" يطوى الله عز و جل السماوات يوم القيامة " ( صحيح مسلم الإصدار 2.07 - للإمام مسلم ) الجزء الرابع- كتاب صفة القيامة والجنة والنار 24 - (2788) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة، عن سالم بن عبدالله. أخبرني عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يطوي الله
عز وجل السماوات يوم القيامة. ثم يأخذهن بيده اليمنى. ثم يقول: أنا الملك.
أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله. ثم يقول: أنا
الملك. أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟". ( سُنَنُ أبي دَاوُد، الإصدار 2.02 - للإمامِ أبي دَاوُد ) الجزء الثاني -39- أول كتاب السنة -21- باب في الرد على الجهمية 4732- حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء، أن أبا أسامة أخبرهم عن عمر بن حمزة قال: قال سالم أخبرني عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يطوي الله
السموات يوم القيامة، ثم يأخذهنَّ بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين
الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين، ثم يأخذهنَّ -قال ابن العلاء:
بيده الأخرى- ثمَّ يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟" 4733- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وعن أبي عبد الله الأغرِّ، عن أبي هريرة: أن
النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ينزل ربنا عز وجل كلَّ ليلةٍ إلى سماء
الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني
فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟". ( سنن ابن ماجه. الإصدار 1,13 - للإمام ابن ماجه ) الجزء الأول - [افتتاح الكتاب في: الإيمان، وفضائل الصحابة، والعلم] - (13) باب فيما أَنكرت الجهِيَمة 198-
حَدَّثنَا هِشَام بْن عَمَّار، ومحمد بْن الصباح. قَالاَ: حَدَّثنَا عَبْد
العزيز بْن أَبِي حازم. حَدَّثنَي أَبِي، عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مقسم،
عَنْ عَبْد اللَّه بْن عمر؛ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَمْ، وَهُوَ عَلَى الَمْنبر، يقول (يأخذ الجبار
سماواته وأرضه بيده "وقبض بيده فجعل يقبضها ويبسطها" ثُمَّ يقول: أَنَا
الجبار! أين الجبارون؟ أين الَمْتكبرون؟) قل، ويتميل رَسُول اللَّه صَلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَمْ عَنْ يمينه، وعن يساره، حَتَّى نظرت إِلَى
الَمْنبر يتحرك من أسفل شيء منه. حَتَّى إِنَّي أقول: أساقط هُوَ برَسُول
اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَمْ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
شرح الحديث
و هذا الحديث الشريف ينطلق من معنى الآية الكريمة 67 من سورة المزمر : " وَمَا قَدَرُوا
اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) "
و الحديث الشريف ينطلق أيضا من معنى الآية الكريمة 104 من سورة الأنبياء : " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) "
و
مع تسليمنا بطلاقة القدرة الإلهية التى لا تحدها حدود ولا يقف دون إرادتها
حائل و مع إيماننا بأن قضايا الخلق و الإفناء و إعادة الخلق ( البعث ) من
قضايا الغيب المطلق التى لا يمكن للإنسان أن يصل فيها إلى تصور صحيح بغير
هداية ربانية فإننا نقرر إمكانية الارتقاء بإحدى النظريات المطروحة لتفسير
خلق الكون إلى مقام الحقيقة لمجرد وجود إشارة لها فى كتاب الله أو فى حديث
صحيح مروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و نكون بذلك قد انتصرنا
بالقرآن أو بالسنة النبوية الشريفة للعلم و ليس العكس .
أما
فى حالة الآخرة فإننا نؤمن بأن لها من القوانين و السنن ما يغاير سنن
الدنيا : لأن سنن الدنيا تمشى ببطء حتى يتمكن الإنسان من إدراكها و التعرف
عليها و توظيفها فى عمارة الأرض أما الآخرة فلا تأتي إلا بغتة كما جاء فى
القرآن الكريم و لكن من رحمة الله بنا أن يبقى لنا فى صخور الأرض و فى
صفحة السماء من الشواهد الحسية ما يعيننا على فهم إمكانية وقوع أحداث
الآخرة و من ذلك طى السماوات الذى أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذى نحن بصدده و الذى أشار إليه القرآن الكريم .
ففى
مطلع القرن العشرين بدأ الفلكيون فى ملاحظة توسع الكون بمعنى تباعد
المجرات بعضها عن البعض تباعا بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء المقدرة
بحوالى ثلاثمائة ألف كيلومتر فى الثانية . و أثارت الملاحظات جدلا كبيرا
حتى تم التسليم بها فى منتصف القرن العشرين ووصل العلماء من الرجوع بعملية
اتساع الكون إلى الوراء مع الزمن إلى حتمية التقاء كل المادة و الطاقة و
كل المكان و الزمان فى نقطة واحدة متناهية الضآلة فى الحجم و متناهية
الضخامة فى الكتلة و كم الطاقة و قالوا بحتمية انفجار تلك النقطة فى ظاهرة
يسمونها عملية الأنفجار العظيم نؤمن بها لورود إشارة لها فى قول الحق (
تبارك و تعالى ) بالأية 30 من سورة الأنبياء :
" أَوَلَمْ يَرَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً
فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا
يُؤْمِنُونَ (30) "
كذلك
ثار جدل طويل حول عملية توسع الكون هل هي عملية مستمرة إلى ما لا نهاية أو
أن لها نهاية تتوقف عندها فتتغلب الجاذبية على مادة و طاقة الكون فتطوى
السماء و تجمع كلا من المادة و الطاقة و المكان و الزمان فى نقطة واحدة
شبيهة بالنقطة الأولى التى بدأ بها الكون ؟ و يسمى علماء الفلك هذه
العملية باسم عملية الانسحاق الشديد و هنا ايضا يتدخل القرآن الكريم ليحسم
القضية إلى صالح نظرية الانسحاق الشديد للكون و ذلك بقول الحق تبارك و
تعالى بالآية 104 بسورة الأنبياء : " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) " و
هنا يأتى حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الذى نحن بصدده ناطقا بطى
السماوات يوم القيامة و هى حقيقة لا يستطيع العلم التجريبي أن يتجاوز فيها
مرحلة التنظير فوضع نظرية الانسحاق الشديد و هى نظرية نرتقى بها نحن معشر
المسلمين إلى مقام الحقيقة لوجود إشارة لها فى كتابه و فى سنة رسوله صلى
الله عليه وسلم .
و نظرية الانسحاق الشديد لم يتمكن الإنسان من بلورة تصور مبدئى لها إلا بعد منتصف القرن العشرين و هنا يبرز التساؤل :
كيف
يمكن لكتاب أنزل قبل ألف و أربعمائة سنة أن يتحدث عن طى السماء بهذه الدقة
البالغة لو لم يكن المتحدث فيه هو الخالق ( سبحانه و تعالى ) ؟ كيف أمكن
لنبي أمي فى قلب الجزيرة العربية من قبل ألف و أربعمائة من السنين ( وقد
كانت مجتمعا بدائيا جاهليا لا صلة له بعلم ولا بقراءة أو كتابة ) أن يتحدث
عن طى السماوات لو لم يكن موصولا بالوحى و معلما من قبل خالق السماوات و
الأرض ؟
و
هنا تتضح أهمية الإشارات الكونية فى كل من كتاب الله و سنة رسوله صلى الله
عليه وسلم فى زمن التقدم العلمي و التقنى الذى نعيشه و هو زمن لم يعد يحرك
مشاعر الناس فيه شئ كما تحركه الحقيقة العلمية و هذه الإشارات الكونية
المنزلة من قبل ألف و أربعمائة سنة و التى لم يستطع الإنسان الوصول إلى
تصور لها إلا منذ عشرات قليلة من السنين هى أيسر وسيلة فى الدعوة إلى دين
الله الخاتم فى وقت تحول فيه العالم إلى قرية كبيرة تتلاقى فيها مختلف
الحضارات و المعارف و المعتقدات و أصبح لزاما علينا أن نحسن التبليغ عن
الله و رسوله بلغة العصر و أسلوبه لعل الله تعالى يفتح لنا الدنيا من
أطرافها كما فتحها على أسلافنا و ما ذلك على الله بعزيز و صلى الله عليه
وسلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و صحبة و من تبع هداه و دعا بدعوته
إلى يوم الدين و الحمد لله رب العالمين .
المصدر
كتاب
الإعجاز العلمي في السنة النبوية الجزء الأول للدكتور زغلول النجار أستاذ
علم الأرض و زميل الأكاديمية الإسلامية للعلوم من ص 207 : ص 212