بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تشكل الوفد المصرى، برئاسة سعد زغلول، وتقدم إلى المندوب السامى البريطانى «ونجت» يطلب السماح له بالسفر إلى باريس لحضور مؤتمر الصلح، والمطالبة بحق مصر فى تقرير مصيرها، ولكن ونجت رفض السماح لهم بالسفر بحجة أنهم لا يمثلون الشعب المصرى، فقام الوفد بطبع آلاف التوكيلات وتوزيعها فى كل أقاليم مصر للحصول على توقيع المصريين عليها. ونجحت حملة التوقيعات، وفى المقابل تم القبض على سعد وصحبه، وتم إرسالهم إلى بورسعيد فى يوم ٨ مارس ١٩١٩، ومن هناك تم نقلهم فى إحدى السفن الحربية إلى مالطة. فاندلعت الثورة فى اليوم التالى فى مثل هذا اليوم ٩ مارس ١٩١٩، وقد بدأها طلبة الجامعة، ثم طلبة الأزهر، وانتشرت المظاهرات فى كل الأقاليم، وشاركت فيها كل طوائف الشعب من عمال وفلاحين وتجار وغيرهم، وشاركت النساء فى المظاهرات لأول مرة،
وكانت ثورة ١٩١٩ قد اندلعت بعدما ظن كثيرون فى الخارج أن روح الثورة قد خبت فى عروق المصريين، وظن المستعمر البريطانى أن إزهاق روح بعض من الشباب سيرهب الآخرين فإذا باستشهاد الكثير من الشباب يزكى لهيب الثورة، وحمل الشباب من الطلبة أول مشاعلها، وكان طلبة المدارس العليا أول من أظهر رد الفعل الشعبى الغاضب، فأضرب طلبة الحقوق وخرجوا فى مظاهرة سلمية، وسرعان ما انضم لهم طلبة المهندسخانة (الهندسة)، ثم طلبة مدرسة الزراعة، ثم طلبة مدرسة الطب وتطورت المظاهرات بعد ذلك، وانضمت إليها طوائف الشعب وظن الإنجليز أن الشعلة خبت ونار الثورة خمدت، ولم يدر بخلدهم ما سيسفر عنه اليوم التالى العاشر من مارس إذ بدأت عجلة الثورة تأخذ دورتها التى أذهلت الإنجليز، وسرعان ما سرت جذوتها فى كل ربوع ومدن مصر، واستمرت المظاهرات الحاشدة، وووجهت بالقمع والقتل فزاد ذلك الثائرين إصراراً وعناداً، وتوالى سقوط الشهداء، وخرجت التظاهرات النسائية إلى أن كانت المظاهرة الكبرى فى السابع عشر من مارس،
ولعل أروع ما أبرزته هذه الثورة ١٩١٩ تلك اللحمة الوطنية بين الأقباط والمسلمين، وتجلى هذا فى الهتاف التاريخى «يحيا الهلال مع الصليب»، والذى يرادفه الآن هتاف «إيد واحدة»، ثم أوفدت بريطانيا إلى مصر اللورد اللنبى فى ٢١ مارس الذى نصح بإعادة سعد وصحبه من المنفى، وكان ذلك إعلانا لنجاح الثورة.