لصيام شهر رمضان مقاصد تربوية على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع نستخلصها من الخطبة النبوية السالفة عسى أن نرقى بصيامنا ونستحق العتق من النار وتبوأ أعلى درجات الجنة:
تزكية أعمال أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم: بشر الله تعالى نبيه الكريم أنه لن يخزيه في أمته أبدا، وسوف يرضيه فيها، ولما كانت أعمار الأمة الإسلامية أقصر مما سبقها من الأمم بارك الحق سبحانه وهو الكريم في أعمالها، وشهر رمضان موسم عطاء رباني يضاعف فيه أجور الأعمال، فينال المسلم الصائم ثواب الفريضة على أي عمل مهما صغر، وتعد الفريضة بأجر سبعين فريضة فيما سواه، وأعظم من ذلك فيه ليلة ثواب إحيائها خير من ألف شهر أي ما يعادل ثلاثة وثمانين عاما، بل قيامها يغفر ما تقدم من الذنوب والآثام، "ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" كما في الحديث. عطاء الكريم الذي لا تنفذ خزائنه، فهل من ساع للخير؟
شهر البركات: ينمي فيه سبحانه الأرزاق، "شهر يزاد في رزق المؤمن فيه" ، ولا يُخاف فيه الفقرُ، لذا وجب التحلي بالكرم إفطارا للصائمين عموما والمحتاجين خصوصا، فيتخلص الصائم من آفة الشح التي تورد صاحبها المهالك دنيا وآخرة. وما أروع ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الكرم: "من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء" وقوله: "يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن" !
تثبيت فضائل الأعمال في برنامج يوم المؤمن: ".. ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه.." من حديث قدسي بين فيه صلى الله عليه وسلم أن المواظبة على النوافل وفضائل الأعمال بعد إتيان الفرائض تورث محبة الله تعالى، وشهر رمضان بأجوائه وما يتيح من فرص للتزود مدرسة ترسخ في المؤمن الراجي وجه ربه هذه الفضائل، ومنها قيام الليل، يقول صلى الله عليه وسلم: ".. ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" ، وذكر الله تعالى بل والإكثار منه، ورأس الذكر كتاب الله تعالى تلاوة وحفظا وتدبرا تصالحا مع القرآن الكريم في شهر نزوله، ومع القرآن الكريم "لا إله إلا الله" الكلمة الطيبة تجدد الإيمان وتنور القلب، والاستغفار "ربي اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم" خير ما يجد المؤمن في صحيفته، وتتويجا لما سبق يواظَب على الدعاء بعد كل الأعمال التعبدية خاصة في السجود وعند الإفطار حيث دعوة الصائم لا ترد، فيسأل الصائم ويعظم المسألة.
ترسيخ معاني التآزر والتضامن تكوينا وبناءً لمجتمع العمران الأخوي، فيصل الصائمون أرحامهم، ويتراحم المسلمون فيما بينهم ويتآخون مستشرفين نموذج تآخي المهاجرين والأنصار، ودون ذلك عقبات نفسية واجتماعية لا بد تقتحم، عقبات من قبيل الأنانية والتكبر والشح.. وشهر رمضان وما يقتضيه الصيام من صبر بكل أنواعه، صبر على النفس مقاومة لشهواتها وما يعتري الصائم من تعب الجوع والعطش، وصبر على الآخرين احتمالا لما قد يصدر منهم من أذى أو استفزاز، وصبر لإتيان الطاعات وما تقتضيه من مجاهدة. مثلما حثت الخطبة النبوية على المواساة تخفيفا على الفقراء والمعوزين، وتفريجا لكرب المكروبين، فمن حكم الله تعالى في الصوم أن الميسور المعافى في بدنه يشعر بضعفه لما حرم ملذاته وشهواته خلال سويعات نهاره، فيتطلع فرحا لأذان الإفطار، فكيف بمن كانت الفاقة حاله والخصاصة رفيقه طول حياته؟ هكذا يحرك الصوم مشاعر الأغنياء نحو إخوانهم المحتاجين، ومن المواساة التخفيف عن الخدم والعمال أعباء العمل تعبيرا عن الرحمة التي يجب أن يشعر بها الصائم نحو الآخرين، يقول صلى الله عليه وسلم: "من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار.." . هكذا يصبح تفقد ذوي الحاجات من الأرامل والأيتام والمساكين طبعا وسلوكا في النفس، وفي الوصية النبوية: "أحب المساكين وجالسهم" ، وفي الحديث القدسي: "أنا عند المنكسرة قلوبهم."