خاوية كعود القصب تلعب داخلك الجراح فيتعالى عزف الروح على ناي الحزن وأنت وحيدة تحتضنين حلمك بعيداً عن العيون الفضولية التي تمزق جسدك وصمتك ،ما أقسى الجلوس في غرفة الانتظار لدى الطبيب تلتهمك أنياب الأسئلة في الوقت الذي تريدين دفن جراحك في صدرك وعدم بعثرت أحزانك على أرصفة الآذان .
تتفحصك بعض العيون من أخمص قدميك وحتى قمة رأسك وأنت تحاولين الانشغال بمداعبة حقيبتك الجلدية بين يديك لتبتعدي عن السؤال الذي يقض مضجعك لماذا لم تنجبي حتى الآن؟
وكأنك لا تريدين ذلك فلماذا لا يدعونك وشأنك ؟
لماذا لا تكون جراحنا على مقاسنا وحدنا ؟لماذا يحولونها بأسئلتهم إلى ثياب فضفاضة نبدو داخلها كفزاعات في حقول فضولهم أو تراهم يلتهمون أطراف جراحنا فيكشفون عن عورة قهرنا .
كانت تسعى دائماً لرسم الجمود في نظراتها حتى لا تتجرأ أي من النسوة على التدخل في خصوصيتها لقد ملت من الانتظار وملت هذا الازدحام والضجيج والأحاديث السخيفة التي تعكر صمتها لذلك حملت حقيبتها واتجهت صوب الباب لتنزل الدرج وتغادر ساحات العيون والألسن وبدأت تلتهم الرصيف بخطوات كسلى ماذا سيفعل لها الطبيب سيعطيها المقويات ويطلب منها كالعادة أن لا تفكر بالحمل وأن تمارس حياتها بشكل طبيعي ريثما يأتي الفرج وهل تشعر بأنها طبيعية لتمارس حياتها بطبيعية ؟
كيف لها أن تفعل ذلك وإحساسها بالوحدة والحرمان والفراغ يتزايد كلما تقدم بها العمر ؟ ومما يزيد من كآبتها رؤية الجميع بانتظارها بعد رؤية الطبيب ليطرحوا أسئلتهم عما قاله؟ وهل هناك أمل ؟ولماذا لا تذهب لغيره ؟وغيرها وغيرها من الأسئلة وها هي تهرب من حصار النساء بالعيادة إلى حصار الأهل وأسئلتهم هل عليها مغادرة أسوار هذا الحلم كغيره من أحلام كثيرة بعثرها الفشل ؟
أشعلت سيجارتها وبدأت تنفث الدخان بهدوء وهي تتبعه بنظراتها المنكسرة إنه يندفع قوياً من فمها ثم يبدأ بالتلاشي والذوبان في الفراغ وكأنه لم يكن موجوداً منذ برهة ياه كم يشبه الإنسان بكل همومه وأحلامه وانكساراته حيث يفترس من كل أصناف الدنيا وكأنه سيبتلعها دفعة واحدة ثم يقتحم الموت حصونه ويسلبه كل شيء ليدفن في حفرة ترابية وكأنه لم يكن ولا يبقى منه سوى صور باهتة ...صفراء تزين جدران الذاكرة وبقايا كلمات تتبعثر فوق الشفاه الذابلة فما دام كل إنسان سيصل لنفس النتيجة فلماذا تتعب نفسها وتثقل روحها بالأحلام طالما أنها ستتحول يوماً إلى حكايات يتناقلها البعض بأمسياتهم عن امرأة أرادت أن تصبح أماً فحولها حلمها لسراب .
تنهدت بمرارة وهي تدخل منزلها المسكون بالصمت فأشعلت آلة التسجيل ليسري الصوت روحاً تدفئ المكان ثم جلست على كرسيها تحتسي قهوتها وسيجارتها فإن كان لا بد من الموت فلنمت ونحن نفعل أمراً نحبه حتى يكون للموت مذاقاً حلواً ولنغزل من أحلامنا كفناً حتى لا نبرد في قبرنا الأبدي .