ما أشبه اليوم بالبارحة، جماعة الإخوان المسلمين التى تريد أن تحتكر
إرادة الشعب، بدءاً من استفتاء مزوَّر ومشبوه، ومروراً بمصادرة السلطة
القضائية وانتهاءً بمحاولة فرض دستور لدولة دينية هى ذات الجماعة التى أيدت
الديكتاتور إسماعيل صدقى باشا ويداه ملطختان بدماء الشهداء، حيث خاطب زعيم
الطلبة الإخوان بالجامعة مصطفى مؤمن قائلاً: «واذكر فى الكتاب إسماعيل»،
كما خطاب الأستاذ حسن البنا -حينذاك- مؤيداً صدقى، ومشيراً إلى أن «القرآن
دستورنا»، الأمر الذى استحسنه الديكتاتور، فزار مقر الجماعة وترك لهم خطاب
تحية، كما يؤكد أستاذ التاريخ المعاصر الدكتور محمد عفيفى أن جماعة الإخوان
منذ تأسيسها عام 1928 تُربِّى أعضاءها على الولاء للملك، ولم تبخل على
تأييد أى ديكتاتور من زيوار باشا إلى محمد محمود باشا إلى إسماعيل صدقى
باشا، وناصبت الوفد والحركة الوطنية العداء على طول الخط. كان دستور 23
مفتاح السر للنضال المصرى، من كل الطبقات والاتجاهات، وبعد استقالة وزارة
النحاس باشا شكل صدقى باشا الوزارة فى اليوم التالى، وبدأت وزارة صدقى
عملها فى 21 يونيو 1930. ويضيف المؤرخ عبدالرحمن الرافعى أن النواب والشيوخ
أرادوا أن يجتمعوا فى البرلمان، ولكن حكومة صدقى أغلقته بالسلاسل، وقام
الأستاذ سينوت ويصا واصف بتحطيم السلاسل، ودخلوا مقر البرلمان، وأعلنوا
رفضهم الدستور، ومنذ ذلك اليوم بدأت المقاومة الشعبية لدستور صدقى، رغم أن
صدقى والملك والإخوان كانوا يُصرون فى مظاهراتهم على أن الشعب كله مع
الدستور، وأن المعارضين مجرد حفنة وقلة قليلة، وتشكلت جبهة للإنقاذ، واتحد
الوفد مع كل المختلفين معه، ووضعت الجبهة قَسَماً لأعضائها يُقسمون على
إلغاء دستور 30 وإعادة دستور 23، وأخذ النحاس باشا يطوف المحافظات
والمديريات، وإليكم بعضاً من يوميات المقاومة: فى المنصورة أصيب النحاس
باشا بشومة فى رأسه، وسينوت حنا بطلق نارى فى كتفه.. فى الشرقية قُتل وجُرح
145 فرداً.. فى بلبيس مات 3 وجرح 300.. فى مظاهرة ثانية بالمنصورة مات 12
وجرح 145.. فى بورسعيد قتل 10 وجرح 200.. فى الإسماعيلية والسويس مات 15
وجرح 400.. فى طنطا مات 7 وجرح 300.. فى الإسكندرية مات 20 وجرح 502.
هذه نماذج يضاف إليها نضال الفلاحين، حيث استقال 75% من مشايخ وعمد
الأرياف احتجاجاً على دستور 1930، وأضربت النقابات العمالية فى 7 اعتصامات
شهيرة، وخرجت النساء فى مظاهرات، ومات منهن 7 وجرح 123، وباختصار كما يذكر
المؤرخون منذ عام 1930 حتى 1935 استُشهد وجرح واعتُقل حوالى 5 آلاف، وسقط
أول عامل شهيد هو إسماعيل محمد، وقام طلبة جامعة فؤاد بمظاهرة فى 13 نوفمبر
1935 استُشهد فيها محمد عبدالمجيد الرافعى من كلية الزراعة، ومحمد
عبدالحكم من الآداب، وعلى طه عفيفى من دار العلوم، وعبدالمجيد عبدالمقصود
شبكة الطالب بالمعهد الدينى بطنطا، وجُرح فى هذا اليوم أكثر من 500 جريح.
وأمام شلالات الدماء استجاب الملك فؤاد بعد 5 سنوات من الانتفاضة الدستورية
التى خرجت منها مئات المظاهرات، وفى 12 ديسمبر 1935 قرر الملك عودة دستور
23.. هذه صفحة من تاريخ مصر التى تتكرر الآن بدماء الشهداء، فهل تعى جماعة
الإخوان المسلمين ومَن يمثلها فى الرئاسة الدرس؟