بداية
لابد أن نشيد بهذا الجيل الذي كان يصفه معظم المصريين بأنه جيل فاشل وجيل
لا يقدر المسؤولية وجيل مشغول بالإنترنت ومنفصل عن الحياة العامة داخل
المجتمع المصري ، وأشياء أخرى كان يقولها المسنون دائما في وصف هذا الشباب
العظيم الذي فجر ثورة من أكبر وأعظم ثورات التاريخ البشري رغم ملاحقته
بصفات غير لائقة وغير حقيقية.
هناك
أسباب حقيقية ومنطقية يجب أن نبرزها معا لتوضيح نوعية المواطن المصري الذي
لا يزال بداخلة مثقال ذرة من عطف وحنان وتأييد يغلفه الرعب و الخوف على
المصالح الشخصية أو تأييد سببه النفاق أو الجهل ، فهذه كلها أسباب واقعية
تجعل قلة من المصريين لا تزال تدافع عن نظام مبارك وتردد نفس الهراءات
والتفاهات التي صدعنا بها الإعلام المصري على مدى ثلاثة عقود عن حماية مصر
من الدخول في حرب خلال هذه المدة ، ولا يعلم هؤلاء المنافقون أو الجهلاء
والعملاء أنه كان عميلا وصديقا هاما لأمريكا وإسرائيل ولا يمكن على الإطلاق
أن تقوم حرب في ظل وجود هذه العلاقة ، التي كان يقبض ثمنها مبارك كل عام
معونة عسكرية حوالي مليار وثلاثمائة مليون دولار أمريكي.
ونعود معا لسرد الأسباب التي أشرت إليها في العنوان::
أولا :: الجهل ـهناك
قطاع كبير جدا من المصريين جاهل بحقوقه في هذا البلد ، لا يعلم ما له وما
عليه ، ويرضى بأقل الحقوق ويحمد الله ولا يجرؤ أن يتحدث في السياسة حتى
سرا بينه وبين نفسه ، وكل ما يشغله في هذه الحياة هو البحث عن سد جوع أفراد
أسرته حسب ما يتيسر له من رزق ، وهذه الشريحة من الشعب المصري هي صنيعة
هذا النظام الفاسد الذي سرق ونهب أموال المصريين.
ثانيا :: عدد كبير من فئة كبار السن ، وأقول عدد من كبار السن وليس جميعهم.
وهذه
الفئة عاشت في أواخر حكم السادات وبدأت مع مبارك لحظة بلحظة واستطاع نظام
مبارك الفاسد أن يسيس هذه الفئة ويقودها إلى ما نحن فيه الآن ، حيث قام
بتحويل هذه الفئة لمجموعة تشبه بالقطيع الذي يساق في كل شيء إلى حيث يريد
النظام ، وتم ذلك بوسائل عديدة منها الإعلام الفاسد ، والتكالب على الوظائف
والمناصب والترقيات والعلاوات ، ومنها أيضا تحويل نصف الشعب إلى مخبرين
على النصف الآخر فانتشر الخوف والفزع والتخوين بين جميع طبقات وفئات هذا
الشعب ، وخصوصا هذه الفئة العمرية المسنة.
والأهم
من هذا كله أن هذه الفئة العمرية استيقظت اليوم على أعظم ثورة في تاريخ
البشرية ، وفوجئ هؤلاء بأن القائمون على هذه الثورة هم الشباب الذين كانوا
ولا زالوا يلاحقونهم بأقبح الصفات ، فوجدوا أنفسهم في حيز ضيق جدا من
الوطنية وأنهم لا علاقة لهم بتحمل المسئولية الحقيقية ، لأن المسئولية
الحقيقية هي بالطبع ليست توفير المأكل والمشرب والملبس والعلاج من رب
الأسرة لأولاده ، فكل هذا رزق مكفول ومحدد من الله جل وعلا ولا دخل للإنسان
فيه ، ولكن المسئولية الحقيقية هي كيف تعلم أبناءك الحقوق والواجبات تجاه
هذا الوطن الذي يعيش فيه ، فهذه الثورة جعلت كل واحد من هذه الفئة العمرية
يحتقر نفسه وعقليته ووطنيته المحدودة مقارنة بعقلية ووطنية هذا الجيل الذي
ثـقـّـف وعلّـم نفسه بنفسه دون تدخل الآباء ودليل هذا أن الشباب قام بهذه
الثورة التي لم يقتنع بها إلى الآن معظم الآباء بل يدافعون عن النظام
الفاسد ، وهؤلاء الآباء جميعا كانوا دائما يقولون للأبناء (امشي عدل يحتار
عدوك فيك) و (امشي جنب الحيط).
شعور
بالدونية يلاحق هذه الفئة من المسنين حينما يشاهدوا جميعا هذا الجيل يقود
البلاد لإصلاح غير مسبوق ، ويحاول تخليص هذه الفئة من قيود لازمته ثلاثة
عقود في حالة من الخنوع والاستسلام خوفا على لقمة العيش التي يضمنها ربنا
جل وعلا ، فمنهم من من اعترف صراحة بأفضلية هذا الجيل وانضم للثورة بعد
البكاء وتأنيب النفس والضمير ، ومنهم من ظل في جهالته وخنوعه متأثرا بما
فعله به النظام الفاسد في ثلاثين عاما مضت.
ثالثا :: الفئة
الأكثر بجاحة والأ كثر خيانة لهذا الوطن وهي فئة أصحاب المصالح ، وهي خليط
من جميع الفئات العمرية والوظيفية منها السياسية والإعلامية والأمنية
والعسكرية والدينية ، وهذه الفئة متعددة المواقع والمناصب بداية من
الوزراء وأعضاء مجلس الشعب وقيادات الحزن الوطني ورجال الشرطة والمباحث
وأمن الدولة وجميع العاملين بأمانات الحزن الوطني في أنحاء الجمهورية
ومشايخ الأزهر ، وعلى رأس هؤلاء جميعا فئة رجال الأعمال ، فكل هؤلاء يفكرون
في مستقبلهم المظلم لأنهم عاشوا يسرقون ويظلمون ويكذبون وينافقون كل حسب
موقعه وينفردون بكل المميزات بينما يعيش معظم المصريين في ذل ومهانة وفقر
وجهل ومرض ، هذه الفئة متعددة الوظائف كفيلة وجديرة بفعل المذابح والمجازر
التي شاهدناها جميعا ، هذه الفئة التي سمحت لنفسها بسرقة أموال المصريين
واعتلاء جميع الوظائف والمناصب الكبيرة والكذب على المصريين وخداعهم لصالح
حاكم ظالم مستبد ،ومنهم من ساعد في تعذيب و قتل المصريين في السجون
والمعتقلات ونشر الخوف والجهل والفقر والمرض بين معظم المصريين ، ونفس
الفئة متعاونة هي من قامت بكل إجرام بقتل مئات وإصابة آلاف من الشباب
الشرفاء في ثورة التحرير ، وهي نفس الفئة التي لا تزال تكذب على المصريين
إلى يومنا هذا وتحاول أن ترجعهم لعصر الفقر والجهل والمرض والبطالة
والطوارئ وأمن الدولة للانتقام من كل من سولت له نفسه وساعد في قيام
واستمرار هذه الثورة.
فهي
حرب من نوع جديد حرب سلمية من جانب وإجرامية من جانب آخر حرب بين الخير
والشر بين الظلم والعدل بين الحق والباطل بين الحرية والعدالة وحقوق
الإنسان وبين القهر و الذل والإهانة والطبقية ، هذه الفئة الأخيرة لا تحب
مبارك ولكنها تخاف منه ومن سياسته الإجرامية في محاسبة من يراهم ويعتبرهم
أعداءه أو ضده ، فهم أقرب الناس إليه وأكثر من يخافون منه ، ولذلك يدافعون
عنه وعن إجرامه لآخر لحظة.
فهؤلاء جميعا خائنون لهذا الوطن ولهذا الشعب ، وكل خائن يجب أن يحاسب ويحاكم على جرائمه وخيانته لهذا الوطن وهذا الشعب