أعلم من سيرة الرجل قبل الذهاب للحديث معه، أنه دبلوماسى حريص فى كلماته، ولكن يظل للحوار معه أهمية فى تلك الفترة الحرجة من تاريخنا فى مصر، تارة بحكم منصبه كرئيس للمجلس القومى لحقوق الإنسان، ومرة ثانية بحكم خبرته كسياسى مر بالعديد من المواقف على المستوى الدولى أو المحلى، وثالثة بحكم كونه أستاذاً لعلم السياسة وعلم نفس الشعوب والحكام.
ومن هنا كان الحوار مع دكتور بطرس غالى الذى لفت الأنظار إلى أن ما نلناه من حكومات كان يعبر عن حقيقتنا كشعب فاته هو الآخر أن يأخذ بأسباب الوعى. ويرى فيما شهدته مصر من أحداث مؤخراً، أن «تنظيماً خارجياً» ورائها. قد لا يقنعك حديث الرجل، لكنه يظل شهادة مسؤول عن أول جهة رسمية لحقوق الإنسان فى مصر.. وفيما يلى نص الحوار.
■ كيف تقيّم الوضع الحالى فى مصر سياسياً وحقوقياً؟
- أقيّمه فى إطار أوضاع سياسية كثيرة عاصرتها فى مصر بحكم منصبى كوزير للخارجية، وكمسؤول أممى سابق بصفتى الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق، وكثيرا ما قمت بتسوية نزاعات دولية بطرق سلمية.
■ ولكن النزاع هذه المرة ليس دولياً.. لكنه بين شعب ونظام؟
- لقد سبق لى تهدئة الأمور بين الثوار والطبقة الحاكمة فى السلفادور، وكان الصراع بين الشعب بغالبيته الفقيرة والنظام الذى كان يتحكم فيه الطبقة الثرية. وفى رأيى أن جوهر المنازعات واحد فى أى مكان، لأن الأساس اختلاف مصالح بين طرفين. لكن المشكلة فى مصر أصعب الأن والسبب أنك لا تستطيع تحديد الطرف الثائر، هل هو الشعب؟ مَنْ مِنَ الشعب؟ فى النزاع يجب أن يكون هناك طرف تحاورينه، ممثل للناس الغاضبة ينتخبونه لنعرف مطالبه.
■ لكن الشعب حدد مطالبه منذ اليوم الأول؟
- كل المطالب تم تنفيذها باستثناء مطلب الرحيل الفورى، وكثير من القانونيين يرون أنه لا يجوز انسحاب الرئيس بهذا الشكل المفاجئ.
■ يرى البعض أن ما تم إعلانه مؤخراً من إقصاء لبعض القيادات السياسية، مجرد إصلاحات حزبية لا يمكن أن نطلق عليها تعبير إصلاحات سياسية، ما تعليقك؟
- هذا رأى، ولكن رأياً آخر يرى أن ما تم يشكل تغييرات جوهرية، ورجل مثل دكتور حسام بدراوى سيغير الصورة كليةً لأنه قيادة تمتلك الكثير من الرؤى.
■ فى اعتقادك كأستاذ سياسة إلى أين تتجه بوصلة مصر الآن؟
- تتجه نحو الاستقرار رغم تكهنات البعض بغيابه، ولو لم يأت سيجوع المصريون. وألفت هنا النظر لأمر تشاغل عنه البعض يتعلق بتأثير ما يحدث الأن فى الاقتصاد والسياسة المصرية، فتلك المظاهرات ستؤثر على مصر فى ظل تراجع موارد أكثر من مصدر كالسياحة أو تحويلات العاملين فى الخارج أو التصدير.
■ البعض يرى أن ما قد ينجم من خسائر أقل بكثير مما تتكبده مصر بسبب الفساد.. ما رأيك؟
- لا أعتقد، لأن الأرقام الخاصة بالفساد غير معروفه بدقة لكن الخسائر محسوبة من الجهات المعنية. ولا يقتصر تأثير المظاهرات على الاقتصاد فحسب ولكنه يمتد للموقف الدولى. إسرائيل خائفة مما يحدث فى مصر لأن هناك تغييراً فى النظام المصرى ولا تعلم إلى أين تتجه السياسة المقبلة. لقد مكثت عامين أهدئ فيهم بعد موت السادات لإقناعهم بأن الرئيس مبارك لن يغير من سياسات سبق الاتفاق عليها، واللوبى الإسرائيلى أقوى لوبى فى العالم وله تأثير على السياسة الأمريكية التى هى تؤثر فى مصر.
■ هل كان أمام المصريين طريق آخر غير التظاهر بعد تجاهل مطالبهم ودعوات الإصلاح لسنوات؟
- كنا على علم بهذه الشكاوى، وكنا نرصدها ونحذر منها ولكن لم يكن أحد يقرأ ما نكتب. كما أننى أعتقد أنه حتى بعد تلك المطالبات بالحرية والعدالة وتغيير النظام لن تتحسن الأحوال والسبب الانفجار السكانى الذى سيبلغ فى غضون سنوات قليلة ١٠٠ مليون نسمة مازالوا محشورين فى ٥% من مساحة مصر، بالإضافة للتعليم الذى لم يقدم كوادر تستطيع القيادة فى الفترة المقبلة.
■ هل هى مشكلة شعب أم مشكلة حكومات؟
- لا أستطيع الفصل بين الحكومة والشعب، الحكومات متخلفة لأن الشعب متخلف. هناك تفاعل لابد أن يسود العلاقة بين الشعب والحكومة، ولو لم أجد كحكومة تفاعلاً من المواطنين فسأفشل وأفسد، لذا فما حدث فى مصر مسؤولية مشتركة بين الشعب والحكومة. إذا كان الشعب فاسداً فالحكومة فاسدة، وإذا كان الشعب متخلفاً فالحكومة متخلفة. بات لدينا تسيب فى أمور كثيرة، واذا أصررنا على تحميل النظام مسؤولية ما حدث بمفرده نكون مخطئين لأن الشعب المصرى كله مسؤول عما آلت إليه أحوال البلد.
■ بعد مرور ٨ سنوات على إنشاء المجلس القومى لحقوق الإنسان، كيف ترى تأثير المجلس؟
- يكفى أن كلمة حقوق الإنسان باتت تتردد فى الشارع والصحافة ولم تكن تعبيراً متداولاً، يكفى أن هناك مكتباً لشكاوى المواطنين وتحسيناً لصورة مصر فى هذا المجال فى الخارج.
■ يقال إن المجلس القومى لحقوق الإنسان مجرد هيئة أنشئت لتجميل صورة النظام؟
- هذا غير صحيح لأن المجلس أنشئ بناء على توصية من الأمم المتحدة ، ونحن تأخرنا فى تنفيذ التوصية.
■ ألا تشعر بفشل المجلس فى تحقيق الهدف منه؟
- فشلنا فى بعض الأمور لأن الحكومة لم تكن ترد علينا، وكم من دراسات ومجلدات درسناها بما فيها تعديل بعض مواد الدستور التى يتحدثون عنها الآن ولكن لم يلتفت لها أحد.
■ كيف تتحدث عن مجلس قومى لحقوق الإنسان وما له من تأثير، وقد شاهدنا تجاوزات الأمن مع المصريين فى المظاهرات منذ ٢٥ يناير؟
- كل شىء يأخذ وقته ونحن حاولنا ترسيخ مفاهيم كثيرة ولا تنسوا أن دورنا استشارى لا أستطيع أن أعاقب الحكومة، فقط أرصد ما يحدث وهذا ليس فى مصر فقط، ولكن هناك حكومات ١٠٠ دولة تفعل هذا، وسلاحى الوحيد نشر التقارير عبر معلومات موثقة. ثم هل تريدون أن يستوعب ٨٠ مليوناً، نصفهم أميون، مبادئ ومفاهيم حقوق الإنسان؟
■ كيف ترى تأثير مشاهد التجاوزات الأمنية تجاه المتظاهرين على صورة مصر التى تقول إن المجلس ساهم فى تحسينها؟
- سوف تؤخرنا ١٠ سنوات من حيث إعادة بناء صورة حضارية لنا فى الخارج، وهو ما سيكون له تأثير على الاستثمارات والسياحة.
■ هل تتفق مع الرأى القائل إن ما حدث فى مصر عدوى تونسية انتقلت إلينا؟
- بالطبع لا، لقد درست فى تونس واقتربت من التونسيين واكتشفت أن الطالب التونسى بحكم إتقانه الفرنسية والعربية منفتح على ثقافات العالم، ومستواه أعلى ٥٠ مرة من الطالب المصرى الذى لا يعرف طريقه للمكتبة إلا حينما يريد الاستذكار، كما لا أستطيع مقارنة ٨٠ مليون مواطن مصرى بـ ٨ ملايين تونسى، وأخشى القول إن المصرى بات يتصف بالكسل وقلة العمل.
■ كيف تفسر استمرار مظاهرات التحرير حتى اليوم؟
- لا أعرف تفاصيل مظاهرات التحرير ومن وراءها، ولا أراها إلا جماعة بلا قائد أو مسمى.
■ الشعب المصرى وراء تلك المظاهرات، هل تشكك فى قدرة المصريين على الانتفاضة أو التظاهر؟
- فى رأيى أن هناك تنظيماً أجنبياً وراء تلك الأحداث، قد يكون جناحاً شيوعياً أو وهابياً أو شيعياً أو صهيونياً يريد إضعاف النظام لمجىء نظام أكثر ضعفاً، لا أعلم. هل تريدون إقناعى بأن اندلاع المظاهرات فى جميع أرجاء مصر وفتح السجون وحرق الأقسام فى توقيت واحد كل هذا بفعل الشعب المصرى؟ من فتح السجون لتسود الفوضى؟
■ هناك شهادات لضباط وفيديوهات تم بثها لمسؤولين فى الأمن بالسجون فتحوا الأبواب وطلبوا من المساجين الهرب وبسرعة؟
- الكل يقول إن الأمن هو من فعل هذا، والسؤال من أعطى الأوامر للأمن لفعل هذا؟ هناك مؤامرة.
■ ألا ترى أنها كارثة لو سلمنا بخيانة الأمن الداخلى لمصر، وأنه شريك فى مؤامرة خارجية؟
- قد يكون خائناً لا أعرف.. لكن هناك ملابسات يجب معرفتها لنتمكن من الوصول إلى حل.
■ هناك الكثير من الأحاديث عن سيناريوهات خروج للرئيس المصرى آخرها ما ذكرته مجلة «ديرشبيجل» حول رحلة علاج طويلة لمبارك فى ألمانيا.. هل تعتقد فى إمكانية هذا؟
- لا أعتقد، لأن هناك تمسكاً مصرياً رسمياً بعدم خروج مبارك، وتمسكاً آخر بأن تصدر القرارات من مصر، وتلك عقلية مبارك، هو يعلم أنه سيذهب، ولكن هو من يحدد متى وإلى أين يكون الذهاب. قد يكون على خطأ أو يكون على حق لا أعلم.
■ لو كنت صاحب نصيحة بما تنصح المسؤولين والمتظاهرين؟
- أطلب منهم الهدوء، كلا الفريقين بحاجة إلى هدوء للوصول الى تفاهمات، وبالهدوء يستطيع الطرفان إقناع الحاكم بأن يرحل قبل شهر سبتمبر بشكل يناسب عقليته العسكرية.
■ بعض القريبين من دوائر صنع القرار يخشون من مطالبات بمحاكمة الرئيس مبارك، هل يمكن هذا؟
- لا، لأنه يستطيع الرحيل على متن أى طائرة، لأى بلد فى أى وقت، كما أنه لم يرتكب جرائم إبادة جماعية ضد شعبه، والموقف يختلف عن حاكم تونس لأنه كانت هناك سرقات وتجاوزات مالية.
■ لكن «الجارديان» نشرت قائمة بممتلكات الرئيس وعائلته، كيف تراها؟
- «الجارديان» تكلمت عن ٤٠ بليون دولار، كيف تكونت كل هذه الثروة؟ أشك فى ذلك
