظمه وتكرمه، وتحلق رأسك عنده، وتذلل له، حتى تخرج
من عنده‏.‏

قال‏:‏ فما يمنعكما أنتما من ذلك‏؟‏ قالا‏:‏ أما والله إنه لبيت أبينا
إبراهيم عليه السلام، وإنه لكما أخبرناك، ولكن أهله حالوا بيننا وبينه
بالأوثان التي نصبوها حوله، وبالدماء التي يهريقون عنده، وهم نجس أهل شرك -
أو كما قالا له - فعرف نصحهما وصدق حديثهما، وقرب النفر من هذيل، فقطع
أيديهم وأرجهلم‏.‏

ثم مضى حتى قدم مكة، فطاف بالبيت، ونحر عنده، وحلق رأسه، وأقام بمكة ستة
أيام - فيما يذكرون - ينحر بها للناس، ويطعم أهلها، ويسقيهم العسل‏.‏

وأُري في المنام أن يكسوا البيت، فكساء الخصف، ثم أُري في المنام أن يكسوه
أحسن من ذلك، فكساء المعافر، ثم أُري أن يكسوه أحسن من ذلك، فكساء الملاء
والوصائل‏.‏

وكان تبع فيما يزعمون أول من كسا البيت، وأوصى به ولاته من جرهم، وأمرهم
بتطهيره، وأن لا يقربوه دماً، ولا ميتة، ولا مئلاتاً وهي المحايض، وجعل له
باباً ومفتاحاً، ففي ذلك قالت سبيعة بنت الأحب، تذكر ابنها خالد بن عبد
مناف بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وتنهاه عن البغي
بمكة، وتذكر له ما كان من أمر تبع فيها‏:‏

أبني لا تظلم بمكة * لا الصغير ولا الكبير

واحفظ محارمها بني * ولا يغرنك الغرور

أبني من يظلم بمكة * يلق أطراف الشرور

أبني يضرب وجهه * ويلج بخديه السعير

أبني قد جربتها * فوجدت ظالمها يبور

الله آمنها وما * بنيت بعرصتها قصور

والله آمن طيرها * والعصم تامن في ثبير

ولقد غزاها تبع * فكسا بنيتها الحبير

وأذل ربي ملكه * فيها فأوفى بالنذور

يمشي إليها حافياً * بفنائها ألفا بعير

ويظل يطعم أهلها * لحم المهارى والجزور

يسقيهم العسل المصفى * والرحيض من الشعير

‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 203‏)‏

والفيل أهلك جيشه * يرمون فيها بالصخور

والملك في أقصى البلاد * وفي الأعاجم والخزور

فاسمع إذا حدثت وأفهم * كيف عاقبة الأمور

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم خرج تبع متوجهاً إلى اليمن، بمن معه من الجنود
وبالحبرين، حتى إذا دخل اليمن دعا قومه إلى الدخول فيما دخلوا فيه، فأبوا
عليه حتى يحاكموه إلى النار التي كانت باليمن‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ حدثني أبو مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي، قال‏:‏ سمعت
إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله يحدث‏:‏ أن تبعاً لما دنا من اليمن
ليدخلها، حالت حمير بينه وبين ذلك، وقالوا‏:‏ لا تدخلها علينا وقد فارقت
ديننا، فدعاهم إلى دينه وقال‏:‏ إنه خير من دينكم‏.‏ قالوا‏:‏ تحاكمنا إلى
النار‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ وكانت باليمن فيما يزعم أهل اليمن نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه،
تأخذ الظالم ولا تضر المظلوم، فخرج قومه بأوثانهم وما يتقربون به في
دينهم، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديها، حتى قعدوا للنار عند
مخرجها الذي تخرج منه‏.‏

فخرجت النار إليهم، فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها، فزجرهم من حضرهم
من الناس، وأمروهم بالصبر لها، فصبروا حتى غشيتهم، فأكلت الأوثان وما قربوا
معها ومن حمل ذلك من رجال حمير‏.‏

وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما، تعرق جباههما ولم تضرهما، فأصفقت عند
ذلك حمير على دينهما، فمن هنالك كان أصل اليهودية باليمن‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقد حدثني محدث أن الحبرين، ومن خرج من حمير، إنما اتبعوا
النار ليردوها، وقالوا‏:‏ من ردها فهو أولى بالحق، فدنا منها رجال حمير
بأوثانهم ليردوها، فدنت منهم لتأكلهم فحادوا عنها ولم يستطيعوا ردها، فدنا
منها الحبران بعد ذلك، وجعلا يتلوان التوراة وهي تنقص عنهما، حتى رداها إلى
مخرجها الذي خرجت منه، فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما، والله أعلم أي ذلك
كان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 204‏)‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان رئام بيتاً لهم يعظمونه، وينحرون عنده، ويكلمون فيه
إذ كانوا على شركهم، فقال الحبران لتبع‏:‏ إنما هو شيطان يفتنهم بذلك فخل
بيننا وبينه، قال‏:‏ فشأنكما به، فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن كلباً
أسود فذبحاه، ثم هدما ذلك البيت، فبقاياه اليوم كما ذكر لي بها آثار الدماء
التي كانت تهراق عليه‏.‏

وقد ذكرنا في التفسير الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تسبوا تُبعاً فإنه قد كان أسلم‏)‏‏)‏‏.‏

قال السهيلي‏:‏ وروى معمر عن همام بن منبه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏لا تسبوا أسعد الحميري فإنه أول من كسى الكعبة‏)‏‏)‏‏.‏

قال السهيلي‏:‏ وقد قال تبع حين أخبره الحبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شعراً‏:‏

شهدت على أحمد أنه * رسول من الله باري النسم

فلو مد عمري إلى عمره * لكنت وزيرا له وابن عم

وجاهدت بالسيف أعداءه * وفرجت عن صدره كل هم

قال‏:‏ ولم يزل هذا الشعر تتوارثه الأنصار، ويحفظونه بينهم، وكان عند أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه‏.‏

قال السهيلي‏:‏ وذكر ابن أبي الدنيا في كتب القبور أن قبراً حفر بصنعاء،
فوجد فيه امرأتان معهما لوح من فضة مكتوب بالذهب وفيه‏:‏ هذا قبر لميس وحنى
ابنتي تبع ماتتا، وهما تشهدان أن ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعلى
ذلك مات الصالحون قبلهما‏.‏

ثم صار الملك فيما بعد إلى حسان بن تبان أسعد، وهو أخو اليمامة الزرقاء
التي صلبت على باب مدينة جو، فسميت من يومئذ اليمامة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/
205‏)‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما ملك ابنه حسان بن أبي كرب تبان أسعد، سار بأهل اليمن
يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض الأعاجم، حتى إذا كانوا ببعض أرض العراق
كرهت حمير وقبائل اليمن السير معه، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهليهم،
فكلموا أخاً له يقال له‏:‏ عمرو وكان معه في جيشه، فقالوا له‏:‏ أقتل أخاك
حسان ونملكك علينا، وترجع بنا إلى بلادنا فأجابهم‏.‏

فاجتمعوا على ذلك إلا ذارعين الحميري، فإنه نهى عمراً عن ذلك فلم يقبل منه، فكتب ذو رعين رقعة فيها هذان البيتان‏:‏

ألا من يشتري سهراً بنوم * سعيد من يبيت قرير عين

فأما حمير غدرت وخانت * فمعذرة الإله لذي رعين

ثم استودعهما عمراً‏.‏ فلما قتل عمرو أخاه حسان ورجع إلى اليمن منع منه
النوم وسلط عليه السهر، فسأل الأطباء والحذاق من الكهان والعرافين عما به،
فقيل له‏:‏ إنه والله ما قتل رجل أخاه قط أو ذا رحم بغياً إلا ذهب نومه
وسلط عليه السهر، فعند ذلك جعل يقتل كل من أمره بقتل أخيه‏.‏

فلما خلص إلى ذي رعين قال له‏:‏ إن لي عندك براءة، قال‏:‏ وما هي‏؟‏ قال‏:‏
الكتاب الذي دفعته إليك فأخرجه، فإذا فيه البيتان فتركه، ورأى أنه قد
نصحه، وهلك عمرو فمرج أمر حمير عند ذلك وتفرقوا‏.‏












__________________
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الامورة
راكب درجه ثالثه
راكب درجه ثالثه
الامورة


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 446
نقاط : 651
تاريخ التسجيل : 07/10/2009

موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام   موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام Emptyالجمعة أغسطس 06, 2010 3:22 pm



وثوب لخنيعة ذي شناتر على ملك اليمن

وقد ملكها سبعاً وعشرين سنة‏.‏ قال
ابن إسحاق‏:‏ فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت الملك، يقال له‏:‏
لخنيعة ينوف ذو شناتر، فقتل خيارهم وعبث ببيوت أهل المملكة منهم، وكان مع
ذلك امرءاً فاسقاً يعمل عمل قوم لوط، فكان يرسل إلى الغلام من أبناء الملوك
فيقع عليه في مشربة له قد صنعها لذلك لئلا يملك بعد ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/
206‏)‏

ثم يطلع من شربته تلك إلى حرسه ومن حضر من جنده، قد أخذ مسواكاً فجعله في
فيه ليعلمهم أنه قد فرغ منه، حتى بعث إلى زرعة ذي نواس بن تبان أسعد أخي
حسان، وكان صبياً صغيراً حين قتل أخوه حسان، ثم شب غلاماً جميلاً وسيماً ذا
هيئة وعقل، فلما أتاه رسوله، عرف ما يريد منه، فأخذ سكيناً جديداً لطيفاً
فخبأه بين قدميه ونعله ثم أتاه‏.‏

فلما خلا معه وثب إليه فواثبه ذو نواس فوجأه حتى قتله، ثم حزَّ رأسه فوضعه
في الكوة التي كان يشرف منها، ووضع مسواكه في فيه، ثم خرج على الناس،
فقالوا له‏:‏ ذا نواس أرطب أم يباس‏؟‏ فقال‏:‏ سل نحماس استرطبان ذو نواس،
استرطبان لا بأس، فنظروا إلى الكوة فإذا رأس لخنيعة مقطوع، فخرجوا في أثر
ذي نواس حتى أدركوه، فقالوا‏:‏ ما ينبغي أن يملكنا غيرك إذ أرحتنا من هذا
الخبيث‏.‏

فملكوه عليهم، واجتمعت عليه حمير وقبائل اليمن، فكان آخر ملوك حمير وتسمى
يوسف، فأقام في ملكه زماناً، وبنجران بقايا من أهل دين عيسى بن مريم عليه
السلام على الإنجيل أهل فضل واستقامة من أهل دينهم، لهم رأس يقال له‏:‏ عبد
الله بن الثامر‏.‏

ثم ذكر ابن إسحاق سبب دخول أهل نجران في دين النصارى، وأن ذلك كان على يدي
رجل يقال له‏:‏ فيميون، كان من عُبَّاد النصارى بأطراف الشام، وكان مجاب
الدعوة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 207‏)‏

وصحبه رجل يقال له صالح، فكان يتعبدان يوم الأحد، ويعمل فيميون بقية الجمعة
في البناء، وكان يدعوا للمرضى والزمنى وأهل العاهات فيشفون، ثم استأسره
وصاحبه بعض الأعراب فباعوهما بنجران، فكان الذي اشترى فيميون يراه إذا قام
في مصلاه بالبيت الذي هو فيه في الليل، يمتلي عليه البيت نوراً فأعجبه ذلك
من أمره‏.‏

وكان أهل نجران يعبدون نخلة طويلة لها عيد كل سنة، يعلقون عليها حُليّ
نسائهم ويعكفون عندها، فقال فيميون لسيده‏:‏ أرأيت إن دعوت الله على هذه
الشجرة فهلكت أتعلمون أن الذي أنتم عليه باطل‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

فجمع له أهل نجران، وقام فيميون إلى مصلاه فدعا الله عليها، فأرسل الله
عليها قاصفاً فجعفها من أصلها، ورماها إلى الأرض، فاتبعه أهل نجران على دين
النصرانية، وحملهم على شريعة الإنجيل، حتى حدثت فيهم الأحداث التي دخلت
على أهل دينهم بكل أرض، فمن هنالك كانت النصرانية بنجران من أرض العرب‏.‏

ثم ذكر ابن إسحاق قصة عبد الله بن الثامر حين تنصر على يدي فيميون، وكيف قتله وأصحابه ذو نواس وخدَّ لهم الأُخدود‏.‏

وقال ابن هشام‏:‏ وهو الحفر المستطيل في الأرض مثل الخندق، وأجج فيه النار
وحرقهم بها، وقتل آخرين حتى قتل قريباً من عشرين ألفاً، كما قدمنا ذلك
مبسوطاً في أخبار بني إسرائيل، وكما هو مستقصى في تفسير سورة
‏{‏وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ‏}‏ من كتابنا التفسير، ولله الحمد‏.‏




خروج الملك باليمن من حمير إلى الحبشة السودان

كما أخبر بذلك شق وسطيح الكاهنان، وذلك
أنه لم ينج من أهل نجران إلا رجل واحد يقال له‏:‏ دوس ذو ثعلبان على فرس
له، فسلك الرمل فأعجزهم، فمضى على وجهه ذلك حتى أتى قيصر ملك الروم،
فاستنصره على ذي نواس وجنوده وأخبره بما بلغ منهم، وذلك لأنه نصراني على
دينهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 208‏)‏

فقال له‏:‏ بعدت بلادك منا، ولكن سأكتب لك إلى ملك الحبشة، فإنه على هذا
الدين، وهو أقرب إلى بلادك‏.‏ فكتب إليه يأمره بنصره والطلب بثأره‏.‏

فقدم دوس على النجاشي بكتاب قيصر، فبعث معه سبعين ألفاً من الحبشة، وأمر
عليهم رجلاً منهم، يقال له‏:‏ أرياط، ومعه في جنده أبرهة الأشرم، فركب
أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن ومعه دوس، وسار إليه ذو نواس في حمير، ومن
أطاعه من قبائل اليمن‏.‏

فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه، فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه،
وجَّه فرسه في البحر، ثم ضربه فدخل فيه، فخاض به ضحضاح البحر، حتى أفضى به
إلى غمرة، فأدخله فيها فكان آخر العهد به، ودخل أرياط اليمن وملكها‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 209‏)‏ ‏[‏كلها هوامش‏]‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 210‏)‏

وقد ذكر ابن إسحاق هاهنا، أشعاراً للعرب فيما وقع من هذه الكائنة الغريبة،
وفيها فصاحة، وحلاوة، وبلاغة، وطلاوة، ولكن تركنا إيرادها خشية الإطالة،
وخوف الملالة، وبالله المستعان‏.‏

خروج أبرهة الأشرم على أرياط واختلافهما

قال ابن إسحاق‏:‏ فأقام أرياط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك، ثم نازعة
أبرهة الحبشي - و كان في جنده - حتى تفرقت الحبشة عليهما، فانحاز إلى كل
منهما طائفة منهم، ثم سار أحدهما إلى الآخر‏.‏

فلمَّا تقارب الناس، أرسل أبرهة إلى أرياط‏:‏ إنك لن تصنع بأن تلقى الحبشة
بعضها ببعض، حتى تفنيها شيئاً شيئاً، فأبرز لي وأبرز لك، فأينا أصاب صاحبه
انصرف إليه جنده، فأرسل إليه أرياط‏:‏ أنصفت‏.‏

فخرج إليه أبرهة وكان رجلاً قصيراً لحيماً حادراً، وكان ذا دين في
النصرانية، وخرج إليه أرياط وكان رجلاً جميلاً عظيماً طويلاً وفي يده حربة
له، وخلف أبرهة غلام - يقال له عتودة - يمنع ظهره، فرفع أرياط الحربة فضرب
أبرهة يريد يافوخه، فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وعينه وأنفه
وشفته فبذلك سمى أبرهة الأشرم‏.‏

وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله، وانصرف جند أرياط إلى أبرهة،
فاجتمعت عليه الحبشة باليمن، وودى أبرهة أرياط، فلما بلغ ذلك النجاشي ملك
الحبشة الذي بعثهم إلى اليمن غضب غضباً شديداً على أبرهة، وقال‏:‏ عدا على
أميري فقتله بغير أمري، ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته،
فحلق أبرهة رأسه وملأ جراباً من تراب اليمن، ثم بعث به إلى النجاشي، ثم كتب
إليه‏:‏

أيها الملك‏:‏ إنما كان أرياط عبدك وأنا عبدك، فاختلفنا في أمرك وكل طاعته
لك إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة، واضبط لها وأسوس منه، وقد حلقت رأسي
كله حين بلغني قسم الملك، وبعثت إليه بجراب تراب من أرضي ليضعه تحت قدمه
فيبر قسمه فيَّ‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 211‏)‏

فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه، وكتب إليه أن أثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري، فأقام أبرهة باليمن‏.‏





سبب قصر أبرهة بالفيل مكة ليخرب الكعبة

{‏أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ
بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ *
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ
سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ‏}‏ ‏[‏الفيل‏:‏1-5‏]‏‏.‏

قيل‏:‏ أول من ذلل الفيلة إفريدون بن أثفيان، الذي قتل الضحاك، قاله‏:‏ الطبري، وهو أول من اتخذ للخيل السرج‏.‏

وأما أول من سخر الخيل وركبها‏:‏ فطهمورث، وهو الملك الثالث من ملوك الدنيا‏.‏

ويقال‏:‏ إن أول من ركبها إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، ويحتمل أنه أول من ركبها من العرب، والله تعالى أعلم‏.‏

ويقال‏:‏ إن الفيل مع عظمة خلقه يفرق من الهر، وقد احتال بعض أمراء الحروب
في قتال الهنود بإحضار سنانير إلى حومة الوغى، فنفرت الفيلة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم إن أبرهة بنى القليس بصنعاء، كنيسة لم ير مثلها في
زمانها بشيء من الأرض، وكتب إلى النجاشي‏:‏ إني قد بنيت لك كنيسة لم يُبن
مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب‏.‏

فذكر السهيلي أن أبرهة استذل أهل اليمن في بناء هذه الكنيسة الخسيسة،
وسخرهم فيها أنواعاً من السخر‏.‏ وكان من تأخر عن العمل حتى تطلع الشمس
يقطع يده لا محالة، وجعل ينقل إليها من قصر بلقيس رخاماً، وأحجاراً، وأمتعة
عظيمة، وركب فيها صلباناً من ذهب وفضة، وجعل فيها منابر من عاج وأبنوس،
وجعل ارتفاعها عظيماً جداً، واتساعها باهراً‏.‏

فلما هلك بعد ذلك أبرهة وتفرقت الحبشة، كان من يتعرض لأخذ شيء من بنائها
وأمتعتها، أصابته الجن بسوء، وذلك لأنها كانت مبنية على اسم صنمين‏:‏ كعيب
وامرأته، وكان طول كل منهما ستون ذراعاً، فتركها أهل اليمن على حالها‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 212‏)‏

فلم تزل كذلك إلى زمن السفاح أول خلفاء بني العباس، فبعث إليها جماعة من
أهل العزم والحزم والعلم، فنقضوها حجراً حجراً، ودرست آثارها إلى يومنا
هذا‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي، غضب رجل من
النسأة من كنانة، الذين ينسئون شهر الحرام إلى الحل بمكة أيام الموسم، كما
قررنا ذلك عند قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي
الْكُفْرِ‏.‏‏.‏‏}‏ الآية ‏[‏التوبة‏:‏ 37‏]‏‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيها، أي أحدث حيث لا
يراه أحد، ثم خرج فلحق بأرضه فأخبر أبرهة بذلك، فقال‏:‏ من صنع هذا‏؟‏

فقيل له‏:‏ صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحجه العرب بمكة لما سمع بقولك
أنك تريد أن تصرف حج العرب إلى بيتك هذا‏.‏ فغضب فجاء فقعد فيها، أي‏:‏ أنه
ليس لذلك بأهل‏.‏

فغضب أبرهة عند ذلك وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه، ثم أمر الحبشة فتهيأت
وتجهزت، ثم سار وخرج معه بالفيل، وسمعت بذلك العرب، فأعظموه وفظعوا به،
ورأوا جهاده حقاً عليهم، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله
الحرام‏.‏

فخرج إليه رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر‏.‏ فدعا قومه
ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة، وجهاده عن بيت الله الحرام، وما
يريده من هدمه وإخرابه، فأجابه من أجابه إلى ذلك، ثم عرض له فقاتله، فهزم
ذو نقر وأصحابه، وأخذ له ذو نفر، فأتي به أسيراً‏.‏ فلما أراد قتله قال له
ذو نفر‏:‏ يا أيها الملك لا تقتلني، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيراً لك
من القتل‏.‏ فتركه من القتل، وحبسه عنده في وثاق‏.‏

وكان أبرهة رجلاً حليماً، ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له، حتى
إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي، في قبيلتي خثعم، وهما
شهران وناهس ومن تبعه من قبائل العرب، فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ له نفيل
أسيراً فأتى به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 213‏)‏

فلما همَّ بقتله قال له نفيل‏:‏ أيها الملك لا تقتلني فأني دليلك بأرض
العرب، وهاتان يداي لك على قبيلتي خثعم - شهران وناهس - بالسمع والطاعة،
فخلى سبيله‏.‏

وخرج به معه يدله، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب بن مالك بن
كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف في رجال ثقيف، فقالوا له‏:‏ أيها الملك
إنما نحن عبيدك، سامعون لك، مطيعون ليس عندنا لك خلاف، وليس بيتنا هذا
البيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذي بمكة، ونحن نبعث معك
من يدلك عليه، فتجاوز عنهم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ واللات بيت لهم بالطائف، كانوا يعظمونه نحو تعظيم
الكعبة‏.‏ قال‏:‏ فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة، فخرج أبرهة
ومعه أبو رغال حتى أنزله بالمغمس‏.‏ فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك،
فرجمت قبره العرب فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس‏.‏

وقد تقدم في قصة ثمود أن أبا رغال كان رجلاً منهم، وكان يمتنع بالحرم، فلما
خرج منه، أصابه حجر فقتله، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لأصحابه‏:‏

‏(‏‏(‏وآية ذلك أنه دفن معه غصنان من ذهب‏)‏‏)‏‏.‏

فحفروا فوجدوهما‏.‏

قال‏:‏ وهو أبو ثقيف‏.‏

قلت‏:‏ والجمع بين هذا وبين ما ذكر ابن إسحاق؛ أن أبا رغال هذا المتأخر
وافق اسمه اسم جده الأعلى، ورجمه الناس كما رجموا قبر الأول أيضاً، والله
أعلم‏.‏ وقد قال جرير‏:‏

إذا مات الفرزدق فارجموه * كرجمكم لقبر أبي رُغال

الظاهر أنه الثاني‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما نزل أبرهة بالمغمس، بعث رجلاً من الحبشة يقال له‏:‏
الأسود بن مفصود، على خيل له حتى انتهى إلى مكة‏.‏ فساق إليه أموال أهل
تهامة من قريش وغيرهم، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم - وهو
يومئذ كبير قريش وسيدها - فهمَّت قريش وكنانة وهذيل، ومن كان بذلك الحرم من
سائر الناس بقتاله، ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم به فتركوا ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏
2/ 214‏)‏

وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة وقال له‏:‏ سل عن سيد أهل هذا البلد
وشريفهم، ثم قل له‏:‏ إن الملك يقول‏:‏ إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم
هذا البيت، فإن لم تعرضوا لنا دونه بحرب، فلا حاجة لي بدمائكم، فإن هو لم
يرد حربي فائتني به‏.‏

فلما دخل حناطة مكة، سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل له‏:‏ عبد المطلب بن
هاشم بن عبد مناف بن قصي، فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة، فقال له عبد
المطلب‏:‏ والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام
وبيت خليله إبراهيم عليه السلام - أو كما قال - فإن يمنعه منه فهو حرمه
وبيته، وإن يخل بينه وبينه، فوالله ما عندنا دفع عنه، فقال له حناطة‏:‏
فانطلق معي إليه، فإنه قد أمرني أن آتيه بك‏.‏

فانطلق معه عبد المطلب، ومعه بعض بنيه، حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر،
وكان له صديقاً، حتى دخل عليه وهو في محبسه، فقال له‏:‏ يا ذا نفر هل عندك
من غناء فيما نزل بنا‏؟‏

فقال له ذو نفر‏:‏ وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدواً أو
عشياً‏؟‏ ما عندي غناء في شيء مما نزل بك، إلا أن أنيساً سائس الفيل صديق
لي‏.‏ فسأرسل إليه، وأوصيه بك وأعظم عليه حقك، وأسأله أن يستأذن لك على
الملك، فتكلمه بما بدا لك، ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك، فقال‏:‏
حسبي‏.‏

فبعث ذو نفر إلى أنيس فقال له‏:‏ إن عبد المطلب سيد قريش وصاحب عين مكة،
يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب له الملك مائتي بعير،
فاستأذن له عليه وأنفعه عنده بما استطعت‏.‏ قال‏:‏ أفعل‏.‏

فكلم أنيس أبرهة، فقال له‏:‏ أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك،
وهو صاحب عين مكة، وهو الذي يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤوس الجبال،
فائذن له عليك فليكلمك في حاجته و أحسن إليه‏.‏ فأذن له أبرهة‏.‏

قال‏:‏ وكان عبد المطلب أوسم الناس، وأعظمهم، وأجملهم، فلما رآه أبرهة
أجلَّه وأكرمه عن أن يجلسه تحته، وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سرير
ملكه، فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه، وأجلسه معه عليه إلى جانبه، ثم
قال لترجمانه‏:‏ قل له حاجتك‏؟‏ فقال له ذلك الترجمان‏.‏

فقال‏:‏ حاجتي أن يرد على الملك مائتي بعير أصابها لي، فلما قال له ذلك،
قال أبرهة لترجمانه‏:‏ قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك
حين كلمتني؛ أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين
آبائك، قد جئت لأهدمه لا تكلمني فيه‏؟‏

فقال له عبد المطلب‏:‏ إني أنا رب الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعه، فقال‏:‏
ما كان ليمتنع مني‏.‏ قال‏:‏ أنت وذاك‏.‏ فرد على عبد المطلب إبله‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 215‏)‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ويقال إنه كان قد دخل مع عبد المطلب على أبرهة يعمر بن
نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة سيد بني بكر، وخويلد بن
وائلة سيد هذيل، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عنهم ولا
يهدم البيت، فأبى عليهم ذلك، فالله أعلم أكان ذلك أم لا‏.‏

فلما انصرفوا عنه، انصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأمرهم
بالخروج من مكة، والتحرز في رؤوس الجبال، خوفاً عليهم من معرة الجيش‏.‏

ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله
ويستنصرونه على أبرهة وجنده‏.‏ وقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب
الكعبة‏:‏

لا هم إن العبد يمنع * رحله فامنع رحالك

لا يغلبن صليبهم * ومحالهم غدوا محالك

إن كنت تاركهم * وقبلتنا فأمر ما بدا لك

قال ابن هشام‏:‏ هذا ما صح له منها‏.‏ وقال ابن إسحاق‏:‏ ثم أرسل عبد
المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال يتحرزون
فيها، ينتظرون ما أبرهة فاعل، فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله،
وعبى جيشه، وكان اسم الفيل‏:‏ محموداً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 216‏)‏

فلما وجهوا الفيل إلى مكة، أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنب الفيل، ثم
أخذ بأذنه، فقال‏:‏ ابرك محمود، وارجع راشداً من حيث أتيت، فإنك في بلد
الله الحرام‏.‏ وأرسل أُذنه فبرك الفيل‏.‏

قال السهيلي‏:‏ أي سقط إلى الأرض، وليس من شأن الفيلة أن تبرك، وقد قيل‏:‏ إن منها ما يبرك كالبعير، فالله أعلم‏.‏

وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى،
فضربوا رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى، فادخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها
ليقوم فأبى، فوجهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل
مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجوه إلى مكة فبرك‏.‏

وأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها
ثلاثة أحجار يحملها‏:‏ حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعدس
لا تصيب منهم أحداً إلا هلك، وليس كلهم أصابت‏.‏

وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي منها جاءوا، ويسألون عن نفيل بن حبيب، ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نفيل في ذلك‏:‏

ألا حييت عنا يا ردينا * نعمناكم مع الإصباح عينا

ردينة لو رأيت فلا تريه * لدى جنب المحصب ما رأينا

إذا لعذرتني وحمدت أمري * ولم تاسي على ما فات بينا

حمدت الله إذ أبصرت طيرا * وخفت حجارة تلقى علينا

وكل القوم يسأل عن نفيل * كأن علي للحبشان دينا

قال ابن إسحاق‏:‏ فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك على كل
منهل‏.‏ وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة، كلما سقطت
أنملة اتبعتها منه مدة تمت قيحاً ودماً حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ
الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/
217‏)‏

قال ابن إسحاق‏:‏ حدثني يعقوب بن عتبة أنه حدث أن أول ما رؤيت الحصبة
والجدري بأرض العرب ذلك العام، وأنه أول ما رؤى بها مرائر الشجر الحرمل
والحنظل والعشر ذلك العام‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم كان مما يعدد
الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم
ومدتهم، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ
الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ
عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ *
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ‏}‏ ‏[‏الفيل‏:‏ 1-5‏]‏‏.‏

ثم شرع ابن إسحاق، وابن هشام يتكلمان على تفسير هذه السورة والتي بعدها،
وقد بسطنا القول في ذلك في كتابنا التفسير بما فيه كفاية إن شاء الله
تعالى، وله الحمد والمنة‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ الأبابيل الجماعات، ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه‏.‏
قال‏:‏ وأما السجيل فأخبرني يونس النحوي، وأبو عبيدة أنه عند العرب‏:‏
الشديد الصلب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 218‏)‏

قال‏:‏ وزعم بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية جعلتهما العرب كلمة
واحدة، وأنها سنج وجل، فالسنج الحجر، والجل الطين‏.‏ يقول‏:‏ الحجارة من
هذين الجنسين الجر والطين‏.‏ قال‏:‏ والعصف ورق الزرع الذي لم يقصب‏.‏

وقال الكسائي‏:‏ سمعت بعض النحويين يقول‏:‏ واحد الأبابيل أبيل‏.‏

وقال كثيرون من السلف‏:‏ الأبابيل الفرق من الطير التي يتبع بعضها بعضا من ههنا وههنا‏.‏

وعن ابن عباس‏:‏ كان لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب‏.‏

وعن عكرمة‏:‏ كانت رؤوسها كرؤوس السباع خرجت عليهم من البحر وكانت خضراً‏.‏

وقال عبيد بن عمير‏:‏ كانت سوداً بحرية في مناقيرها وأكفها الحجارة‏.‏

وعن ابن عباس‏:‏ كانت أشكالها كعنقاء مغرب‏.‏

وعن ابن عباس‏:‏ كان أصغر حجر منها كرأس الإنسان، ومنها ما هو كالإبل‏.‏
وهكذا ذكره يونس بن بكير، عن ابن إسحاق‏.‏ وقيل‏:‏ كانت صغاراً والله
أعلم‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبو زرعة، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي شيبة،
حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عمير قال‏:‏ لما
أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيراً أنشئت من البحر أمثال
الخطاطيف، كل طير منها يحمل ثلاثة أحجار‏:‏ حجرين في رجليه، وحجراً في
منقاره‏.‏

قال‏:‏ فجاءت حتى صفت على رؤوسهم‏.‏ ثم صاحت وألقت ما في رجليها ومناقيرها،
فما يقع حجر على رأس رجل إلا خرج من دبره، ولا يقع على شيء من جسده إلا
خرج من الجانب الآخر، وبعث الله ريحاً شديدة فضربت الحجارة فزادتها شدة
فأهلكوا جميعاً‏.‏

وقد تقدم أن ابن إسحاق قال‏:‏ وليس كلهم أصابته الحجارة - يعني بل رجع منهم
راجعون إلى اليمن - حتى أخبروا أهلهم بما حل بقومهم من النكال، وذكروا أن
أبرهة رجع وهو يتساقط أنملة أنملة، فلما وصل إلى اليمن انصدع صدره، فمات
لعنه الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 219‏)‏

وروى ابن إسحاق قال‏:‏ حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن سمرة، عن عائشة
قالت‏:‏ لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان، وتقدم أن
سائس الفيل كان اسمه أنيساً، فأما قائده فلم يسم، والله أعلم‏.‏

وذكر النقاش في تفسيره‏:‏ أن السيل احتمل جثثهم فألقاها في البحر، قال
السهيلي‏:‏ وكانت قصة الفيل أول المحرم من سنة ست وثمانين وثمانمائة من
تاريخ ذي القرنين‏.‏

قلت‏:‏ وفي عامها ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشهور، وقيل‏:‏
كان قبل مولده بسنين كما سنذكر إن شاء الله تعالى، وبه الثقة‏.‏

ثم ذكر ابن إسحاق ما قالته العرب من الأشعار في هذه الكائنة العظيمة التي
نصر الله فيها بيته الحرام الذي يريد أن يشرفه ويعظمه، ويطهره، ويوقره
ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وما يشرع له من الدين القويم الذي أحد
أركانه الصلاة بل عماد دينه، وسيجعل قبلته إلى هذه الكعبة المطهرة‏.‏

ولم يكن ما فعله بأصحاب الفيل نصرة لقريش إذ ذاك على النصارى الذين هم
الحبشة، فإن الحبشة إذ ذاك كانوا أقرب لها من مشركي قريش، وإنما كان النصر
للبيت الحرام وإرهاصاً وتوطئه لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

فمن ذلك ما قاله عبد الله بن الزبعري السهمي‏:‏

تنكلوا عن بطن مكة إنها * كانت قديماً لا يرام حريمها

لم تخلق الشعرى ليالي حرمت * إذ لا عزيز من الأنام يرومها

سائل أمير الحبش عنها ما رأى * فلسوف ينبي الجاهلين عليمها

ستون ألفا لم يؤبوا أرضهم * بل لم يعش بعد الأياب سقيمها

كانت بها عاد وجرهم قبلهم * والله من فوق العباد يقيمها

ومن ذلك قول أبي قيس بن الأسلت الأنصاري المدني‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 220‏)‏

ومن صنعه يوم فيل الحبوش * إذ كلما بعثوه رزم

محاجنهم تحت أقرابه * وقد شرموا أنفه فانخرم

وقد جعلوا سوطه مغولاً * إذا يمموه قفاه كلم

فولى وأدبر أدراجه * وقد باء بالظلم من كان ثم

فأرسل من فوقهم حاصبا * فلفهم مثل لف القزم

تحض على الصبر أحبارهم * وقد ثأجوا كثؤاج الغنم

ومن ذلك قول أبي الصلت ربيعة بن أبي ربيعة وهب بن علاج الثقفي قال‏:‏ ابن هشام ويروى لأمية بن أبي الصلت

إن آيات ربنا ثاقبات * ما يمارى فيهن إلا الكفور

خلق الليل والنهار فكل * مستبين حسابه مقدور

ثم يجلو النهار رب رحيم * بمهاة شعاعها منشور

حبس الفيل بالمغمس حتى * صار يحبو كأنه معقور

لازماً حلقة الجران كما قد * من صخر كبكب محدور

حوله من ملوك كندة أبطال * ملاويث في الحروب صقور

خلفوه ثم ابذعروا جميعا * كلهم عظم ساقه مكسور

كل دين يوم القيامة عند الله * إلا دين الحنيفة بور

ومن ذلك قول أبي قيس بن الأسلت أيضاً‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 221‏)‏

فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا *بأركان هذا البيت بين الأخاشب

فعندكم منه بلاء مصدق * غداة أبي يكسوم هادي الكتائب

كتيبته بالسهل تمشي ورجله * على القاذفات في رؤس المناقب

فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم * جنود المليك بين ساف وحاصب

فولوا سراعا هاربين ولم يؤب * إلى أهله ملحبش غير عصائب

ومن ذلك قول عبيد الله بن قيس الرقيات في عظمة البيت وحمايته بهلاك من أراده بسوء‏:‏

كاده الأشرم الذي جاء بالفيل * فولى وجيشه مهزوم

واستهلت عليهم الطير بالجندل * حتى كأنه مرجوم

ذاك من يغزه من الناس يرجع * وهو فل من الجيوش ذميم

قال ابن إسحاق وغيره‏:‏ فلما هلك أبرهة ملك الحبشة بعده ابنه يكسوم، ثم من
بعده أخوه مسروق بن أبرهة وهو آخر ملوكهم، وهو الذي انتزع سيف بن ذي يزن
الحميري الملك من يده بالجيش الذين قدم بهم من عند كسرى أنوشروان كما سيأتي
بيانه‏.‏

وكانت قصة الفيل في المحرم سنة ست وثمانين وثمانمائة من تاريخ ذي القرنين،
وهو الثاني إسكندر بن فلبس المقدوني الذي يؤرخ له الروم، ولما هلك أبرهة
وابناه وزال ملك الحبشة عن اليمن، هجر القليس الذي كان بناه أبرهة وأراد
صرف حج العرب إليه لجهله وقلة عقله، وأصبح يباباً لا أنيس له‏.‏

وكان قد بناه على صنمين وهما كعيب وامرأته، وكانا من خشب طول كل منهما ستون
ذراعاً في السماء، وكانا مصحوبين من الجان، ولهذا كان لا يتعرض أحد إلى
أخذ شيء من بناء القليس وأمتعته إلا أصابوه بسوء، فلم يزل كذلك إلى أيام
السفاح أول خلفاء بني العباس‏.‏

فذكر له أمره وما فيه من الأمتعة والرخام الذي كان أبرهة نقله إليه من صرح
بلقيس الذي كان باليمن، فبعث إليه من خربه حجراً حجراً، وأخذ جميع ما فيه
من الأمتعة والحواصل، هكذا ذكره السهيلي، والله أعلم‏.‏





خروج الملك عن الحبشة ورجوعه إلى سيف بن ذي يزن

قال محمد بن إسحاق رحمه الله‏:‏ فلما
هلك أبرهة ملك الحبشة يكسوم بن أبرهة، وبه كان يكنى، فلما هلك يكسوم ملك
اليمن من الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة، قال‏:‏ فلما طال البلاء على أهل
اليمن خرج سيف بن ذي يزن الحميري، وهو سيف بن ذي يزن بن ذي أصبح بن مالك بن
زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث
بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجج وهو حمير بن سبأ‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 222‏)‏

وكان سيف يكنى أبا مرة، حتى قدم على قيصر ملك الروم فشكى إليه ما هو فيه
وسأله أن يخرجهم عنه ويليهم هو، ويخرج إليهم من شاء من الروم فيكون له ملك
اليمن، فلم يشكه ولم يجد عنده شيئاً مما يريد‏.‏

فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض
العراق، فشكا إليه أمر الحبشة فقال له النعمان‏:‏ إن لي على كسرى وفادة في
كل عام، فأقم عندي حتى يكون ذلك، ففعل ثم خرج معه فأدخله على كسرى، وكان
كسرى يجلس في إيوان مجلسه الذي فيه تاجه، وكان تاجه مثل القنقل العظيم فيما
يزعمون، يضرب فيه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ بالذهب والفضة، معلقاً بسلسلة
من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ذلك‏.‏

وكانت عنقه لا تحمل تاجه إنما يستر عليه بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك، ثم
يدخل رأسه في تاجه فإذا استوى في مجلسه كشف عنه الثياب فلا يراه أحد لم
يره قبل ذلك إلا برك هيبة له، فلما دخل عليه سيف طأطأ رأسه، فقال الملك‏:‏
إن هذا الأحمق يدخل علي من هذا الباب الطويل ثم يطأطئ رأسه، فقيل ذلك لسيف
فقال‏:‏ إنما فعلت هذا لهمي لأنه يضيق عنه كل شيء‏.‏

ثم قال‏:‏ أيها الملك غلبتنا على بلادنا الأغربة، قال كسرى‏:‏ أي الأغربة
الحبشة أم السند‏؟‏ قال‏:‏ بل الحبشة، فجئتك لتنصرني ويكون ملك بلادي لك‏.‏

فقال له كسرى‏:‏ بعدت بلادك مع قلة خيرها، فلم أكن لأورط جيشاً من فارس
بأرض العرب لا حاجة لي بذلك، ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف، وكساه كسوة
حسنة، فلما قبض ذلك منه سيف خرج فجعل ينثر تلك الورق للناس، فبلغ ذلك الملك
فقال‏:‏ إن لهذا لشأناً‏.‏

ثم بعث إليه فقال‏:‏ عمدت إلى حباء الملك تنثره للناس‏؟‏ قال‏:‏ وما أصنع
بحباك ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة يرغبه فيها مما رأى من
زهادته فيها إنما جئت الملك ليمنعني من الظلم ويدفع عني الذل‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏
2/ 223‏)‏

فجمع كسرى مرازبته فقال لهم‏:‏ ما ترون في أمر هذا الرجل وما جاء له‏؟‏
فقال قائل‏:‏ أيها الملك إن في سجونك رجالاً قد حبستهم للقتل فلو أنك
بعثتهم معه فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردت بهم، وإن ظفروا كان ملكاً أزددته،
فبعث معه كسرى من كان في سجونه، وكانوا ثمانمائة رجل، واستعمل عليهم وهرز
كان ذا سن فيهم، وأفضلهم حسباً وبيتاً، فخرجوا في ثمان سفائن فغرقت
سفينتان، ووصل إلى ساحل عدن ست سفائن، فجمع سيف إلى وهرز من استطاع من قومه
وقال له‏:‏ رجلي ورجلك حتى نموت جميعاً أو نظفر جميعاً‏.‏

فقال له وهرز‏:‏ أنصفت، وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن وجمع إليه جنده
فأرسل إليهم وهرز ابنا له ليقاتلهم فيختبر قتالهم، فقتل ابن وهرز، فزاده
ذلك حنقاً عليهم، فلما تواقف الناس على مصافهم قال وهرز‏:‏ أروني ملكهم،
فقالوا له‏:‏ أترى رجلاً على الفيل عاقداً تاجه على رأسه بين عينيه ياقوتة
حمراء‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قالوا‏:‏ ذلك ملكهم، فقال‏:‏ اتركوه‏.‏

قال‏:‏ فوقفوا طويلاً ثم قال‏:‏ علام هو‏؟‏

قالوا‏:‏ قد تحول على الفرس‏.‏

قال‏:‏ اتركوه‏.‏ فتركوه طويلاً، ثم قال‏:‏ علام هو‏؟‏

قالوا‏:‏ على البغلة‏.‏

قال وهرز‏:‏ بنت الحمار ذل وذل ملكه، إني سأرميه فإن رأيتم أصحابه لم
يتحركوا فاثبتوا حتى أوذنكم، فإني قد أخطأت الرجل، وإن رأيتم القوم قد
استداروا به ولاهوا فقد أصبت الرجل فاحملوا عليهم، ثم وتر قوسه وكانت فيما
يزعمون لا يوترها غيره من شدتها، وأمر بحاجبيه فعصبا له‏.‏

ثم رماه فصك الياقوتة التي بين عينيه، وتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من
قفاه، ونكس عن دابته، واستدارت الحبشة ولاثت به، وحملت عليهم الفرس
فانهزموا فقتلوا وهربوا في كل وجه‏.‏

وأقبل وهرز ليدخل صنعاء حتى إذا أتى بابها قال‏:‏ لا تدخل رايتي منكسة
أبداً اهدموا هذا الباب، فهدم ثم دخلها ناصباً رايته، فقال سيف بن ذي يزن
الحميري‏:‏

يظن الناس بالملكين * أنهما قد التأما

ومن يسمع بلأ مهما * فإن الخطب قد فقما

قتلنا القيل مسروقا * وروينا الكثيب دما

وإن القيل قيل الناس * وهرز مقسم قسما

يذوق مشعشعا حتى * نفيء السبي والنعما

‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 224‏)‏

ووفدت العرب من الحجاز وغيرها على سيف يهنئونه بعود الملك إليه وامتدحوه،
فكان من جملة من وفد قريش وفيهم عبد المطلب بن هاشم، فبشره سيف برسول الله
صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما يعلم من أمره، وسيأتي ذلك مفصلاً في باب
البشارات به عليه الصلاة والسلام‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي قال‏:‏ ابن هشام، ويروى لأمية بن أبي الصلت‏:‏

ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن * ريّم في البحر للأعداء أحوالا

يمم قيصرا لما حان رحلته * فلم يجد عنده بعض الذي سالا

ثم انثنى نحو كسرى بعد عاشرة * من السنين يهين النفس والمالا

حتى أتى ببني الأحرار يحملهم * إنك عمري لقد أسرعت قلقالا

لله درهم من عصبة خرجوا * ما إن أرى لهم في الناس أمثالا

غلباً مرازبة بيضاً أساورة * أسداً تربب في الغيضات أشبالا

يرمون عن سدف كأنها غبط * بزمخر يعجل المرميَّ إعجالا

أرسلت أسداً على سود الكلاب فقد * أضحى شريدهم في الأرض فُلاّلا

فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقا * في رأس غمدان دارا منك محلالا

واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم * وأسبل اليوم في برديك إسبالا

تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيباً بماء فعادا بعد أبوالا

يقال - إن غمدان - قصر باليمن بناه يعرب بن قحطان، وملكه بعده، واحتله
وائلة بن حمير بن سبأ، ويقال‏:‏ كان ارتفاعه عشرين طبقة، فالله أعلم‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 225‏)‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقال عدي بن زيد الحميري، وكان أحد بني تميم‏:‏

ما بعد صنعاء كان يعمرها * ولاة ملك جزل مواهبها

رفعها من بني لذي قزع المزن * وتندى مسكاً محاربها

محفوقة بالجبال دون عرى الكائد * ما يرتقى غواربها

يأنس فيها صوت النهام إذا * جاوبها بالعشى قاصبها

ساقت إليها الأسباب جند بني * الأحرار فرسانها مواكبها

وفوزت بالبغال توسق بالحتف * وتسعى بها توالبها

حتى يراها الأقوال من طرف المنقل * مخضرة كتائبها

يوم ينادون آل بربر واليكسوم * لا يفلحن هاربها

فكان يوماً باقي الحديث وزالت * أمة ثابت مراتبها

وبدل الهيج بالزرافة والأيام * خون جم عجائبها

بعد بني تبع نخاورة * قد اطمأنت بها مرازبها

قال ابن هشام‏:‏ وهذا الذي عنى سطيح بقوله‏:‏ يليه إرم ذي يزن يخرج عليهم
من عدن فلا يترك منهم أحدا باليمن، والذي عنى شق بقوله‏:‏ غلام ليس بدني
ولا مدن يخرج من بيت ذي يزن‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وأقام وهرز والفرس باليمن، فمن بقية ذلك الجيش من الفرس الأبناء الذين باليمن اليوم‏.‏

وكان ملك الحبشة باليمن فيما بين أن دخلها أرياط إلى أن قتلت الفرس مسروق
بن أبرهة، وأخرجت الحبشة اثنتين وسبعين سنة توارث ذلك منهم أربعة‏:‏ أرياط،
ثم أبرهة، ثم يكسوم بن أبرهة، ثم مسروق بن أبرهة‏.‏





ما آل إليه أمر الفرس باليمن

قال ابن هشام‏:‏ ثم مات وهرز فأمر كسرى
ابنه المرزبان بن وهرز على اليمن، ثم مات المرزبان فأمر كسرى ابنه التينجان
ثم مات فأمر ابن التينجان، ثم عزله عن اليمن، وأمر عليها باذان وفي زمنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 226‏)‏

قال ابن هشام‏:‏ فبلغني عن الزهري أنه قال‏:‏ كتب كسرى إلى باذان أنه بلغني
أن رجلاً من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبي، فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا
فابعث إلي برأسه، فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم‏.‏

فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى
في يوم كذا وكذا من شهر كذا، فلما أتى باذان الكتاب وقف لينتظر، وقال‏:‏ إن
كان نبياً فسيكون ما قال، فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ على يدي ابنه شيرويه، قلت‏:‏ وقال بعضهم‏:‏ بنوه تمالؤوا
على قتله‏.‏ وكسرى هذا هو أبرويز بن هرمز بن أنو شروان بن قباز، وهو الذي
غلبت الروم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى
الْأَرْضِ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 1-3‏]‏ كما سيأتي بيانه‏.‏

قال السهيلي‏:‏ وكان قتله ليلة الثلاثاء لعشر خلون من جمادى الأولى سنة تسع
من الهجرة‏.‏ وكان والله أعلم لما كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدعوه إلى الإسلام فغضب ومزق كتابه، كتب إلى نائبه باليمن يقول له ما
قال‏.‏

وفي بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرسول باذان‏:‏

‏(‏‏(‏إن ربي قد قتل الليلة ربك‏)‏‏)‏‏.‏

فكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل تلك الليلة بعينها، قتله
بنوه لظلمه بعد عدله بعد ما خلعوه وولوا ابنه شيرويه، فلم يعش بعد قتله
أباه إلا ستة أشهر أو دونها، وفي هذا يقول خالد بن حق الشيباني‏:‏

وكسرى إذ تقسمه بنوه * بأسياف كما اقتسم اللحام

تمخضت المنون له بيوم * ألا ولكل حاملة تمام

قال الزهري‏:‏ فلما بلغ ذلك باذان بعث بإسلامه وإسلام من معه من الفرس إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت الرسل‏:‏ إلى من نحن يا رسول الله‏؟‏
قال‏:‏ أنتم منا وإلينا أهل البيت‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 227‏)‏

قال الزهري‏:‏ ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏سلمان منا أهل البيت‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ والظاهر أن هذا كان بعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة، ولهذا بعث الأمراء إلى اليمن لتعليم الناس الخير، ودعوتهم إلى
الله عز وجل، فبعث أولاً خالد بن الوليد وعلي بن أبي طالب، ثم أتبعهما أبا
موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل، ودانت اليمن وأهلها للإسلام، ومات باذان فقام
بعده ولده شهر بن باذان، وهو الذي قتله الأسود العنسي حين تنبأ، وأخذ زوجته
كما سيأتي بيانه‏.‏

وأجلى عن اليمن نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قتل الأسود عادت اليد الإسلامية عليها‏.‏

وقال ابن هشام‏:‏ وهذا هو الذي عنى به سطيح بقوله‏:‏ نبي زكي يأتيه الوحي
من قبل العلي، والذي عنى شق بقوله‏:‏ بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق
والعدل بين أهل الدين والفضل، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان في حجر باليمن فيما يزعمون كتاب بالزبور، كتب
بالزمان الأول، لمن ملك ذمار‏؟‏ الحمير الأخيار، لمن ملك ذمار، للحبشة
الأشرار، لمن ملك ذمار‏؟‏ لفارس الأحرار، لمن ملك ذمار‏؟‏ لقريش التجار‏.‏

وقد نظم بعض الشعراء هذا المعنى فيما ذكره المسعودي‏:‏

حين شدت ذمار قيل لمن أنت * فقالت لحمير الأخيار

ثم سينت من بعد ذاك فقالت * أنا للحبش أخبث الأشرار

ثم قالوا من بعد ذاك لمن أنت * فقالت لفارس الأحرار

ثم قالوا من بعد ذاك لمن أنت * فقالت إلى قريش التجار

ويقال‏:‏ إن هذا الكلام الذي ذكره محمد بن إسحاق وجد مكتوباً عند قبر هود
عليه السلام، حين كشفت الريح عن قبره بأرض اليمن، وذلك قبل زمن بلقيس بيسير
في أيام مالك بن ذي المنار، أخي عمرو ذي الأذعار بن ذي المنار‏.‏

ويقال‏:‏ كان مكتوباً على قبر هود أيضاً، وهو من كلامه عليه السلام، حكاه السهيلي، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 228‏)‏





قصة الساطرون صاحب الحضر

وقد ذكر قصته هاهنا عبد الملك بن هشام لأجل ما قاله
بعض علماء النسب‏:‏ إن النعمان بن المنذر الذي تقدم ذكره في ورود سيف بن ذي
يزن عليه، وسؤاله في مساعدته في رد ملك اليمن إليه، إنه من سلالة الساطرون
صاحب الحضر، وقد قدمنا عن ابن إسحاق‏:‏ إن النعمان بن المنذر من ذرية
ربيعة بن نصر، وأنه روى عن جبير بن مطعم أنه من أشلاء قيصر بن معد بن
عدنان‏.‏

فهذه ثلاثة أقوال في نسبه، فاستطرد ابن هشام في ذكر صاحب الحضر‏.‏

والحضر حصن عظيم بناه هذا الملك - وهو الساطرون - على حافة الفرات، وهو
منيف مرتفع البناء، واسع الرحبة والفناء، دوره بقدر مدينة عظيمة، وهو في
غاية الإحكام والبهاء والحسن والسناء، وإليه يجبي ما حوله من الأقطار
والأرجاء‏.‏

واسم الساطرون‏:‏ الضيزن بن معاوية بن عبيد بن أجرم من بني سليح بن حلوان بن الحاف بن قضاعة، كذا نسبه ابن الكلبي‏.‏

وقال غيره‏:‏ كان من الجرامقة، وكان أحد ملوك الطوائف، وكان يقدمهم إذا اجتمعوا لحرب عدو من غيرهم، وكان حصنه بين دجلة والفرات‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ وكان كسرى سابور ذو الأكتاف، غزا الساطرون ملك الحضر‏.‏

وقال غير ابن هشام‏:‏ إنما الذي غزا صاحب الحضر سابور بن أردشير بن بابك
أول ملوك بني ساسان، أذل ملوك الطوائف، ورد الملك إلى الأكاسرة‏.‏

وأما سابور ذو الأكتاف بن هرمز فبعد ذلك بدهر طويل، والله أعلم، ذكره السهيلي‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ فحصره سنتين، وقال غيره‏:‏ أربع سنين‏.‏ وذلك لأنه كان
أغار على بلاد سابور في غيبته بأرض العراق، فأشرفت بنت الساطرون وكان اسمها
النضيرة، فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج، وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل
بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ، وكان جميلاً، فدست إليه أتتزوجني إن فتحت لك
باب الحضر‏؟‏

فقال‏:‏ نعم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 229‏)‏

فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر، وكان لا يبيت إلا سكران، فأخذت مفاتيح باب
الحضر من تحت رأسه، وبعثت بها مع مولى لها، ففتح الباب، ويقال‏:‏ بل دلتهم
على نهر يدخل منه الماء متسع، فولجوا منه إلى الحضر‏.‏

ويقال‏:‏ بل دلتهم على طلسم كان في الحضر، وكان في علمهم أنه لا يفتح حتى
تؤخذ حمامة ورقاء وتخضب رجلاها بحيض جارية بكر زرقاء، ثم ترسل، فإذا وقعت
على سور الحضر سقط ذلك الطلسم، فيفتح الباب، ففعل ذلك فانفتح الباب‏.‏

فدخل سابور فقتل ساطرون، واستباح الحضر وخربه وسار بها معه فتزوجها، فبينا
هي نائمة على فراشها ليلاً إذ جعلت تململ لا تنام، فدعا لها بالشمع ففتش
فراشها فوجد عليه ورقة آس، فقال لها سابور‏:‏ أهذا الذي أسهرك‏؟‏ قالت‏:‏
نعم‏.‏ قال‏:‏ فما كان أبوك يصنع بك‏؟‏ قالت‏:‏ كان يفرش لي الديباج،
ويلبسني الحرير، ويطعمني المخ، ويسقيني الخمر‏.‏

قال‏:‏ أفكان جزاء أبيك ما صنعت به أنت إلي بذلك أسرع‏.‏ فربطت قرون رأسها
بذنب فرس، ثم ركض الفرس حتى قتلها، ففيه يقول أعشى بن قيس بن ثعلبة‏:‏

ألم ترَ للحضر إذ أهله * بنعمى وهل خالد من نعم

أقام به شاهبور الجنود * حولين تضرب فيه القدم

فلما دعا ربه دعوة * أناب إليه فلم ينتقم

فهل زاده ربه قوة * ومثل مجاوره لم يقم

وكان دعا قومه دعوة * هلموا إلى أمركم قد صرم

فموتوا كراما بأسيافكم * أرى الموت يجشمه من جشم

وقال عدي بن زيد في ذلك‏:‏

والحضر صابت عليه داهية * من فوقه أيد مناكبها

ربية لم توق والدها * لحينها إذا أضاع راقبها

إذ غبقته صهباء صافية * والخمر وهل يهيم شاربها

فأسلمت أهلها بليلتها * تظن أن الرئيس خاطبها

فكان حظ العروس إذ جشر * الصبح دماء تجري سبائبها

وخرب الحضر واستبيح وقد * أحرق في خدرها مشاجبها

‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 230‏)‏

وقال عدي بن زيد أيضاً‏:‏

أيها الشامت المعير بالدهر * أأنت المبرا الموفور

أم لديك العهد الوثيق من الأيام * بل أنت جاهل مغرور

من رأيت المنون خلدن أم * من ذا عليه من أن يضام خفير

أين كسرى كسرى الملوك أنو * شروان أم أين قبله سابور

وبنو الأصفر الكرام ملوك * الروم لم يبق منهم مذكور

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة * تجبى إليه والخابور

شاده مرمرا وجلله كلسا * فللطير في ذراه وكور

لم يهبه ريب المنون فبان * الملك عنه فبابه مهجور

وتذكر رب الخورنق إذ * أشرف يوماً وللهدى تفكير

سره ماله وكثرة ما * يملك والبحر معرضا والسدير

فارعوى قلبه وقال وما غبطة * حي إلى الممات يصير

ثم أضحوا كأنهم ورق جف * فألوت به الصبا والدبور

قلت‏:‏ ورب الخورنق الذي ذكره في شعره رجل من الملوك المتقدمين، وعظه بعض
علماء زمانه في أمره الذي كان قد أسرف فيه، وعتا وتمرد فيه، وأتبع نفسه
هواها، ولم يراقب فيها مولاها، فوعظه بمن سلف قبله من الملوك والدول، وكيف
بادوا ولم يبق منهم أحد‏.‏

وأنه ما صار إليه عن غيره إلا وهو منتقل عنه إلى من بعده، فأخذته موعظته
وبلغت منه كل مبلغ، فارعوى لنفسه وفكر في يومه وأمسه، وخاف من ضيق رمسه،
فتاب وأناب، ونزع عما كان فيه، وترك الملك ولبس ذي الفقراء، وساح في
الفلوات، وحظى بالخلوات‏.‏

وخرج عما كان الناس فيه من اتباع الشهوات، وعصيان رب السموات، وقد ذكر قصته
مبسوطة الشيخ الإمام موفق بن قدامة المقدسي رحمه الله في كتاب
‏(‏التوابين‏)‏

وكذلك أوردها بإسناد متين الحافظ أبو القاسم السهيلي في كتاب ‏(‏الروض الأنف‏)‏ المرتب أحسن ترتيب وأوضح تبيين‏.‏






خبر ملوك الطوائف

وأما صاحب الحضر وهو ساطرون، فقد تقدم أنه كان مقدماً على سائر ملوك الطوائف‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 231‏)‏

وكان من زمن إسكندر بن فلبيس المقدوني اليوناني، وذلك لأنه لما غلب على ملك
الفرس دارا بن دارا وأذل مملكته، وخرب بلاده، واستباح بيضة قومه، ونهب
حواصله، ومزق شمل الفرس شذر مذر، عزم أن لا يجتمع لهم بعد ذلك شمل، ولا
يلتئم لهم أمر، فجعل يقر كل ملك على طائفة من الناس في أقليم من أقاليم
الأرض ما بين عربها وأعاجمها، فاستمر كل ملك منهم يحمي حوزته، ويحفظ حصته،
ويستغل محلته‏.‏

فإذا هلك قام ولده من بعده أو أحد قومه فاستمر الأمر كذلك قريبا من خمسمائة
سنة، حتى كان أزدشير بن بابك من بني ساسان بن بهمن بن أسفنديار بن يشتاسب
بن لهراسب، فأعاد ملكهم إلى ما كان عليه، ورجعت الممالك برمتها إليه، وأزال
ممالك مملوك الطوائف، ولم يبق منهم تالد ولا طارف، وكان تأخر عليه حصار
صاحب الحضر الذي كان أكبرهم، وأشدهم، وأعظمهم، إذ كان رئيسهم ومقدمهم‏.‏

فلما مات أزدشير تصدى له ولده سابور، فحاصره حتى أخذه كما تقدم، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏





ذكر بني إسماعيل وما كان من أمور الجاهلية إلى زمان البعثة

تقدم ذكر إسماعيل نفسه عليه السلام مع
ذكر الأنبياء، وكيف كان من أمره حين احتمله أبوه إبراهيم الخليل عليه
الصلاة والسلام مع أمه هاجر، فأسكنها بوادي مكة بين جبال فاران حيث لا أنيس
به ولا حسيس، وكان إسماعيل رضيعاً، ثم ذهب وتركهما هنالك عن أمر الله له
بذلك، ليس عند أمه سوى جراب فيه تمر، ووكاء فيه ماء‏.‏

فلما نفد ذلك، أنبع الله لهاجر زمزم التي هي طعام طعم وشفاء سقم، كما تقدم
بيانه في حديث ابن عباس الطويل، ال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
موسوعة اخبار العرب قبل الاسلام , تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة
» موسوعة علماء العرب والمسلمين للتحميل المباشر
» العرب يدخلون موسوعة جينس حطموا الأرقام القياسية في تجرع الذل والهوان
» علماء غيروا تاريخ العرب بالصور
» تاريخ امريكا , مختصر تاريخ الولايات المتحدة الامريكية بالصور

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات مترو :: محطه السياسه :: رصيف زمان وايام زمان-
انتقل الى: