الثوب السوداني سفير الوطن جمال وكلام
*****
لا يعتبر الثوب السوداني مجرد زي يميز السودانيات، اذ بات مع مرور الزمن جزءاً من التراث الشعبي لذلك البلد الذي يحرص مواطنوه على إعلان الانتماء إليه بشتى الطرق، خاصة عندما يوجودون خارج بلادهم في إشارة إلى هويتهم وثقافتهم، فضلا عن كونه معبراً عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة السودانية التي لا يمكن أن تخلو خزانتها من «ثوب» بعدة نسخ منه، تزيد من أناقتها حتى لو لم تكن ترتديه باستمرار، بل حتى الأغنيات الوطنية السودانية وجدت في هذا الزي بعضاً من رائحة الوطن الذي يميزه بين الاوطان، ومنها أغنية «يا بلدي يا حبوب، يا أبو جلابية وتوب». يعود تاريخ «الثوب» السوداني إلى سنوات بعيدة، تزيد من عمق تأثيره في مفردات الحياة الاجتماعية السودانية. ففي الماضي كانت الفتاة في السودان، تلتزم بارتدائه بمجرد بلوغها سن الثانية عشرة من عمرها، إيذاناً باكتمال أنوثتها، ومعبراً عن وصولها سن الزواج. بعبارة أخرى كان وسيلة للفت انتباه الناس إلى أن الصبية قد باتت بين عشية وضحاها شابة، تستطيع تحمل مسؤولية الزواج والاشراف على المنزل، إلى حد ان الفتاة كانت ملزمة بارتدائه لهذا الغرض، إلى عهد قريب. الأمر يختلف بالنسبة للسودانية المتزوجة، فهي لا يمكنها التنصل من ارتدائه، لأنه يعتبر إشارة واضحة على أنها سيدة متزوجة. وتمتد علاقة «الثوب» بمفردات العادات الاجتماعية السودانية، لتصل إلى عادات الزواج المتميزة بعاداتها وطقوسها. والدليل على أهميته أنه يتصدر قائمة الهدايا التي يقدمها العريس لعروسه، ويتراوح عدد ما يقدمه لها من اثواب ما بين 3 - 12 بألوان مختلفة. ليس هذا فحسب، بل يتعين على العريس أيضاً شراء مستلزمات الثوب، بدءا من الحذاء إلى حقيبة اليد المناسبة، وهي العادة التي اصطلح أهل السودان على تسميتها بـ «الشيلة».
ألوان الثوب تتحدد حسب المناسبة التي سيتم ارتداؤها فيها، فالثوب الأحمر المزركش والمرصع ببعض الحلي، ترتديه العروس بعد انتهاء مراسم الزفاف، التي تليها عادة اسمها «الجرتق»، يرتدي فيها العريس الزي القومي للرجال، وهو عبارة عن جلباب وعمامة. أما الثوب ذو اللون الأبيض فترتديه السودانية في حال وفاة زوجها، حيث تواظب على ارتدائه طيلة فترة العدة ولا تغيره أبداً. وعموماً فإن اللون الأبيض في السودان يظل معبراً عن الحزن على عكس الدول الأخرى التي ترتدي النساء فيها اللون الأسود. ولا يعبر الثوب السوداني عن الوضع الاجتماعي فقط للمرأة السودانية، ولكنه أيضا يعتبر مؤشرا مهما لحالتها وحالة زوجها الاقتصادية. فخامة الثوب ولونه وموديله تلعب دورا كبيرا في تحديد سعره وبالتالي تحديد من يقبل على شرائه، حيث يشكل الثوب مدعاة للتفاخر والتباهي، خاصة في المناسبات الاجتماعية، فنجد النساء يتنافسن على ارتداء أفخر أنواع الثياب، كما يعرف وضع الرجل الاقتصادي بما يقوم بشرائه وإهدائه من أثواب لزوجته. وإذا كان المثل العربي يقول انه لكل مقام مقال، فإن المرأة السودانية تقول «لكل لقاء ثوب»، فعندما تزور المرأة السودانية جيرانها ترتدي ثوبا بسيطا تطلق عليه ثوب الجيران، وعندما تستقبل أحدا في منزلها ترتدي ثوبا يتناسب مع المناسبة، وهكذا. ويتراوح سعر الثوب السوداني بين 50 دولارا و700 دولار للأثواب ذات الخامات الفاخرة والتطريز الجميل.
ويتكون الثوب السوداني من قطعة من القماش يختلف طولها حسب طريقة ارتدائه، فيبلغ طول الثوب الذي يتم ربطه من الوسط إلى أربعة أمتار ونصف المتر، بينما يبلغ طول الثوب الذي يتم ارتداؤه من دون ربطه من الوسط، نحو تسعة أمتار. أما طريقة ارتداء الثوب، فتتم عن طريق لفه حول جسد المرأة ورأسها فيما يشبه طريقة الساري الهندي، الذي يختلف عن الثوب السوداني في أنه لا يغطي رأس المرأة. وتحرص السودانية على ارتداء تنورة أو فستان بلون مناسب للون الثوب قبل ارتدائه. وفي السودان تعرف المرأة الأنيقة من عدد ما تملكه من أثواب لا بد أن تتوافق في ألوانها مع لون بشرتها وحجم جسدها، سواء كانت نحيفة أو بدينة. ليس هذا فقط، بل يمتد الحكم على مدى أناقة المرأة الى ما تحويه خزانتها من اكسسوارات مكملة لأناقة «أثوابها». وتبدأ تلك الاكسسوارات من الحذاء وحقيبة اليد ومدى ملاءمتهما وتناسقهما مع ما لديها من أثواب. عالم أزياء الثوب السوداني هو الآخر زاخر ومتجدد، على الرغم من نمطية التصميم التي لا تخرج عن الشكل المعتاد للثوب، ويأتي الاختلاف من نوعية القماش المستخدم وتطريزاته، فضلا عن الاكسسوارات التي يتم تنسيقها معه. فيستخدم في تصميمه الحرير، والشيفون المضغوط، والقطن وغيرها من أنواع الأقمشة ذات الألوان المختلفة، فمنها السادة ومنها المطبوع برسومات مبهرة وألوان زاهية وجريئة أو هادئة ورسمية حسب الرغبة. كما تختلف خامة الثوب باختلاف البيئة النابع منها فهناك «الفردة» وهو اسم الثوب الذي ترتديه المرأة في شرق السودان، ويصنع من القطن الصافي الذي لا يحتاج الى تطريز، وهناك أيضاً «اللاوه» وهو الثوب الذي ترتديه النساء في الجنوب الذي يتميز بربطه من على الكتف من دون الحاجة لوضعه على الرأس، كما هي العادة في الثوب السوداني. ويلجأ التجار السودانيون إلى إطلاق أسماء ذات علاقة بأهم الأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على ما يبيعونه من أثواب، ويمكنك من خلال جولة بين محلات بيع الثوب السوداني أن تعلم آخر المستجدات على الساحة الاجتماعية والسياسية في السودان. ومن بين تلك الأسماء «الدش»، «الإنترنت»، «نيفاشا»، «همس الخليج». هوية الثوب السودانية، لم تمنع دولة مثل سويسرا أن تضم بين حدودها أكبر مصانع الثياب السودانية، فسويسرا تعد من أكبر منتجي الثوب السوداني، حيث تمد السوق السودانية بأكثر من 82% من احتياجاته من هذا الزي. ويتابع مصممو الأزياء السويسريون السوق السودانية ويرصدون اتجاهات الذوق السوداني، ليبتكروا أرقى وأجمل أنواعه. فمثل العديد من الموروثات الوطنية، تأثر الثوب السوداني بعصر العولمة والانفتاح الثقافي الذي لم يرحم الثوب من المنافسه داخل السودان مع غيره من الملابس، خاصة العباءة الخليجية التي باتت المنافس الاول للثوب بين النساء في الشمال السوداني الذي يعيش فيه نسبة كبيرة من المسلمين، حيث تمنح العباءة المرأة سهولة الحركة، مقارنة بالثوب السوداني الذي كثيرا ما تشكو المرأة من أنه يحد من حركتها، وهو ما دعا بعض النساء الى ابتكار طريقة جديدة لارتدائه، من خلال ربطه حول الوسط على طريقة الساري الهندي، ووضع جزء آخر كغطاء للرأس تسدله المرأة على كتفها الأيسر، ويطلق على هذا النوع من الأثواب، «الربط» وتكون خاماته في العادة من الحرير والشيفون.
سويسرا تعد من أكبر منتجي الثوب السوداني، حيث تمد السوق السوداني بأكثر من 82% من احتياجاته من هذا الزي