تراث دارفور ..... رقصة الجراري
بقلم / شريف آل ذهب
(الجراري بي شوقها وأنا قلبي حريق فوقها ، أنا قلبي .. ) هكذا تغنى ذاك الفتى الدارفوري المتيّم بعشقه لهذه الرقصة الشعبية ، والجراري تعد من أشهر الرقصات على نطاق السودان عموماً ودارفور خصوصاً ، ولها عدة صيغ تؤدى بها تختلف باختلاف المناطق التي تسود فيها هذه الرقصة .
تعريف الجراري :
هو نوع من الإيقاع يُطلق عليه ( الكر ) ، و يستقيم بنا هنا أن نقول أنها مشتقة من كرّ يكر ، أو من كرر من التكرار بالفتح ، أي : الترداد ، ذلك أن صيغة أداء الجراري تعتمد على ترداد نبرة معينة من الصوت بشكل مستمر ، مما يمكن إرجاعها في هذه الحالة لكلمة كرر من التكرار ، كما أنه يعتمد على سحب النفس وإرجاعه مما يمكن كذلك أن يستقيم معها المعنى الآخر وهو الكر .
وصفة الكر في الجراري تعتمد على إصدار الفتيان بشكل جماعي لصوت جهور يصدر من الجوف يشبه خوار الثور ، ولها عدة صيغ المشهورة منها ثلاثة ، الأولى هي صيغة الكر التي أوردناها ، أما الثانية فيطلق عليها الحسيس ، والحسيس كلمة معروفة في اللغة العربية ومعناها الصوت الخفيّ . ومنه قوله تعالى ( لا يسمعون حسيسها ) وصيغة الحسيس تشبه لحدٍ ما الصيغة الأولى من ناحية أن الصوت في كليهما يصدر من الجوف غير أنها في الأولى يكون الإيقاع بطيئاً بينما إيقاع الحسيس سريع جداً ويشبه لحدٍ كبير نحيق حُمر الوحش .
أما الصيغة الثالثة فهي : العرضحال ، والعرضحال في الاصطلاح العام هو العريضة القانونية ، ولا تحضرني أصل الكلمة أهي عربية أم تركية كما كلمة أوردغان ، ولكن إذا أردنا إعادتها لمصدرها فنجدها تعود إلي عبارتيّ ( عرض ، حال ) وهي ترمز بهذه الصفة للمعنى الحقيقي لذلك الغرض .والعرضحال في الجراري هو نوع من الإيقاع ممزوج بين المشكار والجواب بعبارة ( أهُم ) التي لا تنطق مباشرة وإنما يصدرها الشباب من خلال نبرة صوتية معينة تصدر من الحلق كنطق حرف العين في العربية مع عبارة (هُم ) مشددة ، بشكل أشبه ما يكون برغاء البعير ، ومثال لذلك كأن يردد مجموعة من الشباب بعض عبارات الشكر مثل ( هيا بوبي ما رد لي سلام ) فتجيب المجموعة الأخرى بعبارة ( أهم ) بالشكل الذي أوردناه آنفاً . وسمي عرضحال بذلك نظراً لصيغ المشكار التي تلازمه ، فكلماتها تنم عن عرض حال حقيقي حيث يشكو الشبان حالهم خلالها بمختلف العبارات ، ( هيا أم دليل شجرة أب قجة دليل ، الله قادر المرأة ماتت خلت راجل ، هيا بوبي ما رد لي سلام ، يا الأخضر شفاف في الشاشة ما بتتشاف ... وغيرها من أنواع المشكار ) .
(المشكار يعني المدح)
غناء الجراري ورقصتها :
بينما يقوم الرجال بعملية الكر وهو إيقاع الرقصة فإن الفتيات على الجانب المقابل يقمن بأداء الرقصة بصورة رائعة جداً حيث تعتمد طريقة أدائها على الرقبة كما الحال في بقية أنحاء السودان ، فيما يقوم الشبان بدق السكّة بفتح السين ، وهي كما أسلفنا ذكره عند تناولنا للعبة الهجوري ، أنها عملية ضرب أحد القدمين بالأرض بشكل عنيف حيث تعتمد وقعها وتأثيرها لدى الفتيات على مدى قوتها ، فتقوم النسوة بالمكافأة برمي الشبال نظير ذلك ، وكيفية الشبال هي بأن تقوم الفتاة بهز رأسها يمنة ويسرة بإيقاع سريع لمرة أو أكثر بحيث يتحرك معها الشعر بوضع متناثر يفوح منها رائحة الكركار ، وهنا يزداد حماس الشباب المصطفين قي الكر فيقومون بترداد بعض عبارات المشكار من قبيل ( القمر طلع ، البرق شلع ، السمحة لي ّ ، وخلافها ) ورقصة الجراري هي ميزان لقياس جمال الفتيات من طول الجيد والشعر ووسع العينان وغيرها من مقاييس الجمال