الذي أطلق عبارة "من جد وجد " لم يخطئ لكن ماذا عن "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن " فكثير ما نحرص على أشياء معينة وندأب في سبيلها ونذوب من اجلها عزما وسعيا وإرادة ثم نراها تبتعد منا كلما أردناها وتصعب علينا بمقدار ما حرصنا عليها حتى إذا أهملناها أو تغافلنا عنها وجدناها قد استلانة بين أيدينا و تراضخت بشكل يثير الدهشة والمرارة .فبعيدا عن كبرياء الإنسان وطموحه في الوصول إلى أعلى قمم النجاح والدخول في سباق طويل مع الزمن فلابد من وجود من يسهم في نجاحه وأعانته على التفوق فأيمانه بالقوى اللاشعورية التي منحها الله بداخله تستطيع أن تكون سبب في نجاحه الآتي من استلهام الشعور الباطني والاصغاء الى الوحي الداخلي .
فالانسان بما يعتقده من انه سيصنع نفسه من خلال الاجتهاد والحزم والإرادة وتنفيذه للخطط التي يرسمها بدقه يكبح تلك القوى الموجودة بداخله عن طريق التكلف والتقصد والتعجل الامر الذي قد يجعله يضعف في معركة الحياة ويضيع قسطا كبيرا من معالم النجاح .وتقل نجاحاته من اولئك الذين يسيرون على طبيعتهم من دون تكلف وجهد اكبر .
وحتى اكون واقعيا معكم فقد كنت اضيع معظم اوقاتي بالكدح والمثابرة والحرص والتخطيط لكي انال النجاح الذي ازعمه ,لكنني ومع مرور الوقت اكتشفت بانني متخلف عن الركب بالاضافة الى ذلك فقد سبقني غيري ممن هم اقل جهدا مني واضعف ارادة .
ومن هنا تبرز قدرة وأهمية القوى اللاشعورية في تحقيق الانجازات الخالدة التي قام بها أولئك العلماء والفلاسفة والمستكشفين والأطباء والزعماء على مر العصور .
فالآن موضوع القوى النفسية قد لقي اهتماما كبيرا في معظم الجامعات في الدول الأوربية وآخر نبأ قرأته بهذا الصدد ان جامعة أكسفورد وكامبردج فتحت المختبرات والفروع الخاصة لدراسة هذه القوى وشجعت على الإقبال على ذلك عن طريق الهبات ومنح الزمالاة الدراسية .
في حين نرى العالم العربي يسرع إلى تكذيب هذه العلوم والاستهزاء بها , وبعيد كل البعد عن مواكبة هذا التطور العلمي أو الاقتباس منه والتأثر به .فهي في نظرهم خرافات و تفاهات لا أساس لها من الصحة ,وحين تسألهم لماذا ؟ مطوا شفاههم حيرة ولم يستطيعوا جوابا .
ولو إن أحدا جاء إلى هؤلاء قبل اكتشاف الأشعة السينية واخبرهم عن آلة تمكن الطبيب من رؤية أعضاء البدن الداخلية لربما جابهوه بالتكذيب أيضا ,أما اليوم فهي أمرا طبيعيا بالنسبة إليهم لا يدعوا إلى الاستغراب وذلك بعد أن تعودوا عليه وألفوا استعماله مرة بعد مرة .
ومن يدري فربما سيؤمنون بخوارق القوى النفسية في المستقبل بعد أن يصبح هذا الموضوع الجديد قديما ويدخل في المناهج المدرسية كما دخلت مواضيع الفيزياء والكيمياء .