ا
وفي الساعة التاسعة صباحا نزل الملك فاروق من الدور العلوي للقصر إلي الدور السفلي.وكانت لفته غريبة من الملك فقد كان يرتدي زي القائد الأعلي للقوات البحرية حتي أن الجميع اندهش لذلك...وما هي إلا دقائق قليلة إلا وحضر علي ماهر باشا إلي القصر وبرفقته سليمان حافظ(مستشار الرأي لمجلس الوزراء)ومعهما وثيقة التنازل وضرورة مغادرة الملك للبلاد قبل السادسة من مساء اليوم,ودخلا إلي الملك في القاعة الرئيسية للقصر وبقيا معه لمدة عشر دقائق بعدها بدأ الملك يصرخ في علي ماهر وسليمان حافظ قائلا:فين السودان؟وهنا تشاور علي ماهر وسليمان حافظ معا وقاما بتعديل بعض الكلمات بالوثيقة وأعطياها للملك مرة ثانية,وقام سليمان حافظ بنسخ الوثيقة بالخط الديواني ليقوم الملك بالتوقيع عليها وكانت النسخة الأولي(سبب صراخ فاروق)قد كتب فيها نحن فاروق الأول ملك مصرفقط دون أن تذكر كلمة السودان الذي علم وقتها أن رجال الثورة يسعون إلي فصل السودان عن مصر وتمزيق وحدة وادي النيل,وكان هذا هو اعتراض فاروق الوحيد في وثيقة التنازل عن العريش..
واختار فاروق أن يسافر إليإيطاليا وطلب أن يصحبه إلي هناك ثلاثة ضباط من حرسه الملكي...الغريب الحسيني(حارسه الخاص)اليوزباشي بهاء الدين باهي(من الحرس الملكي) واليوزباشي محمد عمر حسن(من الشرطة),ووقتها طلب فاروق من حارسه الخاص: يا حسيني...ما تسبنيش كما طلب فاروق وقتها منه ألا يصوره أحد وهو يغادر مصر رغم أنه كان يعلم صعوبة ذلك في وجود كثير من المصورين ومندوبي وكالات الأنباء والصحفيين وقبل خروج فاروق من القصر أكد علي حارسه ثانية بالأ يتركه قائلا:يا حسيني ما تسبنيش أنا حاسس أنهم ح يقتلوني فقد شعر الملك بأن هناك محاولة لاغتياله والسبب هو كم المدفعية الساحلية الموجودة حول القصر.. ومن الساعة الرابعة تماما اصطف طابور حرس الشرف من أفراد الحرس الملكي...وخرج الملك في الخامسة تماما وقد حرص أن يكون مرتديا لزي البحرية المصرية وهي القوات الوحيدة التي أعلنت ولاءها الكامل له بعد إذاعة بيان الثورة,وخرج فاروق من القصر وهبط درجات السلم بصعوبة.
وبعد أن استعرض الملك حرس الشرف اتجه مباشرة لركوب اللنش للذهاب إلي يخت المحروسة وأطلقت المدفعية طلقاتها تحية للملك ورد بأداء التحية العسكرية..وتحرك اللنش البحري في طريقة إلي المحروسة,وقبل وصوله كانت هناك قوارب شراعية تحمل المواطنين تقترب من اللنش ويشير أفرادها بأيديهم لتحية الملك والذي كان يرفع يديه لرد تحيتهم...
وكان فاروق هو الذي اختار السفر بحرا من خلال المحروسة(التي أقلت إسماعيل عقب عزله قبل ذلك إلي إيطاليا).
وكان فاروق قد طلب من علي ماهر أن يحافظ علي كرامته في وثيقة التنازل..فطمأنه علي ماهر وذكر له أنها ستكون علي مثال الوثيقة التي تنازل بها ملكبلجيكاعن عرشه وأنه ستتخذ جميع مراسم التوديع التي تجري عادة عند مغادرة الملك البلاد وأن ترافق مدمرتان مصريتان المحروسة أثناء السفر...فكان قائد المحروسة الضابط بحري جلال علوبةالذي قال إن الملك فاروق قبل أرض مصر قبل مغادرته وهو ما جعل كل الموجودين من رجال الثورة يتأثرون وعلي رأسهم محمد نجيب...
رحل فاروق ومعه أسرته(الأميرات وولي العهد وناريمارن زوجته)سألت الأميرة فادية حارسه الخاص ببراءة الأطفال:احناح نرجع مصر إمتي...أنا نفسي أشوف ماما...أحسن وحشتني قويوهو ما أثر علي هذا الرجل وغير مجري الحديث مع هذه الطفلةوكان فاروق قبل سفره خائفا مما حدث حتي إنه طالب بحضور السفير الأمريكي كافري وعلي ماهر ضمانا لسلامته الذي وعده علي ماهر بتلبية ذلك..عندما غادر فاروق مصر كان يمتلك 5 ملايين جنيه في الخارج -وهي التي عاش بها-ولم يكن معه أوراقا رسمية عندما وصل إلي نابولي,والتي أراد بعدها أن يذهب إلي جنوة وذلك عبر عبارة أخري تم تأجيرها له لأن الأوامر كانت تقتضي توصيله إلينا بولي فقط...
وكان مع فاروق في رحلته بالإضافة إلي حراسه مجروعة من إيطاليين...الحلاق...مدرب الكلاب وكان في استقبال فاروق السفير المصري في إيطاليا عبد العزيز بدر وقابل الملك وأخبره بأن مندوبا من الخارجية الإيطالية ينتظر السماح له بالصعود لتحية الملك والترحيب به...فلم يأذن له...فقد أستاء من هذا الاستقبال الفاتر وخاصة أنه كان يصحبه ولده الملك أحمد فؤاد الثاني ملك مصر والسودان...وعليه طلب فاروق من السفير استئجار معدية (فيري بوت) لتنقله إلي جزيرة كابري...
أما عما أخذه فاروق فكان(22)حقيبة تحوي بداخلها طعاما لأن فاروق طلب عند مغادرته لرأس التين أن يأخذوا بدلتين خفاف فقط..وهكذا رحل فاروق عن مصر ليبدأ حياة جديدة في إيطاليا كان لها طابعها الخاص...
ولكن برغم حياة فاروق في مصر وإيطاليا من الرفاهية إلا إنه أصيب في سنة1964م بانسداد بسيط في الشريان التاجي برغم إنه لم يكن مسنا إذ كان يبلغ عامة الرابع والأربعين.
وفي 17مارس 1965وفي الواحدة والنصف صباحا...توقف نبض الملك فاروق نهائيا وهو في الخامسة والأربعين من عمره...والذي كان قد عبر كثيرا عن رغبته في أن يدفن بجوار والده وبجوار أسلافه وقد نجحت مساعي أحد أقربائه وهو إسماعيل شرين لدي سلطات مصر بأن يتم إحضار حثمان فاروق القاهرة وهو ما وافق عليه الرئيس عبد الناصر....
وفي يوم27من مارس1965نقلت طائرة جثمانه إلي القاهرة والتي وصلتها في منتصف الليل ومن مطار القاهرة تم نقل الجثمان إلي قبر إبراهيم بن محمد علي.