1607
أنواع المستوطنات
بعد أن وجدت المستوطنة الإنكليزية (جيمس تاون) في فرجينيا عام 1607، صنفت مستوطنات إنكلترا إما على أساس شراكة ، أو ملكية (تابعة لملك إنكلترا)، أو تابعة لملكية خاصة. ففي المستوطنات القائمة على الشراكة ، فإن القرارات المتخذة تكون من قبل الشركة المؤسسة لهذه المستوطنة، وعادة ما تكون هذه الشركة عبارة عن مجموعة من المستثمرين يشترون أسهماً فيها بهدف الربح إما من التجارة أو من الإنتاج المحلي للمستوطنين كما هو الحال في الربح من المحاصيل الزراعية. وأما المستوطنات الملكية فتابعة للعائلة الحاكمة، ويشرف عليها حاكم أو مجلس يعيّنه الملك أو غيره من العائلة الحاكمة. وأما المستوطنة التابعة لملكية خاصة، فقد كانت تعطى لأفراد أو لمجموعة من الأفراد يتصرفون فيها كما يشاؤون بشرط ألا يكون بينهم وبين بريطانيا أو القانون البريطاني أي خلاف أو تعارض.
جيمس تاون – فرجينيا
أسست شركة لندن أول مستوطنة إنكليزية دائمة في جيمس تاون James Town، فرجينيا. وصلت ثلاث سفن من بريطانيا تحمل على متنها مائة من الرجال ، وأرفأت هذه السفن في خليج يدعى تشيسابيك Chesapeake وذلك في 6 مايو عام 1607.
موقع جيمس تاون
اتفق المستوطنون الجدد على أن يقيموا مستوطنتهم الجديدة على نهر "جيمس" وعلى بُعد 40 ميلاً من مصبه في خليج تشسابيك، وقرروا أن يسموا هذه المستوطنة "بلدة جيمس" تكريماً لاسم ملكهم آنذاك جميس الأول. بدأ هؤلاء المستوطنون ببناء حصن لهم ، وأكواخ جعلوا سطوحها من القش، ومخازن، وكنيسة. لقد جاء هؤلاء الرجال يلهثون وراء الذهب في هذه الأراضي الجديدة، لكن خيبة الأمل كانت في انتظارهم عندما تيقنوا بعدم وجوده في المكن الذي هم فيه، ولهذا تحول معظهم إلى فلاحين تعساء. لم يستطع هؤلاء المستوطنون أن يستفيدوا من الغابات الكثيفة حولهم لعدم خبرتهم في استغلالها، وبالتالي عدم الاستفادة من أسماكها والحيوانات فيها. ولولا أنهم كانوا يعتمدون على المؤن التي معهم والمؤن التي كانت تأتيهم من إنكلترا بغير انتظام لماتوا جوعاً. لكنهم استطاعوا أن يجدوا طريقة أخرى للبقاء وهي التبادل التجاري مع الهنود المقيمين في المنطقة حولهم والذين علموهم كيف يزرعون الذرة.
استطاع الكابتن جون سميث، وهو عضو في المجلس الحاكم في للمستوطنة، أن يفرض نظاماً قاسياً على المستوطنة، وأعلن أنه من لا يعمل لا يأكل. استكشف جون سميث منطقة تشسابيك ووضع لها خريطة (انظر الصورة في الأسفل)، ولولا جهوده لما استمرت جميس تاون في البقاء.
الخريطة التي وضعها جون لمنطقة تشسابيك
إن نجاح تجربة الإنكليز بفرجينيا يرجع إلى زراعة التبغ وتصديره إلى أوروبا.
1620
الحجاج الإنكليزفي عام 1620 أبحرت سفينة إنكليزية تدعى (Mayflower زهرة أيار أو زهرة مايو) تحمل على متنها العديد من المتدينين الإنكليز من جماعة الانفصاليين أو المتطهرين الذين قرروا قطع ارتباطهم بالكنيسة الإنكليزية. كانت وجهة هؤلاء جميس تاون المستوطنة الإنكليزية بفرجينيا في العالم الجديد. بعد أن زارت السفينة هولندا اتجهت صوب المحيط الأطلسي تشق أمواجه إلى أن واجهتها عاصفة حرفتها عن مسارها وألقتها على شواطئ منطقة رأس القد (Cape Cod). بعيداً عن قانون أي حكومة، توصل 41 رجلاً من هؤلاء الحجاج إلى اتفاق رسمي في 21/11/1620 بأن يلتزموا بالقوانين التي وضعها القادة المنتخبون منهم، وعرفت هذه الاتفاقية باسم (ميثاق زهرة أيار Mayflower Compact).
نسخة ميثاق زهرة أيار
في أول شتاء قضاه هؤلاء المستوطنون في منطقة (ميناء بليموث) هلك أكثر من نصفهم بسبب الأمراض والتعرض لعناصر الطبيعة. لكن خلاص هؤلاء جاء عن طريق هنود قبائل (وامبانوَغ) والتي عرفت فيما بعد باسم (ناراغانست)، وبالذات عن طريق رجل هندي اسمه (اسْكوانتو Squanto) الذي علم الإنكليز زراعة الذرة. وفي خريف عام 1621 أنتج المستوطنون كميات جيدة من محصول الذرة، وتجارة فرو مربحة، وخشب للتجارة.
1633
المستوطنات الأخرى بإنكلترا الجديدةالمستوطنات الأخرى بإنكلترا الجديدة لها بدايات مختلفة. فمنطقة كونكتكت Connecticut استوطنتها في سنة 1633 مجموعة من الإنكليز جاؤوا من مدينة بليموث بإنكلترا تحت قيادة رجل يدعى توماس هوكر. نظم هؤلاء المستوطنون وغيرهم مستوطنة كونكتكت ذات الحكم الذاتي في عام 1637. مساحات من الأرض – والتي تحتل الآن منطقة ولايتي نيوهامشر ومين - أعطيت للسير فيرديناند جورجس والكابتن جون ماسون في عام 1622. قسمت هذه الأراضي في عام 1629، حيث أخذ ماسون القسم الجنوبي وسماه "نيوهامشر". لكن الاختلاف مع قبائل الماساتشوستس حول ملكية الأرض أصبح أمراً صعباً. في عام 1679 أصبحت "نيوهامشر" مستوطنة مَلَكية، لكن منطقة "مين" Maine انضمت إلى منطقة ماساتشوستس Massachusetts في 1691. في 1664، سيطر الإنكليز على المنطقة التي استقر فيها الهولنديون والتي كانت تعرف باسم "نيوأمستردام" (وأطلِق عليها فيما بعد اسم نيويورك). أما منطقة "نيوجرزي" فقط أعطيت للسير جرج كارترِت واللورد جون بيركلي في عام 1664، وانتقلت إلى العديد من المُلاّك إلى أن أصبحت مستوطنة مَلَكية في عام 1702.
خريطة توضح استيطان الأوروبيين في أمريكا الشمالية قبل عام 1700
1630
من تلك المستوطنات الجديدة مستوطنة "خليج ماساتشوستس". في عام 1630 استقلت مجموعة من المستوطنين ست سفن على رأسها جون وينثروب متجهة إلى أمريكا. ثم تبتعها 17 سفينة أخرى قبل نهاية العام. كان هؤلاء "المتطهرون" يريدون أن يكونوا "كالمدينة على تل مرتفع" وقد مر معنا ذكر هذا. وقد كان يأمل هؤلاء بتطهير كنيسة إنكلترا من بقايا الديانة الكاثوليكية ، حيث أنهم كانوا يعتقدون أنهم جزء من رسالة إلهية. وعندما استقرت بهم الحال ما لبثوا أن أسسوا حكومة ثيوقراطية تقودها "هداية إلهية".
1635
أصبحت ماساتشوستس محطة انطلاق الاستيطان في إنكلترا الجديدة. ومع أن حركة "المتطهرين" ارتبطت بحركة "الحرية الفردية" إلا أن قادتها وأتباعها لم يكونوا متسامحين مع غيرهم من أتباع المذاهب النصرانية الأخرى. وهذه – برأيي – مشكلة ما زال يعاني منها المجتمع الأمريكي خاصة: فالحرية هي على الطريقة الأمريكية ، والديمقراطية على الطريقة الأمريكية ، والنصرانية على الطريقة الأمريكية... فهؤلاء يعتقدون أن الله اختارهم دون غيرهم من البشر لقيادة الناس على طريقتهم الخاصة!
عندما اعترض واعظ شاب – اسمه روجر وليام – وتساءل عن شرعية مستوطنة ماساتشوستس – حيث أن أرضها لم تكن قد ابتيعت من السكان الأصليين – وأشار إلى أن حكومة المستوطنة ليس لها الحق في فرض معتقد واحد متجانس على سكانها ، طُلِبَ منه أن يغادر في عام 1635. وفعلاً ، ترك روجر مستوطنة ماساتشوستس متجهاً إلى منطقة "بروفيدنس" (في ولاية رود آيلاند Rhode Island الحالية) حيث أسس مستوطنة بروفيدنس على رأس خليج ناراغانست، وأصبحت ولاية رود آيلند – فيما بعد – أول مستوطنة تشرع الحرية الدينية الحقيقية.
1669
أثناء الحرب الأهلية الإنكليزية (1642-1645) تُرِكَت المستوطنات في العالم الجديد تتدبر أمرها لوحدها ، فعمدت المستوطنات الجديدة (خليج ماساتشوستس، و بليموث وكنكتكت ونيوهيفن) بتكوين اتحاد إنكلترا الجديدة لحمايتهم ، وذلك في عام 1643. وبعد إعادة تشارلز الثاني إلى عرش إنكلترا وهب منطقتي كارولينا الشمالية والجنوبية لثمانية لوردات. وفي 1699 أبحرت ثلاث سفن من لندن مع 100 مستوطن على متونها لتسكن في منطقة كارولينا الجنوبية. استقر هؤلاء على ضفاف نهر آشلي، وسموا المستوطنة ببلدة تشارلز، ثم أصبحت بعد ذلك تدعى تشارلستون. بقيت المستوطنة في الموقع الأصلي من عام 1670 إلى 1680 قبل أن تنقل إلى "أويستر بوينت" الملطة على ميناء تشارلستون. سلم ملاك أراضي كارولينا حقوق الحكم إلى التاج الإنكليزي في عام 1719.
1681
أما بنسلفانيا فقد أعطيت لوليام بن William Penn وهو من جماعة الكويكر Quakers. وعندما ورثه ابنه وليام (أيضاً) عام 1681 تابع سيطرته على المنطقة التي يعيش فيها مستوطنون من أصول هولندية وسويدية وإنكليزية. وفي نهاية عام 1681 كان قد حل في بنسلفانيا حوالي ألف من المستوطنين ، معظمهم من جماعة الكويكر. وقد سمى وليام بن منطقة ملتقى النهرين ، نهر دلوير ونهر سكويكل، باسم فيلادلفيا ، وتعني: مدينة الحب الأخوي. وأما المنطقة التي تعرف باسم "دلوير" فقد أعطيت لوليام بن في عام 1682 وبقيت جزءً منها حتى سنة 1701 حيث اختارت مجلساً خاصاً فيها ، وهي الآن من الولايات الأمريكية.1681
جماعة الكويكر (الكويكريون أو "الهزَّازون") Quakers
اسم هذه الجماعة في الأصل هو "جمعية الأصدقاء الدينية" Religious Society of Friends لكنها اشتهرت باسم "كويكرز" ومعناها "الهزَّازون أو المرتعشون". تأسست هذه الجماعة في إنكلترا في القرن السابع عشر على يد أناس لم يكونوا منسجمين مع المذاهب النصرانية المتواجدة في ذلك الوقت ، وكانوا معارضين للكنيسة الإنكليزية ، حالهم كحال "المتطهرين" الذي وجدوا في أمريكا ملاذاً لهم . ولا ننسى أن نذكر هنا أن أوروبا بشكل عام كانت تمر بقرن الثورة – ليس بالضرورة الثورة السياسية – وإنما الثورة العلمية والتغيير الديني (بالإضافة إلى الحرب الأهلية التي اشتعلت في إنكلترا 1642-1645)، فقد بدأ مفكروها بمعارضة أفكار الفلاسفة الأوائل من أمثال أرسطو وغيره، وبالتشكيك في "مسلّمات" عصرهم الذي كانت تحتكره الكنيسة الكاثوليكية... هذه كله أدى إلى وجود معارضين للسلطة والكنيسة والتقاليد، ومن هنا نشأت جماعة الهزازين.
من أهم مميزات هذه الجماعة: المسالمة، وعدم اكتراثهم بدرجات الكهنوت النصراني، وإيمانهم بمنح الحريات الدينية لغيرهم من الجماعات ، والمساواة بين الرجل والمرأة (حسب مفهومهم).
1689
حرب الملك وليام (1689-1697)
تكلمنا سابقاً عن علاقة الهنود – سكان أمريكا الأصليين – بالأوروبيين ، ونقول هنا بأن الأوروبيين نقلوا صراعهم من قارتهم إلى العالم الجديد ، فكانت حرب الملك وليام هي أول حروبهم ، وهي أول حروب الفرنسيين والهنود مع المستوطنين الإنكليز. وقد بدأت هذه الحرب في أوروبا بين ملك فرنسا لويس الرابع عشر وملك إنكلترا وإيرلندا وليام الثالث (وكان هذا الأخير متحالفاً مع الهولنديين والإسبان). في هذه الحرب – في أمريكا - تحالفت قبائل "هورون Huron" الهندية مع الفرنسيين ضد الإنكليز ، وكانت عبارة عن مناوشات بين الفريقين وكانت حول بعض المواقع في خليج هدسون (في كندا) حيث سقطت هذه المواقع بيد الفرنسيين كما سقطت منطقة (نيوفاوندلاند) من قبل. وشجع الفرنسيون حلفاءهم الهنود على الجبهة بالهجوم على "شنيكتادي" (بلدة شمال مدينة نيويورك حالياً) في عام 1690، وقتلوا كل سكانها ما عدا 60 شخصاً، وعرفت هذه الحادثة بمذبحة شنيكتادي.
انتهت هذه الحرب بعد عقد هدنة "رايسويك Ryswick" بين الطرفين في عام 1697 حيث نصت إلى عودة المستعمرات إلى وضع ما قبل الحرب. وكانت من نتائجها أيضاً الاعتراف بوليام الثالث ملكاً على إنكلترا ، وتنازلات وافقت عليها فرنسا للتجار الهولنديين ، والاعتراف باستقلال إقليم سافوي (في جبال الألب شرقي فرنسا).