سقط النظام الحاكم فى مصر حين خرج الشعب يوم ٢٥ يناير، مع وعد وعهد بألا يعود إلا إذا تخلص من سنوات الفساد والقهر والاستبداد.. غير أن النظام فقد شرعيته ومصداقيته فى الشارع قبل ذلك بكثير.. فعلى مدى سنوات طويلة وقف رجال يكشفون التجاوزات والجرائم، مما مهّد لثورة عارمة، جاءت مولوداً طبيعياً لكفاح طويل.
وربما يكون مناسباً أن نكشف اليوم قصة صارخة من قصص الفساد، كشف عنها الكاتب الكبير الراحل مجدى مهنا، ودفع ثمنها كاملاً، ومع ذلك لم يستسلم، وواصل مشوار مواجهة النظام الحاكم حتى آخر يوم فى عمره.. القصة بدأت بسلسلة مقالات كتبها الراحل العظيم، فى جريدة الوفد عام ٢٠٠١، كشف فيها وقائع صفقة «ميدور»التى مهدت لتصدير الغاز المصرى إلى إسرائيل، ودور رجل الأعمال حسين سالم فيها.
قامت الدنيا ولم تقعد يومها، وغضب النظام، لأن «مهنا» نزع ورقة التوت عنه، وكانت النتيجة إبعاد مجدى مهنا، الذى كان يشغل منصب رئيس التحرير من «الوفد» نهائياًحيث تمت اقالته من منصبه على صفحات الجريدة.. وكانت صدمة قاسية لـ«مجدى» أن يُقصف قلمه، لأنه دافع عن ثروة الشعب المصرى، التى ذهبت لخزائن حفنة من الأشخاص، فى غفلة من الجميع.. ومن هذه الصدمة وذاك الشرف وُلدت «المصرى اليوم»، إذ رأى مؤسسو الجريدة أن من العار إسكات صوت حر، وأن من المخزى أن تظل الصحافة المصرية قابعة فى جيب السلطة.. وأدركوا أن تأسيس صحيفة يومية مستقلة، لا تخشى فى الحق لومة لائم، هو مهمة سامية، وأن النضال بالكلمة هو المقدمة الطبيعية لنضال الشارع.. وبعد إقالة «مهنا» من جريدة الوفد بأسابيع قليلة بدأت إجراءات تأسيس «المصرى اليوم»، لتكون منبراً حراً للآراء والحقائق وكشف الفساد، مهما كان الثمن.
وبدءاً من اليوم، وعلى مدى عدة أيام قادمة، ننشر سلسلة مقالات مجدى مهنا، حول صفقة «ميدور»، التى بدأ فى نشرها فى «٧ يونيو ٢٠٠١».. لأن من حق القارئ الكريم أن يعرف تفاصيل القضية منذ بدايتها، فى الوقت الذى تحقق فيه النيابة الآن فى وقائع القضية، بعد أن نجح النظام السابق فى إغلاق ملفها على مدى ١٠ سنوات كاملة رغم مئات المقالات والتحقيقات الصحفية التى كشفت كل شىء.
رحم الله مجدى مهنا، الذى كشف الفساد ودفع الثمن غالياً، فكان سبباً رئيسياً لوجود هذه الجريدة بين يديك الآن.