بسم الله الرحمن الرحيم
***********
مقدمه :
الشعر الملحمي :
ترتبط الملحمه الشعريه بالتاريخ القديم والاحداث الغابره والماضي البعيد للحضارات , وتمتليء بقصص وحوداث متشابكه وابطالها كثيرون يختلفون في مواقفهم وافكارهم ونوازع الخير والشر لديهم ,تتضمن الملاحم كثيراً من الخرافات والاساطير والحكايات الشعبيه ..
لا يلتزم الشعر الملحمي وزناً معيناً او قافيه واحده فهو ينوع في الاوزان والقوافي لكثرة ابياته التي قد تبلغ الالاف ....
من امثلة الملاحم الشهيره في العالم الملحمة العراقيه القديمه (جلجامش ) وموضوعها الموت والحياة ,والفناء والخلود , ومغزاها ان الانسان خالد بأعماله المجيده التي تنفع ابناء جنسه جميعاً وخالد بما يحقق لهم مما يطمحون اليه في هذه الدنيا من حياة بعيده عن الشرور والالام ...
( والملحمة المقصودة هي نص شعري طويل مكتوب باللغات السومرية والآكادية والبابلية، وموزع على أثني عشر لوحا فخاريا، ويعتقد بعض العلماء أن ثمة ألواح أخرى لازالت مفقودة أو هي أصابها العطب والتلف )
ومن اشهر الملاحم ايضاً ملحمتي الاوديسه والالياذه , كانت الالياذه تتناول الحروب الطاحنه التي وقعت بين طرواده وأثينا وقد اشتركت فيها الالهه المتخيله طبقاً لأساطير اليونان وقصصهم القديمه ).
قصة الملحمه بصور مختصره :
تعد ملحمة جلجامش اقدم ملحمة شعريه ظهرت في العالم , فقد ظهرت في نحو العشرين قبل الميلاد , في حين ظهرت ملحمتي الألياذه والأوديسه الاغريقيتان في القرن التاسع قبل الميلاد عندما قام بأنشادهما الشاعر اليوناني (هوميروس ) ...
تعود أحداث ملحمة جلجامش الى الالف الثالث قبل الميلاد , وبطها جلجامش الذي خلقه الأله العظيم (استغفر الله) وجعل ثلثيه الهاً وثلثه بشراً ... كما جعل هيئة جسمه كالثور الوحشي , ولمّا حكم جلجامش اوروك (الوركاء) لم تنقطع مظالمه عن الناس , فغضبت عليه الالهه وخلقت غريماً له يضارعه في القوه هو (انكيدو) , فالتقى البطلان وتصارعا كالثورين الوحشيين , فغلب جلجامش انكيدو مما جعل انكيدو يقر له بالبطوله والملوكيه على البشر ....
*******************************
(تمثال جلجامش )
**********************************
صار جلجامش وانكيدو صديقين ثم قاما بسفرة الى غابة الأرز المسحوره التي يحرسها العفريت (خمبابا ) , فقتلا العفريت وعادا الى اورك منتصرين ,,, يمرض انكيدو ثم يموت , فيبكيه جلدامش بكاءاً مراً ويهيم في الصحارى ...
خشي جلجامش مصير صديقه انكيدو ,الموت , فراح يبحث عن الخلود , واستطاع ان يعبر الى الجزيره التي ينمو فيها العشب الذي يعيد الشباب , وبعد ان حصل على هذا العشب اراد العوده الى أوروك وفي طريق العوده اعترضته حيّه سرقت العشب فحزن وادرك ان الموت محتم , ولا خلود لأنسان في الحياة الا بالعمل الصالح , فحسنت سيرته في اوروك وكثرت اعماله الصالحه ...
من الموضوعات التي عالجتها الملحمه موضوع البحث عن الخلود في هذه الحياة وتنتهي الملحمه بالدعوه الى العمل الصالح ما دام خلود الانسان في هذه الحياة طلباً مستحيلاً .....
ترجمت ملحمة جلجامش الى اكثر اللغات العالميه , منها :
الانجليزيه , الالمانيه , الروسيه والأيطاليه ,,, مما يؤكد روعتها الأدبيه وموضوعاتها الأنسانيه ........
اليكم بعض المقاطع منها :
***********************************
مقطع يصوّر مشاعر انكيدو الانسانيه وما يعتريه من تردد بعكس جلجامش :
اصطرع جلجامش وأنكيدو مع الوحش خمبابا الذي كان زئيره عباب الطوفان، ذهبا إليه عند غابة الأرز، وهناك تحدياه، وقتلاه. في البداية تردد انكيدو، لكن جلجامش استحثه، وجمع إليه شيوخ أوروك معلناً:
إسمعوا يا شيب أوروك، ذات الأسواق:
أريد، انا جلجامش، ان أري من يتحدثون عنه،
ذلك الذي ملأ البلدان بالرعب،
عزمتُ علي ان اغلبه في غابة الأرز.
وسأُسمع البلاد بأنباء ابن اوروك،
فتقول عني ما أشجع سليل اوروك وما أقواه!
*************************
النص التالي يمثل مقطع من الملحمه يصور موت انكيدو بين يدي صديقه جلجامش , فهو يصوّر الوفاء للصداقه والتمجيد للبطوله ...
لقد رأى صديقي رؤيا تنذر بالشر ......
ولما انقضى اليوم الذي رأى فيه انكيدو الرؤيا اشتد به المرض فظل ملازماً فراشه يوماً وثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً وسادساً وسابعاً وثامناً وتاسعاً وعاشراً وثقل المرض على (انكيدو) ومضى اليوم الحادي عشر, وهو ما يزال راقداً على فراش المرض, فدعا اليه جلجامش , وكلمه قائلاً :
"يا صاحبي , لقد حلّت بي اللعنه " ,
"فلن أموت ميتة رجل سقط في ميدان الوغى , كنت لا أخشى القتال , ولكنني سأموت ذليلاً حتف أنفي فمن يسقط في القتال , يا صديقي , فأنه مبارك ........ "
عندما نوّر اول خيوط الفجر قال جلجامش ........
........... "اسمعوني أيها الشيبه , واصغوا اليّ من اجل انكيدو , خلّي وصاحبي , ابكي وانوح نواح الثكلى "
"انه الفأس التي في جنبي , وقوّة ساعدي والخنجر الذي في حزامي , والمجن الذي يدرأ عني , وفرحتي , وبهجتي , وكسوة عيدي ............. لقد ظهر شيطان رجيم وسرقه مني "
"يا خلّي واخي الاصغر , الذي اقتنص حمار الوحش في النجاد , والنمر في الصحارى تغلبنا معاً على الصعاب , وارتقينا أعالي الجبال ومسكنا بالثور السماوي , ونحرناه ........
قهرنا خمبابا الساكن في غابة الارز فأي سنةٍ من النوم هذه التي غلبتك وتمكنت منك ؟؟؟
طواك ظلام الليل فلا تسمعني "
ولكن (انكيدو ) لم يرفع عينيه , وعند ذاك , برقع صديقه كالعروس واخذ يزأر حوله كالأسد وكاللبوة التي اختطف منها أشبالها ....
*****************************
القصه مطوّله :
(من مقال للدكتور شاكر الحاج مخلف )
أبن الآلهة " ننسون " الذي حملت به من ملك أوروك " لوجال بندا " ، جلجامش الذي ولد ثلثه إنسان وثلثاه إله، وجدته " سومر " متفوقا على رجالها بصفاته الجسمية والعقلية، قويا ذكيا شجاعا، أمسك بصولجان الحكم وهو في مرحلة الشباب، وعندما خلقت الإلهة "آرورو" أنكيدو ، القرين والند والصديق لجلجامش، تغيرت الأفكار والرؤى وصار التأمل العميق في بحر الموت واشرعة الحياة ، يدفعان جلجامش للدخول في إنجاز فعل كبير ، كشف لرفيقه عن فكرة الوصول إلى غابة الأرز الموجودة في أقصى مغرب الشمس وقتل حارسها خمبابا، ذاك الفعل تعارض مع الإله إنليل الذي أوكل إلى خمبابا حراسة غابة الأرز، " يبرز الطابع البطولي عند جلجامش بفضل المظهر العتيق لصورته المعكوسة المتمثلة بالعملاق الوحشي انكيدو ، انهما متماثلان من حيث القوة ويحققان المآثر بصورة مشتركة، غير أن انكيدو يتصف بمظاهر الضعف التي يشكو منها الإنسان الاعتيادي ، فهو يجبن عند التفكير بالقيام بحملة إلى غابة الأرز ضد الغولة خومبابا، أما جلجامش ، الذي تعتبر الشجاعة من صفاته المميزة فيخجل من تصرف صديقه، ولا يصغي إلى نصائح الشيوخ الحذرين، مفضلا عليها الحياة القصيرة والمجد الأبدي ، ورغم الخوف الذي يجتاح
أنكيدو، بدأت فصول الرحلة المحفوفة بالمخاطر والخوف، اقتحما غابة الأرز المسحورة وكان صوت خمبابا المرعب يهدر وكاد أن يهلكهما لولا مساعدة الإله شمش الذي أمدهما بثمانية أنواع من الرياح هبت في وجه الوحش المرعب وشلت حركته، أمسكا به وقطعا رأسه وقدماه قربانا لشمش ، " كانت أم جلجامش تشكو ، قبل القيام بحملته إلى غابة الأرز ، من أن الله منح ابنها قلبا جنوبيا ، عاد البطلان إلى اوروك ، حاولت الإلهة " عشتار " إغواء جلجامش لكنه رفض عرضها منددا بخيانتها المعروفة لعشاقها وأزواجها ، وردا على تلك الإهانة أطلقت" الثور السماوي " في مدينة أوروك ليعيث فسادا، ولكن جلجامش وأنكيدو ما لبثا أن تصديا له وقتلاه بعد صراع مرير وقدما قلبه قربانا للإلهة شمش، قرر مجمع الإلهة موت واحد من البطلين ووقع الخيار على أنكيدو ، أقام لإنكيدو طقوس الحداد وقبع في قصره وحيدا حزينا وصارت فكرة الموت تطارده " يدرك جلجامش كربة الموت فقط بعد مقتل انكيدو، غير أن هذا لم يكن بسبب الخوف على نفسه شخصيا ، بل بسبب خيبة الأمل لإدراكه حقيقة أن العظمة السامية للشخصية البطولية لم تنقذ الأخيرة من النهاية الطبيعية لكل الناس " ، يحمل الهواجس والأفكار معه تعذبه حتى إذا وصل إلى رمز الخلود " اوتنابشتم" ليسأله عن سر الحياة والموت ..
جلجامش وسيدوري
كان على جلجامش أن يجتاز سلسلة جبال " ماشو " التي تحرس ذراها المتقابلة الفوهة التي تنزل منها الشمس إلى باطن الأرض، ومن بعد تواصل مسيرها في بحر الليل قبل شروقها من الطرف الثاني، سهل له البشر العقارب الموكلون بحراسة تلك الجبال عبور مسالكها الوعرة، أرشدوه إلى أقصر طريق يصل من خلاله إلى أوتنابشتم، وعندما وصل إلى فوهة الشمس نزل فيها ليصل عبرها إلى الطرف الآخر من العالم ، عمل من الخوارق ليس بوسع البشر القيام به، هو من مهمات الإله، اجتاز جلجامش ممر الشمس الأسفل في أقل من ليلة واحدة ، وخرج من الطرف الثاني ليجد نفسه
على شاطئ البحر الذي يفصله عن جزيرة اوتنابشتم ، هناك تقيم سيدوري ساقية حان الآلهة، حيث يتوقف الخالدون للحصول على محطة استراحة وتناول الشراب ، ينتاب سيدوري الفزع والخوف وهي ترى عملاقا أشعث يعلو ملامحه الغبار ويرتدي جلود الأسود، تدخل وتوصد باب حانتها دونه ، لكن جلجامش يناديها ويكشف لها عن شخصيته وأهدافه التي جاء من اجلها وطلب منها المساعدة ، تخبره سيدوري بوجود ملاح أوتنابشتم المدعو " أورشنابي " في المكان يحتطب من أجل سيده، أرشدت سيدوري جلجامش الى مكانه وأخبرته بأنه الوحيد الذي يستطيع بقاربه عبور مياه بحر الموت ، لأنه يملك رقم حجرية عليها طلاسم سحرية .
جلجامش وأورشنابي
إنطلق جلجامش كسهم سريع إلى مكان أورشنابي وفي غمرة اضطرابه وانفعاله العنيف داس فوق الرقم الحجرية التي كان أورشنابي قد وضعها جانبا وهو يحتطب فبعثرها وحطمها، فقال له أورشنابي، بعد أن سمع قصته ، بأن يديه قد حالتا دون عبوره لأنه كسر الرقم الطينية التي تعين الزورق على اجتياز مياه الموت، وبعد تقليب الأمور على وجوهها ، توصل أورشنابي إلى حل للمشكلة فمياه الموت التي تبدأ حدودها بعد مسيرة طويلة في البحر ، هي مياه راكدة والهواء فوقها ساكن، حيث لاريح تدفع ولامجذاف ينفع ، وحيث الرذاذ إذا تطاير يقتل باللمس، أختار أورشنابي دفع الزورق بالمردي وطلب من جلجامش أن يحتطب من الغابة مائة وعشرين مرديا طول الواحد منها ستين ذراعا،
وعندما أنجز جلجامش عمله ، أبحر الاثنان في الزورق وعندما ولج مياه الموت ، طلب أورشنابي من جلجامش أن يبدأ باستخدام المردي ، كان على جلجامش أن يستعمل كل مردي لمرة واحدة فقط ثم يتركه بعد الدفع إلى الماء، لكي لا تمس يده ما علق عليه من ماء قاتل .
جلجامش وأوتونابشتم
قص جلجامش على اوتونابشتم قصته وماجرى له ورجاه أن يخبره كيف استطاع تحقيق الخلود لنفسه من دون بني البشر ، قص اوتونابشتم على جلجامش قصة الطوفان العظيم بجميع تفاصيلها وكيف انتهت إلى مكافأته بنعمة الخلودعندما قام إنليل بإسباغ نعمة الخلود عليه وزوجته مكافأة له على صنيعه وأسكنهما في هذه الجزيرة ، ثم عمد إلى اختبار جلجامش، كان الاختبار عسيرا والمطلوب منه أن يثبت استعداده ومقدرته على قهر الموت الأصغر وهو النوم ، فكان عليه أن يجلس في وضعية القعود ستة أيام وسبع ليال دون أن يطرق الكرى أجفانه ، قبل جلجامش التحدي مصمما على قهر الموت الأصغر ولكنه بعد وقت قصير راح في سبات عميق أستمر ستة أيام وفي اليوم السابع هزه اوتونابشتم فأفاق معتقدا أنه لم ينم إلا هنيهة، وعندما عرف حقيقة ماجرى له وتأكد من فشله في الاختبار، قرر مغادرة الجزيرة ومعه اورشنابي الذي أمره سيده بمغادرة المكان دون رجعة ومرافقة جلجامش إلى مدينة أوروك ، وبينما هما يدفعان الزورق بعيدا عن الشاطئ، شعرت زوجة اوتونابشتم بالشفقة على جلجامش وطلبت من زوجها أن يقدم له بعضا مما قدم لأجله ، نادى اوتونابشتم جلجامش وأطلعه على سر نبته شوكيه تعيش في أعماق المياه الباطنية؛ حيث مسكن الإله انكي ، تلك النبتة تحمل خصائص تجديد الشباب لمن يأكل منها إذا بلغ الشيخوخة ، غاص جلجامش في القناة المائية التي تصل إلى الآبسو - مجمع المياه السفلية العذبة ، رابطا إلى قدميه حجرا ثقيلا يشده بقوة إلى الأسفل ، وهناك رأى النبتة فاجتثها بعد أن أدمت أشواكها يديه ، ثم حل وثاقه صاعدا نحو الأعلى، ثم عرضها على اوتونابشتم وزوجته وشكرهما وقال: انه سيحملها معه إلى أوروك ليجعل الشيوخ يقتسمونها فيما بينهم ، وإنه سيأكل منها عندما تداهمه الشيخوخة ، ثم أنطلق مع أورشنابي في طريق العودة إلى أوروك، وفي إحدى المحطات التي توقفا عندها للراحة ، رأى جلجامش بركة ماء فنزل إليها واستحم بمائها تاركا النبتة عند الضفة، عندها جاءت حية إلى النبتة وأكلتها وبينما هي راجعة إلى وكرها تجدد جلدها، جلس جلجامش عند الضفة وقد انهار تماما بعد أن فقد حتى الأمل في تجديد الشباب " أن الملحمة البطولية تستحيل هنا إلى قصيدة ميثولوجية يصبح فيها جلجامش رمزا للإنسان بصورة عامة، وبصفته - فاوست بابلي قديم _ فريد يتحول من المآثر البطولية إلى البحث عن معنى الحياة وفي الجزء الأساسي - الملحمي الصرف- من هذا العمل الشعري تتشابك الطاقة البطولية عند جلجامش بالغيظ المهتاج ...........
********************