مَطَرِي.. يُسَافِرُ في سَحَابِكْ
قَلْبي .. تَناثَرَ عِشْقُهُ .. في كُلِّ رَابِيَةٍ وَوَادْ
حَمَلَتْهُ رِيحُ العِشْقِ فَوْقَ سَحَائِبِ الأَشْوَاقِ
فَاخْضَرَّتْ بِوَابِلِهِ بِلادْ
حتى إذا ..
مَا طَارَ فَوْقَ مَدَائِنِ التَّارِيخِ
أَسْقَطَ دَمْعَةً شَرْقِيَّةً
وَأَنَاخَ رَاحِلَةَ المِدَادْ
وَأَشَارَ نَحْوَ تُرَابِهَا المَعشُوقِ..يَهْتِفُ بِاسْمِهَا
وَيقُولُ: قِفْ يَا شِعرُ ..
واسْجُدْ هَا هُنَا ..
قَبِّلْ تُرَابَ حَبِيبتي ... بَغدادْ
* * * * *
بَغدادُ .. إني ..
رَغْمَ بُعْدِي - يَا قَرِيبةُ - عَنْ رِحَابِكْ
وَبِرَغْمِ أَني لَسْتُ نَبْتاً..قد تَهَدْهَدَ في تُرابِكْ
وَبِرَغْمِ أنّ هُوِيَّتي حَمَلَتْ هَوَى الأهرامِ .. .. مِصْرَ ..
ولم أَطَأْ يوماً ثَرَاكِ .. ولم أَصِلْ يوماً لِبابِكْ
وَبِرَغْمِ ..
.. كُلِّ الرَّغْمِ ..
إلاَّ أَنني ..
قَدْ عِشْتُ حُزنَكِ كُلَّهُ ..
وَقَضَيْتُ عُمْرِي في مُصَابِكْ
جُرْحِي وَجُرْحُكِ وَاحِدٌ ..
مَطَرِي ..
يُسَافِرُ في سَحَابِكْ
* * * * *
بَغدادُ يَا نَزْفَ العُرُوبَةِ ..
يَا فُرَاتَ الحُزْنِ ..
يَا جُرْحَ السَّمَاءْ
يَا دَمْعَةً قَدْ أَغْرَقَتْ جَفْنَ الوُجُودِ ..
وَأَبْحَرَتْ في مَوْجِهَا .. سُفُنُ البُكَاءْ
يَا صَرْخَةً شَقَّتْ عَبَاءَاتِ الرَّجَاءْ
يَا طِفْلةً رَسَمَتْ بَرَاءَتَهَا ..
عَلَى جُدْرَانِ وَاقِعِنَا ..
بِأَلْوَانِ الدِّمَاءْ
أَنتِ التي ..
حَمَلَتْ عَلَى أَهْدَابِ عَينَيها ..
حَدَائِقَ بَابِلٍ
وَاسْتَوْدَعَتْ مَا بَيْنَ جَفْنَيهَا ..
مَآسِيَ كَرْبِلاءْ
مَا زِلْتِ يَا بَغدادُ ..
قَافِيَتي التي تَغْفُو عَلَى صَدْرِي
وَتَمْسَحُ غُرْبَتي
وَتُذِيبُ لَيْلِي في نَهَارِ عُيُونِهَا
فَتَسِيلُ مِنْ حَرْفِي نُبُوءَاتُ الضِّياءْ
مَا زِلْتِ يا بغدادُ .. جَيْشَ مَشَاعِري
مَا زِلْتِ بَيْنَ كَتَائِبِ الإِحْسَاسِ ..
حَامِلَةَ اللِّوَاءْ
مَا زِلْتِ عَاصِمَةَ الخِلافَةِ في دَمِي
حتى وإنْ هَجَمَ التَّتَارُ ..
وَأَحْرَقُوا ثَوْبَ السَّلامِ ..
وَأَغْرَقُوا شَرْعَ الكُتُبْ
وَأَتَاكِ "هُولاكُو" ..
لِيَحْفُرَ في تُرَابِكِ .. بَاحِثاً ..
عَنْ كَنْزِكِ المخبُوءِ .. في بِئْرِ الذَّهَبْ
وَتَجَمَّعَ الكُهَّانُ حَوْلَ البِئْرِ حتى يُغْرِقُوكِ ..
وَيَأْخُذُوا مِنْكِ القَمِيصَ ..
وَيَرْجِعُوا لِشُعُوبِهِمْ بِدَمٍ كَذِبْ
وَاسْتَيقَظَ التاريخُ يَهْذِي .. مِثْلَ مَحْمُومٍ ..
وَيَسْألُ: مَا السَّبَبْ ؟!
هَلْ مَزَّقُوا مِنْ صَفْحَةِ التاريخِ أيَّامَ العَرَبْ؟!
هَلْ نَامَ جَيْشُ "ابْنِ الوَلِيدِ" عَلَى الثُّغُورِ ..
لِيَحْلُمُوا بالنَّصْر ِ ..
حتى قامَ يَجْنِي الحُلْمَ جَيْشُ "أبي لَهَبْ"؟!
* * * * *
يَااااااااااا لَيْتَ شِعْرِي في يَدَيَّ ..
رَصَاصَةٌ عَرَبِيَّةٌ
أَرْمِي بِهَا .. مِنْ فُُوهَةِ القَلْبِ المُصَوَّبِ..
نَحْوَ هذا المُغْتَصِبْ
لَكِنَّني ..
مَا كُنْتُ إلا .. شَاعِراً
مَا في يَدِي إلا ذَخِيرَةُ أَحْرُفي المَلأَى ..
بِأَلْغَامِ "الأَدَبْ" ..!
قَلَمِي .. أُعَبِّئُهُ بِحِبْرِ عُرُوبَتِي
فَيَرَاكِ بَاكِيةَ العُيُونِ عَلَى قُبُورِ الأُمْنِيَاتِ
فَيَرْجُفُ القَلَمُ الغَيُورُ بِرَاحَتِي
وَيَظَلُّ يَقْذِفُ بِالقَوَافي الحارقاتِ
يَقُولُ: لا تَسْتَسْلِمِي يَا حُرَّةَ العَيْنَينِ
يَا مَنْ عَلَّمَتْ أَشْجَارَها ..
وتُرَابَها .. وبُيُوتَها .. وفُراتَها ..
.. لُغةَ الغَضَبْ ..
لا تَيْأَسِي إنْ جَفَّتْ الأغصانُ وَقْتَ خَريفِها
فالجِذْرُ في الأَعمِاقِ يَحمِلُ بَيْنَ كَفَّيْهِ الرَّبِيعَ
.. هديةً لَكِ ..
وَالسَّوَاقِي .. لا تَزالُ مَليئةً بالحُلْمِ
وَالشَّمْسُ العَنِيدَةُ لم تَغِبْ
فاسْتَبْشِرِي يَا زَهْرَةَ التَّارِيخِ
وَلْتَتَزَيَّنِي .. بِقَلائِدِ النُّورِ المُزَغْرِدِ
وَالْبَسِي الثَّوبَ المُطرَّزَ بِابتِسَامَاتِ الشُّمُوسْ
فالنَّصْرُ ..
فَارِسُكِ الوَسِيمُ
أَتَاكِ فَوْقَ حِصَانهِ ..
وَعَلَى يَدَيْهِ الفَرْحَةُ البَيْضَاءُ ..
صُبَّتْ في كُؤوسْ
فَلْتَشْرَبِي نَخْبَ السَّعَادَةِ مِنْ يَدَيْهِ ..
وَأَعْلِنِي الأفْرَاحَ في عَيْنَيْكِ ..
أَيَّتُهَا العَرُوسْ
وَلْتَبْسُطِي كَفَّيْكِ نَحوَ الحُلْمِ ..
فَالأحْلامُ تَحتَاجُ العِنَاقْ
وَدَعِي فُرَاتَكِ ..
كَي يُقَبِّلَ كُلِّ حَبَّاتِ التُّرَابِ
فَتَرْتَوِي رَحِمُ الحُقُولِ ..
وَتُنْجِبُ الأيامُ .. أزهارَ التَّوَحُّدِ وَالوِفَاقْ
وَغَداً..
سَيَسْبَحُ في حُروفِ النُّورِ صَوتُكِ..
شَادِياً:
يَا لَيلُ.. قَدْ جَاءَ النَّهَارُ
وَفَازَ خَيلِي بِالسَّبَاقْ
يَا شَعْبُ..
قُمْ واهْتِفْ
وَجَدِّدْ بَيْعَةَ العِشْقِ القَدِيمةَ
ثُمَّ رَدِّدْ نَصَّ مِيثَاقِ المحَبَّةِ
قُلْ مَعِي:
(( الحُلْمُ بَاقْ ..
والنَّبْعُ فَاضَ بِالاِشْتِيَاقْ ..
وَدَمُ العُرُوبَةِ واحدٌ ..
واللهُ أكبرُ يَا عِرَاقْ
اللهُ أكبرُ ........
......... يَا عِرَاقْ
للشاعر مصطفى الجزار[b][i]