تشن "المجموعات الفلولية" في مصر حربا شعواء ضد الرئيس محمد مرسي منذ اليوم
الأول لتسلمه مقاليد الرئاسة، وهي حرب لا تزال مستمرة وممولة بسيل من
"المال النجس" المسخر من أجل العبث بمصر وثورتها وخيار شعبها. هذه الحرب
الضروس لم تترك للدكتور مرسي،وهو أول رئيس منتخب شعبيا في تاريخ مصر، مجالا
لكي يتنفس، فهو محاط بجهاز بيروقراطي مسكون بالفساد، وملغم بفلول النظام
المخلوع، وبإعلام معادٍ لم يمنحه يوما واحدا من الهدنة، ويحاول شيطنته في
كل صغيرة وكبيرة، وتأليب الناس عليه، وتزييف الحقائق وبث الكثير من
الأكاذيب ضده وضد حزبه، ونظام قضائي من مخلفات "نظام مبارك الفاسد"،
ومجموعات هامشية من الليبراليين والعلمانيين اللادينيين واليسار والقوميين
الذين انتهت مدة صلاحيتهم، وقوميين ورجال أعمال فاسدين، لم يجروا على مصر
غير الهزائم والويلات والانكسارات والفقر. هذا الجيش العرمرم لا يجمع بين
"ميليشياته" سوى العداء للإسلام والحركة الإسلامية والإسلاميين، فليس لديهم
أي برنامج أو رؤية أو طرح أو إستراتيجية إلا عرقلة عمل الرئيس، الذي وصل
إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع وبأوراق الناخبين المصريين، ولم يصل عن
طريق الاستعمار كما حدث مع الليبراليين والعلمانيين، أو بانقلابات عسكرية
مثل اليساريين والقوميين، وهم يستخدمون كل أسلحة التخويف والتزوير والكذب
و"البلطجة السياسية والإعلامية والقضائية" بل ومحاولة تأليب دول أخرى على
خيار الشعب المصري وثورته. شغل "الزعران" هذا تصدى له الرئيس الدكتور محمد
مرسي بقرارات تعكس الرغبة والإرادة الثورية للشعب المصري وأعلن أن مصر
"تسير نحو الحرية والديمقراطية وأنه لن يستطيع أحد أن يوقف هذه المسيرة،
وأنه يعمل من أجل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتداول السلطة"، مطمئنا
المصريين أنه" لا خطر على أهداف الثورة". حاول الرئيس مرسي خلال الفترة
الماضية العمل مع كل القوى والأحزاب والتيارات المصرية من أجل الوصول إلى
توافقات مشتركة، وقدم تنازلات كبيرة أغضبت حلفاءه من السلفيين الذين
يطالبون بالتطبيق الكامل للشريعة الإسلامية، وقبل هو وحزبه بمبدأ "الحلول
الوسط" مع كل القوى التي لا تمتلك كلها أكثر من ربع أصوات الناخبين، ومع
هذا لم تقبل المجموعات "المعادية للإسلاميين" بأي حل وسطي وحاولوا في كل
مرة كانت ثقب عجلات العربة للحيلولة دون تقدمها إلى الأمام، وبدلا من المضي
قدما في كتابة الدستور وانتخاب برلمان جديد وبناء دولة المؤسسات، اشتغلت
هذه المجموعات "الفلولية" بتأزيم الموقف وتجميد الوضع، في محاولة مكشوفة
لاستنزاف الرئيس مرسي، وإشغاله بمعارك جانبية تحول دون تحقيقه لبرنامجه
الانتخابي ونقل مصر إلى مرحلة حكم المؤسسات. وبدلا من التوافق على القواسم
المشتركة، عمدت هذه القوى "الفلولية المعادية للإسلام والإسلاميين" إلى
تأليب الشارع والدعوة إلى "مظاهرات مليونية" واعتصامات ونصب خيام، لكنها
محاولة باءت بالفشل وكشف حجمهم الحقيقي الذي أظهرته الكاميرات في ميدان
التحرير الذي بدا فارغا على شاشات التلفزة، وأطلقوا شعارات " الشعب يريد
إسقاط النظام" وهو يعلمون أن الشعب هو الذي انتخب الرئيس، وأنهم لا
يستطيعون إسقاطه إلا من خلال صناديق الاقتراع فقط، ولأنهم يدركون هذا الأمر
أخذوا يصفون الرئيس المنتخب شعبيا وشرعيا بأنه "فرعون وديكتاتور جديد"،
ويطالبون بتحقيق أهداف الثورة، وهو ما يذكرني بالبرنامج الانتخابي لعمر
سليمان نائب الرئيس المخلوع الذي رشح نفسه للانتخابات تحت شعار "من أجل
استكمال أهداف الثورة" في مفارقة من الكوميديا السوداء الغارقة في الهزل
السخيف. الرئيس مرسي اتخذ القرار السليم والصحيح ليكسر حالة الجمود وليدفع
مصر إلى الأمام، فلا يجوز أن يتحول القضاء إلى "حالة ديكتاتورية باسم
الاستقلالية" مع تأييدي الكامل لاستقلال القضاء، بعد تطهيره من فلول النظام
المخلوع، فالشرعية الشعبية الثورية مقدمة على "الترهات الفلولية" فالشعب
المصري ثار من أجل إسقاط النظام بكل رموزه ومؤسساته وقوانينه وبنيته
التحتية والفوقية، فالثورات لا تقبل الترقيع أبدا، وهذا بالضبط ما عناه
الرئيس مرسي بقوله: "من يريد أن يختبئ داخل المؤسسة القضائية نحن له
بالمرصاد"، وهذا الأمر ينطبق على المؤسسات الإعلامية التي خرجت بعناوين
معادية مثل عنوان صحيفة المصري اليوم "مرسي ديكتاتور مؤقت" وعنوان صحيفة
الوطن المستقلة "ثورة ضد مرسي"، ومحطات فضائية مصرية وعربية شنت حملة
صليبية ضد الرئيس مرسي. هذه المجموعات الفلولية تريد "اختطاف مصر" من
الشرعية الشعبية الثورية، وتريد أن "تعكنن" على خيارات الشعب المصري، وأن
تفكك الثورة المصرية من الداخل، بعد أن فشلت بتفكيكها من الخارج. لقد قبل
الإسلاميون المصريون الدخول في اللعبة الديمقراطية، ونزلوا إلى الشارع الذي
يملكون فيه الغالبية العظمى، وحصلوا على ثلاثة أرباع أصوات المصريين،
وكانوا خيار الشعب الديمقراطي، وقبلوا بمبدأ أن السياسة هي "فن الممكن وليس
فن العنف"، وأن القرارات السياسية تأتي نتيجة توافقات ومساومات وصفقات
وليس عبر فرض الرأي بقوة الشارع، لكن هذه المشاركة الإسلامية في اللعبة
الديمقراطية لم ترض الفلول ولا أشياعهم، فقاموا بحرق مقرات جماعة الإخوان
المسلمين وحزب الحرية والعدالة، لاستفزاز الجسم الأكبر على الأرض والأكثر
تنظيما لدفع الإسلاميين إلى منزلق العنف المضاد وهو ما يمكن أن يقود إلى
مالا يحمد عقباه، فالفلول ومعهم العلمانيون الليبراليون ومعهم بقايا اليسار
والقوميين يفضلون الحرب الأهلية والعنف والانقلاب على الطريقة الجزائرية
على المشاركة في عملية ديمقراطية يعلمون جيدا أنهم خاسرون فيها، وهذا ما
يجب أن ينتبه إليه الإسلاميون في مصر وأن لا يقعوا في الفخ الذي ينصبه لهم
الفلوليون.