نظراً للاستخدام الخاطئ والمتكرر للمصطلحات من جانب بعض السياسيين والصحفيين خلال الأزمة الأخيرة مع إسرائيل، وجدت أنه من الضرورى تقديم المعلومات اللازمة لتصحيح الاستخدام..
لقد دأب البعض على استخدام عبارة إلغاء اتفاقيات كامب ديفيد أو تعديل اتفاقيات كامب ديفيد عند الحديث عن الموقف المطلوب اتخاذه من إسرائيل رداً على جريمة قتل الجنود المصريين، هذا فى حين أن هذا البعض الذى يشيع الاستخدامات الخاطئة يقصد فى حقيقة الأمر معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية، فهى القابلة للتعديل أو الإلغاء.
إن الفرق من حيث التاريخ بين اتفاقيات كامب ديفيد والمعاهدة هو أن الاتفاقيات ترجع إلى عام ١٩٧٨، فى حين ترجع المعاهدة إلى العام التالى، أى عام ١٩٧٩، ومن حيث الموضوع فإن اتفاقيات كامب ديفيد تتكون من اتفاقيتين: الأولى تحمل عنوان «إطار السلام فى الشرق الأوسط»، والثانية تحمل عنوان «إطار الاتفاق لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل».
والعنوانان يدلان على أن اتفاقيتى كامب ديفيد هما اتفاقيتا إطار تحددان المبادئ العامة والرئيسية التى ستحكم معاهدات السلام بعد ذلك.
إذا طالعنا الاتفاقية الأولى سنجد أن الديباجة تحدد المدة التى اجتمع فيها الرئيس كارتر والرئيس السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن فى منتجع كامب ديفيد وهى الفترة من ٥ إلى ١٧ سبتمبر ١٩٧٨، ثم سنجد الإطار الذى اتفقوا عليه ودعوتهم أطراف النزاع العربى الإسرائيلى الأخرى للانضمام إليه.
أهم المبادئ التى يجب الاسترشاد بها فى جهود البحث عن السلام المبنية على الاتفاقية هو أن القاعدة المتفق عليها للتسوية السلمية للنزاع بين إسرائيل وجيرانها هى قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ بكل أجزائه، وتم إرفاق القرارين ٢٤٢ و٣٣٨ الصادرين عن مجلس الأمن عامى ١٩٦٧ و١٩٧٣ بالاتفاقية وهما يقران، دون تحديد أسماء الدول، مبدأ عدم جواز استيلاء إسرائيل على أرض العرب بطريق القوة ومبدأ ضرورة اعتراف العرب بوجود دولة إسرائيل داخل حدود آمنة ومعترف بها.
ثم تقر الاتفاقية مبدأ إجراء مفاوضات فى المستقبل بين إسرائيل وأى دولة مجاورة مستعدة للتفاوض بشأن السلام كشرط لتنفيذ بنود ومبادئ قرارى مجلس الأمن المذكورين. ثم تنص الاتفاقية على أن السلام يتطب احترام السيادة والوحدة الإقليمية والاستقلال السياسى لكل دولة وحقها فى العيش فى سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، وأن التقدم فى هذا الاتجاه يمكن أن يسرع بالتحرك نحو عصر جديد من التصالح فى الشرق الأوسط، يتسم بالتعاون على تنمية التطور الاقتصادى، والحفاظ على الاستقرار والأمن، ثم تنتقل الاتفاقية الأولى إلى وضع المبادئ التى تم الاتفاق عليها لحل المشكلة الفلسطينية على ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى: نقل السلطة إلى الفلسطينيين فى الضفة وغزة، لإقامة سلطة حكم ذاتى لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، أما المرحلة الثانية فيجرى فيها التفاوض على الوضع النهائى للضفة وغزة، على أن يعترف الحل الناتج عن المفاوضات بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، أما المرحلة الثالثة فهى مرحلة تنفيذ الاتفاق النهائى.
أرجو أن يلاحظ الإخوة السياسيون والصحفيون الذين يستخدمون عبارة إلغاء أو تعديل اتفاقيات كامب ديفيد أن الاتفاقية الأولى قد سقطت بالفعل، ولم يعد لها وجود، نظراً لعدم التوصل إلى أى نتائج فى المفاوضات بين مصر وإسرائيل حول المرحلة الأولى منها، وبالتالى فليس هناك أى معنى لاستخدام مصطلح إلغاء أو تعديل اتفاقيات كامب ديفيد عام ٢٠١١ بالنسبة للاتفاقية الأولى. دعونا الآن نستعرض الاتفاقية الثانية التى تحمل عنوان «إطار الاتفاق لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل»، إن هذه الاتفاقية تنص فى السطر الأول على موافقة مصر وإسرائيل على التفاوض بنية صادقة،
بهدف التوصل إلى معاهدة سلام بينهما خلال ٣ أشهر من تاريخ التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد فى ١٧ سبتمبر ١٩٧٨، وتنص الاتفاقية على تطبيق كل مبادئ قرار الأمم المتحدة رقم ٢٤٢ فى حل النزاع بين مصر وإسرائيل، وأن يتم تنفيذ المعاهدة التى سيجرى التوصل إليها فى فترة بين عامين و٣ أعوام من تاريخ توقيعها. ثم تنص اتفاقية كامب ديفيد على المسائل التى اتفق عليها الطرفان وهى أ- ممارسة مصر سيادتها كاملة على المنطقة التى تمتد إلى الحدود المعترف بها دوليا بين مصر وفلسطين، فى فترة الانتداب. ب - انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من سيناء. جـ - حرية مرور السفن الإسرائيلية فى خليج السويس وقناة السويس. ثم تنتقل الاتفاقية إلى أوضاع القوات المصرية والإسرائيلية على جانبى الحدود، ووضع القوات التابعة للأمم المتحدة، ثم تنتقل الاتفاقية إلى الحديث عن الانسحاب المرحلى بعد توقيع المعاهدة، وإقامة علاقات طبيعية بعد هذا الانسحاب.
أرجو أن نلاحظ إذن أن اتفاقية كامب ديفيد الثانية هى اتفاق إطار يمهد للتفاوض على معاهدة السلام والتوقيع عليها. لقد تم توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى ٢٦ مارس ١٩٧٩ ومنذ ذلك الوقت أصبحت المعاهدة- وليست اتفاقية كامب ديفيد الثانية- المرجع المنظم للعلاقات والالتزامات المتبادلة ووسائل حل الخلافات بين مصر وإسرائيل، وبالتالى فإن على كل من يريد البحث فى التعديل أو الإلغاء أن يتحدث عن معاهدة السلام، وأن يرجع إلى بنودها.
إن معاهدة السلام تنظم كيفية تعديل وضع القوات، وهو الموضوع المسيطر على الأذهان الآن، حيث يرد فى الفقرة الرابعة من المادة الرابعة أنه تتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر فى ترتيبات الأمن. كما أن المادة السابعة من المعاهدة تنظم كيفية حل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير المعاهدة، وذلك من خلال طريق المفاوضة، فإذا لم يتيسر حل الخلافات بالمفاوضة، فإنها تحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم. أرجو أن يسهم هذا الإيضاح فى الاستخدام الصحيح للمصطلحات، تجنبا للبس وتحريا للمقاصد الصحيحة.