عندما
نذكر عادة كلمة «تطعيم» يتبادر الى اذهان الكثير منا أطفالنا. هؤلاء الذين
يتعرضون وكما هو معروف الى الامراض الوبائية والمعدية في سن مبكرة ومن هذا
المنطلق تم تطوير التطعيمات لتقوم بتحصين الأطفال في هذا السن ضد هذه
الأمراض التي كانت تفتك بشعوب واطفال العالم اجمع مثل مرض شلل الاطفال،
الجدري، الدفتيريا، السعال الديكي، الحصبة، وما الى ذلك.
وأكثر مثال على نجاح هذه الاستراتيجية هو القضاء على بعض الأمراض الوبائية
مثل الجدري الذي كان يفتك بشعوب العالم ومن بينها المملكة العربية
السعودية. وبعون الله ثم التطعيم تم القضاء على هذا المرض كلياً في أوائل
الثمانينات ولم نحتج للتطعيم ضد هذا المرض في السنوات العشرين الأخيرة.
ونحن الآن في مرحلة القضاء على مرض شلل الاطفال، والحصبة، والحصبة
الألمانية والنكاف. ولكن ماهو مستقبل هؤلاء الأطفال الذين تم تطعيمهم منذ
الطفولة؟ هل هم معرضون لهذه الأمراض مرة أخرى في سن النضوج؟ وبالتأكيد
سيتبادر الى اذهان الكثير منكم اسئلة محددة بخصوص هذا الموضوع كثيراً.
هل المناعة اوالحصانة التي يكتسبها الطفل في سن مبكرة ضد هذه الأمراض
تستمر حتى سن النضوج، وما بعده؟ هل هم معرضون للإصابة بهذه الأمراض مرة
أخرى؟وهل اصابتهم طفيفة جداً؟ للاجابة على كل هذه التساؤلات وغيرها، لقد
ثبت علمياً ان المضادات المناعية التي يكتسبها الطفل من خلال التطعيمات
تقل نسبياً او قد تنعدم كلياً في بعض الأحيان من جسم الشخص البالغ
وبالتالي يكون معرضاً للإصابة بهذه الأمراض. كما أثبتت الدراسات ان بعض
هذه الأمراض لا تشكل خطورة على الكبار بينما البعض الآخر قد يسبب مضاعفات
كثيرة.
ونتيجة لهذه الدراسات التي قام بها الباحثون في علم الأوبئة ومن هذا
المنطلق ننصح الكبار بأخذ بعض التطعيمات اللازمة لحمايتهم من بعض الأمراض
المعدية ومن هذه الأمراض نذكر مايلي:
1- الكزاز: «التيتانوس» وهو مرض يصيب الجهاز العصبي ويسبب تشنجات عضلية
يسببه سم معين «Toxin» تفرزه بكتيريا تسمى «ChlostridiumTetam» تدخل الى
الجسم عن طريق الجروح او عن طريق تلوث الحبل السري لدى المولودين حديثاً
وذلك عندما يتم قطع الحبل السري بطريقة بدائية غير طبية. هذه البكتيريا ما
زالت موجودة في البيئة وتكثر في التربة والأماكن غير النظيفة والملوثة
بمخلفات الحيوانات. التطعيم ضد هذا المرض يوجد على شكل التطعيم الثلاثي
المعروف «DTP» ويحتوي على تطعيم الدفتيريا، الكزاز «التيتانوس»، والسعال
الديكي.
هذا التطعيم يعطى للاطفال في سن مبكرة لحمايتهم من هذه الامراض ولكن المناعة المكتسبة من هذا التطعيم تقل مع الوقت.
لذا يجب التحصين ضد هذا المرض «الكزاز» كل 10 سنوات من بعد سن البلوغ
لتحفيز جهاز المناعة لدى الكبار. يوجد هناك تطعيم يحتوي على جرعة الكزاز
وحدها ويعرف «TD» يعطى هذا التطعيم للبالغين كل 10 سنوات او للاشخاص الذين
يتعرضون لجروح غير نظيفة مثل جروح الحروب او الجروح الملوثة بالتربة. وقد
مضى على تطعيمهم أكثر من 10 سنوات.
2- السعال الديكي: وهو التهاب في مجرى التنفس يتميز بنوبات من السعال
الشديدة المصاحب لها في بعض الأحيان تقيؤ. هذا المرض يشكل خطراً جسيماً
لدى الأطفال لما يسببه من نقص للأكسجين بسبب نوبات السعال الذي يعكس
تأثيره على الدماغ وما يسببه كذلك من التهاب رئوي. يسبب هذا المرض بكتيريا
تعرف باسم «Bordatella Pertussis» وهذه البكتيريا مازالت موجودة وتعيش
عادة في الجهاز التنفسي للإنسان ويكتسب الاطفال عادة مناعة ضد هذا المرض
بأخذ التطعيم الثلاثي «DTP» ولكن كما ذكرنا سابقاً فأيضاً المناعة ضد هذا
المرض تقل تدريجياً مع الزمن ويصبح الانسان معرضاً للاصابة بهذه البكتيريا
بعد سن البلوغ وفي معظم الاحيان تظهر على شكل سعال شديد يستمر لفترات
طويلة «أسابيع». وقد ثبت في دراسات علمية أجريت في الولايات المتحدة
الأمريكية ان 25% من طلاب الجامعة الذين يعانون من سعال مستمر لمدة
اسبوعين او اكثر هم مصابون بمرض السعال الديكي وتم شفاؤهم بعد اخد العلاج
اللازم. وتكمن المشكلة هنا ليس فقط باصابة البالغين بهذا السعال المزعج،
ولكن بما ينتشر من البكتيريا المسببة عن طريق الرذاذ الى الاطفال حديثي
الولادة الذين لم تكتمل بعد لديهم التطعيمات وبالتالي اصابتهم اصابة
بالغة.
ما يحدث الان في المانيا وكذلك تشجعه دراسات كثيرة في الولايات المتحدة هو
التطعيم ضد السعال الديكي للكبار بجرعة منشطة «Booster dose» من التطعيم
الثلاثي وهناك تطعيم ثلاثي جديد يدعى «DTaP» ليس له أية مضاعفات بعد اخذه
مثل حرارة او الم مكان الحقنة وما الى ذلك. وينصح باعطائه للكبار للوقاية
من السعال الديكي وكذلك عدم نشر المرض الى الاطفال الرضع.
3- التهاب الكبد الوبائي «ب» «Hepatitis B» وهو التهاب فيروسي يصيب الكبد
وفي أغلب الأحيان يكون التهاباً طفيفاً يحفز الجهاز المناعي لدى الإنسان
ويتم القضاء على الفيروس ولكن في بعض الأحيان يسبب التهاباً كبدياً شديداً
مما يؤدي الى تليف بالكبد وفي هذا الحالة العلاج الوحيد لانقاذ حياة الشخص
هو زراعة كبد له.
التطعيم ضد هذا المرض يبدأ بإعطاء جرعة اولى للاطفال عند الولادة ثم في سن
1-2 شهر أما الجرعة الثالثة تكون عند سن 6 شهور وقد بدأ اعطاء هذا التطعيم
في المملكة في اوائل الثمانينات وهو يعطي حصانة عالية جدا ضد هذا المرض
ولكن للأسف هناك كثير من البالغين الذين لم يتمكنوا من اخذ هذا التطعيم
لذا يجب الحث على اعطائه لجميع البالغين للحيلولة من ازدياد نسبة هذا
المرض وانتشاره باحصائيات وزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية تبين ان
التهاب الكبد الوبائي «B» مازال في قائمة اول الامراض انتشاراً بالمملكة.
يعطى من هذا التطعيم للبالغين في 3 جرعات: الأولى، الثانية 1-2 شهر بعد الأولى، الثالثة 6 شهور بعد الأولى.
4- الجدري المائي «العنقز»: هو مرض فيروسي كثير الانتشار بين الاطفال
يتميز بطفح جلدي وحرارة عالية. في غالبية الأحيان هذا المرض لا يشكل خطورة
كبيرة على الاطفال وليس له مضاعفات جسيمة ولكن قد يسبب مضاعفات في نسبة
ضئيلة من الاطفال مثل التهاب جلدي بكتيري، التهاب رئوي او تسمم بالدم.
الجدري المائي عند الكبار له مضاعفات أكثر بكثير مقارنة بالاطفال، الطفح
الجلدي يكون اشد وبالتالي الالتهاب الجلدي نسبته عالية، وكذلك نسبة حدوث
مضاعفات مثل التهاب رئوي او تسمم دم او حتى وفاة اعلى من الاطفال لذلك
ينصح الباحثون في علم الاوبئة الكبار الذين لم يصابوا بالجدري المائي في
سن الطفولة في اخذ التطعيم إذا ثبت ان ليس لديهم مضادات مناعية ضد جدري
الماء عن طريق فحص الدم.
تطعيم جدري الماء تم تسجيله في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1998م
ويعطى الى جميع الاطفال الاصحاء في سن السنة الواحدة. وكذلك يعطى الى
البالغين الذين لم يصابوا بالمرض وهم اطفال.
هذا التطعيم ثبتت جدارته على مدار السنين حيث انه يستخدم في اليابان من
اوائل السبعينيات لذلك ينصح باعطاء التطعيم الى كل البالغين الذين لم
يصابوا بالعنقز بعد. في المستقبل نأمل اعطاء هذا التطعيم الى جميع الاطفال
من سنة السنة الواحدة. حتى نأمن مناعة كافية للجميع عند سن البلوغ.
5- التهاب الحمى الشوكية: «Meningococoal meningitis» هو التهاب يصيب
الغشاء المحيط بالدماغ ويتميز بارتفاع شديد بالحرارة وتقيؤ وصداع شديد
وتصلب في الرقبة. سببه بكتيريا تدعى «Neissiria miningitidis» هذه
البكتيريا كانت سببا في حدوث عدة اوبئة في بعض دول الحزام الافريقي وكذلك
في المملكة العربية السعودية في اشهر الحج والعمرة. لان الازدحام يساعد
على انتشار هذه الجرثومة من شخص الى آخر.
الان يوجد تطعيم رباعي «Quadrivalent» ضد هذا المرض ويعطى لكل انواع البكتيريا المسببة لالتهاب السحايا وهي «A,C.Y W135».
في المملكة حصلت اوبئة على مدار السنين في اشهر الحج سببها اما نوع A,C أو
W135 لذلك ننصح باخذ التطعيم الرباعي عند البالغين كل 3-5 سنوات. وبخاصة
للذين ينوون الحج والعمرة لكثرة تعرضهم لهذه الجرثومة في هذه الاماكن
المزدحمة. كذلك ينصح اعطاء هذا التطعيم الى الجنود والعساكر لما يتطلب من
عملهم الازدحام والاختلاط. كذلك طلبة الجامعة والبالغين الذين يسكنون في
مجمعات كبيرة تكون نسبة الازدحام فيها عالية جداً.
تطعيمات أخرى يجب التفكير في اعطاء جرعة منشطة لها للبالغين خصوصاً في
الدول التي مازالت هذه الامراض منتشرة مثل شلل الاطفال الفيروسي الثلاثي
والتهاب الكبد الوبائي A.
لقد قامت الشؤون الصحية بالحرس الوطني في أول مشروع من نوعه في الشرق
الاوسط لتحصين شباب اليوم عن طريق اعطاء التطعيمات اللازمة الى الضباط
والجنود في الحرس الوطني. هذه الفئة تشكل نسبة كبيرة من الشباب المعرضين
الى امراض وبائية كثيرة نتيجة لتعرضهم لجروح أثناء التدريبات وكذلك كثرة
الازدحام بالمعسكرات مما يعرضهم للاصابة بعدة أمراض مثل الكزاز والحمى
الشوكية والعنقز.. إلخ. هذه الفئة من الشباب هم عماد الوطن ويجب ان
يتمتعوا بصحة جيدة، ووقايتهم من هذه الامراض هي هدفنا الرئيسي في هذه
الحملة.
وقد بدأت حملة التطعيمات يوم السبت الموافق 24 ذو القعدة 1421ه وسوف تستمر
على مدار 3 سنوات حتى يتم تحصين جميع الضباط والجنود والعسكر بالحرس
الوطني. التطعيمات التي سوف يتم اعطاؤها في هذه الحملة هي الكزاز «TD»،
الكبد الوبائي B، الحمى الشوكية، جرعة منشطة لشلل الاطفال والفيروسي
الثلاثي. وكذلك سوف يتم فحص دم الاشخاص لوجود مضادات مناعية ضد جدري الماء
وفي حالة عدم وجودها سوف يتم تطعيمهم ضده.