أكرم عزمي يكتب: حقيقة الدور السعودي فى المنطقة ومحاولات إجهاض الثورة المصرية
أريد ان أرى ابن سعود سيداً على الشرق الأوسط وكبير كبراء هذا الشرق على أن يتفق معكم أولا يامستر حاييم ومتى تم ذلك عليكم ان تأخذوا منه ما تريدون أخذه
رئيس وزراء بريطانيا الاسبق ونستون تشرتشل متحدثاً إلى أول رئيس للكيان الصهيوني حاييم وايزمن (راجع مذكرات جون فيلبي).
على الرغم من تشدق حاكم آل سعود بلقب خادم الحرمين الشريفين، إلا أن الممارسات الفعلية لهذا الكيان تثبت أنه أبعد ما يكون عن انتمائه الزائف بالإسلام والشريعة الإسلامية التى يعتبرها آل سعود دستوراً لدولتهم الإسلامية. ولا عجب فى ذلك إذا ما اخذنا فى الإعتبار ما أُثير حول نشأة آل سعود من الشكوك فيما يتعلق بأصلهم اليهودي لعائلة مردخاي وهجرتهم من البصرة فى العراق إلى شبه الجزيرة العربية (راجع كتاب الوهابية نشأة مشبوهة وحركة انحراف للكاتب عبد الواحد سعيد المحمود). وعلى أية حال، فهناك العديد من الأدلة التى تؤكد أن هذه الدولة قائمة على الظلم والفساد وقمع مواطنيها، فى نموذج هو أبعد ما يكون عن مبادىء العدالة الإجتماعية، الإصلاح، ومبادىء الشورى المستمدة من روح الشريعة الإسلامية التى يزعمون تطبيقها.
من جهة أخرى أثبتت الأحداث الأخيرة أن الكيان السعودى يعتمد فى سياسته الخارجية وعلاقاته الدولية على مبادىء خاصة تتمثل فى دعم السياسة الأمريكية والكيان الصهيونى بكل الوسائل لتحقيق أهدافها ومصالحها فى المنطقة العربية والإسلامية. فضلاً عن سعيها الدائم من خلال قنواتها الدبلوماسية للقضاء على ثورات الربيع العربي رغم أنها تعلن العكس دائماً، فكانت أول من منح الرئيس التونسى حق اللجوء السياسي بعد هروبه من تونس بل وترفض تسليمه للسلطات التونسية حتى الآن رغم إصرار الأخيرة على ذلك فى أكثر من طلب رسمى. كما سعت إلى قمع الثورات فى مصر وليبيا واليمن وتونس والبحرين منذ بدايتها سواء بالدعم المالى أو الإستخباراتى أو العسكرى كما سنفصل لاحقاً، فى حين سعى الكيان السعودى بقوة إلى دعم الثورة السورية وارتداء لباس القومية ليس حباً فى حرية الشعب السورى على قدر ما هو دعم للنظام الصهيوني فى إسقاط نظام الأسد الديكتاتوري الذى ترى فيه إسرائيل وأمريكاً تهديداً مباشر لمصالحها فى المنطقة لما له من تحالف قوى مع النظام الإيراني وحزب الله فى لبنان. أما سعيها لمعارضة حركات المقاومة ضد العدو الصهيونى كما هو الحال فى علاقاتها مع المقاومة الفلسطينية، فإن الأدلة عليه لا تعد ولا تحصى، والدعم المالى الذى كان يدفعه الكيان السعودى لنظام مبارك ليزيد من حصاره على الفلسطينين ليس ببعيد، كما أن دعمهم لنظام بن على فى تونس للتطبيع مع الكيان الصهيونى ليس ببعيد أيضاً.
فى التاريخ فكرة ومنهاج، ولعل المتتبع لتاريخ سياسة العلاقات الخارجية لآل سعود لا يساوره أدني شك حول التناقض الواضح فى خنوع تلك السياسة لممارسات الكيان الصهيوني من جهة وبين التشدد الديني المزعوم فى التعاطي مع الداخل السعودي والأشقاء العرب من جهة أخرى
فى السابع عشر من سبتمبر عام 1969 أدلى الملك فيصل بالتصريح التالى لصحيفة الواشنطن بوست:
إن آل سعود أبناء عمومة مع اليهود، نحن نبدى اعتراضنا على أى سياسة معادية لليهود من قبل أى سلطة عربية أو إسلامية، فلابد أن نعيش معهم فى سلام. إن بلدنا كان منبت رأس اليهود الذى كانت فيه نشأتهم ومنه خرج أسلافهم لكافة أنحاء العالم.
لماذا يصر الكيان السعودي على حث الولايات المتحدة على الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية فى حين يغض الطرف عن آلالاف الرؤس النووية الإسرائيلية فى مفاعل ديمونة؟
يصف روبرت باير يقول احد عملاء السي آي ايه حول فرص استمرار بقاء اسرة آل سعود ومملكتهم في الحكم في كتابه النوم مع الشيطان: كيف باعت أمريكا أرواحنا فى مقابل النفط السعودي" قائلاً:
إن المملكة العربية السعودية لايمكنها الاستمرار لفترة أطول من ذلك فالفشل الاجتماعي والاقتصادي خلال احتضارهم يمكن ان يكون مدويا " مما يؤكد قرب نهاية المملكة وربما ستكون النهاية بقرار امريكي كما كانت البداية بقرار بريطاني، فالذي يرعب العالم حاليا هو هذا الكم من العداء الذي تنشره الجماعات الوهابية تجاه كل من يخالفها حتى انها لا تتورع عن القنل والتدمير واستعمال اموال النفط لتمويل العمليات الارهابية وتجنيد الشباب السعودي ليكونوا متفجرات تقتل الحضارة بكل انواعها حتى ان الصحف الامريكية صارت تتحدث بشكل شبه مستمر عن هذا الامر على الرغم من استمرار ضخ البترول السعودي للولايات المتحدة، واستمرار رضوخ المملكة للقرار الامريكي، فقد نشرت صحيفة يو اس توداي: أنه من بين كل خمسة يدخلون الموقع السري لتنظيم القاعدة على الانترنيت بينهم اربعة من الداخل السعودي اي سعوديون من داخل المملكة.
منذ قيام ثورة 25 يناير المجيدة، اتخذ الكيان السعودى موقفاً عدائياً منها بل وسعى سعياً حثيثاً – بشكل غير مسبوق دبلوماسياً – إلى ممارسة ضغوطاً إقليمية ودولية لدعم نظام مبارك الآيل للسقوط والحيلولة دون إنهياره. فقد نشرت جريدة التايمز البريطانية بتاريخ 10 فبراير 2011 وقبل تنحى مبارك بيوم واحد خبراً مفاده أن العاهل السعودى قد هدد أمريكا بأنه سوف يدعم مبارك بكل قوة إذا ما رضخت أمريكا للمطالب الشعبية بإسقاط نظامه، كما ذكرت الصحيفة أن العاهل السعودى قام باتصالاً تليفونياً مع أوباما بتاريخ 29 يناير 2011 أخبره فيه أنه سيدعم نظام مبارك حتى لو تخلت أمريكا عنه، وانه على استعداد أن يدفع لنظام مبارك قيمة المعونة التى تهدده بها أمريكا للتنحى عن الحكم، وقد صرح أحد الدبلوماسيين السعوديين للصحيفة البريطانية أن "الملك عبد الله لن يسمح بإذلال مبارك لأنهم ليسوا مجرد حلفاء بل انهم أصدقاء، ولابد من السماح لمبارك بالبقاء فى الحكم وعدم خروجه بهذا الشكل المهين." وقد استمر هذا الدعم السعودى لنظام مبارك طوال الفترة الإنتقالية إلى درجة وصلت إلى اعتقال بعض المصريين المقيمين بالسعودية والضغط على رجال الأعمال المصريون المقيمون هناك، بل تمادى ذلك إلى اضطهاد الحجاج والمعتمرين المصريين وسوء معاملتهم.
ولعل أهم الأسباب التى دعت الكيان السعودي إلى اتخاذ هذا الموقف المعادى للثورة المصرية منذ اشتعالها والعمل على إفشالها، بل وتمويل الثورة المضادة بقوة خلال الفترة الإنتقالية لإحداث انفلات أمنى مصطنع وفتن طائفية وفوضى مصطنعة، الهدف من وراء كل ذلك هو "توصيل رسالة هامة ليس فقط إلى مواطني المملكة بل لكافة الدول الإسلامية والعربية، مفادها أن فكرة الثورة فى حد ذاتها إنما هى فكرة خاطئة تؤدى إلى الفوضى وخراب المجتمعات وعد الإستقرار، وحتى لا يحاول الشعب السعودى الإطاحة بأمراءه كما أطاح الشعب المصرى بنظام مبارك"، ولعل ذلك ما يفسر مسارعة الكيان السعودى لإصدار فتوى دينية باطلة تحرم الخروج على الحاكم – من خلال قنوات السلطة الوهابية التى يحكم بها قبضته على البلاد.
أما ثانى الأسباب التى دعت الكيان السعودى إلى ذلك هو تحويل مسارها عن الطريق الصحيح لخدمة مصالح الغرب والكيان الصهيونى، على الأقل لأكبر فترة ممكنة، ولكن هيهات، فقد كانت رياح التغيير أقوى من أى طغيان ليقضى الله أمراً كان مفعولاً ولو كره الكافرون. أما ثالث الأسباب فهى ان الكيان السعودى حقيقة لا يرغب فى دولة مصرية ديمقراطية ناهضة تلغى الدور السعودي بالمنطقة كحليف أساسي للغرب بعد انحسار الدور المصرى فى عهد المخلوع، فمن مصلحة الكيان السعودى ان يظل الشعب المصرى جائعاً يرضخ تحت الفقر والجهل والأنظمة الديكتاتورية المستبدة، حتى لا تقوم لمصر قائمة يتصاغر معها الكيان السعودى ويعود إلى وضعه الطبيعى تحت مظلة الأخت الكبرى مصر.
وقد أكد المفكر الإسلامي الدكتور كمال الهلباوي المتحدث الرسمي السابق لجماعة الإخوان المسلمين في برنامج "بالقلم" الذي تقدمه الإعلامية دينا رامز على قناة صدى البلد، معلقا على هجوم كاتب سعودي عليه: لو كان من يهاجمني يحب بلده لكان قد حارب الأمريكان وحرر منهم بلده، فهؤلاء عاشوا تحت إمرة حكام يرون ان الأرض ومن عليها ملكهم وعندما ترسل السعودية قوات ودبابات تردع المتظاهرين وتقتلهم في الميادين فهذا لن يؤثر على الثورات.
وأوضح الهلباوي: هؤلاء الحكام السعوديون يسرقون البلد كما سرق مبارك مصر.. وابدى اعتراضه على زيارة مرسي للسعودية لأن حكامها وقفوا ضد الثورة وحاربوها، وكان يجب على مرسي أن يعرض على الملك تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك وان تحل قوات عربية بدلا من القوات الأمريكية الموجودة بالخليج.
يققول حاييم وايزمن في مذكراته: " إن انشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الاول، والمشروع الثاني انشاء الكيان الصهيوني بواسطته ". من هنا نكتشف حجم العلاقة بين الكيانين السعودي والصهيوني باعتبارها علاقات ونشأة متلازمة واستمرارية فى البقاء، ولم تكن يوما علاقات صراع وتحدي كما يحاول النظام السعودي أن يظهر، وخاصة ان السعودية لاتملك اوراق الضغط على اسرائيل بعد ان صارت تمول المشاريع الصهيونية في المنطقة وتقوض كل فرصة لازالة هذا الكيان.
ولعل تلك الصناعة الغربية للكيان السعودي تأكدت مؤخراً بعد أن قام موقع ويكيليكس بنشر مجموعة من مراسلات البريد الإلكترونى الخاصة بشركة ستراتفور اليهودية وهى شركة استشارات أمنية أغلب موظفيها من عملاء الموساد المتقاعدين، ويرجع تاريخ تلك المراسلات إلى 7 مايو 2007 حيث تناولت مناقشة بين نائب رئيس شركة ستراتفور وبعض المحللين حول قضايا العلاقات السعودية الإسرائيلية السرية، كما أظهرت سعى الشركة وراء عقد بعض الصفقات التجارية الخاصة مع أمراء عائلة آل سعود.
هذا وقد ألقت الوثائق بعض الضوء على المساعدات السرية التى قدمها الموساد إلى المخابرات السعودية تتمثل فى خدمات واستشارات استخباراتية تتعلق بالقضية الإيرانية والتى تسعى السعودية إلى الضغط بكل ما تملك من أوراق سياسية على الولايات المتحدة واسرائيل لشن الحرب عليها. كما كشفت الوثائق عن سعى المخابرات السعودية الدائم لتأسيس علاقات شراكة قوية مع الموساد وجهات أخرى فى حالة تخلى الولايات المتحدة عنها وعدم قدرتها على السيطرة على القضية الإيرانية.
كما كشفت الوثائق عن بعض الخدمات الأخرى التى يقدمها عملاء الموساد والتى تتمثل فى صفقات تجارية باع فيها الموساد معدات أمنية، وأجهزة استخباراتية إلى الكيان السعودى.
من جهة أخرى كشفت صحيفة الجارديان البريطانية عن تزايد الضغوط على الولايات المتحدة من قبل حلفاءها فى الخليج للمسارعة بشن الحرب على إيران، وكشفت عن اتهامات وجهت إلى النظام السعودى عام 2010 حول استعدادها لتقديم كافة سبل الدعم للكيان الصهيونى كى يشن هجوماً على إيران، بما فى ذلك استعدادها لتمكين الكيان الصهيونى من استخدام قواعدها العسكرية. كما أبدت الإمارات نفس الدرجة من الإستعداد، حيث صرح محمد بن زايد آل نهيان حاكم أبو ظبى والقائد العام للقوات المسلحة باستعداده لتقديم دعما من قوات المشاة القتالية فى حال فشل الضربة الجوية فى تدمير المنشآت النويية الإيرانية، فيما صرح أخيه عبد الله بن زايد وزير خارجية الإمارات بأنه سيسعى لإقناع الصين للدخول فى الحرب ضد إيران. كما سار الملك حمد بن عيسي آل خليفة ملك البحرين على نفس المنوال محاولاً الضغط على الولايات المتحدة لشن الحرب ضد إيران.
كما كشف مقال الجارديان عن تصريحات مدير جهاز المخابرات الإسرائيلى الموساد مير داجان التى أكد فيها عن سعى دول الخليج للضغط على الولايات المتحدة لشن حرباً ضد إيران ملخصاً الوضع قائلاً: إنهم يخافون من إيران ولكنهم يريدون أحداً آخر أن يقوم بالمهمة نيابة عنهم!
المصادر:
- موقع ويكيليكس
http://www.wikileaks-forum.com/index.php?topic=10710.0 - مقال جريدة كابل جيت
http://www.pbs.org/wgbh/pages/frontline/tehranbureau/2010/11/cablegate-arab-leaders-pressuring-us-to-attack-iran.html - مقال إسلام تايمز
http://www.islamtimes.org/vdcgtt9q7ak9t34.5jra.html - مقال جريدة الأخبار اللبنانية
http://english.al-akhbar.com/node/4839 - مقال الجارديان البريطانية
http://www.guardian.co.uk/world/us-embassy-cables-documents/249925 - كمال الهلباوي: حكَّام السعودية حاربوا الثورة.. وعلى الرئيس مراعاة ذلكhttp://www.el-balad.com/228649
