بقلم بلال فضل
هل تعلمون أيها الإخوة ما هي مشكلة بلادنا الحزينة؟، مشكلتها أن
من يحكمها لا يعرفون الله ولا يخافونه، وإلا لتمثلوا سيرة سيدنا عمر بن
الخطاب وهو يجهش بالبكاء خوفا من أن يسأله الله عن تعثر بغلة في العراق
لأنه لم يمهد لها الطريق، أرأيتم يا إخوتي، عمر يبكي خوفا من مسئوليته عن
تعثر بغلة في العراق، فما بال حكامنا لا يستقيلون من مناصبهم والضحايا
يتساقطون كل يوم في القطارات والسفن والطرق والمستشفيات» في الوقت الذي كان
أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين يهتف بهذه الكلمات من على منصة بمؤتمر
جماهيري يحتشد بالغاضبين من فشل الأداء الحكومي الذي يتسبب في الكارثة تلو
الأخرى، كان قادة الحزب الوطني وأبواقه ينتشرون في جنبات مصر قائلين للناس
«عمالين يقولوا الريس مسئول عن الحادثة، هو يعني الريس كان هو اللي سايق
القطر، بدل مايلوموا سواق القطر اللي أكيد مبرشم، ولا الناس البهايم اللي
مابيعرفوش يركبوا القطارات صح، وبيخلوا حمولة القطر تزيد، وبعدين شايفين
الإخوان دي ناس لا عندها دم ولا وطنية ولا دين، عمالين بيستغلوا أحزان
الناس ويتاجروا فيها.. ولعلمكو بقى عندما معلومات إنهم أصلا اللي دبروا
الحادثة دي ووقفوا وراها.. آه والله مش بعيد يكونوا إدوا سواق القطر ملايين
من قطر عشان يعمل الحادثة.. ماخدتوش بالكو إن قناة الجزيرة ذاعت الحادثة
بعد ماحصلت بنص ساعة.. معقولة ده يبقى بالصدفة.. ده مخطط متكامل عشان
يحرجوا سيادة الريس ويخلوا مصر تركع لكن بنقول لهم ده بعدكم مصر لن تركع..
ومصر هتقدم الملايين من ولادها فداء لسيادة الريس». أنت تعرف الآن كيف إنقلبت الأحوال وتبدلت الأقوال بعد أن سقط عشرات
الضحايا في كوارث السكة الحديد تحت رئاسة الدكتور محمد مرسي الذي نسي ماوقف
يطالب به تحت قبة البرلمان وهو معارض من إنفاذ مبدأ المسئولية السياسية
عندما تحل الكوارث بالبلاد، لكنه الآن وقد صار رئيسا نرى أنصاره يرددون نفس
المنطق القمئ الذي كان يردده المنتسبون للحزب الوطني اللعين بنفس العبارات
المخزية ودون حتى أن يجتهدوا في صياغة عبارات أقل عفانة. ستقول لي: بالله
عليك هل فقدت عقلك، هل تسوي بين رجل حكم البلاد ثلاثين سنة فأكثر فيها
الفساد، وبين رجل لم يكمل بعد عاما من الحكم؟، سأجيبك: حاشا لله أن أسوي
بين الإثنين من حيث كم الجرائم، لكن حاشا لله أيضا أن أغفل تشابه الإثنين
في إتباع منهج الكذب السياسي وإخلاف الوعود والتخبط في القرارات والعناد
السياسي والإعتماد على أهل الثقة دون أهل الخبرة ورمي الخيبات السياسية على
أكتاف المعارضين والإعلام، كما أنني حاشا لله أن أنسى أنا أيضا ماكان
يطالب به أنصار تيارات الشعارات الإسلامية من تطبيق المسئولية السياسية على
مرسي كما كانوا يطالبون بتطبيقها على مبارك طبقا للشريعة الإسلامية التي
ينادون بتطبيقها.
في عمدة كتب الفكر السياسي الإسلامي، أعني كتاب (الأحكام السلطانية)
للإمام أبي الحسن الماوردي يرد ضمن واجبات الحاكم الشرعية «أن يباشر بنفسه
مشارفة الأمور وتصفح الأحوال لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة، ولا يعول
على التفويض تشاغلا بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغش الناصح»، وهو
مايشرحه الدكتور مروان محروس في كتابه (مسئولية رئيس الدولة في النظام
الرئاسي والفقه الإسلامي دراسة مقارنة) قائلا «على رئيس الدولة أن يقوم
بإختيار وزراء مساعدين له، وأن يراعي في إختيارهم الكفاءة والقدرة على تحمل
المسئولية، ويكون إختياره على أساس الكفاءة وإلا فإنه سيكون خائنا لله
ورسوله والمؤمنين، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قلد رجلا عملا
على عصابة وهو يجد في العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله
وخان المؤمنين». جاء في صحيح مسلم عن الحارث بن يزيد الحضرمي أن أبا ذر
قال: قلت يارسول الله ألا تستعملني، قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: «يا
أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها
بحقها وأدى الذي عليه فيها»، وأبو ذر هذا من الدين والورع ما لا يطاوله في
ذلك أحد، وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «ما أقلت الغبراء ولا أظلت
الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر».
يقول الإمام الماوردي وهو يستعرض القواعد الموجبة لعزل السلطان «الأصل
فيه أن يكون حر الإرادة، غير واقع تحت تأثير يقهره أو يقيد إرداته، فإذا
وقع أسيرا في قبضة الأعداء، وقيدت حريته، وجب على الامة أن تعمل على إنقاذه
وفك أسره، فإذا عجزت عن ذلك يعزل عن منصبه»، وهنا أسأل: هل وقع محمد مرسي
في أسر قوة قهرية منعته من الإتيان بوزير نقل جديد فور خلو المنصب، وجعلته
يتفرغ لإصدار قرارات تشق صفوف المصريين بدلا من أن توحدهم، هل تمنعه هذه
القوة من الوفاء بوعوده التي أخلفها ومن بينها تشكيل حكومة إنقاذ وطني تضم
كفاءات من جميع التيارات، هل هذه القوة القاهرة هي مكتب إرشاد جماعة
الإخوان، وهل وجب تحريره منها أم أنه مستكين للإستسلام لها فوجب تحرير
الوطن منهما معا؟.
لا أؤمن بالإنقلاب على شرعية الصندوق، ولا أعتبر أن الديمقراطية هي نجاح
من أحب في الوصول إلى الحكم، لكنني فقط أقول للدكتور محمد مرسي: إذا كنت
تحب هذه البلاد فعليك أن تدرك أنك محتاج إلى كل جهود أبنائها، وأن إنشغالك
بتمكين جماعتك منها لن يقود إلا إلى المزيد من الخراب، وأن رمي خيباتك على
أكتاف المعارضة والإعلام لن يفيد في شيئ، يادكتور مرسي أستلهم ما قاله سيد
الخلق لمن هو أفضل منك تقوى وورعا فأقول لك: إنك ضعيف وإنها أمانة، فإما
إعتدلت وإما اعتزلت.