قال الدكتور على السمان، رئيس لجنة حوار الأديان فى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إن الدكتور حسام بدراوى استقال من منصبه كأمين عام للحزب الوطنى بعد أيام قليلة من تعيينه، لأنه اتفق مع الرئيس السابق حسنى مبارك على التنحى عن منصبه، لكنه فوجئ به يفوض نائبه الوزير عمر سليمان بصلاحياته، مشيرا إلى أنه لو حدث التنحى بدلاً من التفويض لنزلت الجماهير إلى الشارع تطالب مبارك بالبقاء، متهماً جمال مبارك، وأنس الفقى، بأنهما أعدا خطاب التفويض استناداً إلى ما سماه خلفيات وأجندات خاصة لا علاقة لها بدرامية الموقف، مؤكداً أنه ليس من المعقول تسليم مستقبل مصر لأحمد عز، الذى كان يخوض أولى تجاربه السياسية.وأضاف «السمان» فى حواره مع «المصرى اليوم» أنه كان يؤيد استمرار مبارك فى منصبه حتى نهاية ولايته، لإيمانه بأن وجوده كان سيعجل من عملية الإصلاح، معلنا عن تمسكه بما قاله فى حوار سابق حول أن القاعدة العريضة التى تضم الفقراء يرون أن مبارك يهتم بالبعد الاجتماعى، معتبراً أن ما حدث فى ٢٥ يناير الماضى، «انتفاضة شباب» قام بها سكان المدن، وليس ثورة، لافتاً إلى أنه لو كان فى مصر وقتها كان سيذهب إلى ميدان التحرير كصحفى وليس كثائر، مشيراً إلى أنه يفضل الاكتفاء بتعديل الدستور، فى الوقت الحالى ويشدد على انتخاب رئيس الجمهورية أولاً ثم تغيير الدستور ثم إجراء انتخابات برلمانية وفق الدستور الجديد، وإلى نص الحوار:■ بصراحة هل كنت ممن سعدوا بثورة شباب ٢٥ يناير، وتنحى الرئيس مبارك عن الحكم أم لا؟
- أولا أفضل تعبير «انتفاضة الشباب»، وذلك لكونها تلقائية، وتعتمد على موقع «فيس بوك» وغيره من سبل الاتصالات الحديثة، أما الثورة فتحتاج إلى وقت زمنى فى الإعداد والتنظيم، وتتطلب وجود قيادات، عموما أنا لم أسعد بسيناريو تنحى الرئيس، لأنه جاء نتيجة تناقضين، الأول أن كل خطوة من سيناريو التنحى منذ ٢٥ يناير حتى إعلان التنحى كانت دائما متأخرة زمنياً، والثانى: هو أن أجندة مطالب الشباب كانت تتطور بسرعة هائلة، وكنت غير سعيد بخطاب تفويض السلطات للسيد عمر سليمان فيما يتعلق بأسلوبه وانتقاء كلماته، لاسيما بعد أن سمعت أن كلاً من جمال مبارك، الأمين العام المساعد السابق للحزب الوطنى، وأنس الفقى، وزير الإعلام السابق، هما اللذان أعدا الخطاب بخلفيات وأجندات خاصة لا علاقة لها بدرامية الموقف، بل من يدرى لو أن خطاب التنحى فى نفس اليوم حل محل خطاب تفويض السلطات، كما كان متفقاً عليه مع الدكتور حسام بدراوى، لكان هناك احتمال أن جزءا مهماً من شرائح الشعب نزل إلى الشوارع مطالباً الرئيس بالبقاء حتى سبتمبر المقبل مع عدم الترشح لفترة جديدة، تماما مثلما حدث فى ٧ يونيو ١٩٦٧ مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعد نكسة وهزيمة مريرة ومهينة انتهت باحتلال كل سيناء.
■ قلت «ما كان متفقا عليه مع الدكتور حسام بدراوى» أى اتفاق تقصد، وهل اتفق الرئيس مبارك مع الدكتور حسام بدراوى على ضرورة التنحى؟
- حسبما وصل إلىَّ من معلومات أن الدكتور حسام بدراوى قابل الرئيس مبارك، واقترح عليه التنحى، إلا أنه فوجئ بخطاب تكليف السيد عمر سليمان بصلاحيات رئيس الجمهورية، ولهذا السبب قدم حسام بدراوى استقالته من أمانة الحزب الوطنى، لأن ما تم لم يكن ما هو متفق عليه.
■ بصراحة.. لو لم تكن فى جولة أوروبية فى نفس توقيت الثورة هل كنت ستنزل إلى ميدان التحرير؟
- كصحفى أسمع وأرى وأحلل.. نعم.
■ ولكن ليس كثائر على النظام؟
- أكذب لو قلت سأنزل كثائر.
■ فى حوار سابق لـ«المصرى اليوم» معك قلت إننا لو سألنا القاعدة العريضة من الناس سنجد أنهم يريدون استمرار مبارك فى الحكم، فهل مازلت عند قناعاتك الآن؟
- لدى الواقعية لأقول إن انتفاضة الشباب هى انتفاضة سكان المدن وليس الريف، الذى كان وما زال يمثل قاعدة عريضة من الشعب، وأن جزءا من فقراء مصر كان لديهم إحساس بأن مبارك كان يهتم بالبعد الاجتماعى وما زال يذكر اليوم الذى تصدى فيه مبارك ليوسف بطرس غالى، وزير المالية السابق، يوم عيد العمال، مطالبا بزيادة المكافآت وتم ذلك، ولكن كان الوزراء يغيرون جزءاً من التوجه الاجتماعى بعد ذلك، ولكن كل هؤلاء من القاعدة العريضة أعتقد أنهم كانوا سعيدين بأن الرئيس لن يترشح لفترة قادمة، لأنه على كل الأحوال إن ٣٠ عاما أجل طويل جدا.
■ وهل كنت شخصيا مع فكرة بقاء الرئيس حتى سبتمبر المقبل؟
- نعم وذلك فى بداية الأمور، لكن بعد أن تعقدت الأمور، وظهر رد الفعل العنيف تجاه خطاب تكليف عمر سليمان، شعرت بأن البلاد تذهب نحو مخاطر حقيقية، وأن على الرئيس التنحى الفورى، وسبب تمسكى بفكرة وجوده حتى سبتمبر المقبل كان لأننى أؤمن بأن وجوده سيعجل من عملية الإصلاح.
■ ولكن البعض كان يرى أن أى إصلاح فى وجوده لن يأتى بالنتائج المرجوة؟
- أنا كنت مؤمناً بأنه سيصلح ما أخطأه إيمانا منه بأن الدور قد انتهى.
■ هل تؤيد ما يقال حول أن تزوير انتخابات مجلس الشعب الماضية كان القشة التى قصمت ظهر البعير؟
- نعم دون شك الانتخابات الأخيرة كانت مهزلة حقيقية ومهانة لشعب مصر، فلم يتحدث أحد معى حتى المنتمون للأغلبية إلا وكرر لى عبارة: «هذه مسرحية مستحيلة البدايات والنهايات»، بل يشهد الله أن أحد المحافظين المحترمين فى الصعيد قد صارح السيدة سوزان مبارك بشعور الإحباط، الذى انتابه لأسلوب التعامل مع الانتخابات، والمعروف أن هذا المحافظ المحترم كان محل احترام القيادات العليا السياسية منها والعسكرية، فلم يكن يعقل أن يسلم مصير ومستقبل مصر السياسى إلى شاب كان يمارس أول تجربة سياسية له على المستوى القومى، وأقصد أحمد عز، أمين التنظيم السابق فى الحزب الوطنى، وأن يكون هو المتصرف الوحيد فيها، وأن تدفع مصر كلها ثمن الفاتورة، أنا على ثقة بأن النائب العام وقضاء مصر النزيه سيقتصون لحقوق مصر السياسية وسمعتها، التى أهدرت على يد أحمد عز، الذى صدق الجهاز الإدارى فى الدولة كله أنه يملك ويحكم، ولا راد لقضائه، ولديه حصانة ابن رئيس الدولة، مع قلة الخبرة والعناد المريض وخوف كثير من القيادات ليقولوا لهذا الشاب الطموح بجنون قف من أنت، إن ما أهدره أحمد عز بالجريمة السياسية فى الانتخابات هو فى رأيى أهم وأخطر من موضوع الحديد واحتكاره له.
■ لماذا تلقى باللوم الأكبر على أحمد عز وتتجاهل من أعطوه هذه الصلاحيات؟
- ألقى باللوم الأكبر على أحمد عز باعتباره كان مهندس الهزيمة الكبرى لمأساة ومهزلة الانتخابات الأخيرة، ولكن ليس سراً على أحد أن «عز» كان الذراع اليمنى ورجل جمال مبارك، فمسؤولية الاختيار تقع على جمال مبارك، الذى أعطاه هذه الصلاحيات فى غفلة من الزمن، وغياب روح مسؤولية الحكومة فى التصدى لاحتكاره إدارة الانتخابات بالأسلوب الذى يراه.
■ ومن مكن جمال مبارك من هذه الصلاحيات واختيار أعوان يرتعون فى البلد وكأنه عزبة خاصة؟
- المسألة لا تحتاج إلى عبقرية، فهو ابن رئيس الجمهورية، والنظام بأكمله قَبِل أن يجعل من لجنة السياسات نقطة محورية فى إدارة شؤون البلاد، وأصبح الانتماء إلى لجنة السياسات يمثل فى حد ذاته بداية الحصول على النفوذ.
■ ما رأيك فى التعديلات الدستورية؟
- ممتازة.. ولكن أفضل مراجعة الأولويات بأن نبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية أولاً، وذلك سيمهد إلى استقرار البلاد، ومن ثم يدعو الرئيس الجديد فور، توليه، إلى جمعية تأسيسية منتخبة تضع الدستور الجديد، مع ضمان مشاركة جميع فئات المجتمع، حيث يتم على أساسه انتخاب المجالس المحلية ومجلسى الشعب والشورى لضمان قوة هذه المجالس وديمقراطيتها فى المستقبل.
خاصة أن أى محاولة لإجراء انتخابات برلمانية الآن وسط الانفلات الأمنى فى الشارع المصرى قد تأتى بنتائج عكسية وقد تنتهى بتكتلات تؤدى إلى سوء اختيار الرئيس.
■ إلى إى الأنظمة تميل البرلمانى أى الرئاسى فى حكم مصر؟
- نظام برلمانى أى أن البرلمان هو سيد الموقف بالنسبة لكل السلطة التنفيذية، وهنا أقول بصراحة إن البرلمان يملك فعلا إمكانية إقالة الوزارة حينما يسحب الثقة، ولكن من الأفضل ألا يكون من سلطة البرلمان سحب الثقة من رئيس الدولة، ولابد من البحث عن معادلة للتوازن بين سلطة البرلمان وسلطة الرئيس، ليكون نظاما رئاسيا برلمانيا فى آن واحد.
■ ما رأيك فى طلبات بعض الثوار بتشكيل حكومة ائتلافية، وهل مصر مستعدة لتجربة من هذا النوع فى المستقبل أم أنها ستفتح باباً للخلاف بين القوى السياسية المختلفة؟
- لا أعتقد أن حكومة ائتلافية مع الخلافات الفكرية والعقائدية تكون على استعداد لمواجهة الموقف المطلوب فى مرحلة الانتقال، وأعتقد أن الأمثل أن تكون حكومة تكنوقراط، وأفضّل فيما يخصنى أن يبقى الفريق أحمد شفيق، رئيساً للوزراء، لأنه رجل تقنى، وحصل على ثقة غالبية الناس بأسلوبه الهادئ، إضافة إلى أنه من الضرورى أن يمثل عنصراً لاستمرارية ما بدأ فى مصر من مشروعات لن نهدمها بحجة أنها تقررت فى الماضى.
■ رغم أن الموقف حسم بإدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبلاد لفترة انتقالية، فإن البعض مازال يطالب بمجلس رئاسى مدنى به عضو من المؤسسة العسكرية يدير البلاد فى هذه المرحلة على ألا يترشح أحد أعضاء هذا المجلس للرئاسة فيما بعد، فما رأيك؟
- أفضل أن تبقى الأمور على ما هى عليه بالنسبة لمسؤولية الجيش عن إدارة شؤون الدولة أثناء المرحلة الانتقالية، وهذا ما سهل مثلاً عملية اتخاذ القرارات التى وردت فى البيان الخامس للقوات المسلحة الذى أكد احترام الاتفاقيات الدولية والذى كان من شأنه إغلاق الباب بالسرعة المطلوبة على كل المناورات الدولية التى عبرت بمبالغة عن قلقها بشأن اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وكذلك قرارات حل مجلسى الشعب والشورى، وتعطيل الدستور التى كانت فى حاجة إلى حسم قيادى، وليس نقاشاً فى مجلس رئاسى مدنى، أما بالنسبة للمجلس الرئاسى المدنى فلا أفضل أن يسمى «رئاسى» ولكن أن يكون هناك مجلس مدنى من عقلاء وخبراء مصر يستعين به المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى القرارات التى يتخذها.
■ وما مقترحاتك للخروج من المأزق الحالى؟
- الحل يكمن فى الديمقراطية الحقيقية التى هى توأم الحرية. لن أدخل فى تفاصيل القانون الدستورى، فإن ما سيتم من إصلاح دستورى بمعرفة علماء مصر سيكون حتماً بمثابة «ثورة تصحيح» تسمح بتحديد مدة بقاء الرئيس فى منصبه بما لا يتعدى مدتين، وإتاحة الفرص للترشح، وعودة دور القضاء للإشراف على الانتخابات، وأن يأتى مجلسا شعب وشورى جديدان لا علاقة لهما بتجار المخدرات وممارسى السلطة والبلطجة والمال، هذا على الجانب السياسى، أما على الجانب الشعبى فمطلوب صحوة ورغبة صادقة لحماية المجتمع، فقد حدث انهيار فى حياتنا اليومية وتسيب فى حماية المال العام، والأراضى، والمواطن، مع تزايد حدة «أساليب العنف والبلطجة» بأنواع مختلفة، إضافة إلى فوضى المرور التى جعلت من الشارع المصرى مسرحاً مأساوياً تصطدم فيه المركبات المختلفة ليسقط الضحايا بأعداد تزايدت حتى اعتدنا عليها، وكانت وسيلة التهدئة الأولى من جانب الحكومة هى تغيير وزير النقل بدلاً من علاج المشكلة من جذورها، ولا ننسى أننا نريد ضبطاً وربطاً يحمى أراضى الدولة، وأراضى الضعفاء من وضع اليد ممن لديهم النفوذ للاستيلاء على أراضى الدولة بالقوة فى غيبة من القانون لتتكون ثروات بأرقام فلكية لم تسجلها ذاكرتنا فى تاريخ مصر، كما نريد ضبطاً وربطاً داخل إمبراطورية الحكم المحلى التى مارس كثير من رجالها ثقافة الفساد، وثورة تصحيح داخل المدرسة والجامعة لنتوقف عن تخريج الجهل، وانعدام الثقافة، والبطالة من مؤسساتنا التعليمية.
ونريد أن يعود إلى «مصر المرأة» وجهها الحضارى فى عهد النهضة أيام صفية زغلول، وهدى شعراوى، وسيزا نبراوى، هؤلاء السيدات الفضليات اللاتى قدن ثورة تحرير المرأة، وأن يغيب من حياتنا النقاب المستورد من دول الجوار ليس لأسباب دينية لن أناقش صحتها، ولكن دفاعاً عن أمن المواطن والمجتمع حينما يصعب مضاهاة الوجه تحت النقاب مع الصورة الموجودة على بطاقة تحقيق الشخصية، نريد أن نحرر وجه مصر من مخاطر عصور الإظلام، وأن ندرّس تاريخ جيش مصر للشباب وكيف أنه يبنى ويعمر منذ محمد على باشا الكبير، وحتى أيامنا هذه بطرق أعطت لمصر وجها آخر بجانب عشرات المشروعات الأخرى الخدمية.
■ هناك من يرى أن الأفضل لرجال الأعمال فى المستقبل هو أن يظلوا رجال أعمال، فى حين يطلب البعض الآخر أن يتولى رجال الأعمال مسؤولية اجتماعية تجاه البلد.. فإلى أيهما تميل؟
- أولاً نريد توازناً بين الأهمية القصوى لتشجيع الاستثمارات والحاجة الملحة لحماية البعد الاجتماعى لصالح الفقراء ومحدودى الدخل، وليت أصحاب الثروات الذين عودوا آذاننا على أرقام جديدة تتحدث فقط عن المليارات ونسيت لغة الملايين- أخذوا من الغرب أمثلة راقية فى خدمة المجتمع وتعليمه وتثقيفه، فنرى المبالغ الضخمة التى وضعها روكفلر وفورد فى أمريكا، وفى مصر توجد مؤسسة محترمة هى مؤسسة «ساويرس».
■ أخيراً هل هناك إجراءات عاجلة يجب القيام بها فى الوقت الراهن؟
- أولاً: لابد من محاكمة سريعة وعاجلة للمسؤولين عن قتل شهداء ٢٨ يناير، وعن سوء معاملة الصحفيين الأجانب التى تسببت فى زيادة الحملة الشرسة من كل بقعة فى الخارج ضد النظام المصرى، ثانياً: أطالب شباب مصر بأن يتحولوا إلى قوة دافعة للوعى السياسى وحركة العمل والتنمية، ثالثاً: أقترح أن يقام فى ميدان التحرير نصب تذكارى يحج إليه شعب مصر يوم ٢٨ يناير من كل عام تحية للشهداء،
رابعاً: أطالب الوطنيين من أبناء هذه الأمة بأن يكتبوا وثيقة ويوجهوها إلى الرئيس الإيرانى، وحزب الله، والقيادات الأمريكية والأوروبية تؤكد أن مصر ستظل دائماً رغم كل الخلافات فى الرأى بين أبنائها تؤمن بمبدأ هو جزء من تاريخها «لن نقبل وصاية من أحد، قرارنا بيدنا تفرضه إرادتنا الحرة»، وأخيراً ضرورة إجراء مصالحة بين الشرعية الشعبية وقانونية النظام العام، وأن يعظم كل منا لغة العقل وألا يطلق العنان للمشاعر والعواطف.