امراض القلوب وعلاجها
***
علاج أمراض القلوب
**
القلوب ثلاثة:
1- قلب سليم: وهو الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به قال تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى اللّه بقلب سليم} [الشعراء: 88-89].
والقلب السليم هو الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كلّ شبهة تعارض خبره فسلم من عبودية ما سواه وسلم من تحكيم غير رسوله صلى الله عليه وسلم. الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما بل قد خلصت عبوديته لله: إرادة ومحبة وتوكلا وإنابة وإخباتا وخشية ورجاء وخلص عمله لله فإن أحبّ أحبّ لله وإن أبغض أبغض في الله وإن أعطى أعطى لله وإن منع منع لله فهمه كله لله وحبّه كله لله وقصده له وبدنه له وأعماله له ونومه له ويقظته له وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كلّ حديث وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابه. [انظر: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم رحمه الله 1/7 و 73]. نسأل الله تعالى هذا القلب.
2- القلب الميت: وهو ضدّ الأول وهو الذي لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه بل هو واقف مع شهواته ولذاته ولو كان فيها سخط ربّه وغضبه فهو متعبد لغير الله: حبا وخوفا ورجاء ورضا وسخطا وتعظيما وذلا إن أبغض أبغض على لهواه وإن أحب أحب لهواه وإن أعطى أعطى لهواه وإن منع منع لهواه فالهوى إمامه والشهوة قائده والجهل سائقه والغفلة مركبه. [انظر: المرجع السابق 1/9]. نعوذ بالله من هذا القلب.
3- القلب المريض: هو قلب له حياة وبه علة فله مادتان تمده هذه مرة وهذه أخرى وهو لما غلب عليه منهما. ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه: ما هو مادة حياته وفيه من محبة الشهوات والحرص على تحصيلها والحسد والكبر والعجب وحبّ العلوّ والفساد في الأرض بالرياسة والنفاق والرياء والشحّ والبخل ما هو مادة هلاكه وعطبه. [انظر: إغاثة اللفهان: 1/9]. نعوذ بالله من هذا القلب.
وعلاج القلب من جميع أمراضه قد تضمّنه القرآن الكريم.
قال تعالى: {يا أيّها النّاس قد جاءتكم موعظة من ربّكم وشفاء لما في الصّدور وهدى ورحمة للمؤمنين} [يونس: 57] {وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلا خسارا} [الإسراء: 82].
وأمراض القلوب نوعان:
نوع لا يتألم به صاحبه في الحال وهو مرض الجهل والشبهات والشكوك وهذا أعظم النوعين ألما ولكن لفساد القلب لا يحسّ به.
ونوع: مرض مؤلم في الحال: كالهمّ والغمّ والحزن والغيظ وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية بإزالة أسبابه وغير ذلك. [انظر: إغاثة اللفهان 1/44].
وعلاج القلب يكون بأمور أربعة:
الأمر الأول: بالقرآن لكريم فإنه شفاء لما في الصدور من الشك ويزيل ما فيها من الشرك ودنس الكفر وأمراض الشبهات والشهوات وهو هدى لمن علم بالحقّ وعمل به ورحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب العاجل والآجل: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارج منها}. [الأنعام: 122].
الأمر الثاني: القلب يحتاج إلى ثلاثة أمور:
(أ) ما يحفظ عليه قوته وذلك يكون بالإيمان والعمل الصالح وعمل أوراد الطاعات.
(ب) الحمية عن المضار وذلك باجتناب جميع المعاصي وأنواع المخالفات.
(ج) الاستفراغ من كلّ مادة مؤذية وذلك بالتوبة والاستغفار.
الأمر الثالث: علاج مرض القلب من استيلاء النفس عليه: له علاجان: محاسبتها ومخالفتها والمحاسبة نوعان:
أ- نوع قبل العمل وله أربع مقامات:
1- هل هذا العمل مقدور له؟
ب- نوع بعد العمل وهو ثلاثة أنواع:
1- محاسبة نفسه عل طاعة قصّرت فيها من حقالله تعالى فلم توقعه على الوجه المطلوب ومن حقوق الله تعالى: الإخلاص والنصحية والمتابعة وشهود مشهد الإحسان وشهود منّة الله عليه فيه وشهود التقصير بعد ذلك كله.
وجماع ذلك أن يحاسب نفسه أولا على الفرائض ثم يكمّلها إن كانت ناقصة ثم يحاسبها على المناهي فإن عرف أنه ارتكب شيئا منها تداركه بالتوبة والاستغفار ثم على ما عملت به جوارحه ثم على الغفلة. [انظر إغاثة اللهفان 1/136].
الأمر الرابع علاج مرض القلب من استيلاء الشيطان عليه:
الشيطان عدو الإنسان والفكاك منه هو بما شرع الله من الاستعاذة وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الاستعاذة من شر النفس وشر الشيطان قال عليه الصلاة والسلام لأبي بكر: قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ربّ كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شرّ الشيطان وشركه وأن اقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم. قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك. [الترمذي وأبو داود وانظر: صحيح الترمذي 3/142].
والاستعاذة والتوكل والإخلاص يمنع سلطان الشيطان. [انظر: إغاثة اللهفان 1/145-162].
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.