تاريخ النشر : 2012-11
لم يُؤلمني شيء كما آلمني مَنظر طِفلة
من أطفال اللاجئين السوريين تبكي ...... اقتربت منها وبدأت أهدئ من روعها
.. اشتريت لها ماءً بارداً من إحدى بقالات وطني الموجوع لما يحدث في
الجارة العزيزة ....ناولتها اياه فشربت مِنهُ و... هدأ روع الطفلة بعض
الشيء ، سألتها عن سبب بكائها ، فردت علي سؤالي بسؤال احنا متى بدنا نرجع
على بلادنا ؟ .... أقسم بأن أشلائي تقطعت ، لأن سؤال الصغيرة لم تستطع دولٌ
العالم كلها أن تجيب عليه ، فكيف بي ووقد خانتني المفردات أمام وحشية
الآلة البعثية العبثية ، سألتها وهي ترتدي المريول الأزرق ....في أي صف
أنتي عمو ؟ أجابتني بصوتها المجروح ، في الصف الرابع ....وأضافت أنا بدي
صحباتي ...وين صحباتي ...انا بدي أرجع لمدرستي ...وفي أثناء الحديث مع تلك
الصغيرة حضر رجلٌ في منتصف الأربعين مثقلاً بالأوجاع وكان ذلك المسكين والد
الفتاة ، عرفته بنفسي وأخبرته بأنني أسكن في ذلك المكان ....ابتسم ابتسامة
مجروحة وعرفني بنفسه فهو دكتور في علم المختبرات الطبية ، ثم أخذ الطفلة
وأخذ قلبي معها ......وذهبا معاً الى طريق مجهول ....
وفي تلك الأثناء وبينما كانت دموعي كحبات المطر المنهمرة فوق جبل قاسيون ،
كانت شقيقتي تتصل بي ...حاولت أن أتماسك قليلاً ، وكان صوتي يوحي بحزن في
قلبي ...سألتني عن السبب ....لا أعلم كيف أجبتها أن بشار الأسد قطع قلبي
على أطفال سورية ...صمتنا معاً ثم أخبرتها القصة ....فعلقت بأن هذا المشهد
يتكرر معها يومياً في المدرسة ...ففي المدرسة التي تُدرس بها العديد من
الطالبات .... وزادت من حزني عندما قالت لي أن هناك طفلة في الصف الأول
تبكي كلما سقطت ممحات اللوح على الأرض ، ظننا منها بأنه صوت القصف ، ثم
تبادلنا الحديث المؤلم عن العديد من القصص التي ترويها لها الطالبات
السوريات .
في بيتنا الواقع في قرية لا تبعد كثيراُ عن الحدود السورية نسمع كل يوم
ذوي أصوات قادمة من الجارة الشمالية ، في أرجاء حارتنا أصبح منظر جموع
اللاجئين السوريين مألوفاً لدينا .. نراهم يبتاعون من الأسواق بما تيسر لهم
، يكتسيهم الحزن والغربة وأثار الدمار ....
دعوني أخرج عن حزني الى ذكريات الماضي قليلاً ، عندما كنت طالبأ في
الجامعة ، كانت هناك طالبة سورية أسمها نورما تدرس منا ، كان قلب نورما
حصنً منيع أمام جميع الشباب ، وامام قلبي ، أتعلمون ما معنى أسم نورما
؟...أنا الذي أعرف ، معناه: القاعدة، النموذج المتحذى، المثال ...وسوريا
كذلك
صدقوني انها كانت كذلك ، وكنت أرى فيها شموخ قلعة حلب ، وبياض الثلج على
جبل الشيخ وشعرها متناثر كتناثر سنابل القمح في سهل حوران ...وكنت أرى
سوريا من خلالها وكانت سوريا تتحرك أمامي مزهوة كل صباح .....كيف حال
نورما يا ترى ؟ وماذا حل بها بعد الثورة ؟
أعذروني ، لا أريد أن أكتب عن قصصي مغامراتي العاطفية ، انما أردت أن أكتب
الى الأخضر الأبراهيمي لعله يضغط على قلب نورما فتمنحني حق اللجوء العاطفي
بعد أن شردني حزني ، ويمنحني موعداً هادىً مع قلبها من غير قنابل على جبل
قاسيون ...