صدر حديثاً عن
الدار العربية للعلوم كتاب «اقتل خالد» للكاتب والباحث الأسترالي بول
ماغوو (ترجمة مروان سعد الدين). وأنا لم أر الكتاب بعينيَّ. سألت في
مكتبات القاهرة عنه وقيل لم يصل. لكني قرأت عرضاً له في جريدة «الجريدة»
الكويتية. وهي جريدة جديدة ولكنها أثبتت نفسها بسرعة كبيرة تماماً مثل دار
النشر ناشرة الكتاب التي أصبحت الآن تتصدر كثيرًا من دور النشر رغم حداثة
عمرها. وكاتب العرض هو عبد الله أحمد من بيروت. والكتاب يدور حول المحاولة
الفاشلة لاغتيال القيادي في «حماس» خالد مشعل عام 1997، لن أذكركم
بالحكايات التي قلناها وقتها في جلساتنا الخاصة والعامة. وأنا عن نفسي لم
أكن أحب ترديدها ولا الجري وراء إغراء ما فيها من غموض وإثارة لإدراك أن
المستفيد الوحيد من كل هذا هو العدو الإسرائيلي الذي يؤسس أسطورته الخاصة
في وعينا. نعود إلي الكتاب فما هو مدون فيه أصدق مما أريد قوله.
يقول الكتاب: إنه في 25 سبتمبر (أيلول) من عام 1997، دس خمسة عملاء من
جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) السم لقائد «حماس» خالد مشعل في وضح
النهار في أحد شوارع عمان، وكان هؤلاء العملاء دخلوا الأردن بصفتهم سياحاً
بأوراق وجوازات سفر كندية. ودخل خالد مشعل في غيبوبة، تمكن الأمن الأردني
من القبض علي المتهمين من عملاء الموساد بعد أن اختبأ آخرون في السفارة
الإسرائيلية في عَمّان، ومن خطورة الموقف تم استدعاء قوات أردنية لمحاصرة
المشتبه.
تدهورت حالة مشعل الصحية بتأثير السم الغامض، ويتابع المؤلف حكايته قائلاً
إن الشرق الأوسط خشي من الأسوأ، عندما هدد الملك حسين بإلغاء معاهدة
السلام الموقعة قبل ثلاث سنوات مع إسرائيل في حال موت خالد مشعل، وأعلن
أنه إذا توفي الأخير ستموت عملية السلام معه، كذلك هدد الملك الأردني بشنق
عميلي الموساد.
لكن سلسلة من المفاوضات علي مستويات عالية، توسط فيها بيل كلينتون شخصياً،
أدت إلي تسليم الترياق المناسب والذي يواجه السم الذي تم دسه لخالد مشعل
أثناء سيره في أحد شوارع عَمَّان. حتي تتم عملية إنقاذ حياة مشعل.
الأداة غريبة، وهي سم من نوع خاص يمكنه قتل أي شخص في غضون 48 ساعة من دون
أي أثر يمكن الكشف عنه عند تشريح الجثة. وبعد نجاة مشعل إثر حقنه بالترياق
المضاد للسم الذي كان بحوزة عملاء الموساد أصبح رفقاء خالد يطلقون عليه
لقب «الشهيد الذي لم يمت»، وبعد إطلاق سراح العملاء والمحاصرين في السفارة
الإسرائيلية في عمان كان علي نتنياهو دفع ثمن الأزمة التي تسبب فيها مع
الأردن. فكان إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين المعتقل في السجون الإسرائيلية
آنذاك.
كانت هذه العملية مخالفة واضحة لاتفاق السلام الموقع بين الأردن وإسرائيل،
ويكشف مؤلف هذا الكتاب أنها جاءت بعد بضعة أيام من إرسال الملك حسين خطة
إلي رئيس الوزراء الإسرائيلي بخصوص هدنة مدتها 30 عاماً مع الفلسطينيين
تحظي بدعم جميع الفصائل الفلسطينية ومن بينهم «حماس»، وقد اعتبرت العملية
رفضاً فظاً وصريحاً للخطة، وعلي هذا الأساس جاء رد الملك حسين وحكومته
قاسياً وحاسماً. بعد ذلك تدخل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وتمت زيارات
سرية ليلية قام بها نتنياهو نفسه وشخصيات إسرائيلية بارزة من بينهم آرييل
شارون، فاتجهت الأزمة نحو الحلحلة.
أما بالنسبة لنتنياهو ، فكان هذا الموقف مدمراً للغاية، إذ كان شخصياً قد
وافق علي عملية الاغتيال في تحد للخطاب السري الذي أرسله الملك حسين قبل
ستة أشهر من ذلك وللمستشارين الأكثر حكمة داخل حكومته، وبهذا اكتشف الملك
أن نتنياهو «كان مخادعاً وغير أمين ولا يمكن الاعتماد عليه ألبتة»، وهو
رأي يؤكده مؤلف هذا الكتاب في أكثر من مكان، وكان من شأن تردي العلاقات مع
الملك حسين تقويض مصداقية نتنياهو بين زملائه والمواطنين، وساهم ذلك بصورة
مباشرة في هزيمته وانسحابه مؤقتاً من الساحة السياسية خلال أقل من عامين.
يمثل «اقتل خالد» وثيقة متكاملة عن محاولة اغتيال فاشلة وعواقبها غير
المتوقعة علي الشرق الأوسط وتعتبر القصة الأكثر دقة عن خالد مشعل و«حماس».
يوشك فاروق القدومي أن يشكل علامة استفهام في الخريطة الفلسطينية. بدأت
هذه العلامة تأخذ شكلها في أيام ياسر عرفات الأخيرة. فالرجل مسئول عن
السياسة الخارجية الفلسطينية ومع هذا تسلل لها كثيرون حتي في حياة ياسر
عرفات. أما بعد مجيء أبو مازن فلم نعد نذكر فاروق القدومي. الذي عقد
مؤتمراً صحفياً في عَمَّان أعلن فيه ما أعلنه، لكن ما لم يقله أبو اللطف
في مؤتمره أنه كان ينوي تفجير قنبلته من دمشق، لولا أن الإخوة هناك لم
يرحبوا بذلك. بل لم يقل أبو اللطف أنه فعل ما فعله في عَمَّان لأنه أخذ
الجميع علي غرة. أيضاً لم يذكر أن كثيراً من الأطراف العربية تعرف ما
قاله. وفضل الصمت. أيضاً لم يقل كيف وصلت إليه المستندات التي كانت معه.
ولم يشر من قريب أو بعيد إلي أن معه تسجيلاً صوتياً بصوت ياسر عرفات قبل
وفاته، يحكي فيه كيف دس له السم وكيف تم اغتياله. إنه لم يقدم القصة
باعتبارها وقائع موت معلن. أو اغتيال معروف سلفاً وهو عنوان رواية جميلة
من روايات جابرييل جارثيا ماركيز. أيضاً لم يتطرق إلي مواصلة الطريق في
هذا الموضوع، وهل يمكن أن يصل إلي جهات دولية لها حق التحقيق في الأمر أم
قد يتوقف عند هذا الحد؟
أعتذر أكثر من مرة عن أن ما كتبته يمكن أن يصب في خانة واحدة وهي تحويل العدو الإسرائيلي إلي كيان قادر علي أن يفعل بنا كل شيء.
بقلم يوسف القعيد من الدستور