[size=24]ستة
وخمسون عاماً مضت على ارتكاب واحدة من أبشع وأفظع جرائم العصر من قبل قوات
الجيش النظامي الصهيوني الغاشم في مدينة العلماء والشهداء والمناضلين ،
خان يونس الأبية البطلة أرض الفداء والتحدي . إن هذه المجزرة التي ارتكبت
بحق المدنيين العزل - الذين لا حول لهم ولا قوة – بعد مرور ثماني سنوات على
نكبة عام 1948 ، وراح ضحيتها المئات من أبناء المدينة الباسلة ،إضافة إلى
شهداء من الجنود المصريين ، حيث قامت القوات الإسرائيلية بدخول المدينة بعد
اجتياح قطاع غزة إبان العدوان الثلاثي على مصر الشقيقة ، واستمرت المجزرة
عدة أيام وهذا ما يميزها عن غيرها من المجازر التي كانت تستمر لعدة ساعات
وتنتهي ليلاَ . بدأت المجزرة في 3/11/1956 واستمرت حتى 12/11/1956، قام
الاحتلال بإخراج الناس في وضح النهار عبر مكبرات الصوت واقتادوهم إلى
الجدران ثم أطلقوا عليهم وابل من الرصاص دفعة واحدة فقتلوهم بدم بارد ولم
يميزوا بين طفلٍ أو شيخٍ أو شابٍ أو عجوز، فسقط في هذه المجزرة المئات من
أبناء خان يونس . مرتكبي الجريمة كانوا من الجيش النظامي مما يوضح أنه لا
فرق بينهم و بين رجال العصابات ، فالكل مجرم وقاتل ومصاص دماء للفلسطينيين
. من المؤسف القول :أن هذه المجزرة رغم أن شهدائها فاقوا شهداء مجزرة كفر
قاسم عشرة أضعاف ، وضعف شهداء مجزرة دير ياسين إلا أنها أهملت ولم تلق
الاهتمام الذي حظيت به المجازر الأخرى من قبل باحثينا وكتابنا ومفكرينا
باستثناء القلة منهم ، وهنا نسجل تقديرنا البالغ للمرحوم د. إحسان الأغا
الذي أخذ على عاتقه عبء التأريخ لهذه المجزرة البشعة في كتابه " مجزرة خان
يونس " الذي نشره عام 1997 . يذكر المرحوم :" أن اليهود ارتكبوا أنواع
عديدة من القتل على أرض خان يونس منها القتل الجماعي وهو قتل دون تمييز ،
كما حدث في مذبحتي التموين شرق المدينة ، وأيضا كان يتم تجميع الشباب وحدهم
من البيوت في منطقة معينة ، وبعد إخراجهم من بيوتهم يتم قيادتهم إلى أماكن
واسعة مكشوفة في مواقع بارزة ويتم تنظيمهم في طابور ووجوههم إلى الحائط
وإطلاق النار عليهم دفعة واحدة أو بالدور" . ويقول د. محمد الفرا : " كل
المذابح على أرض فلسطين 1956 حدثت في الليل أو المساء إلا خان يونس، كانت
في الصباح وفي وضح النهار". وأشار إلى أن" المذابح الأخرى قامت بها عصابات
الأرجون وإشتيرن والهاغانا إلا خان يونس وكفر قاسم فمارستها حكومة
الاحتلال" ويقول : " إنه في يوم 3/11 /1956 كانت ذروة القتل في المنطقة
الشرقية : خزاعة وعبسان وبني سهيلا وفي المدينة وفي المعسكر. وفي يوم
4/11/1956 كانت ذروة القتل في منطقة الزنة "الفيايضة" و منطقة القرارة ،
وفي 5/11/1956 وصلت إلى منطقة المواصي وتل ريدان على شاطئ بحر خان يونس ".
بلغ عدد الشهداء 500 فلسطيني إضافة إلى مئات الجرحى واختلفت الروايات حول
العدد الحقيقي للشهداء فهناك من يذهب بالقول :أن العدد وصل إلى 1000 شهيد
وآخر يقول 1600. على أية حال تجمع كل الإحصائيات على أن العدد فاق
الخمسمائة . استمرت المدينة ترزح تحت نير الاحتلال البغيض من 3/11/1956 حتى
6/3/1957 أي حوالي 120 يوم من المعاناة والقهر والذل والبطش الصهيوني إلى
أن جاء موشيه دايان للإشراف بنفسه على الانسحاب ، وفي اليوم التالي دخلت
قوات الطوارئ الدولية ، حيث فرض منع التجوال على المدينة لإفساح الفرصة
للقتلة للانسحاب منها . لم تكن هذه المجزرة سوى حلقة في سلسلة المجازر
الفظيعة التي ارتكبت بحق أبناء شعبنا ، ونقول مهما بطش الاحتلال فينا فإن
ذلك لن يفت في عضدنا بإذن الله مادام فينا طفل يرضع وإن هذه المجزرة وغيرها
لن تزيدنا إلا قوة وتماسك وتشبث في أرضنا وأن الشعب الفلسطيني لن ينسى
تراب بلده المقدس عبر السنين مخيبين آمال وأوهام العدو الذي قال على لسان
قادته " إن الكبار يموتون والصغار ينسون ولم تغدو ثمة مشكلة " كلام عارٍ عن
الحقيقة بعيد عن الواقع لأن من اعتقد أن الذاكرة الفلسطينية ضعيفة فهو
واهم ولا يعرف طبيعة الشعب الفلسطيني الذي لن ينسى شهدائه وأرضه مادام على
هذه الأرض الطيبة. أخيراً نؤكد على أن الحقوق لا تنسى بالتقادم .المجد
والخلود لشهدائنا الأبرار... عاش الشعب الفلسطيني الأبي ... عاشت فلسطين
حرة عربية وعاصمتها القدس الشريف.
