فاض بي من بني الإنسان، وفاض بي من الحاج منصور، ومع كل صدام بيننا تسوء حالتي وتعود لي نفس الأعراض، أخذني للطبيب بعد أن مرضت، صارحه الطبيب وقال:
بهلوان عنده صدمة وحدث عنده عوج باللسان، سيتكلم لغة الإنسان!.
أعترض دائماً علي قرارته، يريد أن يزوج ابنته نور لأي عريس كان، يوافق يوم يأتي العريس، وأعترض أنا، وبعد خلاف معه يطول، في النهاية يقول:
بهلوان عنده حق العريس لازم يغور.
أحيانا يتأخر في طرد العريس، فاضطر للتدخل بطريقتي أنا، استخدمت القوة مرات ومرات وافسدت عدة زيجات، لولا ذلك لطارت نور في زواج لا تحمد عقباه، رحل العديد من الخطاب بقرار مني، فقدت الأمل في أن يحسن الحاج منصور الاختيار، يفتقر للحكمة في قراراته، يلتمس له الناس العذر، يقولون لي:
رجل طيب يا بهلوان وعلى نياته!
أحد الخطاب كان لصاً وبعد الخطوبة طارده البوليس، لم يجد غير الزريبة من مكان يتوارى فيه، يا له من تعيس! كنت وقتها في نوم عميق، أفزعنا البوليس، ومن بعدها طاردت العريس .
قررت من يومها أن أحفظ للزريبة أمنها، ولنور أحلامها، فقررت النوم أمام الدار.
بجوار الكلب نقضي النهار، هو يحمي البيت من اللصوص، وأنا أترقب لربما تسلل للبيت عريس.
لي اتصالات في القرية قوية، ومن أصدقائي أعرف الخطاب، فلا يوجد في القرية من بيت إلا ولي فيه على الأقل حمار، نتقابل في الحقل وفي الطريق، يخبروني وبالهمس يقولون :
خطيب من بيتنا سوف يأتي لبيتكم لبنت اسمها نور .
نتبادل الحديث وأعلم عن الخطيب الكثير، كلام صدق فالكذب لا يعرفه الحمير، قليل من الكلام وبعدها أخذ القرار وأقول عريس لا يستحق، وإذا اعترض بعدها يذوق المرار .
عندما يأتي الخطيب انتظره على الباب، أقابله بضيق، وإذا أصر على الدخول لا يستطيع الخروج، طرق كثيرة استخدمتها حتى أتقنت القتال، خطيب رفسته في بطنه وكاد يموت، وأخر قفزت فوق رأسه
كما تطير الطيور، تعلمت النطح فطاردت أخر في شوارع القرية ولم أتركه إلا بعد أن قال :
لن أعود ..... لن أعود .
تعلمت اللكم ولكمت من العرسان الكثير .
ولكن ..... ما يقلقني في الدار هو الأب المحتار، يتسرع في كل أمر و يتعلل بأنه يتقدم به العمر.
تعيس أيها الانسان! في الزواج يتسرعون، وعن العريس لا يسألون، يقولون: عايزين نفرح، وللطلاق بعدها عن مأذون يبحثون، ولكن ما ذنبنا نحن معشر الحمير؟ فنحن نحب البنت نور
ذات يوم زاد الصدام بيننا فأعلنها الحاج منصور وقال:
لأول عريس سوف تتزوج نور، وفي هذه الدار إما أنا أو الحمار .
قبلت التحدي ....
على أطراف الحقل اقتربت مني حمارة اسمها رشيقة، من بيت رجل كريم، أوشت لي بخبر عريس يريد نور، قمت بالواجب علي وسألت من الأسئلة الكثير، لم المح فيه من طمع وعرفت أنه مثلنا نحن معشر الحمير، حكيم في أفعاله ويحسن للأمر كل تقدير، أعلنت عن موافقتي لدخوله البيت وقلت :
نراه أولاً في الدار ثم في أمره نقول القرار .
توسطت له رشيقة وقالت :
رجل ميسور نحبه كما نحب البنت نور .
انشرح صدري لما تقول، أمام البيت انتظرت كل يوم وكاد الإنتظار أن يطول، سرعان ما اقترب مني وفد كبير، نادوا على الحاج منصور، ورأيت فيهم شاباً وسيماً، تركتهم يدخلون، طال بهم الجلوس، لم أسمع صوت العريس، دخلت البيت لأستمع لما يقولون.
والد العريس يتوسط المجلس الكبير، سمعته يقول من الكلام الكثير، ثم اختتمه بطلب يد البنت نور، رد أبوها وقال:
الرأي رأي بهلوان الحمار.
أخيراً أعترف بأن لي في هذا البيت القرار، أردت أن أشكره فتقدمت، خطوات قليلة وللعريس اقتربت، علا صوتي وضج به المكان، قلت مبروك ومن الفرحة لم يتضح الكلام، قام أبوها وهنأ وقال:
مبروك يا عريس أخيراً وافق الحمار .
عندما شعرنا بقرب فراقها عنا، ساد المكان الصمت وسقطت أنا عليلاً، كلنا قد نكس رأسه ولمكانه في الزريبة قضينا ليلاً طويلاً، لم نذق طعم النوم وفي الصباح علمت بما فينا نور، حاولت أن تخفف ما حل بنا وتظاهرنا بالفرحة ومن وراءها هم فراقها الكبير، هل سنعيش بغير نور؟ طال بنا الهم، وفي كل يوم تحاول أن تزيل ما ألم بنا من ألم، أيام قليلة مرت والفرحة في الدار كلها قد عمت .
وجاء يوم زفافها، وبفستان جميل مثلها، جلست وبجوارها عريسها، الفرقة بدأت تنشط بمطرب عليل لا يليق بفرح البنت نور، قال الحاج منصور أنه سيسهر للصباح فهو للفرح في اشتياق، ولكنه لا يعلم ما بنا من ارهاق.
أكره السهر فأمامنا في الغد من العمل الكثير، فهذا قدرنا نحن معشر الحمير.
أردت أن ينتهي الفرح مبكراً، علا صوتي فتجمع من الحيوانات الكثير، ماعز وخراف وحمير، جاموس وثيران وفوق روؤسنا جاء سرب الطير كبير، وبدأت حفلتنا الراقصة وكلنا للرقص محترفين، وبسرعة حل الحيوان محل الانسان، العوج بلساني منعني من الغناء بلغة الحمير، اضطررت للغناء بلغة الإنسان، وبحثت كثيراً في ذاكرتي حتى وجدت بعض الأغاني من زمن الفن الجميل، غنيت وردد الجميع ورائي، فما أجمل الطرب الأصيل.
اقتربت من البنت النور، فجلست على ظهري ومن خلفها عريسها، سرت لبيت العريس، أرشدتني رشيقة، أنزلتهم وقلت ليلة سعيدة، اعترض الأب بعد أن انتهى الفرح في التاسعة، تجاهلته، فلم أشأ أن أقضي الليلة في خلاف.
أخيراً عدت للزريبة ولكنني لم استطع النوم، فها هو الحاج منصور يرقص بعد زواج نور، استمر بمفرده يرقص ويغني، فاض بي من الضجيج، صرخت وقلت :
عايز أنام.
تجاهلني كما تجاهلته، قلت له:
حسابنا في الصباح.
حاولت النوم مرة أخرى فلم استطع، فراق نور سبب لي الكثير من الألم، ناديت على الحاج منصور، ذكرته بأنه في الغد ميعادنا مع الطبيب، لابد أن ينصلح الحال، فكلامي بلغة الإنسان قد طال، واشتقت للغة الحمير.
ا
[img]http:/