بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين معلم الناس الخير إلى يوم الدين سيدنا محمدٍ الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
أحبتي في الله :
في هذا اليوم ربما سيخرج قلمي عن المألوف ليبوح بما في الصدور .. وبما أن الكتابة مسؤولية كل كاتب _ وأقصد بالكاتب من يخط بيمينه_ فدعوني أتحمل جزءاً من هذه المسؤولية لأعبر لكم عن ما يجول في فكري وأحدث به نفسي ... وأبدأ متمثلة بقول الشاعر :
الحبّ في لغة الـهوى حرفان *** لكنه يوم النّوى لغــتان
لغة القلـوب ولا يفكّ رموزها *** إلا فؤادٌ دائم الخفقــان
هذه الكلمة المؤلفة من حرفين ( حب ) أجدها تعني الإنسان بكل ما فيها من معاني :
فمن الحب خُلق الإنسان وعليه جُبلت فطرته وقد قال تبارك وتعالى :
( فسوف يأتي الله بقومٍ يحبّهم ويحبّونه )
إن الله قد أحبّنا وبالحب خلقنا أجنّةً في بطون أمهاتنا
وبالحب ترعرع الجنين وكبر في رحم أمه .. وتغذى على نبضات قلبها الحنون إلى ما بعد الولادة فتجدها ترعاه وتحتضنه طفلاً .. فترضعه حبها وتسقيه من حنانها إلى أن يبلغ أشدّه .. حتى إذا ما أصبح ناضجاً وارتوى من ذلك الحبّ العظيم .. بحث عن حب بمفهوم جديد يروي أحاسيسه التي فطره الله عليها ... فمن منا لم يمر بتلك المرحلة أو تعرض لقصة من قصص الحب !!!
يا لائمي في الحبّ ليتك ذُقته *** وسقاك من جفنيه من أسقاني !
إن كنت تعذلني فجرّب ساعةً *** هجر المحبّ وفرقة الخلان
فلسوف تعذرني وتفقه قصّتي *** وتبيت أنت مجرّح الأركان
أحبتي في الله :
كثيراً ما قرأنا أو سمعنا عن قصص وأوجه كثيرة للحب ... منها ما كتب الله لها الاستمرار والنجاح في ظل عنايته ومنها ما انتهت بمآسي وأحزان لا حصر لها !!...
فمن المحبين من دامت قصتهم لسنوات ثم انتهت بالفراق والألم والعذاب لأسباب عديدة منها : خيانة أحدهم للآخر !... أو لأن ظروف الحياة أقوى من إرادتهم ولا يملكون السيطرة على الأوضاع المحيطة بهم فيفقدون التحكم بمجرى حياتهم ويذهب كل طرف في طريق ... ومن المحبين من يكتم مشاعره إزاء الطرف الآخر ولا يبوح بحقيقة حبه له وغالباً هذا النوع يكون من طرف واحد ولا يكتب له الاستمرار ... وهناك من المحبين من يتبادلون الحب لأيام وشهور وربما سنوات وعندما يتسلل الضجر والملل إلى تلك العلاقة تنتهي بفصل من فصول الألم والحرمان !! ....
أما الذين أحبّوا بصدق فتوّجوا تلك المحبة بما أحلّ الله وابتغوا بها وجه الله فإنهم يعيشونها لحظةً بلحظة من لحظات السعادة برغم بعض الشوائب التي تعلق بها .. إلا أنها كلما طال بها الزمن كلما أصبحت قوية ومتينة لأنها غذّيت بحب أقوى منها .. إنه حب الله واتباع أوامره واجتناب نواهيه ...
انظروا إلى هذين الحبيبين كيف يبنيان عشّهما كعصفورين .. قشة من الحب وقشة من الحنان .. وقشة من الرعاية وقشة من الأمل .. واضعين نصب أعينهما أن الذي خلقهما قد تكفّل برزقهما وعيشهما معاً .. وتكفل بحفظ أولادهما وذريتهما فلا يكدر صفو عيشهما أحد مهما اشتدت بهما العواصف وامتدت إليهما عيون الغدر والظلم ...
نعم أحبتي في الله :
إنه الإيمان وحده يجعلنا أقوى من الجبال الراسخة في الأرض .... المؤمن بالله كل أموره خير له وكل ما قدّره الله له فيه الخير سواءاً كان نعمةً أو ابتلاءاً ... فكلما كنت قريباً من الله وكلما زادت درجة اقترابك منه سبحانه وتعالى ازددت عطاءاً ومحبةً لمن حولك وازداد شعورك بالرضا والفرح بما عندك مهما حلّ بك من بلاء ... لأنك عندها ستشعر بعنايته سبحانه وتعالى لك .. وأنه يحبك ويريدك من أهل جنّته التي لا همّ فيها ولا نصب والتي وعد الله بها المتقين والصابرين الصالحين من عباده ...
إخوتي في الله :
إنه لمن المحزن بل والمخجل أنه يحبّك ولا تحبّه وأن يقترب منك وتبتعد عنه تبارك في علاه ... يأتيك بالأوقات المباركة ويجعل لك سبلاً كثيرة للتوبة والعودة والإنابة إليه ... فتضرب بها عرض الحائط وتستمر على المعصية .... وهو يمهلك إلى أجلٍ مسمّى عنده لذلك لا بدّ لك من الصّحوة قبل الموت ... ومن التوبة من ما فات والسعي لإصلاحه فتبدّل السيئات بالحسنات ...
حبّي لمن منح الجميل وزادني *** شرفاً وبصّرني الهدى وحباني
حبّـي لمالك مهجتي ولخالقي *** ولرازقي هو صاحب السّبحان
شرفي بأنّي عبـده يا فرحتي *** والفخر لي بعبادة الرحمـ
فاعرف( ضحايا الحبّ) وافعل فعلهم ** إن كان ذاك الفعل في إمكان
فإذا جبنت من القتال وخفت ** من وهج السّيوف وزحمة الشّجعان
وخشيت من وخز الرّماح ولم تطق ** ضرب الرّدى من فارسٍ طعّان
وبخلت بالنّفس النّفيسة موقناً ** أنّ العلا حرمت على الكسلان
فاهجر فراشك والمنام مهللاً ** يوم الأذان يضجّ في الآذان
واحضر إلى الصفّ المقدّم ** ضارعاً متملّقاً للواحـد الديّان
واسكب دموعاً لا تصان لموقفٍ ** عند العظيم مصوّر الأكوان
واهتف بصوت خافتٍ متخشّع ** متصدّعٍ لعجائب القــرآن
ومعفّراً منك الجبين ومعلناً ** ندمـاً بنطق مقصّرٍ خجلان
فإذا أبيت ولم تطق هذا ** ولم تقدر عليه لسطوة الشّيطان
فتمنّ موتاً عاجلاً وارحل ** فما أقسى البقاء لمفلسٍ خسران
دمتم في حفظ الله ورعايته