كالصياد الذى ينتظر فريسته، ينزوى فى أحد جوانب السوق، يراقب الشيالين، ويتابع حركتهم وهم يحملون أجولة الخضروات، وفجأة ينقض على أحدهم ليلحق ما سقط من جواله، ثمرة بطاطس، أو قلقاس، أو فلفل أو خيار، ويلقى بما يجمعه سريعاً فى جواله الذى يحمله، ليعود من جديد إلى وضع المتابعة والترقب، فى انتظار شيال بجوال آخر.
مهنته التى تعتمد على اللياقة والمتابعة وسرعة الانقضاض هى الوحيدة التى تناسب سنه، فهو بالنسبة لرجال سوق العبور مجرد طفل لم يبلغ ١٢ عاماً بعد، لذا لا يمثل هو ولا مهنته خطورة على التجار، وهو ما أعطى «أيمن أبوزيد فتحى» حرية الحركة داخل السوق، بحيث إذا امتلأ جواله، خرج به إلى شقيقه الأكبر الذى يفترش رصيفاً خارج السوق يبيع فيه بضاعة شقيقه الأصغر بجنيهات أقل من سعر الجملة المعلن فى السوق.
من النهضة اعتاد أن يأتى أيمن وشقيقته الصغرى نهلة يومياً بصحبة شقيقه الأكبر ووالدته، ولكل منهم دور محدد: الأم تصطحب أطفالها وتعود لتأخذهم فى نهاية اليوم، وأيمن وشقيقته الصغرى يؤديان مهمة الجمع والالتقاط، أما الأخ الأكبر فيتولى مهمة بيع محتوى الجوال، إذ يجمع ثمرات البطاطس فى جنب، فربما تكون كيلو أو اثنين، وثمرات الفلفل فى جنب آخر.. وهكذا، ويخبره أيمن بسعر الجملة فى هذا اليوم، ليبيع شقيقه خضرواته القطاعى بسعر أقل من جملتها.
السعادة التى تغمر وجهى الصغير وشقيقته مع كل ثمرة خضروات تسقط من جوال شيال، تختفى إذا سقطت ثمرة طماطم، فهى بالنسبة لهم بضاعة خاسرة، لأنها لا تحتمل السقوط على الأرض، ولا تحتمل أيضاً التخزين، لذا يتجاهلها أيمن وشقيقته، ومنطقهما: «ملناش فى الطماطم عشان بتتفعص بسرعة وملهاش روح تبات لتانى يوم».
ويروى أيمن المزيد عن مهنته: «أخى أحمد ينتظرنا خارج السوق لأنه يعمل بائعاً للخضار الذى نجمعه، وممكن نعمل فى اليوم من ٦٠ إلى ١٥٠ جنيهاً، حسب الخضار اللى بيقع، لأنى كل ما باجمع أكتر، الفلوس تكتر».
لأيمن شقيقة أكبر، لا تشاركهم العمل نفسه، إذ اختارت أن تتولى أمور المنزل من طبيخ وغسيل، أما والدته فقد لاحظت تعلقه وحبه للدراسة، لذا وعدته بأن تعيده للمدرسة العام المقبل، بعد أن أخرجته منها ليعمل ويساعدهم.
«أيمن» يحلم بهذا اليوم الذى يعود فيه للمدرسة من جديد، ليحقق حلمه: «نفسى أطلع ظابط أو دكتور، مش عايز أبقى معلم فى السوق».