بيدين مرتجفتين مجعدتين جداً أمسكت أم علي كوب الشاي ,الذي بدأ يتراقص بين كفيها, وبالكاد بقي فيه نصف الكمية لتوصلها لزوجها أبو علي ,ذاك الجالس بهدوء يضع رجل فوق أخرى, ونظارته القديمة على وجهه منهمكاً بقراءة الرواية الجديدة كالمعتاد .
سألها:كيف أصبحتِ أم علي ؟
أجابت: تمام ....وبسرعة صكّت فاهها وكأنها تريد أن تخبأ شيئاً ما.
عندها وبنفس اللحظة أزاحَ أبو علي نظارته للأسفل قليلاً تاركاً إياها معلقة بأذنيه فهي صديقة هذا الوجه المُعّتق لا تفارقه إلا في ساعات النوم , ونظَر إليها بدقة وابتسم .
وما أن رأتْ ابتسامتهُ حتى غضِبت وقالت له :
أتهزئُ مني ,,وأنتْ.. أنت ألم تُركّب طقم الأسنان الاصطناعي في السنة الماضية أفعلتُ بكَ ما تفعلهُ بي الآن ...
فضحكَ ضحكةً ملأت المكان ببحةِ أمراضهِ الصدرية جميعها .
وقال معاوداً الابتسامة الماكرة بعدما وضع كتابهُ جانباً منادياً إياها بصوتٍ مفعمٍ بالود, وقد أشارَ إلى المكان الذي بجانبه على الأريكة ,تعالي حبيبتي إلى هنا
جلستْ بالقرب منه وهي مترددة أن تنظر إلى عينيه .
فأدار بأصابعه الرفيعة النحيلة ذقنها الهرم ليصبح وجهها قبالةَ وجهه تقريباً.
وقال : لقد عشنا معاً خمس وأربعون سنة شهدنا فيها سوية كل الفصول التي أحاطتنا ,عشنا بها بألفتنا ببردها وحرها وحلوها ومرها ...أليس كذلك!
كما شهدنا معاً يا غاليتي فصولنا الداخلية معاً وأنا بغاية السعادة أني أشهد معك فصلنا الشتوي الأخير متمتعاً بدفء حبك .
أنتي جميلة بكل الفصول ودائماً كما عهدتك عيناي ,التي ترايا جمال روحك ,عندها ارتكت أم علي على كتفه راضية هانئة .
وأكمل العجوز العاشق ألا تريدين أن أقرأ لكِ الفصل الأخير من الرواية التي بدأناها معا ً.
فردتْ وصوتُ الحبِّ يسبقها أجل يا غالي .
_ونادى البطل العاشق ...يا بدرُ قفْ مكانك لا تتحرك فحبيبتي تمشّط شعرها الأشقر الجميل على ضوءك وأنا أريد أن أحتفظ بذاكرتي بتفاصيل تلك الصورة الرائعة ما حييت ...دعني أنظُر إليها بعمق _
عندها تذكرت أم علي شيئاً , وصححت جلستها ,وقالت له بسرعة :أبو علي على سيرة النظر اليوم موعدنا مع دكتور العيون ...فضحك الاثنان ضحكات ملأت المكان والجلسة صداً ماسياً جميل .
نعم إنه صدى الحب عندما يشيخ فيصبح كبيراً أكثر ...أعمق وأعتق
ذاك الحب الذي يجعلك بريقه لا تتمنى إلا أمنية وحيدة وهي ألا تموت إلا في زاوية من زوايا بيت يضم مثل هذا الحب .