كما
استوقفني الاعتداء الغاشم على المستشار أحمد الزند، استوقفتني مشاهد سابقة
متفرقة مرت مرور الكرام، لكنها عندما تجمعت معًا أثارت تساؤلاتي، أولى
الوقائع هي القبض مصادفة على ذلك المدعو خليل العقيد الحارس الشخصى لذاك
المسمى "الشاطر" والذى أمره "المحروس بتاعه" بأن لا يتكلم وأن لا يذكر
علاقته به، لتكشف التحقيقات أن تليفون ذلك الحارس محمَّلا بأسرار خطيرة
للغاية، وهي أنه قد تلقى تدريباً عسكرياً في غزة لدى كتائب عز الدين
القسام، وأنه قد جلب في أثناء الثورة أسلحة بكميات ضخمة من داخل غزة إلى
داخل مصر بطريقة غير مشروعة تنفيذاً لـ "التعليمات".
والأكثر من ذلك أنه شوهد يحمل بندقية قنص على
سطح الجامعة الأمريكية في عز أيام الثورة، طابقت بين الصور "على قدى"، هو
الشخص ذاته.. ثم صور أخرى له بين حرس الجالس على كرسي الرئاسة، بعد جلوسه!
وتستعجل النيابة تحريات وزارة الداخلية والأمن الوطني ليواجهها تقاعس
الجهتين معاً، وكالعادة!
ثم أعود بالذاكرة قليلا لأتذكر ذلك الحوار
الغريب العجيب الذي دار في الشارع قرب المتحف المصري في عز المعمعة بين
لواء في القوات المسلحة المصرية وبين البلتاجي، الأول يتساءل ولا يعلم من
هم هؤلاء الرجال الذين رصدهم الجيش على سطح مبنى مجاور للمتحف المصرى،
والثاني يقول إنهم رجالته من الإخوان للحماية -حماية الثوار طبعا- فيرد
الأول بضرورة نزولهم وبأنه لن يتورع عن ضربهم بالمدفعية ما لم ينزلوا،
وأتساءل: ما عيب حماية الثوار على الأرض.. ما لم يكن هؤلاء يحملون
السلاح؟!!
ثم أعود إلى الوراء أكثر لأتذكر هؤلاء الذين
فتحوا السجون، قادمين من غزة -حركة حماس- ليطلقوا سراح قادتهم المحبوسين في
السجون المصرية ومعهم طبعاً قادة الإخوان المسلمين بمن فيهم الجالس اليوم
على كرسي الرئاسة.
ثم منذ فترة ليست بالبعيدة فوجئت حقيقة بالنصر
الدبلوماسي غير المسبوق في فض فتيل نزاع مسلح احتدم بالفعل بين حماس
وإسرائيل رغم امتلاك حماس صواريخ وصل مداها إلى تل أبيب أنزلت رئيس وزرائها
في المخبأ لأول مرة فى تاريخ الصراع، ولكن، ورغم ذلك تدور حماس فجأة مئة
وثمانين درجة في تطور سلوكي يشبه المعجزة لتكفّ فجأة عن القتال، والفضل
يذهب للجالس على الكرسي فى نجاح ولا أجدع مبارك!
وأتذكر فى المناظرات بين رومني وأوباما الأول
يتهم الثاني بدعمه المبالَغ فيه للإخوان المسلمين والثاني لا ينكر، لا هو
ينكر.. ولا جماعة الإخوان المسلمين! ثم عصام العريان الذي يقول في أمريكا
ما مفاده إن الإخوان ضامنون لأمن إسرائيل! وأضطر إلى أن أعود لشهادة عمر
سليمان وطنطاوى فى قضية قتل المتظاهرين، والتى كنت قد طرحتها من حسباني،
ولكنني في ظل حقائق جديدة أجد نفسي مضطراً إلى الوقوف عندها والتفكير مرة
ثانية، خصوصاً شهادة عمر سليمان، الجزء المعروف منها للكل أن الإخوان
المسلمين قبل الثورة اتفقوا مع أمن الدولة على عدم المشاركة فيها، ولكنهم
عندما رأوا أن الثورة فتحت بابًا تلوح منه فرصة يمكن استغلالها لحسوا
تعهداتهم وقرروا ركوب الموجة، وعندما دعا عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية
للحوار الوطنى الموسع رفض الثوار.. ولكن الإخوان قبلوا، ثم يشهد كل من
سليمان وطنطاوي أن مبارك لا علم له عن قتل أو قناصة، ولا يعلم من أين أتوا.
وتستدعى ذاكرتي حواراً خاصاً بين مبارك
والعادلي تم تسريبه، يسأل المخلوع فيه وزيره المحبوس في حوار شخصي عن حكاية
القناصة ومن أين أتوا، والوزير يقول إنه لا يعلم لأن الداخلية كلها انهارت
ثم انسحبت! هذه حقيقة، الشرطة وقعت، وانسحبت والبلد أفلت، مَن إذن فتح
السجون وحرق الأقسام، لا هم الثوار، ولا هم الشرطة التي هرب ضباطها تاركين
سلاحهم خلفهم، مَن هو الطرف الثالث؟!!
وتظهر صورة خليل العقيد مرة ثانية في ذهني، وهو
حارس خيرت الشاطر ليقفز السؤال الرهيب إلى ذهني: هل هذا معقول؟!! هل من
المعقول أنهم، مبارك ومن معه، كانوا يقولون الحقيقة فعلا؟ لا خلاف أن مبارك
يستحقّ ألف محاكمة ومحاكمة لأنه تسلم مصر من السادات كاملة الأرض خالصة
المشكلات الخارجية فذهب بها إلى الجحيم ونشر فيها الفساد وأراد توريثها
لابنه، ولكن الثمانية عشر يوما بتوع الثورة، هذا أمر آخر، ثم ذلك الخضوع
المريب من المجلس العسكرى للإخوان إبان تسلمه مقاليد الأمور وطلبه الرجوع
لهم في كل شىء قبل أن يعطي المجلس العسكري موافقته على أي شىء، وتهديد
الإخوان المسلمين الواضح الصريح فى انتخابات الرئاسة بحرق البلد إذا فاز
شفيق.
ثم أعود لموضوع الفلسطينيين، لم تكن واقعة
المستشار أحمد الزند هي الواقعة الأولى التي ضبط فيها فلسطيني أو أكثر
مشتركاً فى أعمال شغب، الواقعة الأولى كانت في حادثة مقتل ضباط الجيش على
الحدود والتسلل بناقلة جنود إلى داخل إسرائيل، ليصلوا اليوم إلى نصف البلد،
وبالتحديد أمام نادي القضاة، وبأسلحة نارية!
وأخيرا يصدر الجيش قراراً بمنع تملُّك الأفراد
أراضي سيناء المتاخمة للحدود، ولا أرى أي سبب لذلك سوى محاربة الفلسطينيين
المتسللين، وحوادث ضبطهم فى كل مكان في مصر تملأ الأخبار، قادمين من
الأنفاق وتمر الأخبار مرور الكرام ولا يلتفت إليها أحد، وأستغرب القرار لأن
الجيش وبكل بساطة يستطيع هدم الأنفاق ولكنه لا يفعل! الأنفاق التي يتم
تهريب السلاح والأفراد منها، ولكن ومع كل القلق، في الاتجاه المعاكس..
اتجاه القاهرة! ولا تفسير لعدم استطاعة الجيش هدمها سوى أنه قرار سياسي
وليس أمنياً عسكرياً، وأن الدولة لا تريد.. دولة الإخوان!! ولماذا نادى
القضاة بالذات؟ لأن نادى القضاة، وجمعيته العمومية وعلى رأس كل ذلك
المستشار أحمد الزند كانوا هم الضوء الوحيد في نفق الإعلان الدستورى
المظلم، ولعبة عزل وتعيين النائب العام بمعرفة الإخوان المسلمين، ولأن
الرجل وأشهد له بذلك، تصدى وصحبه بشجاعة نادرة لكل محاولات الإخوان لاغتيال
القضاء والنيل من استقلاله مَنْفَذًا لركوب البلد، لم يهادن ولم يتورع ولم
يتردد أمام خطر ماحق قد يطاله هو شخصياً، بينما تم استقطاب أهم قادة تيار
الاستقلال المعروفين للجميع بين دعم صريح أو تبرير أو صمت وغض طرف.
يقف الزند بين وكلاء النيابة الأبطال حائطا
منيعاً ضد المساس بالقضاء في معركة حياة أو موت مع الإخوان هم أبطالها
بامتياز، وضد نائب عام معين يقول في تبرير مخجل إنه استقال غصب عنه! بينما
كان المستشار العزيز الحبيب محمود مكى، "ومن داخل قصر الرئاسة!"، يدعو
"للحوار بعد القرار" فى لحظة كان الدم المصرى يتفجر فيها على أبواب القصر
ذاته من الخارج!
كل ما قلته أعتبره شواهد خطيرة تدفعنى إلى
استنتاج حقيقة واحدة، وهي أن اتحاد الثوار مع الفلول هو أعظم كوابيس
الإخوان المسلمين، وأن التعامل مع الفلول يجب أن يظل حكراً على الإخوان
والشواهد كثيرة رغم طنطنة الإخوان والعويل واللطم المبالغ فيه بأنهم دون
غيرهم هم حامي حمى الثورة وهذا يفسر ذلك.
وتبقى أسئلة كبيرة تحتاج إلى إجابات فورية وهي
أهم في نظري من كل دستور وأي استفتاء، ما الذى يخبئه صندوق عمر سليمان
الأسود إياه؟ ولماذا تراجع عن كشفه؟ ومن الذي حاول اغتياله؟ جمال مبارك؟
أظنه تفسير ساذج قليلاً والأوقع أنه كان مشغولاً بإنقاذ أبيه قبل انشغاله
بنفسه لأنه لو غرق أبوه فسيغرق معه! ولماذا لم يتم التحقيق معه في هذه
الواقعة وهو محبوس فعلا، وبدلاً من ذلك أُكفِى على الخبر ماجور؟!!
نريد نحن الشعب أن نعرف الحقيقة وهذا حقنا،
مَن هو الطرف الثالث؟ مَن هو خليل العقيد؟ لماذا بدأ قتل الثوار بالرصاص
الحي يوم 28 يناير حال انضمام الإخوان وسقوط الشرطة؟ وتستدعي ذاكرتي فضيحة
لافون فى الخمسينيات، عندما فجّر مجهولون مباني ومصالح أمريكية في مصر، وتم
القبض على أحد الأشخاص وقد اشتعلت ملابسه في أحد شوارع نصف البلد في
الإسكندرية بقنبلة كانت في جيبه لتكشف المصادفة وحدها عن شبكة جاسوسية
إسرائيلية كبيرة هي التي ضربت المباني الأمريكية في مصر للإيقاع بين مصر
وأمريكا، أتساءل هل التاريخ يكرر نفسه؟ هل نقف اليوم أمام فضيحة لافون
جديدة؟ ويبقى السؤال الأكبر، هل قتل مبارك الثوار مع وزيره لإسقاط الثورة،
أم أن الإخوان قتلوهم مع حماس لإسقاط مبارك؟ أترك السؤال مفتوحًا.