الخبر عمره تقريباً عام وبعض من الشهور كامن فى مكانه داخل صفحة جريدة
قديمة تعانى من اصفرار و«بهتان» الزمن ومع ذلك استغلها الفكهانى للف أصابع
الموز، أعدت قراءة الخبر مرة واثنتين وثلاثة وسألت نفسى: لماذا لا يشعر أهل
السلطة فى القصر الرئاسى أو مكتب الإرشاد بهذا الخجل الناتج عن عملية
التعرى الجماعى التى يعيشونها بسبب خطواتهم السياسية الفاشلة والمفضوحة؟..
لماذا لا يخجل أحدهم فى المعارضة أو القصر أو الإخوان من «عريه» مثلما فعلت
بطلة قصة السطور القادمة..
كانت تؤدى ذلك الفعل البشرى العادى الذى يعشق أهل النظافة من البشر تكراره
فى أيام الحر.. داخل الحمام تقف عارية كما ولدتها أمها مستمتعة بماء الدش
البارد، لم يتسرب إلى ذهنها ولو للحظة أن تلك الأصوات المرتفعة فى الخارج
هى صرخات استغاثة من نيران تتوهج وتشتعل فى منزلها، الأم تصرخ لتحذرها،
والأهل يطرقون الباب لإنقاذها.. وهى لا تخرج!!
الحياء الذى أصبح عملة نادرة فى عصرنا غلبها، وطبع العفة أجبرها على أن تضع
رعبها وخوفها من النار خلف ظهرها وتتمهل لكى ترتدى ملابسها خجلاً من أن
تخرج أمام الناس كما ولدتها أمها.. النار على ما يبدو اندهشت من خجل الفتاة
فقررت أن تلتهمها وتنقل روحها إلى السماء.. وبالمرة تؤكد على ذلك المثل
الشعبى الرائع.. «اللى اختشوا ماتوا».
السطور السابقة كما أخبرتك فى البداية ليست من رواية خيالية بل تخص فتاة
عمرها 18 سنة من محافظة الأقصر نشرت الصحف قصة وفاتها تحت بند الغرائب،
أعرف أن البعض يهمس إلى نفسه الآن بأن تلك الفتاة إما مجنونة أو معقدة أو
«مزوداها شويتين»، وربما أتفق مع وجهة النظر هذه لأن المنطق يقول إن الرعب
من نار الحريق والموت القادم بصحبتها يدفع «أتخن تخين» لأن يجرى من الحمام
إلى الشارع مهرولا دون أن يضع فى اعتباره إن كان عاريا أم لا! فالعمر واحد
والرب واحد، والجرى نص الجدعنة.. هذه ثقافة زمن تراجعت فيه مصطلحات الخجل
والكسوف والعفة إلى ذيل قائمة الأخلاق.
أرجوك لا تظلم الفتاة، لأنها تبدو حينما تقارنها بهؤلاء السادة المنتمين
لأهل الحكم والسلطة والتلاعب بالدين.. تبدو واحدة من الأبطال الذين نقرأ
عنهم فى الأساطير.
يبدو الأمر الآن أدبياً أكثر من اللزوم وشاعرياً بشكل مبالغ فيه، ولكن
اعذرنى وانظر معى إلى السادة الوزراء ومن قبلهم إلى السيد الرئيس وجماعته
ثم إلى رموز المعارضة التى ظننا أنها تحمى الثورة بفكرها وزهدها حتى أثبتت
الأيام العكس، انظر إلى كل هؤلاء وهم يتساقطون واحداً تلو الآخر تحت وطأة
الطمع والشهرة وقطوف السلطة التى دنت وتدلت حتى فضحت هرولتهم إليها.. ألا
تجد حينما تتأمل تلك القصص وهذه الجرائم والأكاذيب التى يرتكبها أهل
السلطة، أن خجل تلك الفتاة يصبح أسطورة فى بلد لا يعرف فيه الخجل طريقا إلى
وجوه سكان القصر الرئاسى، الذين لا تنتفض خلايا الإحساس بالمسؤولية داخلهم
وهم يشاهدون دماء الخصوص ورفح وماسبيرو والاتحادية والمقطم، وعائلات
بالجملة تموت تحت سقف منازل آيلة للسقوط أو داخل مستشفيات غير مؤهلة لعلاج
البشر، ألا ترى معى أن تلك الفتاة التى غلبها خجلها ووضعها على طريق الموت
كشفت لنا دون أن تدرى مدى سماكة جلود السادة الكبار فى هذا الوطن؟ ألا ترى
أنها تخبرنا ببساطة أن الفاسدين والكاذبين والمدلسين سيظلون كما هم لن
يرحلوا ولن تأتيهم مصيبة لكى تأخذهم لأنهم لا يعرفون طريق الكسوف، ولأنه-
كما علمتنا فتاة الأقصر - اللى بيختشوا فقط هُمه اللى بيموتوا، وهؤلاء
الذين يحكمون ويسرقون ويفسدون ويزيفون لا يختشون، ولا من الله يخجلون أو
يخشون.