الجنس : عدد المساهمات : 6134نقاط : 8769 تاريخ التسجيل : 29/03/2011الموقع : القاهرة
موضوع: تقييم أولي: السياسة الخارجية للرئيس محمد مرسي السبت سبتمبر 15, 2012 1:07 pm
ينظر فريق من المتخصصين إلى السياسة الخارجية على أنها بمثابة برنامج ذى بعدين رئيسيين، البعد الأول: العام، ويشمل التوجهات والأدوار والأهداف والاستراتيجيات. فالسياسة الخارجية تتضمن توجهات معينة، كما تتضمن مجموعة من التفضيلات المتعلقة بالأشكال المستقبلية المحتملة (الأهداف)، ومجموعة من الأدوار (تتمثل في تصور صانعي السياسة الخارجية لمركز دولتهم فى النسق الدولي، ودوافع تلك السياسة، وتوقعاتهم لحجم التغير المحتمل فى النسق الدولي نتيجة اتباع تلك السياسة)، ومجموعة من الاستراتيجيات السياسية (أى مجموعة الحسابات الشاملة لصانع السياسة الخارجية للعلاقات بين الأهداف والوسائل المتاحة).
البعد الثاني: المحدد، وينصرف إلى مجموعة القرارات (وهي اختيارات محددة لصانعي السياسة الخارجية بين بدائل متاحة لحل مشكلة محددة)، والسلوكيات (هي التصرفات اللفظية أو العملية المحددة زمانًا ومكانًا، والتى يقوم بها الأشخاص الحكوميون المخولون رسميًا بالتصرف باسم الوحدة الدولية، والموجهة إلى العالم الخارجي لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، ويتم رصد مثل هذه السلوكيات من خلال عدة مؤشرات، منها: الأحداث الدولية، والسلوك التصويتي الدولي، والسلوك الدبلوماسي الدولي)، والمعاملات (وتشمل الأنشطة الاقتصادية والاتصالية ذات الطابع الدوري المنتظم، والتى يتم تحليلها على أساس تجميعي نظرًا لتكرارها، كالتجارة الخارجية، والاتصالات الشعبية).
وفي إطار هذين البعدين، تأتي عملية صنع السياسة الخارجية، والتي تقوم علي صياغة الرؤية، وتحديد التوجهات، وتشكيل الأهداف، وتحديد الوسائل والأدوات، وفقاً للقدرات المتاحة للدولة.
وبالنظر إلى السياسة الخارجية لمصر في ظل رئاسة الدكتور مرسي، من الصعب تقييم البعد العام لهذه السياسة، نظراً لمحدودية الفترة الزمنية التي تولاها، من ناحية، وعدم اكتمال الهياكل المؤسسية التي تقوم على صنع وإدارة السياسة الخارجية من ناحية أخرى، ولأن هذا البعد يحتاج لمرور فترة زمنية طويلة حتى تتضح وتتبلور مكوناته.
ومن هنا، فإن التقييم الأولي لهذه السياسة ينصب بالدرجة الأولي على البعد المحدد للسياسة الخارجية (القرارات، السلوكيات، المعاملات). وفي إطار هذا البعد، يمكن التمييز بين ثلاثة مستويات قامت عليها السياسة الخارجية للرئيس مرسي خلال الشهرين الماضيين:
المستوى الأول: مبادرات تم التخطيط لها والقيام بها بعناية وموضوعية، بحيث كانت محددة في أهدافها وما ترسله من رسائل وإشارات لكل الأطراف ذات الصلة بالسياسة الخارجية المصرية. ويبرز في هذا الإطار:
1ـ الزيارة التي قام بها الرئيس مرسي للصين، واستمرت ثلاثة أيام، والإعلان عن توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، وتوصيل رسائل رمزية ذات دلالات معينة للولايات المتحدة الأمريكية ومعسكرها الغربي حول ما يمكن أن تقوم عليه السياسة الخارجية المصرية في المرحلة القادمة.
2ـ الاتفاق الذي تم توقيعه مع صندوق النقد الدولي، لأنه من غير المستبعد أن يكون اتفاقاً بهذا الحجم وبهذه السرعة، وزيارة رئيسة الصندوق لمصر، ومباحثاتها مع الرئيس المصري ورئيس الحكومة، كل ذلك جاء دون تخطيط كامل، ودون وعي بكافة أبعاده وتأثيراته السياسية والاقتصادية، بغض النظر عما أثير حول هذا القرض من جدل داخلي، لا محل للاهتمام به في هذا المقام.
المستوى الثاني: مبادرات جاءت انتهازاً لفرص أتيحت أمام صانع السياسة الخارجية المصرية، ونجح في الاستفادة منها بدرجة كبيرة، ومن ذلك:
1ـ انتهاز فرصة انعقاد مؤتمر القمة الإفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لإعادة مصر إلى إفريقيا، بعد قطيعة استمرت نحو 17 عاماً من زيارة الرئيس السابق الشهيرة عام 1995، وما حدث فيها وما ترتب عليها. ومن هنا، جاء حضور الرئيس مرسي للقمة، وكلمته أمامها، ومباحثاته المكثفة لترسل رسائل عن سياسة مصر الإفريقية الجديدة، وأنها ستكون في قلب دوائر سياستها الخارجية.
2ـ انتهاز فرصة القمة الطارئة لمؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، في السعودية، والتي تم استغلالها في تأكيد عودة مصر إلى دائرتها الإسلامية، وطرح مبادرة لتسوية الأزمة السورية، تكون مصر أحد أطراف مربعها الفاعل، بجانب السعودية، وإيران، وتركيا.
3ـ انتهاز فرصة قمة منظمة عدم الانحياز في العاصمة الإيرانية، طهران، وجاء استغلالها بشكل جيد، رغم الجدل الواسع داخلياً وخارجياً حولها، حيث كان حضور الرئيس مرسي للقمة وزيارته لطهران، بعد قطيعة مصرية استمرت 33 عاماً، حتى ولو كانت في إطار مراسم بروتوكولية، فرصة جيدة لفتح هذا الباب المغلق، ونقل عدد من الرسائل الرمزية للعديد من الأطراف الإقليمية والدولية. في مقدمة هذه الرسائل أن مصر بسياستها الجديدة تمد يدها للجميع، وتحدد بإرادتها الحرة كيفية صياغة هذه السياسة، وتحديد أطرافها دون توجيه أو وصاية من أحد.
4ـ انتهاز فرصة المؤتمر الدوري لوزراء الخارجية العرب في مقر جامعة الدول العربية، وجاء استغلالها بشكل جيد من خلال مشاركة الرئيس في فعاليات المؤتمر، وتوجيه كلمة تحدد توجهات سياسة مصر العربية، وأهميتها في قيادة المنطقة، والدفاع عن قضاياها.
المستوى الثالث: ردود أفعال لا ترقي لمستوى المبادرة، ولكنها مقبولة في ظل طبيعة الظروف الراهنة التي تمر بها مصر، من ناحية، وفي ظل قصر الفترة الزمنية للرئيس مرسي من ناحية أخرى، ولأنها ترتبط بملفات ذات درجة عالية من الأهمية والحساسية والتعقيد والتشابك، والتعامل معها يتطلب درجة عالية من التركيز والهدوء وحسن الرؤية، في ظل ما يمكن أن تفرزه إثارتها من تحديات نحن في غنى عنها في هذه المرحلة، ومن ذلك:
1ـ الموقف من إسرائيل ومناوشاتها على الحدود الشرقية، حيث يتم التعامل مع كل حدث وفق مستواه كنوع من رد الفعل دون تضخيم أو مبادرة في تحرك جاد وحاسم تم التخطيط له بعناية، وقد تثبت المرحلة القليلة القادمة غير ذلك.
2ـ كذلك يبرز في هذا المستوى الاكتفاء بردود أفعال محددة تجاه سياسات عدد من دول الخليج في ملفات كالعمالة المصرية هناك، ودعم أركان النظام السابق، ورفض توفير الدعم الاقتصادي لمصر، وعرقلة العديد من المشروعات المشتركة بين مصر وهذه الدول كنوع من الضغط عليها في سياستها الخارجية، وهو ما تعاملت معه القيادة المصرية إما بنوع من التجاهل، أو التهميش، أو توجيه مستويات أقل للتعامل مع مثل هذه القضايا، والتي تشكل مناطق لتوترات ومشكلات محتملة، إذا لم تقم هذه الدول بإعادة النظر في توجهاتها وسياساتها تجاه هذه الملفات.
3ـ الموقف من الولايات المتحدة، حيث اقتصرت السياسة الخارجية المصرية على توجيه عدد من الرسائل الرمزية للإدارة الأمريكية، سواء في زيارة الصين، أو زيارة إيران، أو الزيارة المتوقعة لمقر الاتحاد الأوروبي، مع التأكيد بين الحين والآخر على أهمية العلاقات المصرية-الأمريكية، ولكن ليس بالدرجة نفسها التى قام عليها النظام السابق، والتي وصلت لدرجة الانبطاح والتبعية أمام كل السياسات الأمريكية.
وفي إطار هذه المستويات وما تقوم عليه من مؤشرات، يمكن القول إن السياسة الخارجية للرئيس مرسي تشهد ما يمكن توصيفه بنقلة نوعية (مع التحفظ على مستوى وحدود هذه النقلة الآن على الأقل) من شأنها أن تؤثر إيجابياً في طبيعة التوازنات الدولية والإقليمية في المنطقة، من ناحية، وفي الدور المنشود لمصر في التعاطي مع قضايا هذه المنطقة، من ناحية أخرى.
=============================
التحليل لمجلة السياسة الدولية (الاهرام ) .. ================================